برفيز مشرف: من حكم باكستان إلى مواجهة الحكم بالإعدام ثم الموت في المنفى

صدر الصورة، Getty Images

تميزت الحياة السياسية لبرفيز مشرف، آخر حاكم عسكري لباكستان الذي توفي عن 79 عاما، بأنها حافلة بالتناقضات.

بعد الاستيلاء على السلطة في انقلاب عام 1999، نجا مشرف من محاولات اغتيال عديدة، ووجد نفسه على خط المواجهة في الصراع بين الإسلام المتشدد والغرب.

والجدير بالذكر أنه شكل تحالفا مع الولايات المتحدة، متذرعا بأن واشنطن ساعدته في تحديث باكستان وتحسين الاقتصاد.

لكن بحلول عام 2008، خذلت صناديق الاقتراع مشرف، وأُجبر على ترك منصبه. وقد انتهت مسيرته السياسية بالخزي والاعتقال، وحُكم عليه بالإعدام غيابيا بتهمة الخيانة في عام 2019.

سُمح له بمغادرة باكستان في عام 2016 لتلقي العلاج الطبي، مما يعني تعذر تنفيذ الحكم الذي صدر لاحقا، لكن الحكم كان بمثابة أول صفعة للجيش الذي حكم البلاد لفترات طويلة.

في يونيو / حزيران عام 2022، وبعد انتشار إشاعات عن وفاة مشرف في دبي، أعلنت عائلته أن هناك فرصة ضئيلة لتعافيه من فشل أعضاء متعدد ناجم عن إصابته بمرض نادر.

البدايات

ولد برفيز مشرف في دلهي في 11 أغسطس/ آب 1943، لكن عائلته انضمت إلى ملايين المسلمين الآخرين في باكستان حديثة النشأة حينها، بعد تقسيم الهند عام 1947 إبان انتهاء الحكم البريطاني.

تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

تغيير بسيط: ما علاقة سلة مشترياتك بتغير المناخ؟

الحلقات

البودكاست نهاية

وقد التحق بالمدارس في كراتشي ولاهور قبل الالتحاق بالأكاديمية العسكرية الباكستانية عام 1961.

خدم في الحرب الهندية الباكستانية عام 1965 وفي الصراع الثاني بين البلدين بعد ذلك بخمس سنوات، وفي ذلك الوقت كان قائد سرية.

وترقى مشرف إلى منصب قائد الجيش عام 1998، خلفا للجنرال جيهانغير كرمات الذي استقال من المنصب بعد يومين من دعوته لمنح الجيش دورا رئيسيا في عملية صنع القرار في البلاد.

واعتبر العديد من المراقبين الاستقالة حينها على أنها إشارة واضحة على أن السلطة السياسية لرئيس الوزراء نواز شريف أصبحت قوية بما يكفي لتأمين مستقبل الإدارات المدنية على المدى الطويل.

في أكتوبر/ تشرين الأول من عام 1999، حاول رئيس الوزراء نواز شريف إقالة مشرف من منصبه، لكن هذه الخطوة قوبلت بمعارضة من كبار ضباط الجيش.

وما لبث مشرف الذي كان خارج البلاد في ذلك الوقت أن عاد مسرعا إلى باكستان، واستولى على السلطة في انقلاب غير دموي.

وظل الرئيس الباكستاني آنذاك رفيق ترار في منصبه حتى يونيو/ حزيران 2001، عندما عين مشرف نفسه رسميا بديلا له في سدة الرئاسة.

وتحطمت في وقت مبكر من حكم مشرف أي آمال في أنه باستيلائه على السلطة سيحقق نوعا من الاستقرار في العلاقات مع الهند المجاورة، أو حتى يشكل بداية جديدة في العلاقة بينهما.

كان هناك تفاؤل عندما زار الهند لحضور قمة تاريخية في يوليو / تموز 2001، حيث أجرى محادثات مع رئيس الوزراء الهندي حينها، أتال بيهاري فاجبايي، والتقط صورة معه خلال زيارة إلى منزل أجداد عائلة مشرف في دلهي.

لكن الأمل تضاءل وانتهت المحادثات دون اتفاق، وكان يُنظر إلى النزاع طويل الأمد حول كشمير على أنه السبب الرئيسي للمأزق. وقد اعتبرت الهند مشرف مُخطط النزاع في كارجيل عام 1999، واشتبهت في تورط الجيش الباكستاني في اختطاف طائرة تابعة للخطوط الجوية الهندية إلى أفغانستان في نفس العام.

قمع التطرف

باعتباره زعيما لباكستان، كان على مشرف أن يتعامل مع التداعيات التي لحقت ببلده إثر هجمات 11 سبتمبر/ أيلول 2001 التي شنها مسلحون إسلاميون على أهداف في الولايات المتحدة.

كانت الرسالة الصريحة والواضحة لإدارة الرئيس الأمريكي آنذاك جورج دبليو بوش هي: "إما أن تكون معنا أو تكون ضدنا". لذلك قام مشرف بتحول مثير للجدل بشأن السياسة الباكستانية، ألا وهو دعم الحملة العسكرية التي تقودها الولايات المتحدة للإطاحة بنظام طالبان في أفغانستان المجاورة، والتي آوت متطرفين إسلاميين تم إلقاء اللوم عليهم في تخطيط وتنفيذ تلك الهجمات.

وفي يناير/ كانون الثاني عام 2002، أصدر مشرف بيانا شديد اللهجة إدانة للتطرف، وتعهد بمحاربة الإرهاب في باكستان. كما حظر كل التمويل الأجنبي للمساجد ومراكز التعليم الإسلامي وقيّد أعداد الطلاب الأجانب القادمين إلى باكستان للدراسات الإسلامية.

صدر الصورة، AFP

التعليق على الصورة،

أصبحت باكستان في عهد مشرف حليفا رئيسيا في حرب الرئيس الأمريكي جورج دبليو بوش على الإرهاب.

كما وجد الرئيس الجديد نفسه تحت ضغط متزايد لإجراء انتخابات ديمقراطية واستعادة الحكم المدني.

وفي أكتوبر / تشرين الأول عام 2002، فاز ائتلاف موالٍ لمشرف بأغلبية المقاعد البرلمانية، على الرغم من أن المعارضة منعت فعليا أي إجراءات في الجمعية الوطنية لأكثر من 12 شهرا.

بعد ذلك بعامين، أبرم مشرف صفقة مع ائتلاف الأحزاب الإسلامية الذي اتخذ إجراء أضفى الشرعية على انقلابه عام 1999، وسمح له بالبقاء في الجيش والاحتفاظ بلقب الرئيس.

كان التصدي للتراجع في النمو الاقتصادي جزءا من وعد الرئيس مشرف عند توليه السلطة، وقد أشادت المؤسسات الدولية عموما بإصلاحاته.

كما كان على مشرف أن يواجه أيضا مأساة إنسانية في أكتوبر/ تشرين الأول عام 2005، عندما ضرب زلزال هائل إقليم كشمير الخاضع للإدارة الباكستانية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 73 ألف شخص وتشريد أكثر من ثلاثة ملايين شخص.

وازداد الضغط على حكمه خلال عام 2007 بعد قراره بوقف رئيس المحكمة العليا، افتخار محمد شودري، عن عمله واتهامه بالفساد.

وقد أدى احتجاج ضخم من قبل محامي البلاد إلى قيام المحكمة العليا في نهاية المطاف بإعادة رئيس المحكمة العليا ورفض جميع مزاعم سوء السلوك بحقه.

صدر الصورة، Getty Images

في يوليو / تموز عام 2007، فرض الجيش حصارا على المسجد الأحمر في إسلام أباد، حيث كان زعماؤه الدينيون وطلابه يدينون بصورة متكررة سياسة مشرف الموالية للغرب.

واشتبك الطلاب المسلحون مع الجنود لأيام قبل أن تتم مداهمة المبنى في عملية عسكرية قتل فيها أكثر من 100 شخص.

في نوفمبر/ تشرين الثاني من ذلك العام، اتخذ مشرف ما اتضح أنه قرار مصيري، ألا وهو فرض حالة الطوارئ.

وقد جاءت محاولته لتعليق الدستور واستبدال رئيس المحكمة العليا افتخار شودري، بعد شهر من انتخابات خلافية شهدت عودته رئيسا للبلاد. لكن فرض قانون الطوارئ جعله أيضا في خلاف مع كل من المعارضة وبعض شركائه الدوليين الرئيسيين، وجراء ذلك تراجعت شعبيته.

فقدان السلطة

لكن الاغتيال المروع لرئيسة الوزراء بينظير بوتو، على يد انتحاري في ديسمبر / كانون الأول عام 2007، هو الأمر الذي كان له الأثر الأكبر في تقويض مزاعم مشرف بأن مستقبل باكستان آمن بين يديه.

في أعقاب الانتخابات التي جرت في أوائل عام 2008، استولى حزب الشعب الباكستاني، الذي كانت تتزعمه بوتو، على السلطة على رأس ائتلاف حاكم ضم حزب نواز شريف، الذي أطاح به مشرف في عام 1999. وبدأوا في تحركات لإجبار مشرف على الاستقالة.

وفي 18 أغسطس/ آب عام 2008، أعلن مشرف استقالته في خطاب طويل دافع خلاله عن القرارات التي اتخذها.

صدر الصورة، AFP

التعليق على الصورة،

كان مشرف شخصية انقسمت حولها الآراء في السياسة الباكستانية

تقاعد مشرف فيما بدا وكأنه حياة هادئة في لندن ودبي، لكنه لم يُخف رغبته في العودة لباكستان.

سافر الجنرال السابق في نهاية المطاف إلى باكستان في مارس/ آذار عام 2013 للمشاركة في الانتخابات، ولكن تم منعه من الترشح من قبل حكومة نواز شريف، ثم عاد إلى السلطة كرئيس للوزراء، وكان أداء حزبه رابطة مسلمي عموم باكستان (APML) سيئا.

وسرعان ما خضع مشرف لسلسلة من التحقيقات، بما في ذلك تحقيقات حول تهم بالخيانة تتعلق بفرضه حالة الطوارئ لعام 2007.

وقد أدت الاتهامات إلى سنوات من الجدل القانوني في أعلى المحاكم في البلاد.

وفي عام 2016 وبعد رفع حظر السفر عنه لأسباب طبية، غادر مشرف البلاد مرة أخرى.

لقد استغرق الأمر أكثر من ثلاث سنوات قبل أن يصدر القضاة في قضية الخيانة حكمهم الصادم، ألا وهو؛ برفيز مشرف كان مذنبا وحُكم عليه بالإعدام.

صدر الصورة، AFP

التعليق على الصورة،

جرت محاكمة مشرف في جلسة مغلقة بمحكمة مكافحة الإرهاب في إسلام أباد

لكن ولوجود مشرف في المنفى الاختياري في دبي، لم يكن من الممكن بطبيعة الحال تنفيذ حكم الإعدام ذاك.

وقال مشرف في بيان مصور من سريره في المستشفى إنه مريض للغاية ولا يستطيع السفر إلى باكستان.

ثم في تطور آخر بعد شهر من إصدار الحكم أعلنت محكمة لاهور العليا أن العملية برمتها غير دستورية.

وألقي بظلال من الشك على شرعية الحكم، لكن لم يتضح ما إذا كان يعني إلغاء حكم الإعدام بشكل تلقائي.

بعد أن أعلنت أسرة مشرف في يونيو/ حزيران عام 2022 أنه يعاني من فشل في الأعضاء نتيجة لمرض نادر، برزت دعوات للسماح له بالعودة ليموت بسلام في منزله في باكستان. وأوضح الجيش أنه سيدعم الأسرة إذا كان هذا ما يريده.

لكن كثيرين آخرين طالبوا بالقبض على قائد الجيش السابق عند عودته، وأصروا على إجباره على الخضوع للمساءلة عن جرائمه.