لماذا يلتزم انقلابيو السودان بالصمت إزاء ظاهرة المليشيات المسلحة؟


تتناسل المليشيات المسلحة في السودان، بسرعة شديدة، لتنضاف لقائمة طويلة من الحركات المسلحة الموقعة وغير الموقعة على السلام، ولقوات الدعم السريع المتموضعة خارج أطر الجيش، وهي أمور تعني في مجملها بالضرورة، زيادة التجييش والتسليح، وتقرب البلاد من سيناريو الفوضى الشاملة، ما يطرح تساؤلاً عن لماذا تصمت سلطات الانقلاب على هذه الأوضاع؟

تقرير: الفاضل إبراهيم

ردَّ خبراء أمنيون، ومحللون سياسيون، ظهور عدد من  المليشيات المسلحة والمطلبية، مؤخراً إلى لحالة السيولة الأمنية التي تضرب البلاد منذ الانقلاب العسكري في 25 أكتوبر 2021.

وتأتي هذه التحركات وسط غريب ومريب من سلطات الانقلاب حد وصول هذه الحركات بأنشطتها إلى العاصمة الخرطوم.

وضمن هذه التكوينات المسلحة، تبرز مليشيات: جيش الشمال (شماليِّ البلاد) وقوات تحالف أحزاب وحركات شرق السودان بقيادة شيبة ضرار، وفي الوسط والغرب حركتي درع السودان بقيادة الفريق أبوعاقلة كيكل ودرع البطانة بقيادة العميد الصوارمي خالد سعد.

وتشدد معظم هذه التكوينات، بأن ظهورها في المشهد يجئ لموازنة الكفة مع حركات دارفور والنيل الأزرق التي جرى شرعنتها باتفاقات رسمية جعلتها جزءاً من معادلة السلطة والثروة.

ونظمت قوات درع السودان عديد من المخاطبات الشعبية الجماهيرية بوسط السودان، خاصة في منطقة سهل البطانة، وبحسب المعلومات فإن المليشيا شرعت في تجنيد عدد من الشباب.

كما أعلنت عن مخاطبة في شرق النيل وسط خلافات بين مكونات المنطقة، لتعلن السلطات الأمنية منع الفاعلية، واكتفت الجهة الداعية بمخاطبة خجولة وسريعة لقائد المليشيا في سوق حطاب.

وحاولت (التغيير) غير ما مرة، الاتصال بقيادات قوات درع السودان إلا أنهم لم يستجيبوا  لمكالمات الصحيفة.

وتصف القوات نفسها بأنها “حركة مطلبية قامت من أجل حقوق إنسان الوسط والبطانة والشرق ونهر النيل والشمالية وكردفان ودارفور والنيل الأزرق المظلومة من اتفاقية سلام جوبا وتعاني من تدهور البنية التحتية وتفشي الأمراض والأوبئة” .

وأيضا قام الدرع من أجل تحقيق العدالة والتوزيع العادل للثروات، ونبذ الجهوية والعنصرية والقبلية، والمحافظة على وحدة السودان.

ونفت الصفحة الرسمية علاقتهم بفلول النظام السابق وعدم تبعيتهم لأي جهة أو حزب، واتهمت جهات –لم تسمها- بمحاولة إلصاق تهم الفلول بهم.

وأشارت القوات إلى أن من ضمن منسوبيها  أعضاء من مختلف التكوينات (البعث، الشيوعي، الأمة، الاتحادي، لجان المقاومة) بعد خلعهم للثوب الحزبي، وتبني أهداف الدرع.

وبحسب منصات قوات درع السودان، بأنهم يدعمون ثورة ديسمبر، وكل من يطالب بمدنية الدولة، ومع دمج كل الحركات داخل الجيش السوداني.

إعادة ترتيب

محمد رحمة الله

أكد نائب رئيس قوات درع الوطن، العقيد (م) محمد رحمة الله، لـ(التغيير) بدخولهم مرحلة إعادة ترتيبات وتجهيزات لنشاط وبرامج خارج الخرطوم، سيتم الكشف عنها قريباً.

وأكد رحمة الله عدم وجود لبس بينهم وقوات درع السودان إلا في الاسم فقط، ووصف القوات بأنها “قوات شعبية لا تحمل سلاحاً ولا تتبنى التجنيد، ومساندون للقوات المسلحة”.

وشدد رحمة الله على ضرورة حسم الفوضى الأمنية ودمج كافة الوحدات وقوات الدعم السريع والحركات الموقعة علي السلام في القوات المسلحة.

وأبان رحمة الله أن رؤيتهم للحل تتمثل في قيام حكومة وطنية تتكون من رئيس وزراء محايد (غير حزبي) يحكم لمدة عامين ويهيئ الأجواء لانتخابات بنهاية الفترة الانتقالية.

حملات

أكد مصدر لـ(التغيير) بأن الجهات الأمنية تراقب هذه الكيانات المسلحة، خاصة (درع السودان) وقامت بحملات لجمع السلاح من عناصرها.

ولم يستبعد المصدر أن تكون هنالك رغبة وسط القيادات العليا في مجلس السيادة في الاحتفاظ بهذه الأجسام (بدون انياب) لاستخدامها وقت الحاجة.

موضحاً أن قوات درع الوطن التي تتكون من ضباط سابقين للقوات المسلحة لا تمتلك العتاد والسلاح .

ونوه إلى أن الجهات الأمنية زاهدة في توقيف قادة هذه الكيانات والقضاء عليها، ربما لخلق توازنات معينة حسب تعبيره.

وشدد المصدر على وجود صعوبة في إيقاف مثل هذه الأنشطة التي تعتبر نوعاً من الفوضى الأمنية.

وقال: هذا الأمر لن يتم في الوقت الحالي في ظل عدم تنفيذ بند الترتيبات الأمنية، والاتفاق الإطاري، وإدماج قوات الحركات والدعم السريع في الجيش.

مصائب

عثمان فقراي

وصف الخبير الأمني، الفريق عثمان فقراي، ما يحدث من عمليات تجييش وتكوين للمليشيات بأنه مصيبة كبيرة، المسؤول عنها الفريق البرهان بحكم موقعة كقائد للجيش ورئيساً لمجلس السيادة.

وأضاف: قبل انقلاب 25 أكتوبر كان هنالك جيوش الحركات المسلحة والدعم السريع، لكن بعد الانقلاب ظهرت هذه التشكيلات (درع البطانة، ودرع السودان، وقوات شيبة ضرار) مع أنباء عن الشروع في تكوين قوات خاصة بالشمال.

وأتهم فقراي قيادات مجلس السيادة بالوقوف والتستر وغض الطرف عن هذه المليشيات التي تقوم بالتجنيد عياناً بياناً ووصل بها الحال للإعلان عن برامجها وأنشطتها داخل العاصمة.

وأضاف: هذا أمر لا يستقيم مطلقا ولا يمكن السكوت عليه، مبدياً تعجبه من حالة الصمت إزاء هذه المليشيات.

تورط النظام البائد

لم يستبعد فقراي ضلوع النظام البائد في إنشاء هذه المليشيات، لكنه عاد وألقى بالمسؤولية المباشرة على عاتق (5) جنرالات في مجلس السيادة.

وأشار إلى أن قوات درع السودان قياداتها من متقاعدي الجيش مما يثير التساؤلات حولها خاصة وان ضباط الجيش دائما يعرف عنهم الانضباط حتي بعد التقاعد والمعاش.

ودعا إلى تسريح هذه المليشيات بصورة فورية، كونها تشكل تهديداً أمنياً ويمكن أن تزج بالبلاد لمربع الحرب الأهلية.

 مفاهيم

تعتقد وزيرة الدفاع بحكومة الظل في حزب بناء السودان، أسماء ميرغني أن وجود تشكيلات مدنية مسلحة قائمة على أسس عرقية أو جهوية في السودان بمثابة قمة جبل الجليد التي تخفي بداخلها اختزالاً تاماً لمفهوم الدولة وربطها بالسلطة عند الطبقة السياسية السودانية.

أسماء ميرغني

وقالت لـ(التغيير): إن غياب الشرعية القائمة على مبدأ السيادة الشعبية يعد السمة الأبرز لنظم الحكم في السودان منذ الاستقلال، ما أدى إلى تخلق سلسلة أزمات لا نهائية، جعلت بعض الفئات العرقية أو المجتمعية تعتقد أنه من الصعب عليها -إن لم يكن مستحيلاً- الحصول على ما تراه حقوق مستحقة في الثروة والسلطة والتنمية المتوازنة، وحتى الأمن دون أن تحمل السلاح و تشهره في وجه الدولة.

وبحسب أسماء فإن تشكيل وتكوين المؤسسات المدنية والأحزاب السياسية الضعيفة، والذي تشير إليه ديناميكية وتحالفات أعضائها الساعين للحصول على السلطة بأي وسيلة، وممارساتها غير المتسقة مع الفكر الديمقراطي رأس الرمح في صبغة البيئة السياسية بفكر سلطوي أدى إلى عسكرة الحياة العامة وتسيس المؤسسات العسكرية والأمنية.

لافتة أن ذلك كله، أنعكس سلباً على الاستقرار السياسي وعمّق الأزمات الاقتصادية وأدى إلى انعدام الأمن، فضلاً على الغياب التدريجي لسيادة حكم القانون، وقاد لظهور جماعات مسلحة، كقوات درع البطانة، وغيرها ترى في حمل السلاح سبيلاً لتأكيد النفوذ المحلي والحصول على الثروة والتقدير.

شروط

تعتقد أسماء أن الثقة في النظام السياسي القائم على مبدأ السيادة الشعبية وعلى التوزيع العادل للتنمية والفرص هو شرط أساسي للاستقرار السياسي، وما يترتب عليه من استقرار اقتصادي وأمني، يجعل من التنمية أداة رئيسية لإيقاف توالد وتناسخ الجماعات المسلحة.

وتعزز الثقة –طبقاً لأسماء- من سيادة حكم القانون، كما تعد عاملا مهماً في تحقيق احترافية القوى الأمنية والعسكرية التي أتاح الضعف السياسي والاقتصادي.

وواصلت: تمزق نسيج المجتمع المدني و غياب مؤسسات سياسية ذات هياكل ديمقراطية تجرم استغلال مؤسسات الدولة لمصالح ضيقة، فرصا لها على الدوام لتبرير انخراطها في العمل السياسي وحتى الانقلاب على الحكومات المدنية.

 

تاريخ الخبر: 2023-02-27 12:25:28
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 54%

آخر الأخبار حول العالم

أفضل 3 حسابات توفير بعائد نصف سنوي في البنوك - اقتصاد

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 06:21:08
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 60%

بايدن-خلافات-نتنياهو-غزة-رفح

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-10 06:22:02
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 59%

هيئة المعابر بغزة تنفي ما ذكرته الولايات المتحدة حول فتح الم

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-10 06:22:29
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية