يتمتع الذكاء الصناعي بالقدرة على تغيير الطريقة التي نتعامل بها مع الزلزال على المستويات كافة كالاستعداد والاستجابة لها، والتعافي منها من خلال توفير تنبؤات أكثر دقة، واستجابة أسرع وأكثر فعالية، وتحسين عمليات التأهب.

تشير التقديرات إلى أن الزلزال المزدوج الذي ضرب مناطق واسعة من جنوب شرق تركيا وشمال غرب سوريا على مساحة قُدرت بحجم النمسا، لن يمر مرور الكرام عند الدارسين والمتخصصين بعلم الزلازل والجيولوجيا. فالطاقة المنبعثة منه والتي عادلت 500 قنبلة نووية من تلك التي ألقيت على هيروشيما، وقرب وقوعه من سطح الأرض (على بعد 18 كيلومتراً فقط من قشرة الأرض)، وهزاته الارتدادية التي بلغت الآلاف، وحجم الضرر الناجم عنه، كلها مؤشرات ستكون محل دراسة معمّقة في السنوات القادمة.

وبجانب الأضرار المادية التي نتجت عنه وقُدرت بحوالي 85 مليار دولار، توجد صدمة عميقة لحقت بملايين البشر سواء أولئك الذين كانوا على تماس مباشر معه ويقطنون في المناطق التي تعرضت للضرر، أو أولئك الذين يعيشون في المنطقة ككل، والذين باتوا يترقبون حدوث زلزال آخر لا يملك أحد القدرة على تحديد موعد حدوثه بالضبط.

الترقب والخوف والرهبة من هذا الزلزال، جعلت كثيرين يتساءلون عن الإمكانيات المتوفرة التي من شأنها أن تخفف الضرر الذي قد ينجم عن الزلازل التي من المحتمل أن تقع في المستقبل. ونظراً إلى القفزات الكبيرة التي نعيشها في مجال تكنولوجيا الذكاء الصناعي، هناك أمل كبير معقود على القدرات التي قد يحملها الذكاء الصناعي في التعاطي مع حقل الزلازل.

ورغم أن هذا المجال ما زال في بواكيره الأولى، فإنه توجد آمال كبيرة في أن يحقق الذكاء الصناعي بإمكانياته الجبارة اختراقات نوعية على شاكلة تلك التي تحققت قريباً مع الذكاء الصناعي التوليدي في مجال البحث واللغة على شاكلة ChatGPT، أو Brad التي أطلقته شركة Google قبل عدة أيام.

بداية وقبل كل شيء، يمتلك الذكاء الصناعي القدرة على إحداث ثورة في طريقة الاستعداد للزلازل والاستجابة لها والتعافي منها. يمكن أن يكون للزلازل عواقب وخيمة تتسبب في خسائر في الأرواح، وتدمير البنية التحتية، وتأثيرات اقتصادية واجتماعية طويلة الأجل.

فكما شهدنا مؤخراً تسببت الزلزال في تركيا وسوريا بإزهاق أرواح أكثر من 37 ألف نسمة، في حين تجاوزت الإصابات 100 ألف، هذا فضلاً عن عشرات الآلاف من البيوت التي تهدمت أو التي أصيبت بأضرار جزئية ولم تعد صالحة للسكن. قد يساعد الذكاء الصناعي في التخفيف من آثار الزلازل وإنقاذ الأرواح على أقل تقدير.

وقد كانت هناك العديد من الحالات التي جرى فيها استخدام الذكاء الصناعي للمساعدة في الاستجابة إلى الزلزال وجهود التعافي. أحد الأمثلة على ذلك هو زلزال 2018 في بالو، إندونيسيا، حيث جرى استخدام الذكاء الصناعي لتحليل صور الأقمار الصناعية وتقييم مدى الضرر. مثال آخر هو زلزال عام 2019 في ريدجكريست، كاليفورنيا، حيث جرى استخدام الذكاء الصناعي للمساعدة في التنبؤ بالهزات الارتدادية والمخاطر المحتملة الأخرى. في كلتا الحالتين، ساعد الذكاء الصناعي على توفير المعلومات المهمة التي يمكن استخدامها لتوجيه جهود الإغاثة والحفاظ على سلامة الناس.

بشكل عام يمكن حصر المجالات التي قد يساعد فيها الذكاء الصناعي بالتالي:

أولاً، أنظمة الإنذار المبكر: يمكن لخوارزميات الذكاء الصناعي معالجة البيانات من أجهزة استشعار الزلازل وتوفير إنذارات مبكرة بدقة متزايدة. يمكن أن تمنح هذه الأنظمة الأشخاص والشركات والحكومات وقتاً كافياً للإخلاء وتأمين المباني والممتلكات والاستعداد للأسوأ. فمن خلال استخدام الذكاء الصناعي، يمكن لأنظمة الإنذار المبكر اكتشاف الزلازل بشكل أسرع وبدقة أكبر، مما يسمح للناس باتخاذ الإجراءات المناسبة لحماية أنفسهم.

بعبارة أخرى، يستخدم نظام الإنذار المبكر الذي يعمل بالذكاء الصناعي مصادر مختلفة للبيانات، مثل أجهزة الاستشعار الزلزالية وأجهزة الكشف عن تشوهات قشرة الأرض، لمراقبة تحركات الأرض واكتشاف العلامات المبكرة التي تدل على زلزال وشيك. يمكن بعد ذلك تحليل هذه البيانات بواسطة خوارزميات الذكاء الصناعي في الوقت الفعلي للتنبؤ بحجم الزلزال وموقعه وتوقيته.

زلازل جنوب تركيا.. كيف ساهمت المسيّرات محلية الصنع في أعمال البحث والإنقاذ؟/الصورة:AA (AA)

تتمثل إحدى الفوائد الرئيسية لاستخدام الذكاء الصناعي بهذه الطريقة في قدرته على معالجة كميات هائلة من البيانات وتحديد الأنماط التي لن تكون ملحوظة للعين البشرية. يتيح ذلك للنظام إصدار تحذير أسرع بكثير من نظام الإنذار التقليدي، مما يمنح الأشخاص وقتاً كافياً لاتخاذ إجراءات وقائية ملائمة كالإخلاء أو البحث عن ملجأ.

على سبيل المثال، يمكن تدريب خوارزمية التعلم العميق على البيانات الزلزالية التاريخية ثم استخدامها للتنبؤ باحتمالية حدوث زلزال في منطقة معينة. إذا قرر نظام الذكاء الصناعي أن هناك زلزالاً وشيكاً، فيمكنه تلقائياً إصدار تحذير مبكر للسلطات المعنية وعامة الناس من خلال مجموعة متنوعة من قنوات الاتصال، مثل الرسائل النصية وتطبيقات الهواتف الذكية وصفارات الإنذار. باختصار، إن استخدام الذكاء الصناعي بهذه الطريقة، يمكن أن تصبح فيه أنظمة الإنذار المبكر أكثر دقة وموثوقية، مما يساعد على إنقاذ الأرواح وتقليل الأضرار في حالة حدوث زلزال.

وهناك العديد من الأمثلة على أنظمة الإنذار المبكر التي تعمل بالذكاء الصناعي للزلازل. أحد الأمثلة المعروفة هو نظام ShakeAlert الذي طورته هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية (USGS) بالشراكة مع العديد من الجامعات والشركات الخاصة. مثال آخر هو نظام الإنذار المبكر بالزلازل الذي طوره معهد الرعاية والحياة التابع للأكاديمية الصينية للعلوم.

ثانيا، تقييم الأضرار: بعد وقوع الزلزال، من المُلِح تقييم الضرر في أسرع وقت ممكن لتحديد أولويات جهود الاستجابة والإغاثة التي يجب تنفيذها من طرف المسؤولين وعناصر الإنقاذ والإغاثة. يمكن استخدام الذكاء الصناعي لتحليل صور الأقمار الصناعية ولقطات الطائرات بدون طيار لتحديد مدى الضرر والمناطق التي تحتاج إلى أكبر قدر من المساعدة. يمكن بعد ذلك استخدام هذه المعلومات لتخصيص الموارد بشكل أكثر كفاءة وفعالية، مما يضمن وصول جهود الإغاثة إلى الأشخاص الذين هم في أمَسّ الحاجة إليها.

على سبيل المثال، يمكن لخوارزميات الذكاء الصناعي تحليل الصور عالية الدقة التي جرى التقاطها بواسطة الأقمار الصناعية أو الطائرات بدون طيار لتحديد المناطق المتضررة من الزلزال، بما في ذلك موقع ومدى انهيارات المباني، وأضرار الطرق، وأضرار أخرى متعلقة بالبنية التحتية.

كما يمكن تدريب خوارزميات الذكاء الصناعي للتعرف على أنماط الضرر في الصور وتحديد المناطق التي تأثرت بالزلزال تلقائياً. في السياق ذاته، يمكن استخدام خوارزميات الذكاء الصناعي لإنشاء نماذج ثلاثية الأبعاد للمناطق المتضررة للمساعدة في تقييم مدى الضرر وتوجيه جهود الإغاثة فضلاً عن عمليات التقييم السريع للإضرار والتي قد يضطلع بها الذكاء الصناعي مقارنة بالطرق التقليدية، مما يسمح بنشر الموارد بشكل أسرع وأكثر فعالية لمن هم في حاجة إليها.

ثالثا، الصيانة الاستباقية: يمكن استخدام الذكاء الصناعي لتحليل البيانات من أجهزة استشعار الزلازل، وسجلات الزلازل التاريخية، ومصادر أخرى لتحديد المباني والبنية التحتية التي من المرجح أن تتضرر في الزلزال. من خلال تحديد نقاط الضعف المحتملة هذه، يمكن للقائمين على المدن والتجمعات السكانية اتخاذ خطوات استباقية لتقوية المباني والبنية التحتية وتقليل مخاطر الأضرار والخسائر في الأرواح.

رابعاً، تقييم المخاطر: من خلال البيانات التي يجري تجميعها من أجهزة استشعار الزلازل ومن السجلات التاريخية والمدنية وسجلات البنية التحتية يمكن للذكاء الصناعي أن يساعد في تطوير استراتيجيات التخفيف من المخاطر ورسم خرائط للأولويات وإجراءات التأهب مثل خطط الإخلاء والإجلاء وتوفير المستلزمات الحيوية الأولية للبقاء على قيد الحياة للناجين.

خامساً، التعافي بعد الزلزال: يمكن أيضاً استخدام الذكاء الصناعي لدعم جهود التعافي بعد الزلزال. على سبيل المثال، يمكن استخدام خوارزميات الذكاء الصناعي لتحليل البيانات من أجهزة استشعار الزلازل وغيرها من المصادر المتاحة لتحديد المناطق التي تحتاج إلى أكبر قدر من المساعدة بعد الزلزال. يمكن استخدام هذه المعلومات لتحديد أولويات توزيع الموارد وتقديم الدعم للمجتمعات التي هي في أمَسّ الحاجة إليها.

خلاصة القول، يتمتع الذكاء الصناعي بالقدرة على تغيير الطريقة التي نتعامل بها مع الزلزال على المستويات كافة كالاستعداد والاستجابة لها، والتعافي منها. فمن خلال توفير تنبؤات أكثر دقة، واستجابة أسرع وأكثر فعالية، وتحسين عمليات التأهب، يمكن للذكاء الصناعي المساعدة في تقليل تأثير الزلازل وإنقاذ الأرواح. يمكن التفكير في تقنيات التعرف على الوجه ومدى أهميتها في هذا الصدد. مع استمرار تقدم تقنية الذكاء الصناعي، يمكننا أن نتوقع رؤية المزيد من التطبيقات المبتكرة في مجال الاستجابة للزلازل والتعافي منها.



TRT عربي