ريبورتاج: معاناة وصبر وبطولات... أوكرانيات من بوروديانكا في زمن الحرب


إعلان

"لم أفهم بعد لماذا الروس هاجمونا وقتلونا ودمروا منازلنا وحياتنا"... هكذا تحدثت السيدة الثمانينية الأوكرانية أولغا فاسيليفنا التي عايشت الحرب العالمية الثانية والتي حسب رأيها كانت "أقل قساوة مقارنة بالحرب الروسية" على بلدها اليوم.

تعيش أولغا في بلدة بوروديانكا التي تقع على بعد 40 كيلومترا بشمال العاصمة الأوكرانية كييف. كانت من بين المدن الأولى، إلى جانب بلدة بوتشا، التي احتلتها القوات الروسية ونشرت دباباتها في شوارعها، بعدما قامت بإنزال عسكري كثيف في مطار هوستوميل المجاور.

بعد شهر من بسط سيطرتها على المدينة، أخرجت روسيا قواتها منها بعد فشلها في التقدم نحو العاصمة كييف. لكن آثار الحرب والمعارك العنيفة لا تزال واضحة على معالم المدينة التي تحاول تضميد جراحها واسترجاع شيء من حياتها القديمة التي كانت عليها قبل الغزو الروسي.

عائلة أولغا فاسيليفنا فقدت منزلها بسبب القصف الروسي تعيش في منزل تابع لإحدى العائلات في بوروديانكا. الشابة ماريا تحلم بمتابعة دراستها في الفنون التشكيلية بفرنسا أو إيطاليا. 15 فبراير/شباط 2023. © طاهر هاني/ فرانس24

لكن الأمر "ليس بالسهل" كما تقول أولغا التي تعيش في شقة صغيرة برفقة ابنتها نتاليا (54 عاما) وحفيدتها ماتشا ماريا (27 عاما): "هذه ليست شقتنا. منزلنا دمر بالكامل. عائلة من بوروديانكا اقترحت علينا العيش في هذا المنزل حتى عودة ابنتها من الخارج. قدمنا عدة طلبات للبلدية لكنها لم تستجب. اقترحت علينا غرفة واحدة في فندق بعيد. رفضنا".

"نخشى من هجوم جديد من قبل القوات الروسية المتمركزة في بيلاروسيا"

ورغم المساعدات الإنسانية التي تهاطلت على مدينة بوروديانكا من الخارج ومن الداخل، إلا أن وضع العائلات التي فقدت منازلها جراء القصف الروسي لم يتحسن كثيرا. ما دفع السلطات البولندية بالتعاون مع الحكومة الأوكرانية ومنظمات إنسانية دولية أخرى إلى تشييد مخيم موقت قرب ملعب المدينة لإيوائها.

ويقول مروز كونستنتين، نائب رئيس بلدية بوروديانكا: "لا نريد إعادة بناء المنازل والعمارات في الوقت الحاضر لأننا نخشى من هجوم جديد من قبل القوات الروسية المتمركزة في بيلاروسيا. هذا البلد المجاور يقع على بعد 70 كيلومترا فقط من هنا. نحن نعيش تحت تهديد الصواريخ والقنابل الروسية التي يمكن أن تسقط علينا في أية لحظة".

يأوي هذا المخيم 270 شخصا. وهناك إمكانية لتوسيعه من أجل استقبال 500 شخص. منظمات الإغاثة هي التي تقدم المساعدات الغذائية لساكنيه وقامت بتجهيزه بالمرافق اللازمة.

ورغم جهود الجمعيات لتحسين ظروف العيش بالمدينة، إلا أن "الخوف لا يزال سيد الموقف بين قاطنيها" حسب ما قالت نتاليا ابنة أولغا: "نشعر بالأمن في المنزل. بالمقابل عندما نذهب إلى مركز المدينة، ينتابنا الخوف. كنا نعرف الكثير من الناس هناك، لكنهم قتلوا. وهذا أمر مؤلم بالنسبة لنا".

وتابعت: "أقارن الحرب الروسية ضد أوكرانيا كانفجار محطة تشيرنوبل. الفرق الوحيد هو أن الانفجار قتل أناسا بشكل غير متعمد، في حين بوتين قتلنا بشكل إرادي وممنهج".

وأضافت الشابة ماريا (27 عاما): "قبل الحرب لم أكن أكرهه (تقصد الرئيس بوتين). لكن اليوم أشعر بغضب كبير اتجاهه. هو الذي أوصلنا إلى الحالة التي نعيش فيها".

متطوعون في كنيسة "الأيام الجميلة" التابعة لمدينة بوروديانكا ينسجون شباك لتغطية دبابات وطائرات الجيش الأوكراني ليهربوا من هموم الحرب. 15 فبراير/شباط 2023. © طاهر هاني/ فرانس24

وأردفت: "في البداية عندما قصفت القوات الروسية الحي الذي كنا نسكن فيه، برر بوتين ذلك بوجود عناصر مختبئة تابعة كتيبة "أزوف" (حركة نازية متطرفة) وعسكريين داخل المنازل، لكن في الحقيقة لم يكن هناك أحد، عدا المدنيين. والدليل 25 منهم قتلوا".

عريضة تدعو إلى تقديم بوتين أمام المحكمة الدولية

ليس بعيدا عن منزل عائلة أولغا فاسيليفنا في شارع "النص" بضاحية بوروديانكا، يوجد منزل ألينا (64 عاما) الواقع بشارع أوكروجنا وسط البلدة.

آثار القصف والدمار سرقت جمال العمارات الشامخة هنا منذ سنوات، لا سيما تلك الواقعة في وسط بوروديانكا. على واجهة إحداها وضعت لافتة كبيرة عليها رمز الاستجابة السريعة التابع للأمم المتحدة. فعندما يتم تصوير هذا الرمز عن قرب، يطلب التوقيع على عريضة تجرم الرئيس الروسي. أكثر من 300 ألف شخص وقعوا على هذه العريضة التي تدعو إلى تقديم فلاديمير بوتين إلى العدالة الدولية للمحاكمة.

عمارة دمرت من قبل الجيش الروسي في وسط بوروديانكا وضع على واجهتها رمز الاستجابة السريعة التابع للأمم المتحدة. فعندما يتم تصوير هذا الرمز عن قرب، يطلب التوقيع على عريضة تجرم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. © طاهر هاني/ فرانس24

ومقارنة بالزيارة التي قمنا بها في فبراير/شباط 2022 في بداية الحرب الروسية على أوكرانيا، أصبح الوضع بالمدينة بعد عام أحسن نوعا ما مما كان عليه. الحياة عادت إلى بعض الشوارع، فيما أعيد فتح بعض المحلات التجارية التي نهبت بضائعها من قبل الجنود الروس في 2022. 

هذا الغزو عاشته بشكل مباشر ألينا (64 عاما) التي لم تغادر منزلها طيلة استلاء الروس على المدينة. وقالت لفرانس24: "عشنا أوقاتا عصيبة. الدبابات كانت تمر قرب منزلي. قمنا بتغطية النوافذ بالبطانيات لمنع انفجار الزجاج".

وتابعت: "سيبقى يوم 2 مارس/آذار 2022 من أكثر الأيام ألما في حياتي. كنا نعيش بسلام وفجأة انقطع كل شي. الكهرباء والتدفئة والمياه... بقي لدينا فقط الإنترنت. كنا نسمع أصوات الرصاص والمدافع من كل الجهات. ابني كان يرتعش من الخوف. لم أستطع مساعدته لأنني مريضة. قمت فقط بحمايته بواسطة جسدي. بقينا في غرفة صغيرة ودرجة الحرارة لم تتعد 3 درجات مئوية".

ألينا (64 عاما) لم تغادر مدينة بوروديانكا حتى في أشد أيام الحرب. بقيت في منزلها برفقة ابنها وزوجها. اليوم تشعر بخيبة أمل إزاء سلطات المدينة كونها لا تستجيب لمطالبها، أبرزها تقديم لها مساعدات مالية. 15 فبراير/شباط 2023. © طاهر هاني/ فرانس24

وفي التاسع من مارس/آذار 2022، دخل جنود روس إلى منزلها وشعرت بخوف "لا يوصف". وأضافت: "قلت لهم ستقتلونني؟ أجابوا لا. نحن نبحث فقط عن زوجك. ثم سألوني عن رأيي بالروس؟. قلت لهم جدي كان جنديا في صفوف الجيش السوفياتي وشارك بالحرب العالمية الثانية. بعد ذلك غادروا المنزل وأخذوا معهم الصحون والملاعق وبعض المواد الغذائية".

وفي 11 مارس/آذار 2022، غادرت القوات الروسية مدينة بوروديانكا وخرج الناس إلى الشوارع "لفهم ما جرى في مدينتهم" حسب ما أخبرتنا... لتبدأ مرحلة جديدة من معاناتهم للبقاء على قيد الحياة.

وروت لفرانس24: "أشعر بالوحدة. السلطات لم تمد لي يد المساعدة. بالعكس قدمت أكثر للسكان الذين غادروا ثم عادوا إلى بوروديانكا وليس للذين مكثوا فيها وعانوا من ويلات القصف الروسي".

"السكان يطلبون المساعدة المالية من البلدية لإعادة بناء منازلهم بأنفسهم، لكنها ترفض"

حصلت ألينا على مساعدة مالية تقدر بحوالي 55 يورو من قبل الأمم المتحدة. كما تتقاضى منحة شهرية قيمتها حوالي 15 يورو تقدمها لها الدولة الأوكرانية. وهو مبلغ منخفض جدا لا يمكّنها من العيش بكرامة. لكن لحسن حظها يساعدها زوجها الذي يعمل في مستشفى عسكري.

وأنهت: "الوضع حاليا أفضل من الأيام التي كان يسيطر فيها الروس على المدينة. لكن في نفس الوقت السلطات المحلية أسوأ مما كانت عليه قبل الحرب. في السابق كنا ننتخب ممثلينا ونعرفهم جيدا ويساعدوننا. أما اليوم الحكومة في كييف هي التي ترسلهم إلى هنا وبالتالي لا يبالون بنا. ولكن رغم كل هذا، لن أغادر أوكرانيا".

نفس القرار اتخذته أولينة (57 عاما). فهي لا تريد مغادرة أوكرانيا مهما ساء الوضع في بوروديانكا. كانت تعمل في شركة متخصصة في بيع الهواتف النقالة لكنها فقدت كل شيء بسبب الحرب ودمر منزلها.

أولينة انخرطت في جمعية خيرية تدعى "الحياة الجديدة" تديرها كنيسة بوروديانكا. تجمع المساعدات وتقدمها للمحتاجين. كما تقوم أيضا بنسج شباك تستخدم لتغطية دبابات وطائرات الجيش الأوكراني. 15 فبراير/شباط 2023. © طاهر هاني/ فرانس24

أولينة تعمل كمتطوعة في كنيسة بوروديانكا برفقة صديقات لها. فهي تجمع المواد الغذائية والألبسة والشموع وتقدمها للمحتاجين. كما تقوم أيضا بنسج شباك من البلاستيك لتغطية دبابات وطائرات الجيش الأوكراني في المواقع العسكرية. "العمل يلهينا ويبعدنا عن التفكير في الحرب وفي وضعنا المأساوي. السكان يطلبون من سلطات البلدية مساعدة مالية لكي يعيدون بناء منازلهم بأنفسهم، لكنها ترفض ذلك".

10 آلاف شخص لم يعودوا بعد إلى بوروديانكا ومقتل 200 من سكانها

تشعر أولينة بأن الحرب لم تغير الطريقة التي تتصرف بها سلطات بوروديانكا. والدليل حسب رأيها أن "العديد من النساء جئن لتقديم المساعدة للكنيسة، لكن السلطات طالبتن بدفع مبلغ من المال مقابل انخراطهن في جمعية "الحياة الجديدة" التابعة لها. وأنهت: "أعتقد أن هناك نوع من الفساد في البلدية. أخبرنا وسائل الإعلام لكنها لم تحرك ساكنا".

وتتذكر هذه المرأة التي تنحدر من مدينة ماريوبول بشرق أوكرانيا كيف غضب رئيس الحكومة البريطانية السابق بوريس جونسون عندما زار بوروديانكا واكتشف أن المساعدات المالية التي قدمها مواطنون بريطانيون لإعادة بناء وإعمار المدينة لم تأت بأية نتيجة ملموسة على الميدان".

وأضافت أولغا متطوعة أخرى في الجمعية الخيرية والتي تسكن مع زوجها في مصنع لإنتاج الورق: "الأولوية بالنسبة لنا هو الأمن ونهاية الحرب. لا نبالي إذا جعنا أو شعرنا بالبرد." ووفق نائب رئيس بلدية بوروديانكا، من بين 26 ألف ساكن في المدينة، لم يتبق فيها سوى 16 ألفا. فيما قتل 200 شخص في حين لا يزال 30 في عداد المفقودين.

طاهر هاني، موفد فرانس24 إلى أوكرانيا

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

تاريخ الخبر: 2023-02-22 12:17:37
المصدر: فرانس 24 - فرنسا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 79%
الأهمية: 89%

آخر الأخبار حول العالم

السلطات الإسرائيلية تؤكد مقتل أحد الرهائن في غزة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:07:01
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 98%

كتل ضبابية وحرارة مرتفعة ورياح قوية في طقس يوم الجمعة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:08:54
مستوى الصحة: 61% الأهمية: 79%

الضغط على بايدن لمخاطبة الأمة إثراندلاع العنف في الجامعات

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:07:18
مستوى الصحة: 80% الأهمية: 100%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (٣)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-03 06:21:38
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 68%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية