«شفيقة المصرية».. عرض جيد أفسده الهوى!

«شفيقة القبطية» شخصية تراجيدية مرت بتحولات عنيفة لم يجسدها العمل بنجاح

بدا للمشاهد أن هناك خوفًا من الرقص الشرقى رغم أن العمل يدور حول راقصة شهيرة

شفيقة القبطية شخصية مثيرة عاشت حياة حافلة بالعديد من المتناقضات والمغامرات، شخصية مأساوية بامتياز توافرت فيها ولها كل عناصر التراجيديا، حيث لعب القدر الدور الرئيسى فى حياتها، وبلغت من الشهرة والمجد والثراء ما لم تبلغه أخرى من قبلها أو بعدها، بل ووصفها البعض بأنها الأشهر منذ العصر العباسى حتى ظهورها فى مصر المحروسة «١٨٥٩- ١٩٢٦»، ومن المفترض حين يتم تقديم عرض حول حياتها أن يكون فن الرقص الشرقى هو البنية العميقة للحكاية، أو على الأقل يحتل مساحة كبيرة، فالشخصية الرئيسية بذلت حياتها وخسرت العالم كله لتربح هذا الفن أى الرقص الشرقى.

من المفترض أيضًا أن تدور الحبكة الأساسية حول هذه الشخصية التى شهدت حياتها صعودًا وهبوطًا من قمة المجد إلى الجوع والإدمان والتسول والموت وحيدة ليشيعها إلى مثواها الأخير عربجى كارو مع أحد أزواجها بعد أن فرش لها المعجبون الأرض بالجنيهات الذهبية بل ورصعت فساتينها وأحذيتها بالذهب والماس! بالفعل حياة مثيرة لبطل مأساوى قدمها عام ١٩٦٢ حسن الإمام فى فيلم سينمائى حمل اسمها «شفيقة القبطية» وكتب فى رسالة إلى منتج الفيلم حلمى رفلة أنه عاش عامين مع هذه الشخصية من خلال المراجع وأهمها أنه عاد إلى أشخاص عاصروا هذه الشخصية وهى راقصة وليست مطربة، راقصة من الراقصات اللائى يرقصن «الرعشة والفشخة» وهى رقصات كانت مشهورة فى نهاية القرن التاسع عشر، واشترط فى الرسالة أن توقع هدى سلطان فى العقد على ارتدائها بدلة رقص شرقى، فقد كان من المفترض أن تؤدى الدور الذى أدته هند رستم، ودلالة الرسالة واضحة فالرقص جوهر هذه الشخصية، وحين يتم تقديم عرض مسرحى عنها لا بد أن يدور حول هذه الفكرة. وهذا ما حاولت أن أبحث عنه فى العرض الذى قدمه قطاع الفنون الشعبية والاستعراضية تحت عنوان «شفيقة المصرية»، ورغم أن العمل توفرت له بعض العناصر الجيدة مثل ألحان صلاح الشرنوبى وكلمات جمال بخيت، وقد كتب النص الراحل مصطفى سليم من إخراج محمد صابر، وعلى مدى ثلاث ساعات يشعر المشاهد بخلل ما، بشىء ناقص، رغم متعة الأغانى التى بدأت برائعة الشيخ عبدالرحيم المسلوب «ومن الشباك لأرميلك حالى» التى وضعت المشاهد فى القرن التاسع عشر، أى تم توريطه فى زمن الحكاية من خلال الموسيقى، ثم توالت أغانٍ أخرى حديثة بروح تلك الفترة من خلال اللوحات الغنائية الاستعراضية التى تخللت المشاهد الحوارية، مع رقصات واستعراضات متواضعة لا تتناسب وعرض يقوم فى بنيته الأساسية على الرقص وحول شخصية جذبت الانتباه ليس بالإثارة بل بما قدمته من إبداع فى هذا الفن ليطرح السؤال نفسه بقوة لماذا العنوان الملتبس أى شفيقة المصرية بدلًا من القبطية؟ فقد ذاع صيتها بهذا الاسم وهذه الصفة كما ذاع اسم تحية كاريوكا، وهذا أمر غير مبرر! وما حدث للاسم انسحب على شخصية شفيقة فى العرض ليس فقط من خلال ملامحها وبنائها العميق بل وأيضًا مساحة الدور الذى ظهر ضئيلًا إذا قورن بشخصيات أخرى مثل «زكى» الابن بالتبنى لشفيقة وأيضًا «راغب شكرى باشا» العشيق الذى جسده العرض وكأنه السبب الرئيسى فى صعود وانهيار شفيقة القبطية أو المصرية، حيث تم اختصار حياتها بصورة مخلة حين اختفت محطات رئيسية فى مشوارها فبدت وكأنها فتاة هربت من أهلها واحترفت الرقص وعاشت فى هذا العالم الغريب بكل ما يحمله من إثارة، ففى اللوحة الأولى أسرة شفيقة والراقصة الأشهر فى مصر فى ذلك الوقت «شوق» تزور الأسرة وتكتشف عشق الفتاة الصغيرة للرقص، وفى اللوحة الثانية تهرب شفيقة إليها ويعلو نجمها، من خلال إحياء عرس أخ راغب باشا الذى سيلعب دورًا رئيسيًا فى العرض وفى حياة شفيقة، بل وفى أحيان كثيرة كان القوة الفاعلة التى تحرك الأحداث وتمسك بخيوط الحكاية!، وسوف ينتهى الفصل الأول بصعودها إلى المجد وإبراز دور راغب باشا كلاعب رئيسى وأيضًا الابن بالتبنى لتحتل الحبكات الثانوية لهذه الشخصيات المساحة الأكبر وتبدو أهم من الحبكة الرئيسية، أى من مأساة شفيقة وحياتها المثيرة، من خلال مساحة الدور الممنوح لزكى ومأساته التى تحولت إلى خط درامى رئيسى وانتهت بوفاته بل وكان سببًا فى سقوط شفيقة، وهذا غير مبرر دراميًا وأضعف الحبكة، ففى هذا السياق هبطت من المجد إلى الحضيض دون مقدمات، فى حين أن ما روى عن شفيقة وأجمع عليه من عاصروها أن حياتها مرت بتحولات عديدة وعنيفة حتى بعد صدمة موت هذا الابن، عاشت حياة صاخبة تزوجت وباعت أملاكها وبحثت عمن يشبع رغباتها الجنسية، كبرت واشترت الحب بالمال وأدمنت الخمر والقمار ورقصت فى شيخوختها كى تأكل، واشتهت فتات الطعام وتسولت فى الشوارع بعد أن ألقت بالمجد الذى صنعته تحت قدميها، وفى العرض الذى حمل اسم شفيقة المصرية صفعها راغب باشا الذى رفض زواج ابنته من زكى الابن بالتبنى، ومات الأخير حزنًا بعد أن أدمن الخمر، فحزنت شفيقة وهبطت إلى الحضيض وانتهى الأمر وفجأة صنع راغب باشا غيرها، كل هذا حدث سريعًا، وبعد لحظات تموت فى أحضانه، وتتحول التراجيديا إلى ميلودراما، تتحول لعبة الأقدار إلى نزوات وأهواء! ورغم الاختلاف مع بناء العرض وملامح الشخصيات، إلا أن ما يتوقف أمامه المشاهد أن الجزء الأضعف فى العرض الرقص وشخصية شفيقة! ليس فقط فى بناء الشخصية وملامحها وتحولاتها التى تم تهذيبها، لكن فى إمكانيات الفنانة «دعاء سلام» وهى راقصة فنون شعبية ولم تكن مناسبة للدور الذى كان يحتاج راقصة تجيد الرقص الشرقى بكل فنونه وأيضًا الأداء التمثيلى، وظنى أنها ظُلمت فى هذا الاختيار وظلمت الشخصية، فإذا كان المسرح القومى استعان بالفنانة لوسى فى مسرحية ليس الرقص الشرقى فيها أساسيًا، ألم يكن من الأجدى أن تتم الاستعانة بفنانة تناسب هذا الدور وتستطيع أن تؤدى هذه الشخصية؟.. وإذا استثنينا موسيقى صلاح الشرنوبى وأغانى جمال بخيت سوف نضع علامات استفهام أمام معظم عناصر العرض ومنها الديكور الذى جاء فى مجموعة من «البانوهات»، إطار مستطيل يحمل مجموعة من الصور تعبّر عن المشهد سواء فى البيت، الكازينو أو القصر، وربما تناسب هذه الفكرة سياقًا آخر لكنها جاءت فى هذا العرض صورًا ميتة تخلو من المعنى ولا تدل على شىء، مجرد صورة ربما جميلة، صاخبة فى ألوانها وخطوطها ولكن بلا روح، ودهشت حين عرفت أن مصممها المتميز حازم شبل، وهى تشبه تمامًا اللوحات الراقصة التى قدمها العرض على أنها رقصات شفيقة القبطية، فجاءت مجرد حركات باهتة أيضًا تخلو من الروح، ليطرح هذا العرض قضية الإمكانيات المتاحة لتقديم هذا النوع من المسرح الغنائى والاستعراضى والتى لا تقبل التنازل أو المواءمة.

تاريخ الخبر: 2023-02-27 03:22:03
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 50%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

حركة حماس تقول إنها تدرس "بروح إيجابية" مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:27:46
مستوى الصحة: 50% الأهمية: 67%

حركة حماس تقول إنها تدرس "بروح إيجابية" مقترح الهدنة في قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 12:27:49
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية