مرحلة جديدة من الثورة…


مرحلة جديدة من الثورة…

نضال عبد الوهاب

بعد أكثر من أربعة أعوام على اندلاع ثورة ديسمبر في السُودان، ثورة الحرية والعدالة، لاتزال البلاد في قبضة العسكر والكيزان والمليشيات.

لاتزال بلادنا وشعبنا تحت ظل إرهاب الدولة مُمثلاً في انقلاب ٢٥ أكتوبر، وعناصر لجنة البشير الأمنية الذين استلموا السُلطة، مُنتهزين قيام الثورة في السُودان، ثم شاركوا القوى السياسية المدنية بعد الوثيقة الدستورية، ومارسوا هوايتهم في الانقلاب والتمسُك بالسيطرة والسُلطة، تماشياً مع أجندة “سادتهم” في القوى المُضادة للثورة، ولايزالون في تقلباتهم وخداعهم، أملاً في كسب الوقت والشرعية، بعد أن أُغلقت أمامهم أبواب الانفراد التام بالسُلطة.

بعد ذلك، جيء بما تُسمى العملية السياسية لتكون لهم طوق نجاة، فأعلن نصفهم “البرهان” وكيزان الجيش قبولهم بها، لكن بشروطهم. أيدها ظاهرياً “الجنجويد” حُلفاء مجموعة الحرية والتغيير، مُمثلين في قائدهم “حميدتي”، قائد الدعم السريع.

هذا التعارض بين العسكر المُتشاكسين هو نتيجة الصراع حول السُلطة التي يُريدها البرهان وحميدتي لتكون خالصة لأحدهما، وهي كذلك انعكاس لمصالح قوى الثورة المُضادة الإقليمية “اتجاه الإمارات” الأقرب للسعوديين، كذلك “اتجاه مصر” الأبعد عنهما. يُمثل حميدتي مصالح الإمارات، بينما يسير البرهان تبعاً للمصريين.

تأتي فوق ذلك المصالح الدولية التي تضغط بكرت ضرورة تنفيذ الاتفاق والعملية السياسية لضمان مصالحها من جهة، ولوقف نفوذ الروس داخل السودان من جهة أخرى، خاصة من جانب أمريكا والغرب في أوروبا، مع احتفاظ أي طرف منهم بحزمة من المصالح يحققها العسكر.

لكنهم، ونسبةً لالتزامهم أمام شعوبهم بالديمُقراطية، ولعلمهم بما ظلت تمثله الثورة السُودانية من رمزية للحُكم المدني الديمُقراطي والمُطالبة به، فلذلك لا بأس من حكومة مدنية، لكن لا تخرج عن مصالح القوى الإقليمية، ولا تضر بالمصالح الدولية التي تتناغم مع وجود العسكر خلف السُلطة ومعها، وهنالك إسرائيل التي لا تخفي دعمها غير المحدود للعسكر.

إذاً، ما يحدث في بلادنا الآن، ما هو إلا استمرار للوجود العسكري وهيمنته. وكذلك استمرار نفوذ القوى المُضادة للثورة بحلفائها وأدواتها، ومن ينفذون سياساتها داخل السُودان.

وبالطبع، الكيزان موجودون لارتباط مصالحهم الاقتصادية مع ذات القوى المُضادة للثورة، ويمثلونهم العديد من الكوادر داخل أجهزة الدولة والسُلطة، خاصة الأمنية والعسكرية والعدلية والاقتصادية وشركاتها الكبرى.

هذا غير كوادرهم المزروعة في الأجسام السياسية والحركات، خاصة حركة العدل والمساواة، وبعض حركات دارفور المنضوية تحت اتفاقية سلام جوبا، والمتوقع إلحاقها بالعملية السياسية، وهي أصلاً جزء من تشكيلة الانقلاب الحالية.

كُل هذا يوصل لنتيجة واحدة، وهي أنه لا تغيير قادم، وأن صراع المصالح الدولي والإقليمي سيقود لتكريس وهيمنة ذات منظومة الفشل والفساد والنهب وكبت الحريات وقهر الشعب وإفقاره.

وحتى إن قُدر لقيام انتخابات، فستأتي إكمالاً لهذا الواقع البائس والخادع، لتعيد الكيزان وحلفاءهم إلى السُلطة، مع الإبقاء على كل مؤسسات الدولة خاضعة لهم بلا أي إصلاح حقيقي، وعلى رأسها القوات المسلحة، مع استمرار تقوية المليشيات ونفوذها، على رأسها الدعم السريع الذي يحلم ويخطط له البعض ليكون الجيش البديل، أو يحدث الصراع المُسلح والمواجهة التي لن توقفها العملية السياسية، لأنها عبارة عن تجمّع أضداد، وتقاسم للحلفاء بين طرفي العسكر والجنجويد.

من بين كل هذا، تظل الثورة موجودة، قوامها لجان المقاومة، وكل القوى الثورية والديمُقراطية الداعمة لها من أحزاب سياسية ونقابات وتجمعات مهنية ونسائية وشبابية، هي وحدها الآن المُمسكة بلجام استمرارها ومُنخرطة فيها.

حتى الأمس القريب، تواصل السُلطة الانقلابية في قتل الأطفال، وتصطادهم عناصر الانقلاب العسكرية. لا حريات، وإنما قمع وبطش.

هذا الواقع لا ينفع معه انكسار قوى الثورة المُضادة، وتمرير أجندتها في السُودان. ولا ينفع معه الاستسلام لمصالح الدول الكبرى وصراعها داخل السُودان، من غير الوضع في الحسبان مصالح شعبنا العادلة في الحرية والتحول الديمُقراطي الحقيقي وإصلاح المؤسسات العسكرية والمدنية، وتفكيك المليشيات وتحقيق العدالة.

إنها مرحلة جديدة من الثورة السّلمية يخوضها شعبنا في ذات الظروف “وحده”، مع تكالب كل قوى الثورة المُضادة وحلفائها وأدواتها داخل السُودان وخارجه.

نعم، لم تصل الثورة في هذه المرحلة ذروتها، لكنها حتماً، وبمزيد من التصميم والتنظيم وقوة الإرادة، ستكبر وتقوى.

إن أكثر ما يُحمد لها هو تساقط العديدين، وكشف آخرين آمنوا بمصالحهم ولم يؤمنوا بشعبهم وقضيته العادلة في الحرية والعدالة.

إن شعبنا لمُنتصر، وإن كرهت قوى الثورة المُضادة وأدواتها.

تاريخ الخبر: 2023-02-13 03:23:20
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 57%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية