الناشطة السوداء التي تحارب "العنصريين" على وسائل التواصل الاجتماعي

  • فيرناندو دوارتيه
  • بي بي سي

صدر الصورة، Stephanie Vilchez

في شهر مايو/ أيار من عام 2020، أصبحت فاتو ندياي مشهورة في البرازيل، لكن مع الأسف لأسباب غير مرغوب فيها، فقد كانت المراهقة السوداء موضوعا رئيسيا في فضيحة عنصرية في واحدة من أبرز وأرقى المدارس الخاصة في ريو دي جانيرو.

وبعد ما يقرب من ثلاث سنوات، أثبتت ابنة المهاجرين السنغاليين نفسها باعتبارها ناشطة شابة، ألهمت حوارا على مستوى البلاد حول العلاقات العرقية في بلد يعد غالبية السكان فيه من غير البيض. وبمناسبة اليوم العالمي للإنترنت الآمن والذي يصادف 7 فبراير/ شباط، تحدثت الفتاة إلى بي بي سي عن تجربتها مع التعرض للإساءة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وكيف حفزتها تلك التجربة للتصدي والمواجهة.

"بصق رجل في وجهي بسبب لون بشرتي"

التنمر: كيف نحمي أطفالنا من أضراره؟

أثناء حديثها، كانت فاتو ندياي تعبث طوال الوقت بضفائرها الطويلة، ثم تتوقف مؤقتا لتجميعها في يديها، وتبدو وكأنها تجمع أفكارها أيضا. الفتاة البالغة من العمر 18 عاما لديها جدول أعمال مزدحم.

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • التحرش الجنسي: النجمة إميلي أتاك تشكو من إرسال رجال مئات الصور الفاضحة إليها كل يوم، فما القصة؟
  • أندرو تيت: كيف كان الأخوان تيت يوقعان القاصرات الرومانيات في براثنهما؟
  • أندرو تيت: ما سبب شعبية المحتوى الرقمي المروج لكراهية النساء؟
  • داء الثعلبة: كيف تعاملت شابة مع إصابتها بالصلع الكامل؟

قصص مقترحة نهاية

فاتو منشغلة بالتخطيط لدراساتها الجامعية لاحقا في الولايات المتحدة، كما تقدم مجموعة من المحاضرات حول العنصرية للمدارس والشركات في جميع أنحاء البرازيل عبر أكاديمية أفريكا Afrika، وهي شركة استشارية حول التنوع، وفي نفس الوقت تدير حسابيها على موقعي التواصل الاجتماعي تويتر وإنستغرام (لديها أكثر من 100 ألف متابع على الموقعين معا).

لكن الناشطة البرازيلية لا تزال حاضرة في الأذهان لتعرضها للعنصرية في مدرسة كوليغو فرانكو براسيليرو Colegio Franco Brasileiro الخاصة المرموقة في موطنها ريو دي جانيرو.

نشر بعض زملائها في الصف إساءات عنصرية في مجموعة على تطبيق واتساب WhatsApp في مايو / أيار عام 2020. وعلى الرغم من أن طبيعة الرسائل لا يمكن إنكار عنصريتها، لا تزال القضية قيد النظر في المحكمة، وقد اختار والدا فاتو نقلها إلى مدرسة أخرى.

(منشور على إنستغرام من فاتو يظهر صورة لها مع والدها يسبحان في نهر)

تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

تغيير بسيط: ما علاقة سلة مشترياتك بتغير المناخ؟

الحلقات

البودكاست نهاية

وصلت قصة الفتاة إلى وسائل الإعلام لأن فاتو لم تكتف بإبلاغ الشرطة بالحادثة، بل تحدثت عنها أيضا علنا عبر وسائل التواصل الاجتماعي كوسيلة لإثارة النقاش حول العلاقات العرقية في بلدها.

كما أنها ألهمت البرازيليين السود الآخرين أن يفعلوا الشيء نفسه.

وقالت فاتو لبي بي سي: "عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومحاضراتي، أنا على اتصال دائم بأشخاص يرغبون في المشاركة في النقاش والبدء في تحليل لأمور والبحث في مدى صوابها من عدمه".

وتقول إنها تخبر على الفور الأشخاص الذين يستعدون للدخول في هذا النقاش المثير للجدل أن هناك شيئين ينبغي الالتزام بهما: "الأول هو أن تكون صادقا وأن تكون مسؤولا عما تنشره على الإنترنت، حيث يوجد الكثير من الأخبار المزيفة".

أما الأمر الثاني، كما توضح فاتو، فهو الاستعداد لمواجهة قدر كبير من التنمر.

"لماذا نتنمر؟" حملة في مصر لمساندة "عروس التنمر"

أكثر من نصف لاعبي كرة القدم في بطولتي أمم أوروبا وأفريقيا "يتعرضون لانتهاكات"

صدر الصورة، Stephanie Vilchez

"المشكلة الكبيرة في فضاء الإنترنت بالنسبة لي هي أن الناس لا يستطيعون التمييز بين التعليقات السلبية وما هو في الواقع جريمة كراهية.. يشعر الكثيرون بكامل الحرية في قول ما يريدون دون أن يدركوا أن العديد من مفرداتهم وعباراتهم عنصرية أو كارهة للأجانب أو تشهيرية".

الرقابة الذاتية

تحتفل أكثر من 180 دولة في العالم بيوم الإنترنت الآمن في 7 فبراير/ شباط، والموضوع الذي تم اختياره لعام 2023 هو "هل تريد التحدث عن أمر ما؟ توفير مساحة للمحادثات حول الحياة عبر الإنترنت". وعلى الرغم من أن فاتو ترى أن شركات وسائل التواصل الاجتماعي بحاجة إلى تكثيف ممارسات مراقبة الاعتدال في المنشورات والحد من خطاب الكراهية، إلى أنها ترى أيضا حاجة أكبر إلحاحا لضبط النفس وممارسة الرقابة الذاتية لدى المستخدم.

تقول: "لديك الحق في الاختلاف مع شخص ما، ولكن ليس لديك الحق في مهاجمة أي شخص.. لن يكون لدينا مساحة آمنة على الإنترنت ما لم يفهم الناس هذا الأمر".

ولكن رغم ما سبق قوله، تؤكد فاتو لزملائها - والناشطين المحتملين - أن امتلاك القدرة على التجلد وعدم التأثر بسهولة، أمران في غاية الأهمية. وتشير إلى أن النقد والخلافات جزء من النقاش، ولا ينبغي أن تؤخذ على محمل شخصي.

وتقول: "يجب أن تكون مستعدا للاستجواب والتعامل مع وجهات النظر المغايرة والمتعارضة.. في الواقع أعتقد أن هذا ضروري لتطور الشخصية".

وتضيف: "سيهاجمك بعض الأشخاص من كل بد، لكن لا ينبغي عليك أن تخاف منهم".

صدر الصورة، Stephanie Vilchez

هذا لا يعني بأي حال من الأحوال أن هذه المواقف بسيطة أو مسلية، على الرغم من ذلك، تعترف فاتو بأن نشاطها على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن يؤدي إلى رد فعل عنيف لدرجة أنها غالبا ما تتجنب قراءة التعليقات على منشوراتها - وهو ما تسميه "آلية الدفاع".

تتذكر قائلة: "لدي العديد من الأصدقاء السود من صناع المحتوى الذين انتهى بهم الأمر إلى إغلاق حساباتهم على وسائل التواصل الاجتماعي لأنهم لم يتمكنوا من تحمل الكراهية".

وتمضي للقول: "عليك أن تتعلم بطريقة ما أن تحمي نفسك قليلا.. كل شخص يتوقف عن النشر بسبب الكراهية يكون قد أقر بالهزيمة".

تقول فاتو إن إنشاء "شبكة للتوعية" لتشجيع الناس على التنديد بخطاب الكراهية خطوة مهمة نحو تحقيق البعض من السلام والطمأنينة، لكنها مصرة على أن اللامبالاة في بعض الأحيان تمثل استراتيجية دفاعية فعالة.

"الكارهون يريدون الخلاف وعادة ما ينبع ذلك من التمييز الجنسي والعنصرية والجهل المطلق بالمواضيع التي يستجوبون الآخرين بشأنها.. وهنا لا ينبغي فهمي على نحو خاطئ، فأنا لا زلت أصر على أن جرائم الكراهية ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد، لكن ردود الفعل العنيفة تشي بطبيعة وصفات الأشخاص الذين يهاجمونني أكثر بكثير مما أقوله في منشور ما ".

وتشدد الناشطة الشابة على أهمية أن يكون المرء مرنا في مواجهة سوء المعاملة وعدم السماح لها بإبعاده عن وسائل التواصل الاجتماعي.

"كل شخص يتوقف عن النشر بسبب الكراهية يمثل هزيمة لهدف من الأهداف النبيلة مثل مناهضة العنصرية.. إذ أن التوقف عن الحديث عن مواضيع حساسة هو بالضبط ما يريده الكارهون".

(فيديو إنستغرام تشكر فيه فاتو ندياي متابعيها على دعمهم لها)

الفرص والتحديات عبر الإنترنت

فاتو متفائلة بشأن قدرة المجتمعات عبر الإنترنت على توسيع دائرة النشاط وإشراك أعداد أكبر من الأشخاص.

وتشير إلى أنها تمكنت من حشد الدعم بعد تجربتها الخاصة مع العنصرية في عام 2020 على الشبكات الاجتماعية، قبل أن تتصدر القصة عناوين الأخبار بوقت طويل.

وتعتقد أن "المساحات الافتراضية تكتسب أهمية متزايدة في حياتنا.. يمكننا استخدام هذا لزيادة الوعي بالعنصرية وحقوق الإنسان، وكذلك لنشر التجارب التي قد لا تصلنا في بعض الأحيان عبر وسائل الإعلام التقليدية".

وتضيف: "في حالتي، على سبيل المثال، تجربتي بينت للكثيرين كيف يكون شعور امرأة شابة سوداء وابنة مهاجرين أفارقة في البرازيل".

لكن فاتو تحذر أيضا من ترك عالم الإنترنت يتولى زمام الأمور، إذ أنها ترى أنه سلاح دو حدين، وتتذكر أن الشعبية جلبت لها الكثير من الأضواء عندما كانت في الخامسة عشرة من عمرها، وتعترف بأنه أمر مثير قد ينغمس المرء فيه".

تقول ضاحكة: "كنت مجرد فتاة صغيرة، وفجأة كان يظهر من يتهمني بإهمال موضوع أو شخص معين، لقد كنت طالبة مدرسة ولدي دروس لأُحضّرها".

وتخلص فاتو للقول: "بالنسبة لي، نشر محتوى معين ينبغي أن يكون نابعا من رغبة لدى الشخص في أيصال أمر ما وليس أمرا إلزاميا بأي شكل من الأشكال.. أنت لا تدين لأي كان بأي شيء".