تجربة تخريب التعليم بعد انقلاب 25 مايو 1969 «9»


تجربة تخريب التعليم بعد انقلاب 25 مايو 1969 «9»

تاج السر عثمان بابو

أشرنا سابقاً إلى أن التخريب في التعليم بعد الاستقلال كان كبيراً بعد انقلاب 25 مايو 1969، وبشكل أكبر بعد انقلاب الإنقاذ في 30 يونيو 1989.

فقد كان انقلاب 25 مايو المشؤوم مقدمة للخراب في كل مناحي الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والقومية، ومن ضمنها التعليم والذي واصل في تخريبه وتدميره بشكل كبير الإسلامويون بعد انقلاب 30 يونيو 1989م، وإعلان السلم التعليمي (8- 3) فالمحتوي كان واحداً، وهو فرض مناهج وسلم تعليمي بطريقة فردية ومتعجلة ودون مشاركة المعلمين ونقاباتهم والمهتمين والمختصين في الجانب التربوي.

سوف نركز في هذه الحلقة على تجربة تخريب التعليم بعد انقلاب مايو 1969.

1

جاء إعلان السلم التعليمي (6- 3- 3) الذي فرضه وزير التربية يومئذ د. محيي صابر بعد انقلاب 25 مايو استجابةً لضغوط القوميين العرب الذين كانوا قابضين على السلطة، وكان نقلاً أعمى للتجربة المصرية في التعليم دون مراعاة التنوع الثقافي والقومي والديني في البلاد، وكان كارثة بحق على التعليم في بلادنا.

وجد السلم التعليمي معارضةً من الوطنيين والتربويين والمختصين والمعلمين والشيوعيين الديمقراطيين والمهتمين بالتعليم والثقافة في البلاد، فقد تم فرضه بطريقة فردية ومتعجلة ودون مشاركة المعلمين والمختصين والمهتمين، والذي تم فيه تجاهل توصيات وقرارات مؤتمر التربية القومي الذي عقد في اكتوبر 1969م وكان هذا مثار نقد الشيوعيين لذلك، وقد أثار الشهيد عبد الخالق محجوب ذلك في وثيقته التي قدمها للمؤتمر التداولي لكادر الحزب الشيوعي في اغسطس 1970، حيث أشار إلى:-

– أعلنت الحكومة السلم التعليمي الجديد بطريقة متعجلة، لم يتم فيها التشاور مع المعلمين والمختصين، يقول عبد الخالق من زاوية السياسة التعليمية: إن نضال القوى التقدمية من طلاب ومعلمين لدفع وزارة التربية والتعليم في طريق المساهمة في النهضة الثقافية الوطنية في بلادنا، نضال قديم وله جذوره. ومنظمات المعلمين الديمقراطية لها نقد متعدد الجوانب للبرامج ولنظم التعليم في بلادنا، ولكننا نلحظ أن هذا المرفق المهم يسير علي طريق خاطئ:

– الكثير من الخطوات التي اتخذها الوزير ذات طابع دعائي ولم تستهدف تغييراً جوهرياً في التعليم لخدمة الثورة الديمقراطية. مشروع الاستيعاب الذي يستهدف ديمقراطية التعليم لم يستفد منه إلا ميسورو الحال من أبناء المدن التي فيها مدارس غير حكومية (على سبيل المثال: في 21/ يونيو/ 1969م، أصدرت الحكومة قراراً برفع عدد التلاميذ المقبولين في المدارس المتوسطة من 24 ألفاً إلى 38.500 وفي المدارس الثانوية من سبعة الآف إلى 10.400 وذلك للعام الدراسي القادم) (تيم نبلوك، صراع السلطة والثروة في السودان، ص 232).

– لم يتم إشراك نقابات المعلمين في التخطيط التربوي، وفي تنفيذ البرامج الديمقراطية التي ناضلت من قبل لتحقيقها. إن الاتجاه الرسمي للوزارة يتجاهل الطرق الديمقراطية في العمل ويعمل لفرض سياسة لا تتلاءم مع ظروف بلادنا وأهداف ثورتنا الثقافية. إنه يطبق ما يجري في ج. م. ع (مصر) تطبيقا أعمى.

يواصل عبد الخالق إلى أن يقول: (ونستطيع القول إن هذه الوزارة التي تلعب دوراً مهماً في ميدان أساسي للثورة الديمقراطية- وأعني البعث الوطني الثقافي تعاني من سلبيات وأخطاء فاحشة، لابد من النضال ضدها. وأخطر هذه السلبيات هو الفهم القاصر والتصور الخاطئ للثورة الثقافية المنبعثة من خصائص شعبنا ومن حضارته العربية والزنجية، واللجوء إلى النقل الأعمى بلا تمييز ولا نظرات ناقدة) ص، 133 – 134

2

كما جاء في المؤتمر التداولي لكادر الحزب الشيوعي المنعقد في اغسطس 1970م حول هذه القضية ما يلي (في ما يختص بالثورة الثقافية النابعة من المرحلة الوطنية الديمقراطية فالتوجيهات الأساسية في هذه القضية خاطئة.

– اقتصر المجهود على حيز التعليم المدرسي، ولم تطرح قضايا الثقافة الشعبية من محو للأمية ومن بعث ثقافي يعبر عن ثروات شعبنا الحضارية ويساهم في إزاحة المؤثرات المختلفة عن كاهل المواطنين.

– المجهود التعليمي لا يستهدف ديمقراطية التعليم من حيث تحقيق إلزاميته، من حيث توجيهه نحو أبناء الكادحين. إننا نحتاج بالوتائر الراهنة إلى أكثر من 38 سنة لاستيعاب كل الأطفال من الذين هم في سن التعليم في المدارس الابتدائية.

– لم يرتبط التعليم بحاجيات الخطة الخمسية وما ينتظر بلادنا من ثورة اقتصادية)، ص، 159، قرارات المؤتمر التداولي

3

جاء في خطاب للحزب الشيوعي للديمقراطيين 1971م حول السلم التعليمي ما يلي:

لقد استطاع الوزير الحالي محيي الدين صابر، أن يوهم الرأي العام وجمهور المعلمين بأن في إدخاله لنظام السلم التعليمي الجديد قد أحدث ثورة في التعليم مستغلاً في ذلك الاستجابة العظيمة التي قابل بها المواطنون المشاكل التي نتجت عن تطبيق السلم التعليمي الجديد ولكننا أمام ادعاء يجب على كل شيوعي وثوري أن يحدد موقفنا منه، ألا وهو هل ما يجري الآن في بلادنا من تطبيق لسلم تعليمي جديد وتغيير في بعض المناهج هو الثورة الثقافية التي ننشدها جميعا؟ وكيف يمكن أن نتحدث عن ثورة تعليمية أو ثقافية إذا كانت هذه الثورة التعليمية المزعومة لا تمس جوهر الحقيقة التي تؤكد أن 82% من سكان بلادنا مازالوا يعانون من الأمية. كيف يمكننا أن نتحدث عن أية ثورة ونحن لا نستطيع أن نتقدم بأي مشروع لمحاربة هذا التحدي العظيم؟ إن الثورة الثقافية نفسها لن يكتب لها الانتصار إذا بقيت غالبية شعبنا تعيش في أمية وفي جهل مطبق. ثم كيف يجوز لنا أن نتحدث عن الثورة التعليمية بينما نحن لا نستطيع أن نتقدم بأي مشروع يقدم من التعليم المهني في بلادنا، ذلك التعليم الذي تعتمد على وجوده تطوير كل مشاريع التنمية الصناعية والزراعية التي نصبوا إلى إنجازها في خططنا للتنمية الاقتصادية والاجتماعية؟

ثم كيف يجوز لنا أن نتحدث عن ثورة ثقافية بينما تراثنا الثقافي يرقد بين الأطلال يبحث عن من ينقب فيه؟ ما هي مشاريعنا لإحياء ذلك التراث؟ ما هي مشاريعنا في ميادين الفنون والآداب، في الغناء والموسيقى والرقص الشعبي، في ميادين الشعر والتأليف والقصص؟ إن الحديث عن الثورة الثقافية لا يستقيم في نظر أي عاقل ما لم يعالج بصورة جادة قضية إحياء التراث الثقافي للشعب السوداني) (ص، 11- 12).

هذا وقد أصدر د. محمد سعيد القدال كتاباً ممتازاً بعنوان: (التعليم في مرحلة الثورة الوطنية الديمقراطية، 1971م)، أوضح فيه التمايز بين الشيوعيين وسلطة البورجوازية الصغيرة حول مفهوم التعليم وأهدافه في مرحلة الثورة الديمقراطية، والكتاب خلاصة لما توصلت إليه حركة المعلمين الديمقراطية ونقاباتها في مضمار إصلاح التعليم، ويمكن للقارئ الراغب في المزيد أن يرجع له.

alsirbabo@yahoo.co.uk

التعليم في الفترة «1956 – 1989» «8»

تاريخ الخبر: 2023-02-06 06:23:12
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 55%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

السجن سنة ونصف للمدون يوسف الحيرش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 12:25:48
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 55%

بوريل يدعو إلى عدم بيع الأسلحة لإسرائيل

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 12:25:54
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 62%

بوريل يدعو إلى عدم بيع الأسلحة لإسرائيل

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 12:25:49
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 61%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية