الأوضاع الحالية التي يعيشها الاقتصاد العالمي تنبئ بتغييرات عنيفة ربما يكون ما بعدها أهم بكثير مما كان قبلها، رغم ضخامة ما نعيشه حاليا سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي.
صحيح أن حرب أوكرانيا غيرت خريطة التحالفات، وأثرت على التجارة بين الدول وتهدد العولمة التي ترسخت منذ عقود، إلا أن مستقبل هذه الحرب ومآلاتها غير معروفة ولا يمكن التنبؤ بها، وهذا يلقي بظلاله على التوقعات الاقتصادية.
مدير عام مجموعة بوسطن الاستشارية، نيكولاس لانج يرى أنه "بعد ما يقرب من 30 عامًا من بيئة تجارية آمنة نسبيًا، نحن في خضم ديناميكية جديدة بين الشرق والغرب، مع مجتمع تقوده الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ونظير من الصين وروسيا، إلى جانب احتمال ظهور مجموعة ثالثة".
المجموعة الثالثة المنتظرة لا يمكن أن تخرج بشكل طبيعي وعادي، وإنما في ظل ظروف غير طبيعية واستثنائية، قد تكون حروب عالمية كما يتنبأ بها البعض وإن كنت أرى أن القوى الموجودة تقدر خطورة حدوث مثل هذه السيناريوهات وتكلفتها على الكوكب بأسره.
العالم والمؤرخ الفرنسي "إيمانويل تود" يرى أن الحرب العالمية الثالثة بدأت بالفعل. أيضا وزير الخارجية الأميركي الأسبق يرى أن النزاع في أوكرانيا له أوجه تشابه مع عام 1914 عندما انزلقت القوى الكبرى دون قصد إلى حرب عالمية. إلا أنه شدد خلال حديثه في المنتدى الاقتصادي العالمي في "دافوس" على أهمية تجنب عدم الاستقرار في هذه الدولة الكبيرة النووية – يقصد روسيا-.
وعلى عكس الفكرة السائدة بأن روسيا لديها ما تخسره أكثر من خصومها الليبراليين، فقد دخل الغرب أيضًا في صراع "وجودي"، وفقا للمؤرخ الفرنسي تود.
هذا الصراع حتما يلقي بظلاله على التوقعات الاقتصادية للعام 2023، فالحرب حتى وإن بدأت إقليمية إلا أنها سرعان ما تتدحرج وتكبر، وأميركا لا يمكنها الانسحاب من الصراع بعد نحو عام من الدعم والمساندة اقتصاديا وعسكريا.
مجموعة بوسطن الاستشارية تتوقع مع اتساع وتيرة الحرب الباردة بين أميركا وأوروبا من جهة والصين من جهة أخرى أن تتقدم الهند وتتراجع أوروبا، وأن يتوسط معدل التوسع السنوي للتجارة العالمية 2.3% حتى عام 2031، مقارنة مع زيادة في الناتج المحلي الإجمالي العالمي بنسبة 2.5% في المتوسط كل عام خلال نفس الفترة. وقد تتواصل معاناة أربع سلاسل إمداد رئيسية جراء الحرب، وبفعل التوترات المتزايدة بين الولايات المتحدة والصين وهي الطاقة، الزراعة، المعادن الصناعية وأشباه الموصلات، وكل هذا له تأثيرات اقتصادية كبيرة.
"ساكسو بنك" ذهب بعيدا عن كل هذه التوقعات، وكشف في ديسمبر الماضي عن آفاق ترتقي إلى "أجواء حرب". حيث توقع ارتفاع أسعار الذهب إلى 3 آلاف دولار، واستمدّ في تقريره توقعاته من أوجه التشابه بين وضع القارة الأوروبية اليوم والمشهد الذي اختبرته في بداية القرن العشرين.
التوقعات السلبية تعكس حالة الضبابية التي يعيشها العالم، ليس على صعيد التوترات الجيوسياسية وأجواب حرب أوكرانيا فقط، ولكن على مستوى معدلات التضخم ورفع أسعار الفائدة، والإجراءات الحمائية بين الصين وأميركا وما لها من تداعيات على التجارة الدولية، لتبدو الأجواء الاقتصادية في مجملها "ملبدة بالغيوم"!.
