نادية صالح تكتب: حين قال لى صلاح جاهين: أهم كتاب فى مكتبتى دليل التليفون!

«الجبرتى» أهم ما قرأت فى حياتى ولغته ساحرة وفيها تراكيب شعرية

«مقدمة ابن خلدون» ثانى أهم كتاب فى حياتى وأعظم كتاب فى علم السياسة

مكتبتى فيها كتب ورثتها عن جدى «أحمد حلمى» وفيها كتب لم أقرأها بعد

هو أول فنان مصرى يطلب واحدًا من أشهر الدبلوماسيين فى العالم إرسال لوحاته إليه فورًا.. رغم كل ما كانت تحمله هذه اللوحات الكاريكاتيرية من نقد لاذع ومرير لسياسة دكتور جونار يارنج المبعوث الدولى للأمم المتحدة فى الشرق الأوسط!

وهو رغم سخريته الشديدة.. وخفة ظله المتناهية.. حينما تسأله عن أهم كتاب فى مكتبته الزاخرة يجيبك بكل جدية: «دليل التليفونات».

ورغم عشقه فى الحاضر وتألق نجمه فيه.. إلا أنه يعيش معظم حياته فى الماضى.. تسكره رائحة ترابه وتطربه مفردات لغته.. وتغذيه إنتاجات فكره!

إنه شاعر العامية الأول.. وأستاذ الكاريكاتير.. والفنان التشكيلى الكبير صلاح جاهين.. وقد ترك بصماته التى لا تنافس سواء فى الإذاعة أو الصحافة أو التليفزيون أو السينما.. أو لوحات الفن التشكيلى!

الجبرتى.. وملك الفيوم!

هل أسمعه .. فيطربنى؟! أم أقرأ له فيبهرنى؟!.. أم أشاهد لوحاته.. فتسافر بى إلى رحلة تأمل تسرق المرء من نفسه؟! 

كل هذه التساؤلات لا بد أن تطرح نفسها على عقل أى إنسان يقترب من صلاح جاهين بشحمه ولحمه وعالمه الغنی شدید الخصوصية.. والعبقرية معًا!

قلت لنفسى قبل أن أحاوره.. لا بد أن يكون صلاح جاهين الإنسان شيئًا آخر مختلفًا تمامًا عن الصورة التى يرسمها له أى إنسان.. واتفقت مع نفسى وتعاهدنا وتعاقدنا على أن نقدم هذا الفنان المصرى الكبير بالشكل الذى لا يعرفه عنه أحد.. فإذا كان الفنان داخله يتفجر لحظة بعد أخرى.. فإن الإنسان الذى يجرى فى دمائه وعروقه وشرايينه ينبوع لا ينضب.. ولا يمل العطاء أبدًا.. ومن هذا المنطلق طرقت باب صلاح جاهين.. وتسللت إليه من داخل مكتبته حينًا.. ومن أوراق الماضى الذى يعشقه حينًا آخر.. وعن طريق صراحته التى اشتهر بها حينًا ثالثًا!

وكان أول ما بحثت عنه داخل هذا الصرح الفنى الآدمى الكبير هو أين كانت محطة البداية.. ومع أى كتاب عاش وتأثر.. وما زال؟! كانت إجابته سريعة.. دون تفكير.. وراح يستفيض فى الحديث عن «تاريخ الجبرتى» قائلًا: 

«... هو أهم كتاب فى حياتى.. ودى الحاجة اللى أنا لقيتها لقية... من أيام ما كنت صغير.. وأذكر أننى قرأته أكثر من عشرين مرة.. وكلما قرأته وانتهيت منه أعود إليه ثانية.. هذه الحكاية بدأت بالتحديد وأنا فى المرحلة الثانوية.. وكل مرة أقرأ فيها تاريخ الجبرتى، أجد نفسى أفهمه بشكل مختلف.. وحينما تسأليننى عن خصائص الجبرتى كمؤلف.. أرد عليك قائلًا.. والله لا يمكننى تحديد هذه الخصائص... فلو سألتينى إيه خصائص حبيبتك مثلًا... مقدرش أقولك إن طولها ١٧٦سم.. ووزنها كذا.. وشعرها كستنائى.. إلخ. طبعًا ما أقدرش.. لكن أقول بحبها.. وده بالضبط بالنسبة للجبرتى.. سحرنى.. أسرنى.. خدنى.. جننى.. يعنى لما شفته دهشت.. أولًا من لغته.. لقيته بيتكلم لغة غريبة جدًا.. منظرها زی منظر المنازل القديمة اللى فى القاهرة زى الجوامع والمدن الكبيرة.. يعنى شوفى- مثلًا- الجبرتى كان بيقول إيه!.. ويقرأ صلاح جاهين جزءًا مما كتبه الجبرتى.. وبطريقة صلاح جاهين وصوته المميز:

- «استهل شهر المحرم بيوم الخميس حسابًا.. ويوم السبت هلالًا.. ووافق ذلك انتقال الشمس لبرج الحمل فاتحدت السنة القمرية والشمسية.. وهو يوم النيروز السلطانى وأول سنة الفرس.. وهو التاريخ الجلالى اليازد جاراى وتاريخهم فى هذه السنة كذا وكذا».

ويوافق الفنان الكبير الذى أصبح جزءًا من تاريخ مصر الفنى على ملحوظتى فى أنه يقرأ الجبرتى بطريقته الخاصة.. ويبرر هذا قائلًا:

«.... الحقيقة وأنا أقرأه أشعر أنى باصص من فوق سطوح البيوت بتاعة مصر الضيقة.. وبلاقيها بتشغى ناس.. وناس حقيقيين.. وأشعر إنى على صلة بالماضى.. وإن (وعيى) امتد بالطول... حاكم (وعى) الواحد ممكن يمتد بالطول عبر الزمن.. وبالعرض عبر المكان.. يعنى يعرف حاجات عن بلاد تانية.. مثلًا يتسع الإدراك نفسه، ويبقى إحساس الواحد بوجوده أقوى». وأطالبه بقراءة أخرى من كتاب الجبرتى.. وبطريقة صلاح جاهين الخاصة.. وبالفعل تقع عيناه على إحدى صفحات الكتاب فيقرأ منها: 

وفى التاسعة وصل الخبر بأن عابدين لما بلغه خروج الألفى من الفيوم ذهب إليه بصحبة الولاة فلم يجد بها أحدًا فدخلها.. وأرسل المبشرين إلى مصر بأنه ملك الفيوم فضربوا المدافع لذلك!

ابن عبدربه.. وابن خلدون!

الحديث عن الجبرتى وكتابه دفعنى إلى اقتحام مكتبة الفنان الكبير.. وتأملها.. والبحث عن الجديد فيها.. وعمومًا هى مكتبة من خمس قطع كبيرة.. متوسط طول كل منها حوالى مترين وهى مكتبة توارثها فناننا الكبير عن أبيه، عن جده الذى كان كاتبًا صحفيًا معروفًا.. ولصلاح جاهين تعبير خاص بمكتبته حينما يصفها نظرًا لهذا التوارث العائلى بأنها «مكتبة متأسسة».. وبالفعل كان واضحًا أنها تضم كتبًا قيمة ونادرة.. وكان واضحًا أن الغلبة فيها لكتب التراث.. وبمناسبة مكتبة الفنان الكبير صلاح جاهين فقد بدأ حواره معنا بقصيدة ألفها عندما كان عمره ١٥ عامًا.. ويقول مطلعها:

أنا عندى مكتبة وسرير ومرتبة

أطنطط ما بينهم.. واتشقلب شقلبة

وتبقى الحقيقة فى مكتبة صلاح جاهين أنها تضم من الكتب القديمة للغاية ما يشكل عشق هذا الفنان الكبير لها.. وقد عبر لى عن مكانة هذه الكتب قائلًا:

«كتب قديمة صفراء.. أول ما أفتحها يهب منها تراب رائحته صعبة جدًا.. تخنق.. يعنى كل ما يبقى عندى موضوع عايز أعرف عنه معلومات تاريخية- مثلًا- لازم أفتحها.. ساعات أكون محتاج مجرد إنى أعيش فى جو معين.. وأفتحها لمجرد لغتها.. أكون عاوز أشبع شوية من لهجتها فى الكلام.. زى مثلًا فى أيام استعراض القاهرة فى ألف عام».

وتلتقط يداى كتابًا من هذه الكتب.. إنه العقد الفريد لابن عبدربه.. وعنه يحدثنا صلاح جاهين قائلًا: «هذا الكتاب يعتبر موسوعة.. زمان كانوا بيألفوا النوع ده من الكتب.. يقعد المثقف وهات يا كتابة فى كل شىء.. وكل حاجة تخطر فى باله يقولها.. مثلًا يكون بيتكلم فى التاريخ وفى وسط الكلام والحمقة ممكن تلاقيه افتكر وصفة كويسة علشان الكحة مثلًا.. يروح كاتب بين قوسين (فائدة) إذا أحضرت العشب الفلانى والعشب الفلانى والعشب الترتانى وخلطتهم ومزجتهم بالبخور الجاوى.. وغلتهم وشربتهم تشفى من السعال بإذن الله!.. ويروح راجع لموضوعه.. وبعدين يفتكر حادثة مثلًا. بين قوسين (حادثة) ويحكى عن الست اللى أكلت دراع جوزها. يعنى زى ما أنت وصفتيها كل موسوعة منها كأنها جريدة تصدر كل قرن.. مثلًا.. أمامك موعظة المؤمنين.. ومحاضرات الأدباء والبخلاء للجاحظ والأغانى لأبى الفرج الأصفهانى ورسالة الغفران للمصرى والإمامة والسياسة لابن قتيبة ونزهة المجالس ومنتخب النفائس.. هذه الكتب من التراث وصلتنى من مكتبة جدى.. والحقيقة كانت مكتبة كبيرة. لكنها فضلت تصغر حتى أصبحت هذا الدولاب الصغير الموجود أمامك.. لأننا زمان كنا كل ما ننقل لبيت تانى أو بلد تانى نتخفف من بعضها، حتى أحسسنا أخيرًا بمدى فداحة ما نفعله فى مثل هذه الكتب المهمة.. ولذلك جمعنا الأشياء القيمة واللى منها لها علاقة بالصحافة أهديناه لنقابة الصحفيين.. ولم يتبق إلا هذه الأعداد التى ترينها أمامك.. وأصر على الاحتفاظ بها». مرة أخرى.. ألتقط كتابًا جديدًا من هذه المجموعة القيمة فى مكتبة صلاح جاهين.. وأطلب منه أن يعلق لنا عليه.. قال فنان مصر الموهوب:

«هذا كتاب (مقدمة ابن خلدون) وأنا أعتبر ابن خلدون أستاذ علم السياسة الكبير.. وأول من تعامل معها كعلم.. وبعده جاء ميكافيللى.. كان بيكتب عشان يفسر ظواهر انهيار وقيام الأمم وكيفية المحافظة على كيان البلد. يعنى ابن خلدون راجل اجتماعى.. لكن ميكافيللى كان بيكتب عن كيفية الوصول إلى الحكم والمحافظة على العرش. وكان يعتنق المبدأ الذى عرف عنه الغاية تبرر الوسيلة.. لكن أرجع وأقول إن (الجبرتى) صاحب التأثير الكبير عندى.. ونسيت أن أقول لكم إن حاجات كتير فى كتاب الجبرتى كتبها بإحساس يشدنى دايمًا.. أصل الجبرتى ابتدى التاريخ وهو صغير.. وقتها كان يؤرخ بحماسة شديدة.. وحسيت إنه فى أوائل عمره كان بيكتب بنفسية الشباب.. ولما نوصل للجزء الرابع نلاقيه بقى عجوز وبيكتب بمرارة شديدة.. كان مثلًا كل شىء يحصل زمان يروح كاتبه.. حتى لو طلعت غنوة جديدة.. يروح كاتب (النهارده طلعت غنوة بتقول كذا).. لدرجة مرة كنت قاعد مع سيد مكاوى الملحن الكبير وبنقرأ فى الجبرتى.. وقلت له تصور الجبرتى كاتب غنوة جديدة لسه طالعة!.. وقالى الشيخ سيد مكاوى إيه هى الغنوة دى؟.. قلت له: «فيك كل ما أرى حسن، قد رأيت شكلك الحسن.. جل مَنْ به عليك مَن».. فقالى سيد مكاوى.. «طب ما أنا عارفها»، وبدأ يغنيها.. فأنا قلت له.. أنت عارف لحنها.. قال أيوه.. استغربت جدًا لأن لحنها كان قد كده جميل.. وإن إحنا على صلة فعلًا بأيام الجبرتى».

رسالة من «يارنج»!

لم يقف فن صلاح جاهين عند حدود مصر.. ولا الأمة العربية.. بل أصبح مطلوبًا من واحد من كبار وأشهر الدبلوماسيين فى العالم هو دكتور «يارنج» المبعوث الدولى لحل أزمة الشرق الأوسط قبل حرب أكتوبر.. ولم نكن نعرف هذه المعلومة من قبل حتى تطرق حديثى مع فنان مصر الكبير إلى كتب ومؤلفات المسرح فى مكتبته.. وهو جزء متخصص للغاية كما يبدو من حرص صلاح جاهين عليه فى جانب من جوانب المكتبة التى يمتد عمرها إلى الأب والجد وعشرات السنين.. فقد لمحت سلاسل مسرحيات عالمية.. سلسلة اسمها من أدب المسرح.. وكمية أخرى من المسرحيات العربية والمترجمة إلى العربية.. ولعل أبرز مؤلف هذا الجزء المترجم وصاحب أكبر كمية من كتب المسرحيات هو «ابش» الكاتب السويدى المعروف. وما إن وصل بنا الحديث إلى «ابش» حتى تذكر صلاح جاهين قصته مع دكتور يارنج وبعد أن أضــاء وجهه بضحكته المعروفة.. قال فناننا الكبير:

«.. كان دكتور يارنج يهتم بكل الرسوم الكاريكاتيرية اللى بترسم عنه.. وبلغنى أن يارنج عايز الصور اللى أنا رسمتها عنه.. وبالفعل أرسلتها له.. وبعدين لما رحت موسكو طلب إنه يقابلنى.. وبالفعل رحت زرته.. ولولا (ابش) ده مكنتش هاعرف أتكلم معاه فى أى حاجة.. يعنى هاتكلم أنا ويارنج نقول إيه؟.. فلقينا الكاتب السويدى موضوع نتكلم فـيـه.. وقعدنا نتناقش فى أشهر مسرحياته.. أصل مفيش حاجة تجمع بين واحد رسام كاريكاتير زى العبد لله وواحد (يارنج) إلا إذا كان فيه اهتمام مشترك بين الاثنين».

سهرة مع ديك رومى!

الحديث مع صلاح جاهين لا يمكن أن يتجاهل الفن التشكيلى ونحن مع واحد من أبرز نجومه.. لكن فناننا الكبير يشكو من مكتبة الفن التشكيلى لأنها مكلفة وصعبة جدًا.. وقبل أن يشرح فناننا الكبير ما يقول طلبت منه أن يحدثنا- أيضًا- عن سر حبه للفن التشكيلى وكيف ظهرت عليه أعراضه؟!.. 

قال صلاح جاهين:

«.. كتاب الفن التشكيلى بيبقى غالى قوى.. يعنى أحيانًا يصل ثمنه إلى خمسين جنيهًا.. وهذا يرجع لأسباب كثيرة أولها: الورق.. وثانيًا: طريقة الطبع.. يعنى لما ييجوا يطبعوها بالألون اللوحات لازم تطبع أربع مرات مرة بالأصفر.. ومرة بالأحمر.. ومرة بالأزرق.. ومرة بالأسود.. ومن مزيج الألوان مع بعضها بدرجاتها المختلفة تطلع الألوان بس الأحمر مثلًا مالوش أحمر واحد.. يعنى عندنا الأحمر (اللعلى) والأحمر (القرمزى) وغيره وفيه الأزرق السماوى اللى هو (الكوبالت) والأزرق المخضر اللى هو (التركواز) والأزرق البحرى اللى هو (الألترامارين).. وكل الألوان بتختلف اختلافًا تامًا.. فلما نطبع لوحة.. الرسام يلون لونًا واحدًا من الأحمر ده.. ولونًا واحدًا من الأزرق.. ولونًا واحدًا من الأصفر مثلًا.. فتكون النتيجة مش كويسة وتبعد عن الأصل.. فتلاقى اللوحة الملونة إذا كانت تطبع عادة أربع مرات.. الصورة الفنية نلاقيها بتطبع عشرين أو تلاتين مرة.. علشان كل مرة بيستعملوها مش بلون أحمر واحد.. بل بعدة مرات من نغمات اللون الواحد وكل نغمة لها أكليشيه.. وكمان الورق اللى بيطبعوا عليه لازم يكون ورق من نوع جيد جدًا عشان يستحمل كل هذه الطبعات.. والحبر المستخدم بيكون له مواصفات خاصة.. وبعدين الجمهور اللى بيشترى الكتب دى عدده قليل.. فحسب قانون العرض والطلب لازم يرتفع ثمنها.. وعمومًا وزارة الثقافة تبذل مجهودًا كبيرًا جدًا فى هذا المجال.. وكان لدينا كتاب طلع اسمه الفنون التشكيلية فى مصر، تم طبعه فى يوغسلافيا على نفقة وزارة الثقافة.. لكن الناس عندنا اللى عايزة تتفرج على لوحة تشوفها فى معرض.. والكتاب ده غايب عن ذهنها.. وربما- كما كنت تقولين لى- لأن طبيعة الفن التشكيلى نفسه بتجعل دور الكتاب بعد المعرض.. والحقيقة حبى للفن التشكيلى استمديته من الفنان جمال كامل كان زمان لما بنقول- مثلًا- إحنا رايحين السينما.. نقول (ما هو الواحد مش عارف يعمل إيه؟).. علشان كده يروح السينما.. لكن إحنا كنا نلاقى جمال كامل يقول لنا إنه جاب الكتاب ده.. وهيقعد يتفرج عليه.. وكنت أشوفه وهو يحضن الكتاب ويمنى نفسه بسهرة رائعة مع الكتاب.. كأنه هياكل ديك رومى.. أو هيقابل حورية من الجنة.. حاجة زى كده. فالاطلاع على هذه اللوحات لازم يخلى الواحد يقعد يتأملها ويرجع لها تانى خصوصًا إذا كانت مطبوعة كويس.. متعة كبيرة جدًا.. والكتاب فى الفن التشكيلى مهم جدًا مثل ارتياد المعارض والفرجة على الصور.. بس لازم يكون عندنا وعى مكتبى.. مكتبات عامة.. مالقيش واحد قاطع الصورة من الكتاب.. وواخدها وماشى حاجات زى كده، وحتى ننمى هذا الوعى المكتبى لازم نبدأ بالمدرسة.. وبعدين المكتبة العامة فى الحى وتبقى- مثلًا- داخل قصر الثقافة.. ودى ضرورى تنتشر ويراعى فيها إن الناس تتعود تقرأ كويس.. وفى هدوء.. وبدون صوت يزعج اللى جنبك- مثلًا- زى ما كان بيحصل زمان».

 

الجد والحفيد!

ونحن نواصل الحوار معًا.. صلاح جاهين وأنا.. وأمام مكتبته الدسمة كان لا بد أن يفرض صاحب المكتبة الأول نفسه على الحديث.. وهو جد الفنان الكبير صلاح جاهين الذى كان يمتهن الكتابة الصحفية.. وسألت الحفيد صلاح جاهين عما تركه جده من مؤلفات لهذه المكتبة فقال فى أسى: «لم يبق إلا هذا الكتاب».. وأمسكت بالكتاب الذى يفوح منه عبق الماضى الجميل.. ووقعت عیناى على جزء بعنوان كلمة إلى الحرية وقبل أن أسأل فناننا الكبير لمح هو السؤال فى عينى فاستطرد قائلًا:

- «كان جدى يناجى الحرية فى هذا الجزء وفى كلمات لطيفة حقيقية.. يقول: (أيها الملك المقدس الذى يرفرف بجناحيه فوق رءوس بنى الإنسان فى البدو والحضر وعلى ظهور الوحوش بين الحجر والمدر.. أرسل تحية قلب مكلوم قد عشق منك الجمال والجلال.. فأنت يا ملك الحرية غاية القصيد ومنتهى الآمال.. ومن أجل لقائك نحتمل الأسى ونستعذب الألم.. فتدلل كيف شئت... وبالغ فيها ودلالًا فإننا رشفنا من حياة النيل مرام غرامك.. واستنشقنا من نسيم القطر المصرى حبك العذرى.. فابتعد إن شئت.. واقترب إن أردت.. وضع فى سبيلنا إليك العقبات، فإننا عن مواصلة السعى إليك لا تفتر لنا عزيمة ولا تخمد لنا حمية.. فلتحيا الحرية وليسقط أعداؤها».

مكتبة المستشفى!

ولأن صلاح جاهين لا يطيق البقاء فى مكان واحد ولفترة طويلة دون أن تكون من مشتملات هذا المكان «مكتبة» فقد أردت أن أعرف قصة المكتبة الصغيرة التى كانت خير رفيق له فى المستشفى الذى كان يعالج فيه أثناء فترة علاجه فى العاصمة الروسية موسكو.. وقال وهو سعيد بما يرويه:

- «والله عندهم المكتبات داخل المستشفيات وهى من الأشياء الجميلة جدًا.. كل قسم له مكتبة.. فأنا فى الأول دخلت قسم الأجانب وكانت فيه كتب بجميع لغات العالم.. ومنها اللغة العربية.. حتى الصحف بتيجى فيها.. ومن ضمنها جريدة الأهرام.. وتمكنت من إشباع هوايتى ومتابعة بعض الكُتّاب الروس اللى أنا بحبهم زی (تشينوف)».

منوعات!

قبل أن ينتهى حوارى معه.. وطالما أننا ما زلنا أمام مكتبته فالفرصة- أيضًا- ما زالت مواتية للتعرف على جوانب أخرى عديدة من جوانب شخصية واحد من كبار وأبرز فنانينا.. لهذا لاحقت الأستاذ صلاح جاهين بأسئلتى السريعة.. وحظيت منه بإجاباته المتأنية:

* ماذا تهدى أعز الناس من مكتبتك؟!

- القرآن الكريم.

* ما هو الكتاب الذى لا تفرط فيه أبدًا ولا تعيره أحدًا؟!

- نوتة التليفونات بتاعتى.. الخصوصية!

* وأنا أسأل عن سر احتفاظك بدليل التليفون بين كتب المكتبة؟!

- لأن ده من أهم الكتب!

* وما هو الكتاب الذى ترفضه رغم وجوده فى مكتبتك؟! 

- أى كتاب من كتب الدعاية الرخيصة التى توزع من إدارة الاستعلامات فى أى بلد من البلاد.. فمثلًا «تعال إلى أمريكا»، أو «بريطانيا اللى مش عارف إيه».. الكتب دى بتبقى مكتوبة بسماجة شديدة جدًا وأنا لا أقرأها إطلاقًا.

* فسر لى ما رأيته فى مكتبتك.. كتب مجلدة واضحة الاسم... تلمع ومذهبة.. وفى الوقت نفسه كتب لا يظهر عنوانها ومستهلكة تمامًا.

- الحكاية دى.. استرعت انتباهى بشكل دراماتیکی خالص.. أنا وقفت أتأمل مجموعة الكتب اللى كان يمتلكها والدى عقب وفاته.. لاحظت ملاحظة غريبة قوى.. الكتب اللى اسمها بيلمع عليها بالدهب هى الكتب اللى ما بستعملهاش كتير.. والكتب اللى اسمها انطمس من عليها هى الكتب اللى قراها كتير.. واستفاد منها كتير.. زى ما تكون حكمة الواحد بيتعلمها.. إنه يطمس نفسه بنفسه من طول الاستعمال!

 

ومضى الوقت مع صلاح جاهين كما لو كان غنوة جميلة من أغنياته.. أو شطرًا عذبًا من أشعاره.. أو لوحة نادرة خطها بصوته!.. فالوقت مع صلاح جاهين تجرى لحظاته خلف بعضها.. وكأنها تدفع بعضها دفعًا حتى تحضر معنا وتسمع وتشاهد ما يحكيه شاعر العامية الأول.. وأستاذ الكاريكاتير.. والفنان التشكيلى.. والنجم المحبوب صلاح جاهين!

تاريخ الخبر: 2023-03-01 21:22:39
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 52%
الأهمية: 55%

آخر الأخبار حول العالم

أمطار ورياح مثيرة للأتربة على عدد من المناطق السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-06 06:23:48
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 61%

"لافروف": لا أحد بالغرب جاد في التفاوض لإنهاء الحرب الأوكرا

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 06:22:22
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 51%

بطائرات مسيرة.. استهداف قاعدة جوية إسرائيلية في إيلات

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 06:22:16
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 62%

5 نصائح للوقاية من التسمم الغذائي السعودية

المصدر: جريدة الوطن - السعودية التصنيف: إقتصاد
تاريخ الخبر: 2024-05-06 06:23:47
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 61%

بعد 3 سنوات من الحكم العسكري.. تشاد تجري انتخابات رئاسية الي

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-06 06:22:07
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 64%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية