محمد الباز يكتب: صندوق الأستاذ الأسود.. القصة الكاملة لمقال هيكل الممنوع فى جريدة الوفد

 

- المقال كان عن «مؤتمر حقوق الأقليات» الذى نظمه سعد الدين إبراهيم وجاء بعد «رجاء» من جمال بدوى

- «الوفد» نشرت تنويهًا عن المقال لكنه لم يظهر فى العدد التالى حتى دون اعتذار للقارئ عن عدم النشر

- هيكل أرجع عدم النشر إلى غضب أعضاء الهيئة العليا للوفد من نشر مقال صديق لعبدالناصر

- فؤاد سراج الدين برأ الجميع وقال: «أنا وحدى صاحب قرار منع النشر» لكن الحقيقة أن كل الوفديين رفضوا النشر

 

الأمر كله تم بالصدفة، لم يكن هناك ترتيب، اللهم إلا تصاريف الأقدار، التى جعلت الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، الصحفى الأول فى تاريخ مصر، يقف فى خانة الممنوعين من النشر. 

مساء يوم الجمعة ١٥ أبريل ١٩٩٤ كان هيكل يحضر مأدبة عشاء أقيمت حفاوة بالدكتور على الدين هلال بمناسبة اختياره عميدًا لكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة. 

فى هذا اللقاء دار حوار حول المؤتمر الذى دعا إليه الدكتور سعد الدين إبراهيم، مدير مركز ابن خلدون فى القاهرة، وكان موضوعه «حقوق الأقليات فى العالم العربى والشرق الأوسط». 

رأى المشاركون فى العشاء أن القضية تستحق الدراسة بالفعل، لولا أن القائمين على تنظيم المؤتمر وضعوا أقباط مصر ضمن أقليات العالم العربى والشرق الأوسط، وسأل أحد الحاضرين الأستاذ هيكل هل سيحضر المؤتمر ويشارك فى أعماله، فأجاب بالنفى القاطع، وبدأ يشرح وجهة نظره بالتفصيل فى القضية كلها. 

على القرب منه كان يجلس الأستاذ جمال بدوى، الذى كان وقتها يترأس تحرير جريدة الوفد، فطلب من هيكل أن يكتب مقالًا برأيه فى المؤتمر تنشره جريدة الوفد، لكن هيكل اعتذر بأدب شديد، واقترح على بدوى أن يكتب هو أو يستكتب من يشاء من الكتّاب الذين لهم نفس رأيه وهم كثيرون. 

لم يقتنع بدوى بما قاله هيكل. 

ظهر يوم السبت ١٦ أبريل ١٩٩٤ وجد هيكل جمال بدوى يتصل به ليعيد عليه اقتراحه بالكتابة فى الوفد، بل يخبره أنه عرض الفكرة على صديقه فؤاد سراج الدين، رئيس الحزب، الذى أيد الفكرة بحماسة شديدة، بل وتمنى لو كتب هيكل فى الوفد كل أسبوع. 

لم يبد هيكل ترحيبه بالدعوة للكتابة فى الوفد للمرة الثانية، وكانت لديه أسبابه، لكنه وكما قال لبدوى: مع عرفانى لبواعث هذه الدعوة فإننى لأسباب كثيرة لا أستطيع قبولها إلا فى إطار محدود، وبالتالى فإننى تقديرًا لك واحترامًا للأخ الكبير الأستاذ فؤاد سراج الدين، وهو صديق قريب لأكثر من أربعين عامًا، سوف أكتب لجريدة الوفد برأيى فى الموضوع، ولكنى سأجعل كتابتى على شكل رسالة موجهة إليك لكى يكون واضحًا وجليًا أنها مرة واحدة ولمناسبة اقتضتها، وهذا هو كل شىء. 

قبل جمال بدوى هذه الصيغة، وبدأ يطارد هيكل ليحصل منه على المقال، وأخبره بأنه سيسافر إلى الصين ضمن الوفد المرافق للرئيس مبارك، ولا بد أن يتسلم منه المقال قبل السفر. 

سأله هيكل عن موعد السفر بالتحديد، ولما أخبره بأن طائرة مصر للطيران سوف تحمل الصحفيين إلى الصين صباح الثلاثاء ١٩ أبريل، أكد له هيكل أن المقال سيكون على مكتبه بعد ظهر الإثنين، وهو ما جرى بالفعل. 

قرأ جمال بدوى ما أرسل به هيكل، وتواصل معه على الفور وصوته مفعم بالمودة، وبدأ يحدثه عن بعض التفاصيل الفنية، فقد استقر على أن ينشر المقال فى عدد الخميس ٢١ أبريل، وهو العدد الأسبوعى من الجريدة، وسوف يضع إشارة إليه فى الصفحة الأولى بعدد الأربعاء، ويرسل إليه بروفة من المقال بعد جمعه وتصحيحه، وسينتظر ملاحظات الأستاذ. 

صباح الأربعاء، صدرت جريدة الوفد بالفعل، وفى الركن الأعلى من جانبها الأيسر إشارة إلى ما كتب هيكل، وأن الجريدة سوف تنشره غدًا فى عدد الخميس. 

ولأن هيكل هو من كتب، فقد اتصلت به صحف عربية كثيرة تطلب منه نشر ما كتب للوفد، لكنه اعتذر للجميع، لأن ما كتبه يخص الوفد وحدها، وكل ما جرى أنه سمح لجريدة «الأهرام ويكلى» التى تصدر باللغة الإنجليزية عن مؤسسة الأهرام- بيت هيكل الكبير- أن تنشر ما كتب نصًا. 

المفاجأة أن جريدة الوفد صدرت صباح الخميس دون مقال هيكل، حدث هذا دون أن يخبره أحد بما جرى، ولا لماذا لم ينشر المقال فى موعده، كما وعدت الجريدة قراءها، ودون حتى أن يعتذر له أحد، أو حتى الاعتذار للقارئ عن حجب مقال لكاتب بقدر وقيمة وقامة محمد حسنين هيكل. 

المفارقة المضحكة أن المقال نشر بالفعل فى «الأهرام ويكلى» مترجمًا، وفى بدايته الرسالة التى وجهها هيكل لجمال بدوى، فقد كان شرطه أن ينشر المقال نصًا. 

كان المقال عنوانه «أقباط مصر ليسوا أقلية وإنما جزء من الكتلة الإنسانية الحضارية للشعب المصرى»، وجاءت فى مقدمته رسالة هيكل لجمال بدوى على النحو التالى: «عزيزى الأستاذ جمال بدوى.. إنك تفضلت وسألتنى عندما التقينا آخر مرة عما إذا كنت سوف أشترك فى مؤتمر عن حقوق الأقليات فى الوطن العربى والشرق الأوسط يقام فى القاهرة أواسط الشهر القادم، وأجبتك بالنفى، وأبديت استغرابك لأنك رأيت اسمى مطبوعًا ضمن قائمة المشاركين مرفقة ببطاقة دعوة، وأما أنت فقد اكتشفت أنك مشارك دون أن يبعث أحد بقائمة أو ببطاقة، ولقد اتفقنا بسرعة على أن ازدحام المؤتمرات فى القاهرة واللقاءات والندوات ظاهرة صحية، لكنها قد تكون أصح إذا ما جرى الالتزام بأصول وقواعد جديرة بأن تراعى، وبينها المعرفة المسبقة بموضوع البحث: ما هو؟ وبالداعين إليه: مَن هم؟ وبالمستفيد من الجهد المبذول: ماذا يطلب؟». 

ويحاول هيكل الإجابة متحدثًا لبدوى، يقول: «إن حلقات الفكر المنظم ليست فيض فيلسوف أو تجليات صوفى، وإنما هى جهد مركز مكثف لاستخلاص وانتزاع آراء واجتهادات تدخل أغلب الأحيان فى تشكيل مواقف وسياسات، ومن هنا فإن الشفافية إلى أقصى درجة تصبح من حق الناس إذا كان مطلوبًا منهم أن يقولوا أو أن يشرحوا، وتذكر أننا حين عرضنا بسرعة لمؤتمر حقوق الأقليات فى الوطن العربى والشرق الأوسط- رأينا أمره ثم رجحنا حسن نية القائمين عليه، لكننا اتفقنا أيضًا على أن حسن النية قد يشفع للخطأ، ولكن يبقى التصحيح واجبًا. 

حاول هيكل فى مقدمة كتبها قبل نشر المقال فى جريدة الأهرام أن يفسر سبب منع المقال، قال: «بعض الأصدقاء تطوعوا بإبلاغى أن نشر إعلان مسبق عما كتبت استفز جمعًا من بعض أعضاء الهيئة العليا للوفد وغيرهم، وأبدوا عدم رضاهم إلى درجة الغضب عن (كيف يمكن أن تنشر جريدة الوفد شيئًا لكاتب صحفى كان صديقًا لجمال عبدالناصر)، ثم قيل لى إن الصديق الكبير الأستاذ فؤاد سراج الدين راح يدافع عن دعوة رئيس تحرير الوفد لى وعن تأييده لهذه الدعوة، وكان من بين ما قاله إن الكاتب لم يتطوع بالكتابة لجريدتنا وإنما نحن من طلبنا منه أن يكتب واستجاب، ثم إنه ليس فى حاجة إلى أن ينشر رأيه عندنا، فصحف الدنيا مفتوحة أمامه عندما يريد، ثم ورد فى كلامه ما هو أهم وأكبر». 

اهتم هيكل بتوثيق ما قاله فؤاد سراج الدين دون أن يشير إلى من نقل له الكلام، أو أنه من سمعه منه بنفسه، يقول هيكل: قال الرجل «نحن نقول للناس نحن حزب ليبرالى يؤمن بتعدد الآراء، ونحن نقول للناس إننا حزب ديمقراطى يتسع للحوار، ونحن حزب يقول إنه ضد أى رقابة على النشر فكيف نفرض رقابة على مثله؟ وإذا كنا نفعل ذلك ونحن حزب فى المعارضة فما الذى يمكن أن ينتظره الناس منا إذا ما وصلنا إلى الحكم؟ ثم كان تساؤله الحائر: وإذا لم ننشر غدًا فماذا نقول للناس؟».

ويعلق هيكل على الموقف كله بقوله: «وانتهى الأمر بأن جريدة حزب الوفد لم تنشر ولم تقل للناس إيضاحًا». 

لم يكن صحيحًا- فيما يبدو- ما استمع إليه هيكل عن فؤاد سراج الدين، أنه مَن كان يقف وراء منع المقال، وقد قال ذلك صراحة فى حوار صحفى بعد الأزمة. 

كان السؤال: ما الحقيقة حول الضجة الكبرى التى تناقلتها الصحف حول منع مقال الأستاذ هيكل من النشر فى جريدة الوفد؟ 

وكانت إجابة فؤاد سراج الدين: حقًا هى زوبعة، ولكنها زوبعة فى فنجان، ولست أفهم معنى لهذه الضجة التى افتعلتها بعض الصحف حول منع نشر مقال للأستاذ هيكل، ومع ذلك فالأستاذ هيكل لم يرسل مقالًا، بل أرسل رسالة منه موجهة إلى الأستاذ جمال بدوى رئيس التحرير، وكان فى رحلة الصين مع السيد الرئيس. 

تجدد السؤال: لكن مَن تدخل لوقف النشر؟ 

وتجددت الإجابة: لم يتدخل أحد مطلقًا فى هذا الموضوع، سواءً من أعضاء الهيئة العليا أو من أعضاء الحزب، وأنا وحدى صاحب قرار منع النشر. 

لم يكن فؤاد سراج الدين صادقًا فى كلامه، وهذا ليس على سبيل التخمين، فلدىّ شهادة على الواقعة كلها، نُشرت بأثر رجعى، ففى عدد مجلة الهلال فبراير ٢٠١٩ كتب عباس الطرابيلى قصة مقال هيكل الممنوع فى الوفد. 

لم يكن الطرابيلى موفقًا فى رواية الجزء الذى لم يشهده من الواقعة، ولذلك قال: أغلب الظن أن زميلى ودفعتى بقسم الصحافة مع الراحل العظيم مصطفى شردى، وكان من أصحاب الرأى المستنير- يقصد جمال بدوى- كان يهدف إلى جذب قطاعات كانت تهوى وتعشق مقالات هيكل، فاقترح عليه أن يكتب مقالًا- قد يصبح أسبوعيًا- فى جريدة الوفد دون أن يحسب رد فعل الباشا سراح الدين، رئيس الوفد وزعيمه، وكان جمال ذكيًا وموفقًا فى خطوته هذه، إذ استطاع أن يقنع فؤاد باشا بهذه الفكرة دون أن يعرضها بنفسه على قيادات الهيئة العليا للوفد وكبار شخصياته. 

لم يكن فى الأمر اقتراح بكتابة دائمة من هيكل للوفد.. الحكاية كلها كانت وليدة للصدفة، وربما لهذا قال الطرابيلى «أغلب الظن»، ما حدث بعد ذلك حكاه الطرابيلى على سبيل اليقين وليس الظن، لأنه كان طرفًا فيه. 

يقول: حدث أن سافر جمال بدوى مرافقًا للرئيس حسنى مبارك فى زيارته للصين ضمن رؤساء تحرير الصحف المصرية، وكلفنى الزميل جمال بدوى بمتابعة الأمر، واستلام المقال من الأستاذ هيكل ونشره فى جريدة الوفد، وتسلمت المقال وقمت بإعداده للنشر بصفتى مديرًا لتحرير الوفد، وفجأة اتصل بى فؤاد باشا وطلب منى إيقاف نشر المقال والاتصال بالأستاذ هيكل للاعتذار لسيادته عن عدم نشر المقال، وشرح لى الباشا أسباب التراجع عن هذا النشر، قال لى فؤاد باشا إن كبار الوفديين اعترضوا ورفضوا بشدة أن تصبح جريدة الوفد مكانًا لنشر أفكار ومقالات الأستاذ هيكل. 

يرسم الطرابيلى صورة لما جرى، فقد تساءل الوفديون: هل نسينا كل هذا العداء من الأستاذ هيكل ضد الوفد ورجالاته وأفكاره، وأن تصبح صفحات جريدة الوفد منبرًا للأستاذ هيكل.. واستجاب الباشا سراج الدين لوجهة نظر قيادات الوفد ومفكريه ومنهم أحمد أبوالفتح، رئيس تحرير المصرى القديم لسان حزب الوفد، وأيضًا إحسان عبدالقدوس الذى كان يكتب مقالًا أسبوعيًا على صفحة كاملة من جريدة الوفد، وأيضًا مصطفى أمين صاحب دار أخبار اليوم، ولم تكن قيادات الوفد وحدها التى اعترضت على أن يكتب هيكل فى الوفد بل كانت كل قيادات ولجان الوفد فى المحافظات وبالذات فى بورسعيد والإسكندرية والغربية وأسوان والبحيرة والجيزة، واقتنع فؤاد باشا بوجهة نظرهم وتناسى حواراته الطويلة مع الأستاذ هيكل وإبراهيم شكرى وهم فى معتقل السادات إلى أن أفرج عنهم حسنى مبارك فى بداية حكمه. 

ويقول عباس الطرابيلى ما ينفى رواية هيكل، الذى أكد أن أحدًا لم يعتذر له أو حتى يتحدث معه مجرد حديث عابر من جريدة الوفد. 

يحكى عباس: كلفنى الباشا سراج الدين بالاعتذار للأستاذ هيكل، وكانت مهمة صعبة للغاية، ولكن الأستاذ قال لى: تعرف.. كنت أتوقع اعتذار الوفد عن عدم النشر. 

فهل كان رد الأستاذ نابعًا من مصادر معلوماته، أم أنه كان يتوقع ذلك لسابق معرفة بالمعارك القديمة بينه وبين الوفد؟ 

ويختم الطرابيلى شهادته بقوله: ولما عاد جمال بدوى من رحلته مع الرئيس مبارك للصين، وما أن عرف بالقصة حتى ذهب للقاء الباشا فى قصره بجاردن سيتى، ولما لم يقتنع قدم جمال استقالته من رئاسة تحرير جريدة الوفد، وهى الاستقالة الأولى، ولكن لأن جمال كان من أفضل من يفكر ويخطط فقد قبل مساعى بعض شخصيات الوفد وفى مقدمتهم إبراهيم باشا فرج- وكان يحب جمال بدوى- وتراجع عن استقالته. 

منع مقال هيكل من النشر فى جريدة الوفد أحدث ارتباكًا كبيرًا داخل الحزب، وهو ما يبدو فى الاستطلاع الذى أجرته جريدة مايو لآراء قيادات الحزب فى القضية ونشرته فى ٢٥ أبريل ١٩٩٣. 

فى الاستطلاع أكد مصطفى ناجى، السكرتير السابق لفؤاد سراج الدين، أن منع النشر «نوع من الجليطة» وقلة الذوق وإحراج لكل من فؤاد سراج الدين وجمال بدوى وهيكل، وهذا الإحراج يتمثل بالنسبة لرئيس الحزب فى أنه وافق أولًا على نشر المقال ثم عاد وتراجع وقرر المنع، مما أفقد الحزب مصداقيته أمام جميع القراء والمواطنين بأنه حزب بتركيبته الحالية ينادى بالديمقراطية ولا يمارسها، ينادى بحرية الرأى ولا يطبقها، ينادى بتعدد الآراء وهو يصادر الرأى الآخر. 

وقال ناجى: إن منع نشر المقال وجّه ضربة قاصمة للتراث التاريخى للوفد الذى قام على أساس وحدة عنصرى الأمة، فالمقال كان يؤكد أن الأقباط ليسوا أقلية فى مصر بل هم نسيج واحد وعنصر واحد لشعب واحد، ورفض فؤاد سراج الدين لنشر هذا المقال يزعزع الثقة فى مدى مصداقية هذا التراث ويشكك فى بنيانه التاريخى الذى قام على وحدة عنصرى الأمة. 

تساءل مصطفى ناجى عن موقف جمال بدوى من هذا التدخل فى سلطته، وقال «ما معنى مسئولية رئيس التحرير؟ إنه هو المسئول عن المادة التحريرية، فكيف يأتى له قرار بمنع النشر، خاصة بعد أن أشار إلى المقال وميعاد نشره، إنها فضيحة صحفية بكل المقاييس وجليطة ليست غريبة عن الحزب». 

وتعجب ناجى من موقف سراج الدين الذى سمح فى الأربعينيات للدكتور أحمد السكرى، وكيل جماعة الإخوان المسلمين، بالكتابة فى جريدة «صوت الأمة» التى كان يملكها وتعتبر أحد أصوات الوفد، فما الذى اختلف، وما هى القاعدة التى تحكم هذا السلوك؟ 

ويتساءل ناجى مرة أخرى: هل لأن السبب اليوم أن هيكل ناصرى؟ ألم يكن مصطفى شردى عضوًا بالتنظيم الطليعى الذى أسسه نظام عبدالناصر؟ وألم يكن نعمان جمعة نفسه رجلًا من رجال سامى شرف؟ وأليس عبدالعزيز محمد أحد القيادات الناصرية بل كان رئيس اللجنة القومية لتخليد ذكرى عبدالناصر؟ وهل نسى أن أيمن نور كان معتقلًا بسبب انتمائه للجماعات الإسلامية؟ أليس هؤلاء جميعًا من أعمدة الوفد اليوم؟ 

ويفتح ناجى مساحة جديدة يقول: ماذا كان يضير الوفد من نشر مقال هيكل اللهم إلا خوف بعض كتابه من قيام القراء بالمقارنة بين أسلوب هيكل، الذى مهما اختلفنا معه فهو مقروء، وبين أسلوبهم وهم يعلمون جيدًا المستوى الذى وصل إليه؟ أعتقد أنه عيب أن يفعل الوفد هذا مع صحفى كبير وما زال له شأن. 

الدكتور محمد عصفور، عضو الهيئة العليا لحزب الوفد، وجدها فرصة لانتقاد الأوضاع الداخلية للحزب، قال إن عدم نشر المقال يعد تصرفًا غريبًا ومصادرة وحجرًا على الآراء، ونفيًا لقضية الديمقراطية التى يدعى الحزب أنه يتبناها باعتباره حزبًا ليبراليًا، والغريب أن موضوع المقال يتناول قضية الوحدة الوطنية التى اعتبرها إحدى القضايا المصيرية التى قام وتأسس الوفد على تبنيها، ولكن هذا الموقف يتفق مع الوضع الحالى داخل الحزب أو الجريدة، حيث أصبحت القرارات تصدر بشكل فردى ومتناقض دون تفسير أو تبرير، والغريب أننا كنا قديمًا نشكو من الرقابة الحكومية، واليوم أصبحنا نشكو من الرقابة على أنفسنا، وهى أمور مرفوضة. 

وفى محاولة منه لإدانة جمال بدوى، رئيس تحرير الوفد، قال عصفور: هناك اتجاه داخل الحزب ومنذ فترة بإقالة جمال بدوى من منصبه كرئيس لتحرير الوفد، ولذلك فإن الأنباء التى ترددت عن اعتزامه تقديم استقالته هى أنباء تدعو للدهشة لأنه لو فعلها سيكون هذا موقفًا عنتريًا وهميًا لأنه يعلم أن إقالته أمر مطروح بقوة داخل الهيئة العليا للحزب. 

الدكتور نعمان جمعة، عضو الهيئة العليا للحزب، دافع عن نفسه، وقال: هناك رئيس مجلس إدارة للجريدة ورئيس تحرير يحددان ما هو المسموح بنشره أو عدم نشره.. وأضاف أن «الوفد» ليست صحيفة حزبية بل يعتبرها صحيفة مستقلة لا يتحكم فيها الحزب، وهى تنشر آراءً وأفكارًا مختلفة، وما حدث من منع نشر مقال هيكل هو أمر داخلى للجريدة، وأنه لا يستطيع التدخل فى سياسة الجريدة. 

كان يمكن لنعمان جمعة أن يصمت لكنه قال ما أكد أنه يتهرب من الحديث عن حقيقة ما جرى، قال: لقد قرأت التنويه عن مقال هيكل فى وفد الأربعاء ولم أعط الموضوع أى اهتمام، واعتبرته مثل أى خبر أو موضوع سينشر فى الوفد، وعندما لم ينشر المقال لم أعط الموضوع أيضًا أى اهتمام، ولم أحاول معرفة ملابسات المنع أو عدم النشر. 

إبراهيم فرج الذى تدخل ليتراجع جمال بدوى عن استقالته- كما قال الطرابيلى- رفض أن يتحدث لجريدة «مايو» عن الأزمة، واكتفى بالقول إن ما حدث مشكلة خاصة بفؤاد سراج الدين وجمال بدوى وليس له الحق فى الخوض فيها. 

الغريب أن جريدة «مايو» سألت إبراهيم فرج عن موقف الهيئة العليا للحزب، الذى هو عضو فيها، وهل اتخذت قرارًا بعدم النشر، فأجابها: احتمال أن تكون الهيئة قد أصدرت قرارًا بعدم النشر. 

ياسين سراج الدين، أمين الوفد بالقاهرة، كان موقفه مرتبكًا، قال: أعتقد أن جمال بدوى عند حضوره من الخارج سنطرح عليه أسباب عدم النشر ووقتها يقرر ما إذا كان سيبقى فى منصبه أو سيرحل، لكن اتهام بعض أعضاء الهيئة العليا بأنهم السبب فى عدم نشر مقال هيكل أمر غير مؤكد. 

ختمت مايو استطلاعها بالحديث مع فهمى ناشد، القطب الوفدى الكبير، الذى كان نائبًا لرئيس اتحاد المحامين العرب، الذى قال: إذا استدعينا تاريخ الوفد القديم فى التزامه المبدئى بالديمقراطية والوحدة الوطنية، فلا يكون مفهومًا أبدًا ذلك الموقف الذى اتخذه الوفد بمنع نشر مقال هيكل، لأن هذا المنع من شأنه أن يوحى بالتناقض التام بين الوفد القديم والجديد، والذى يهدم مصداقية الالتزام التاريخى لحزب الوفد فى تلك القضية المزدوجة التى دافعت عنها ثورة ١٩١٩ بقيادة سعد زغلول، والتى دعمت مبدأ المواطنة بين المسلمين والأقباط فى النضال الوطنى. وأكد فهمى ناشد أن سلوك الوفد أكد أن هناك بعض العناصر داخل الحزب تعيش فى مفاهيم حزبية أو انتخابية ضيقة جدًا لا ترقى إلى المستوى الوطنى التاريخى، بل إن هذه القيادات لا تعى تلك المؤامرة التاريخية التى تستهدف تدمير الوطن وتخريبه وهز التنمية والأمن والاستقرار، بل إننى أتهمها بمساعدة تلك الجماعات الإرهابية التى تعمل فى الداخل بإيعاز من عناصر بالخارج لإحداث الفرقة والانقسام بين أبناء الوطن الواحد.

تاريخ الخبر: 2023-02-18 00:21:11
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 63%

آخر الأخبار حول العالم

إسرائيل: استخدام منشورات ورسائل لتشجيع المواطنين على الإجلاء

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 09:22:25
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

جيش الاحتلال الإسرائيلي يدعو سكان شرق رفح إلى "الإخلاء الفور

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 09:22:14
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 55%

لماذا يريد جيش الاحتلال إخلاء 1000 فلسطيني من رفح الفلسطينية

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 09:22:20
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 69%

من أجل سلامتكم عليكم بالإخلاء.. ماذا طلبت إسرائيل من سكان رف

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 09:22:33
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 60%

البنك المركزي الصيني يضخ ملياري يوان في النظام المصرفي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 09:22:39
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 56%

الدوري الإسباني.. النصيري يواصل تألقه

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-06 09:25:16
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 61%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية