في كل مرة كانت السلطات الروسية تطبق فيها السيطرة على مدينة أوكرانية، كان بعض السكان المحليين، طواعية أو مرغمين، يهرعون للعمل في مصالح الإدارة الجديدة التي تنصّبها موسكو. اليوم مع عودة تلك المدن إلى سلطة حكومة كييف، أصبح يشار إلى هؤلاء بـ"المتعاونين"، كما أُطلقَت في حقهم حملات مطاردة واعتقال.

هؤلاء المتعاونون، كما تدعوهم السلطات الأوكرانية، لا يزال أغلبهم إمّا فارّاً وإما معتقَلاً ينتظر مصيره. فيما يعرف القانون الأوكراني بشأن هذا الملف ثغرات ومشكلات كثيرة، تَحُول دون تطبيق العدالة كاملةً في حق هؤلاء.

خدموا لصالح الروس

في إيزيوم، المدينة الصغيرة ذات الخمسين ألف ساكن، والتي وقعت بعد مقاومة شرسة في يد القوات الروسية في مايو/أيار الماضي. ومع إحكام الروس قبضتهم عليها، وفق "نيويوركر"، نُصّب عديد من السكان المحليين لإدارة المدينة، وتولى ضابط شرطة سابق يُدعى فلاديسلاف سوكولوف منصب القائم بأعمال رئيس البلدية.

وفي تصريح سابق له للجريدة المحلية "إيزيوم تلغراف" قال سوكولوف: "لدينا خطط ضخمة، وسوف تقدّم لنا روسيا دعمها في تحقيقها". وهي بمثابة شهادة موثَّقة على طواعية تعاونه مع السلطات العسكرية الجديدة.

والأمر مختلف قليلاً في حالة بافل غولوب، صاحب متجر للإلكترونيات قبل الحرب، تولى قيادة فريق للتنقيب عن الجثث ودفنها مقابل المساعدات الغذائية التي كان يمنحه إياها الروس، حسب رواية زوجته. فيما كان غلوب، حسب السلطات الأوكرانية، التي أعادت السيطرة على المدينة في شهر سبتمبر/أيلول، أحد موظفي الإدارة الروسية، و"لديه صورة وهو يحمل الراية الروسية" بفخر.

في كوبيانسك أيضاً أدار اثنان من المديرين السابقين للسكك الحديدية الجنوبية في إقليم خاركيف، في أثناء السيطرة الروسية، مركز السكك الحديدية للمدينة، ومن خلاله مكّنا الروس من إدارة خط إمداد جنودهم على الجبهة الشرقية، وتصدير الحبوب الأوكرانية بعد نهبها.

أما تيتيانا بوندارييفا، فكان المتعاونون مع القوات الروسية التي احتلت بلدتها هاتيش الحدودية شمال خاركوف، السبب الرئيسي في معاناتها. ولكونها زوجة أحد الجنود الأوكران، تعرَّضت للوشاية أكثر من مرة من جيرانها وزملائها في العمل، ما عرّضها للتعذيب وتهديد انفصاليي دونيتسك بالاغتصاب، بعد اعتقالها لسحب معلومات بخصوص تحركات الجيش الأوكراني، حسب قولها.

ما مصير المتعاونين الأوكرانيين مع موسكو؟

في خطاب ألقاه في مارس/آذار 2022، تَوعَّد الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي قائلاً: "أريد أن أخاطب هؤلاء المسؤولين الذين لم يمنعوا أنوفهم من الدخول في تعاون مع المحتلين (...)، إذا حدث إغراء أي منكم، فهو يوقّع الحكم الخاص به".

طبق هذه الأوامر الرئاسية، تقود السلطات الأوكرانية حملة اعتقالات واسعة ضد هؤلاء المتعاونين، الذي يُعَدّون اليوم بالعشرات مع غياب أي إحصاء رسمي مضبوط لعددهم، فيما يتحجَّج أغلبهم في أثناء الاعتقال بأنهم لم يكن لديهم خيار، سواء نتيجة تهديد الروس أو توقف الرواتب الأوكرانية عنهم.

وتروي "نيويوركر"، على لسان نائب رئيس الشرطة في إيزوم، دينيس شكون، أن الشرطة ووحدة المخابرات العامة تتحقق من أقوال المشتبه به مقابل روايات الشهود ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي والوثائق الروسية. بهذه الطريقة، وإذا بدت لهم الأدلَّة كافية لإجراء جنائي، فإنهم ينقلون القضية إلى المدّعين العامّين، الذين يقرّرون بدورهم ما إذا كانت ستُوجَّه الاتهامات في المحكمة.

ونقلاً عن نفس المصدر، حسب المدّعي العامّ في خاركوف أندري كرافشينكو، فـ"عموماً، يُعرَّف التعاون على أنه أي عمل هادف يضرّ بسيادة دولتنا وسلامة أراضيها"، لكن "بهذه الصيغة يضعنا هذا القانون أمام تعقيدات" لتحديد الاتهام في حق المشتبه بهم، وبناء الاقتناع القضائي بالإصرار على تنفيذهم تلك الأعمال.

كما يواجه القضاة معضلة الوشايات الكيدية، وهو ما تكشفه فيتا دومانسكا، مؤسسة منظمة "تشيسنو" غير الحكومية التي تعمل على تعقُّب المتعاونين وكشفهم، بقولها: "نحن ندرك التحيزات في هذا النوع من العمل. هذا هو سبب طلبنا دليلاً ملموساً، مثل المستندات الموقعة التي تُظهِر تعاوناً حقيقياً أو مقاطع فيديو تُظهِر التزاماً مؤيداً لروسيا في أثناء الاحتلال".

TRT عربي