قانون الهجرة الجديد يفضح سعي فرنسا لـ"إفراغ" الدول المغاربية والأفريقية من أطبائها والمغرب يقف متفرج وخبراء: "القطاع الصحي عاجز"


تجدّد عاد الحديث بقوة في المغرب من جيديد حول ظاهرة #هجرة_الأطباء للخارج، تزامناً مع اعتزام #الحكومة_الفرنسية منح تصريح إقامة خاص للموظفين في مجال الصحة من أجل استقطاب الأطباء الأجانب “لتلبية الحاجة إلى التوظيف” في مستشفياتها. 

ويعتبر المغرب من أكبر المتضررين من هذه الإجراءات، ففي يونيو 2022، كشف وزير التعليم العالي المغربي، عبد اللطيف ميرواي، عن أن عدد الأطباء الذين يتخرجون سنوياً في المغرب يصل إلى 1400 طبيب، “نصفهم يهاجر إلى أوروبا”، مبرزاً أن “الدول الأوروبية ترحب باستقدام الأطباء المغاربة المتخرجين، بدليل أن ألمانيا علقت منح التأشيرة لجميع الوافدين خلال الجائحة باستثناء الطلبة الأطباء المغاربة”.

وطرح وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانان، مشروع قانون “الهجرة والاندماج وقال إنه يسعى إلى تسهيل إجراءات إقامة الكفاءات المهنية الأجنبية في المجال الطبي والصيدلة، عبر منحهم بطاقة إقامة خاصة بهم.

وذكر في منشور عبر صفحته على فيسبوك، في مطلع فبراير/شباط 2023، أن مشروع قانون “السيطرة على الهجرة وتحسين الإدماج”، الذي عرض في اليوم نفسه في مجلس الوزراء له أربعة أهداف.

وأوضح دارمانان أن الهدف الأول يتمثل في “ضمان الإدماج من خلال العمل واحترام مبادئ وقيم الجمهورية واللغة الفرنسية”، والثاني يتعلق بـ “إبعاد الأجانب الذين يشكلون تهديدا للنظام العام”.

وأما الهدف الثالث، وفق المسؤول الفرنسي، فيتمثل في “معاقبة استغلال المهاجرين ومراقبة الحدود”، فيما الهدف الرابع هو “الانخراط في الإصلاح الهيكلي لمنظمة اللجوء في البلاد”.

وينص مشروع قانون الهجرة الجديد الذي طرحته الحكومة الفرنسية ضمن بنوده على تسهيل قدوم الأطباء الأجانب عبر منحهم بطاقة إقامة خاصة بهم. وهو مازاد من مخاوف الدول المغاربية وأفريقيا الفرنكفونية التي تزود المستشفيات الفرنسية بالعاملين في القطاع الصحي، من عملية “نهب” واسعة لطبقتها المتعلمة والماهرة في هذا القطاع
أوج أزمة اجتماعية بسبب مشروع إصلاح نظام التقاعد، ناقش مجلس الوزراء الفرنسي مشروع قانون جديد للهجرة الأربعاء 1 فبراير/شباط، وذلك بعد تأجيل هذه الخطوة عدة مرات بسبب الجدل الذي أثاره القانون.

وبسبب هذه المشروع، تواجه حكومة إليزابيث بورن اتهامات من أقصى اليمين بالتساهل مع المهاجرين فيما يتهمها اليسار بعدم الجدية في التعامل مع ملف الهجرة.

وطرح وزير الداخلية جيرالد دارمانان ووزير العمل أوليفييه دوسو نصا يضم شقين: الأول يتعلق بالجانب الزجري للهجرة من خلال تسهيل عمليات الترحيل خصوصا فيما يتعلق بـ”الأجانب المنحرفين”، ويقصد بهم أصحاب سجل قضائي بسوابق عدلية.

أما الشق من المشروع فيتعلق بالجانب الإنساني ويشمل إدماج المقيمين بطريقة غير شرعية من خلال منح بطاقات إقامة للعاملين بشكل غير قانوني في المهن التي تعاني نقصا في اليد العاملة على غرار أعوان النظافة والحراسة والمطاعم والبناء إضافة إلى تسهيل إجراءات إقامة “الكفاءات المهنية في المجال الطبي والصيدلة”. في المجمل، يتعلق الأمر حسب دارمانان بقانون ينص على أن “نكون أشداء مع السيئين ولطفاء مع اللطيفين”.

“نريد أن ننقل تصحرنا الصحي إلى مستعمراتنا السابقة”

توجد مشكلة أخرى، علاوة على الاستقطاب السياسي الذي يسببه مشروع القانون في فرنسا. إذ تتخوف الدول المغاربية في الضفة الجنوبية من المتوسط، ومعها باقي دول أفريقيا الفرنكفونية، من أن يؤدي البند 7 من هذا المشروع المتعلق بالقطاع الصحي، إلى هجرة جماعية لأطبائها وأطباء الأسنان والصيادلة وهو ما سيؤدي إلى تقليل فرص سكان الدول المغاربية وأفريقيا جنوب الصحراء في الحصول على العلاج.

ويتفق مقال نشره أربعة أطباء فرنسيين في أسبوعية “جورنال دو ديمانش” الفرنسية مع هذه الفكرة. حيث يقولون: “تريد (الحكومة الفرنسية) نقل تصحرنا الطبي إلى مستعمراتنا السابقة. ولكن كيف لنا أن نجذب أطباء هذه البلدان دون أن نقبل فيما بعد أن يأتي المرضى الذي بقوا دون علاج في هذه البلدان من القدوم إلينا للحصول على خدمة صحية؟ لن نحدّ من الهجرة غير الشرعية في حال واصلنا حرمان بلدانهم الأصلية من ثرواتهم الطبيعية والتكنولوجية والبشرية. بل على العكس، يجب علينا أن نشارك في تكوين العاملين المستقبليين في القطاع الصحي في إطار اتفاقات ثنائية تستجيب لحاجيات سكان هذه البلدان”.

يتحدث معارضو مشروع قانون الهجرة الجديد أيضا على أنه سيسهم في زيادة الوضع الهش للأطباء الأجانب الذين يتلقون أصلا أجرا أقل بكثير من نظرائهم الفرنسيين. وذلك لأن بطاقة إقامة هؤلاء الاطباء لا تتجاوز أربع سنوات دون أي ضمانات بتجديدها بعد ذلك.

كفاءات طبية من الدول المغاربية وأفريقيا جنوب الصحراء

في نفس الوقت، تعمل فرنسا في الواقع على جلب يد عاملة ذات كفاءة لضمان استمرار نظامها الصحي الذي يعاني من مشاكل هيكلية منذ بضع سنوات. وحسب منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية، وظفت فرنسا 25 ألف طبيب ولد خارج البلاد أي ما يعادل 12 بالمئة من عدد الأطباء المسجلين على قائمة عمادة الأطباء. ولم ينطلق هذا الأمر مع الأزمة الصحية المتعلقة بجائحة فيروس كورونا. إذ أن الأرقام تضاعفت ثلاثين مرة خلال العقدين الماضين.

وهذا المنحى هو في ارتفاع مطرد، حيث زادت نسبة التأشيرات الممنوحة لطلاب الطب الأفارقة للسنة الجامعية 2020-2021 بـ32,5 بالمئة. كما ارتفع عدد الطلاب من أفريقيا جنوب الصحراء بنسبة 41 بالمئة في خمس سنوات، حسب أرقام وكالة Campus France “كامبيس فرانس”. ويأتي معظم الأطباء الأجانب في فرنسا من أوروبا الشرقية في المقام الأول، ولكن أيضا من الجزائر والمغرب وتونس ومدغشقر والسنغال والكاميرون وساحل العاج وبنين وجمهورية الكونغو الديمقراطية.

“نهب” عالمي للكفاءات

فرنسا ليست البلد الوحيد الذي يفتك الكفاءات العلمية من دول الجنوب. وتشمل هذه الظاهرة حركة أوسع في كل الدول الغربية. حتى أن فرنسا تعتبر أقل جلبا للكفاءات المهنية الأجنبية من جيرانها الأوروبيين التي تصل فيها نسبة الأطباء الأجانب إلى 25 بالمئة. في المملكة المتحدة مثلا، يوجد طبيب أجنبي واحد من كل ثلاثة أطباء يعملون في المستشفيات العامة، ينحدر معظمهم من الهند ومصر ونيجيريا.

وينتقد معارضو قانون الهجرة الجديد أيضا من غياب التنسيق الأوروبي. حيث تقول كامي لو كوز، الباحثة في معهد سياسات الهجرة Migration Policy Institute: “ما يدهشني هو أننا نتحدث كثيرا عما يحدث في فرنسا وإدارتها، وقليلا ما نناقش التعاون مع البلدان الأصلية التي تحظى فيها الهجرة بأهمية بالغة وتعد رافعة اقتصادية مهمة. للهجرة آثار على البلدان الأصلية وبلدان العبور وإذا ما أردنا تبني سياسة على المدى الطويل، يجب خلق آلية شراكة رابح-رابح”. 

وكشفت أرقام وصفها كثيرون بالصادمة، تضمنها تقرير حديث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان (مؤسسة رسمية تعنى بكل أشكال حقوق الإنسان)، أنه مقابل 23 ألف طبيب مغربي يمارسون مهنتهم في البلاد، يوجد ما بين عشرة آلاف و14 ألف طبيب مغربي يمارسونها في الخارج، بخاصة في الدول الأوروبية.

وتدق هذه المعطيات والأرقام ناقوس الخطر بشأن هجرة الأطباء أو الطلبة الأطباء المتخرجين في كليات الطب والصيدلة صوب بلدان أوروبا وأميركا، وهو ما دفع الحكومة المغربية إلى محاولة تدارك تداعيات هذا النزيف باعتماد قرارات وإجراءات تروم تحسين وضعية الطبيب المغربي، حتى لا يختار الهجرة إلى الخارج. 

وسارت تصريحات وزير التعليم العالي المغربي في سياق “القلق والتحذير” نفسه الذي أبدته مؤسسات رسمية ودراسات ميدانية من تضخم هجرة الأطباء وخريجي كليات الطب إلى الخارج خلال السنوات الأخيرة. وشكلت الأرقام التي كشف عنها تقرير حديث للمجلس الوطني لحقوق الإنسان ناقوس خطر كبير داخل المجتمع المغربي، حيث أفاد بأنه مقابل 23 ألف طبيب مغربي يزاولون المهنة بالمغرب، يوجد ما بين عشرة آلاف و14 ألف طبيب مغربي يمارسون في بلاد المهجر، خصوصاً في أوروبا.

ووفق التقرير الرسمي ذاته، فإن واحداً من كل ثلاثة أطباء مغاربة تقريباً يمارس مهنة الطب خارج البلد، على الرغم من الحاجة الملحة في المغرب إلى كل أطبائه وإلى مزيد منهم.

ولفت المصدر ذاته إلى مشكل آخر يتمثل في “التوزيع غير المتكافئ لهذه الكوادر الطبية على التراب الوطني”، ذلك أن أكثر من نصف الأطباء يعملون في محور “الجديدة – الدار البيضاء – الرباط – القنيطرة، كما أن ثلثي المهنيين الصحيين يتمركزون في أربع جهات من المملكة، في حين يتوزع الثلث الباقي على ثمانية جهات أخرى (يضم المغرب 12 جهة، وكل جهة تضم محافظات وأقاليم).

وسبق لتقرير برلماني صدر في صيف عام 2021، أن سجل هجرة أكثر من سبعة آلاف طبيب مغربي، وأن عدد الأطباء المهاجرين في عام 2018 لم يكن يتجاوز 603 أطباء، ليتضخم العدد بشكل لافت خلال سنوات قليلة.

في السياق، سبق للمجلة الأوروبية للصحة العامة أن نشرت دراسة جاء فيها أن 71.1 في المئة من طلاب السنة الختامية في كلية الطب بالمغرب ينوون الهجرة.

دوافع الهجرة

ويعزو متخصصون ارتفاع نزيف هجرة الأطباء المغاربة إلى الخارج إلى عدد من العوامل الذاتية والموضوعية، يوجزها علي لطفي، رئيس الشبكة المغربية للدفاع عن الحق في الصحة والحق في الحياة، في “ظروف العمل الشاقة وهزالة الأجور والتعويضات وغياب الحوافز المادية”. ويشرح “بعد سبع سنوات من التحصيل العلمي وانتظار سنتين في الأقل، يجتاز الطبيب مباراة التوظيف ليتم تعيينه في مناطق بعيدة تفتقر إلى الحد الأدنى لشروط الحياة والعمل المهني والعيش الكريم، وبأجر شهري لا يتجاوز 840 دولاراً”. وزاد لطفي “قلة الأطباء المتخصصين تفرض على أغلبهم العمل ساعات إضافية (دوام الحراسة) بخاصة أطباء النساء والتوليد، وبسبب الإرهاق البدني والنفسي الذي يصل إلى حد الاكتئاب، يتجه عدد كبير منهم إلى طلب الإعفاء النهائي وتقديم الاستقالة، والهجرة”.

من جهته، يرى الدكتور الطيب حمضي، الباحث في السياسات والنظم الصحية، أن “الراتب ليس هو السبب الوحيد والرئيس في هجرة الأطباء المغاربة إلى الخارج، بل أيضاً ظروف العمل وظروف التكوين التي لا تتيح للطبيب التطور المهني والمعنوي والرقي الاجتماعي”.

ووفق حمضي، فإن سبباً رئيساً آخر يسهم في مغادرة الأطباء المغاربة للبلاد نحو بلدان أوروبا وأميركا، يتمثل في صورة الطبيب النمطية داخل المجتمع”، مشيراً إلى أن “هذه الصورة الرائجة عن الطبيب لا تساعده على البقاء لممارسة المهنة داخل البلاد”.

تداعيات على الوضعية الصحية

ويتخوف مراقبون ومهتمون بالشأن الصحي في المغرب من التداعيات الخطيرة لـ”نزيف الأطباء المغاربة إلى الخارج”، وهو ما يشرحه حمضي بالقول إنه “لا يمكن لأي منظمة صحية أن تكون جيدة وناجعة من دون توافر عدد كافٍ من الأطباء والمهنيين العاملين في المجال الصحي.

وأردف حمضي أن “مشروع تعميم التغطية الصحية الذي أعلن عنه العاهل المغربي الملك محمد السادس سيزيد الضغط على كاهل الأطباء داخل البلاد، حيث إن التغطية ستشمل زهاء 36 مليون مغربي، وهو عبء ثقيل على الموارد البشرية الحالية”.

ولفت المتحدث إلى مسألة الانتقال الديموغرافي أيضاً داخل المجتمع المغربي، فإن كل مواطن مغربي من بين كل عشرة مواطنين، بلغ أكثر من ستين سنة من العمر، وهذا الرقم سيتضاعف ثلاث مرات في أفق عام 2050، وهو ما يعني توجهاً نحو شيخوخة المجتمع، بالتالي الحاجة إلى أطر صحية إضافية.

واستطرد الباحث إلى أن هناك أيضاً مشكلاً آخر يتجسد في الانتقال من الأمراض السارية إلى الأمراض المزمنة التي تتطلب علاجات طويلة الأمد ومتعددة التخصصات (مريض واحد يستوجب علاجات القلب والكلى والعيون… إلخ)، الشيء الذي يستوجب الحاجة إلى مزيد من الأطر الصحية في خضم واقع هجرة الأطباء إلى الخارج.

وتشير الأرقام الرسمية إلى أنه إذا كان 23 ألف طبيب مغربي يمارسون المهنة داخل البلاد، فإن هناك حاجة إلى 32387 طبيباً إضافياً حسب المعايير الأساسية لمنظمة الصحة العالمية، كما أن المغرب بحاجة إلى أكثر من 64774 عاملاً صحياً.

 

 

 

تاريخ الخبر: 2023-02-14 21:27:18
المصدر: المغرب الآن - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

بسبب الهلال.. لجنة الانضباط تعاقب فريق الاتحاد السعودي وحمد الله

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 15:26:10
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 58%

طلبة الطب يعودون إلى الاحتجاج

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 15:26:25
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 57%

بسبب الهلال.. لجنة الانضباط تعاقب فريق الاتحاد السعودي وحمد الله

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 15:26:02
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 67%

طلبة الطب يعودون إلى الاحتجاج

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 15:26:19
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 67%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية