نفوذ باريس في إفريقيا يتلاشى وبوركينافاسو تعلن رسميا إنزال العلم الفرنسي


أعلنت القوات المسلحة البوركينية، أمس الأحد 19 فبراير الجاري، أن بوركينا فاسو وفرنسا احتفلتا رسمياً بانتهاء العمليات العسكرية الفرنسية في الدولة الواقعة في غرب إفريقيا، وذلك بعد مراسم إنزال العلم في معسكر القوات الخاصة الفرنسية، أول أمس السبت.

 

وكانت بوركينا فاسو قد أعلنت في يناير منح فرنسا شهراً واحداً لسحب قواتها بعد إنهائها اتفاقاً عسكرياً سمح للقوات الفرنسية بقتال المسلحين على أراضيها. حيث قالت بوركينا فاسو إن قرار إنهاء الاتفاق يأتي في إطار رغبتها في الدفاع عن أراضيها بنفسها.

 

ويمثل رحيل القوات الفرنسية فصلاً جديداً في الصراع الدائر بين بوركينا فاسو والجماعات المرتبطة بتنظيمي “القاعدة وداعش” والتي استولت على مساحات شاسعة من الأراضي وشردت الملايين من الناس في منطقة الساحل وما خلفه من اضطراب في المنطقة.

 

من جهة أخرى، باتت فرنسا “دولة تصاب بالخيبات” في العديد من مناطق نفوذها القديمة ولا تملك أوراقا للضغط واقتراح الحلول سواء في الملف النووي الإيراني أو الملف العراقي وكذا اللبناني مرورا بالقضية الفلسطينة وكذا الأزمات المتتالية مع الجزائر وآخرها المغرب، وحتى في الحرب الروسية الوكرانية، وهو ما أشار إليه عبد الفتاح نعوم، المحلل السياسي، بتطرقه إلى “لهفة الرئيس ماكرون إلى لقاء وزير خارجية إيران أمير عبد اللهيان، خلال قمة بغداد الثانية التي احتضنها البحر الميت نهاية العام الماضي، وهرولته نحو استقبال رئيس وزراء العراق قبل أيام، يتساءل حتما عن أي أوراق تمتلكها فرنسا في الشرق الأوسط ومشكلاته المعقدة حتى تقفز نحوها على هذا النحو، وعلى أي رصيد تاريخي جيوسياسي في القارتين الأوروبية والإفريقية تبني “بلاد الغال” شطحاتها المفاجئة تلك؟.

 

وأضاف نعوم في تدوينة على صفحته الشخصية بموقع “فيسبوك”، أن البلد الأوروبي الذي غادر الشرق الأوسط مهزوما، بعد الحرب العالمية الثانية، وكل الأدلة تؤكد على مغادرته مناطق نفوذه الإفريقية، بل وحتى عجزه عن قيادة الحالة الأوروبية، ما يزال مصرا على الزعم بأنه يمتلك أوراقا ما، وأنه بإمكانه أن يدير ملفات شرق أوسطية، بالرغم من أن هذه المنطقة قد عاشت جلاء فرنسيا وبريطانيا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ثم قيام حلف بغداد في العام 1955، وأيضا بالرغم من أن السياق الراهن الذي يرتبط بالسياسة الخارجية الفرنسية إنما هو سياق فشلها في مختبر الساحل والصحراء، ذلك أن عمليتها العسكرية التي انطلقت تحت مسمى “برخان” منذ العام 2014 قد فشلت فشلا ذريعا، وتحالف دول الساحل الخمس آل إلى “لا شيء” بعد غياب كل زعمائه الخمسة إما بانقلاب أو اغتيال أو انتخابات.

 

وأشار المتحدث نفسه، إلى أنه “في المحصلة، يسوغ لنا أن نتساءل هل فرنسا الفاشلة في مكافحة إرهاب الساحل عسكريا عبر تحالفها وعملياتها، أو سياسيا عبر اتفاق السلم والمصالحة الذي رعته في الجزائر منذ العام 2015، سيكون لها من مساهمة في الحالة الشرق أوسطية، أم أنه فقط ارتباك ما بعد الاتفاق الثلاثي الموقع بين المغرب والولايات المتحدة وإسرائيل نهاية العام 2020؟، حيث أنها وتزامنا مع وصولها إلى ذروة الهبوط، وصل المغرب إلى ذروة الصعود ممسكا بزمام الريادة الإقليمية، ومترجما تحوله نحو “قوة إقليمية عظمى” تنسج إلى جانب بريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية معادلات وتحالفات ضفتي الأطلسي، وليس غريبا أن هاتان الأخيرتان قد أقدمتا بعد أشهر قليلة عقب الاتفاق الثلاثي على تعديل الميثاق الأطلسي دون أن تأبها بكل أوروبا، وليس فرنسا فقط”.

 

وأضاف نعوم، أنه “إذا كانت الورطة الاستراتيجية الكبرى التي جنت على فرنسا ومعها أوروبا قد تلخصت في المسألة الأوكرانية، وهي المسألة التي لم ترسم فيها شيئا لا أوروبا ولا فرنسا معها، فإنه يمكن القول أيضا أن كل ضعف وتراجع وفشل فرنسا آت في الحقيقة مما جنته يداها بالأمس القريب في ليبيا، متسببة في سقوط نظام القذافي بطريقة تكاد تكون نسخا غبيا لطريقة إسقاط نظام صدام حسين، ولا تختلف عنها سوى في اجتهاد فرنسا في العام 2011 من أجل إنتاج قرار لمجلس الأمن قبل خوض المغامرة، وماتزال زيارة وزير خارجيتها حينئذ آلان جوبيه إلى نيويورك لإقناع المتخوفين وعلى رأسهم ألمانيا ورسيا والصين، ماتزال شاهدة على الحماس الفرنسي الذي حوّل الحظر الجوي إلى قصف جوي ما انتهى بليبيا إلى كارثة حولتها إلى خزان بشري خرجت من رحمه كل مشكلة الساحل والصحراء.

 

وأبرز أنه “لاشك أن عقلاء فرنسا اليوم يتأملون كيف أن بلادهم التي سقطت بعد عهد المخضرم جاك شيراك في أيدي حفنة من الهواة، قد أغرقت نفسها في مستنقع ما إن انتبهت إليه حتى طرقت مشكلات كورونا وسلاسل الإمداد ثم أوكرانيا الأبواب، وما كادت تستفيق من الصعقات المتتالية حتى وجدت أن تموضعات كبرى تنتسج وهي حكما وحتما خارجها، ولم تعد أمام انسحابها من مالي وطردها من بوركينا فاسو، وقطع أملها في إيجاد موقع ضمن النزاع الحدودي البحري الصومالي الكيني، حيث حسمته محكمة العدل الدولية لصالح الصومال، وبالتالي لفائدة شركات التنقيب البريطانية عن النفط، فضلا عن فشلها في صفقة الغواصات الاسترالية، ولم يعد في الإمكان الانتقام على نحو انتقام ساركوزي من القذافي بعد تخلفه عن الوفاء بوعوده القاضية باقتناء الرافال والرويال ميراج.

 

في وجه رصيد الفشل المتراكم هذا، يُضيف نعوم لم تجد “بلاد الغال” وهواتها الجدد من بُدّ سوى البحث عن دور ما في شمال إفريقيا، فمادامت الأوراق قد نضبت في الساحل والصحراء الذي وضعه الناتو من مدريد على رأس أولوياته، ويعتبره مجلس الأمن منذ العام 2013 خطرا لا فكاك من إنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية من أجل تحييده وإنهائه، لتتفتق “العبقرية الماكرونية” عن معادلة قوامها “فقدان الدور هو الدور”، لاسيما وأن ثمة دولة في شمال إفريقيا ما تزال تتصرف بصفتها إقليما فرنسا إفريقيا، وتتلاقى أهداف نخبها العسكرية الحاكمة بالجملة مع “أمها” الأوروبية، خصوصا وأن الصحراء المغربية موجودة ضمن كل هذا الزخم، وهي نفسها عنوان التحالف الأطلسي الجديد، بكل مضامينه الأمنية والاقتصادية والبيئية.

 

وأشار نعوم إلى أن فرنسا عملت على الاستثمار في التشويش الإقليمي منذ مطلع العام 2021، ودفعه نحو حدوده القصوى، ولولا فشل السلاح الروسي في اختبار أوكرانيا، لبقي صخب حديث قادة المرادية عن الحرب مستمرا إلى الآن، وحيث أن ذلك لم يعد ممكنا، فقد توارى الوكيل الفرنسي الإفريقي وظهر الى العلن الأصيل الفرنسي الأوروبي، راميا كل أوراقه المهترئة المتبقية بين أنامله المرتعشة، وبدأنا تاليا نطالع هجمات من البرلمان الأوروبي تستهدف المغرب يقودها نواب فرنسيون، أو تقليص عدد التأشيرات الممنوحة للمغاربة أو حل مجلس فرنسا للديانة الإسلامية، أو ما شابه من سلوكات هي أقرب إلى طيش صبي غِرّ منها إلى تصرفات دولة ممتلكة لزمام الريادة.

 

وأضاف المحلل السياسي، “لعله من المفيد الإشارة قبل الختام إلى أن وضع فرنسا في هذا المضمار قد بلغ مداه خلال أيامنا هذه، لكن هذا النتيجة قد شرعت في الحقيقة تعتمل منذ أن أصبحت فرنسا مسرحا للحرب العالمية الثانية، لتخرج منها منهارة، وبفضل مشروع مارشال وجدت نفسها الدولة الوحيدة التي لم تتعرض لتقسيم ولا لحرب أهلية ولا استغرقت وقتا طويلا في إعادة الإعمار، فبدأت رحلة البحث عن هوية جيوسياسية في مستعمراتها نهاية الأربعينيات، ولم تكد تصل نهاية الخمسينيات حتى تحول ذلك البحث إلى صراع مع نخب ما بعد الاستقلال في تلك المستعمرات، وصولا إلى بحث عن موقع ريادي في أوروبا مع بداية السبعينيات عبر مشروع تأسيس قوة عسكرية أوروبية موازية للناتو”.

 

وقال نعوم : “جاءت التسعينيات وتغيرت الخريطة تماما، فالاتحاد السوفياتي قد غاب، وألمانيا توحدت من جديد، ولم يرفع الديك الفرنسي رأسه مجددا للبحث عن دور إلا مع اعتراض سبيل حرب بوش على العراق، ليخفت الصوت مجددا وتزيده أزمة العام 2008 إسكاتا، قبل أن ترمي البلاد آخر نرد لها في العام 2011 وما بعده، حتى لم يعد في الإمكان أبدع مما كان، وحتى بات الدور الفرنسي المنشود رهين تحولات أوروإفريقية هي عنوان أعظم تحول في التاريخ الإنساني، حيث الكل يجر بعضه بعضا إلى إفريقيا “لب الموضوع”، وحيث الكل بات موقنا أن القارة السمراء لا يقدر عليها سوى أبناؤها، وحيث أن فرنسا كغيرها باتت ملزمة بغسيل دماغ طوعي يضعها في حجمها الحقيقي، ذلك أن فكرة عميقة حملتها آية كريمة هي: “وتلك الأيام نداولها بين الناس”، لم يستوعبها بعد عقل ماكرون ومن يمثلهم، وكان عليه من باب أولى أن يستعين بمجلس مسلمي فرنسا لفهمها بدل حل المجلس، إذ لا شيء يستحق الحل أكثر من ذهنية الاستعمار المعششة في أذهان هؤلاء”.

تاريخ الخبر: 2023-02-20 15:25:16
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 65%
الأهمية: 85%

آخر الأخبار حول العالم

عنابة: استحداث لجنة لمتابعة تهيئة الواجهة البحرية

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:24:27
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 65%

ميلة: بعثـة من مجلـس الأمـة تعايـن مرافـق واستثمـارات

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:24:25
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 61%

أكّدت أن أي عملية برية ستؤدي إلى شل العمل الإنســاني

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:24:31
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 65%

والــي أم البواقي يكشف: مسـاع للتكفـل بالمستثمريـن عبـر 17 منطقـة نشـاط

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:24:28
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 50%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية