حكومة أخنوش تدعم الفلاحين الكبار لهم تاريخ ممتد ومتجذر من الصفقات مع المنظومة السياسية على حساب الفلاحين الصغار


المغرب بلد “فِلاحي بامتياز”، إذ يزخر بحوالي 8.7 مليون هكتاراً كمساحات صالحة للزراعة، تتوزع على قطاعات متعددة تشمل الخواص والمستثمرين وأراضي الدولة والأراضي الجماعية. لا يعيش البلد أزمة غذاء حادة، والمغاربة –عموماً – لا يجوعون، لكنه مهدد في أمنه الغذائي ولا يحقق الاكتفاء الذاتي في المواد الأساسية.

يعاني الفلاحون الصغار من قلة الأعلاف وغياب الإمكانيات اللازمة لتربية الماشية في هذه الفترة، التي تعرف ظروفا مناخية قاسية بالنسبة للقاطنين في المناطق الجبلية التي اكتسحتها الثلوج.

وتعرض المئات من الفلاحين الصغار والمتوسطين لخسائر فادحة بسبب نفوق الماشية جراء موجة البرد، بينما يعيش آخرون في المناطق الفلاحية صعوبات كبيرة من أجل توفير علف الماشية بسبب غلاء أسعاره، ومحدودية الدعم المقدم لهم من قبل المصالح المختصة التابعة لوزارة الفلاحة، والتي تخصص أكياسا ضئيلة للكسابة.

في هذا السياق، وجهت النائبة نزهة مقداد، سؤالا إلى وزير الفلاحة محمد الصديقي، كشفت خلاله عن معاناة الفلاحين والكسابة في المناطق المتضررة من الثلوج والبرد، والذين لم يجدوا العلف الكافي واللازم من أجل إنقاذ ماشيتهم من الموت بسبب الجوع، بعد أن عرفت عدد من المناطق ظواهر مناخية قاسية واستثنائية، مثل تنغير وورزازات وزاكورة وتازة وبولمان والحوز وغيرها.

وطالبت الحكومة باتخاذ إجراءات استعجالية واستثنائية لدعم الفلاحين الصغار، ومربي المواشي في هذه الظروف المناخية الصعبة، في شكل أعلاف توزع بالمناطق المتضررة في إطار التدخل الاستثنائي من أجل حماية المواشي. 

أرض بنيّة، بضع مواشي، و سماء تُستجدى لتمطر. هذا ما يملكه الفلاح المغربي البسيط، أو هو يطمح في امتلاك واحدة من هذه العناصر.

في ثمانينات القرن الماضي، سجّل المغرب ما سُمّي وقتها “السكتة القلبية” (على حد وصف الملك الراحل الحسن الثاني)، وهي كانت مدوية داخل اقتصاد البلد، إذ يعتمد جزء كبير منه (ما بين 15 إلى 20 في المئة من الناتج الداخلي الخام) على قطاع الفلاحة. الديون كانت السبب، والرقم مهول (12 مليار دولار)، فما العمل؟

الاقتراض وصفة جاهزة وفقاً لكتالوغ صندوق النقد الدولي: يعطيك قرضاً ويتحكم ويتدخل ويراقب عن بعد توجهات البلد اقتصادياً. هنا بدأ المغرب مرحلة مفصلية في تاريخ الزراعة، فبعد استعادته لأراضيه من المستعمرين الفرنسيين إبَّانَ الستينات والسبعينات من القرن العشرين، جاء “استعمار جديد” ليدخل من النافذة. من بين وصفات هذه المؤسسة المالية الدولية “الحد من تدخل الدولة في الاقتصاد” بما في ذلك قطاع الفلاحة. فبدأت الدولة ترفع يدها عن هذا القطاع بشكل تدريجي لتسمح للخواص الكبار بأخذ زمام الأمور، وفتحت أمامهم الأبواب على مصاريعها، بخلاف المنتجين الصغار والمتوسطين الذين تُركوا لتقلبات المناخ وعناد السماء، فكان الحل أمامهم هو الهجرة نحو المدن كسواهم من القرويين الذين يجدون أنفسهم مضطرين لترك أراضيهم البُنيّة الجافة.

في العقد الأخير من القرن الماضي، خطا المغرب خطوة ثانية في الاتجاه نفسه بعد إبرامه لاتفاقيات موسعة مع شركائه الأوروبيين والأمريكيين في إطار “التبادل الحر” الذي جعل من قطاع الزراعة سوقاً حرة تتنافس فيها كبريات الشركات كما المجموعات الفلاحية الكبيرة. في هذه المرحلة تمّ التركيز أكثر على الزراعات التجارية الموجهة للتصدير، بغية تلبية حاجات السوق الغربية، وأيضاً بمثابة سداد لفاتورة الديون، وتنفيذاً حرفياً لما يمليه صندوق النقد الدولي، إذ “يدعو كل بلد إلى التخصص في إنتاج المواد المحلية التي تُميزه، والعمل على تصديرها إلى الخارج بالعملة الصعبة التي ستمكنه من شراء المواد المطلوبة من السوق الدولية”.

تبادل الاتهامات بين الحزب الحاكم والمعارضة بشأن أزمة البلاد .. الأزمي: هل أصبح وزراء “الحمامة” “مقدسين” وفوق النقد ؟

هذه التوجهات ستؤسس لقطاع جديد يسمى “الفلاحة التجارية” (أو ما يصطلح عليه بـagrobusiness)، يسيطرعلى كل مراحل عملية الإنتاج من عملية الحرث العصرية والإنبات والتسميد، إلى الحصاد والجمع والتغليف، وأخيراً التصدير للأسواق الخارجية.

وعلى الرغم من أن هذا التوجه الفلاحي جاء وفقاً لإملاءات خارجية، إلا أنه ساهم في تحريك عجلة الاقتصاد المحلي -الذي يعتمد بالأساس على الأنشطة الفِلاحية – كما أدخل أنماطاً حديثة غير مسبوقة بالمغرب في الري والصناعات المرتبطة بهذا القطاع.

لكن السؤال يتعلق بما إذا كانت هذه الشركات الكبرى قد ساهمت بتلبية حاجات السوق المحلية من الغذاء؟ فعلياً حدث بحدود جزئية، فمعظم الخضروات والفواكه تأتي من الضيعات المتوسطة، وما تبقى من محصول الضيعات الكبيرة من منتجات جودتها متوسطة.. بعد أن قامت بتصدير أجودها للسوق الخارجية.

أراضٍ خضراء ومثمرة ممتدة إلى الأفق بمئات الهكتارات، تُرى من بعيد ومن قريب على طول السهول الخصبة التي تشكل جزءاً ليس باليسير في المناطق الشمالية والغربية والوسطى للبلد، فمن يملكها؟

تعود ملكية معظم الممتلكات والأراضي الزراعية بالمغرب لعائلات كبيرة لها تاريخ ممتد ومتجذر من الصفقات مع المنظومة السياسية في البلد، وشبكة معقدة من المصالح المتداخلة معها. وإلى حدود منتصف التسعينات من القرن الفائت، استحوذت هذه الطبقة على 747 ألف هكتار من الأراضي المسترجَعة من المستعمرين الفرنسيين. وتقلصت عاماً إثر آخر ملكية الدولة لأراضيها الزراعية، إذ انخفضت مساحات أراضيها من 491 ألف هكتار عام 1981 إلى 238 ألفاً عام 1996، منها 132 ألف هكتار تعود لملكية شركتي “صوديا” و “صوجيطا” (التابعتين للدولة)، اللتان تعرضتا لاحقاً للخصخصة وتمّ التنازل عنهما في إطار عقود كراء طويلة الأمد أو بيعهما في إطار اتقاقيات اقتصادية مع مستثمرين محليين أو أجانب، أو منحهما لشخصيات سياسية وشخصيات نافذة كنوع من “الهدية” أو “الرشوة”،أو “المكافأة” على خدمات أسدوها للسلطة.

ووفقاً لتقرير الهيئة العامة لحماية المال العام، فإن للشركتين مساحات زراعية تقدر بـ 305 ألف هكتار، لكنها انخفضت إلى 124 ألف هكتار يتم استغلال 99 ألف هكتار منها فقط. وقد تعرضت هذه المساحات بدءاً من سنة 2006 إلى شطرين من التنازلات: الشطر الأول تبلغ مساحته حوالي 44 ألف هكتار، أما الشطر الثاني فقدر بنحو 38 ألف هكتار، فيما تم التنازل عن الباقي إما في إطار ما سمي “الإصلاح الزراعي”، فجرى تأجيرها بأثمان رمزية لمدة 99 سنة. وهناك أراضٍ أخرى تمّ “الاستيلاء” عليها من طرف بعض النافذين، وأخرى تمّ منحها لبعض السياسيين والشخصيات المقربة من السلطة.

وبحسب تقرير الهيئة، فإنه “تمّ الشروع في التنازل عن كل الأراضي التي كانت تسيرها شركة صوديا للخواص بهدف “التستر على ما طال القطاع الفِلاحي من هدر وسطو على مداخيل أخصب الضيعات ولعدد من السنين”.

وبشكل أدق، تستحوذ على قطاع الزراعة التجارية والتسويقية في المغرب ثماني مجموعات كبرى يملك فيها المغاربة الخواص حوالي 14 ألف هكتار ، فيما تسثتمر الرساميل الفرنسية (شركتي أزورا وسوبروفيل-إديل) على أزيد من 2500 هكتار، وقد حصلت على هذه الأملاك بعد سياسة تحرير السوق التي تبناها المغرب إبَّانَ الثمانينات الفائتة.

لم يكتف كبار الملاك والمستثمرين في الزراعة من امتياز أراضيهم الزراعية الشاسعة، بل قاموا بالضغط على الدولة للحصول على المزيد من التنازلات كالاستفادة من الإعفاء الضريبي الذي أدرج ضمن مشروع “المخطط الاخضر” المعتمد من قبل المغرب ابتداءً من عام 2008. انتقادات نقابية وأخرى حقوقية تطال هؤلاء المنتجين الكبار بسبب استغلالهم للعمال في ظروف يصفونها بـ”الصعبة” و”اللإنسانية”،وهي العمل وفق عقود محددة المدة وموسمية حسب إنتاجية الموسم الفلاحي، كما أن الحد الأدنى للأجر الفِلاحي أقل بكثير من نظيره في القطاعات الأخرى ولا يتجاوز 180 دولاراً بالشهر، إضافةً إلى حرمان جزء كبير منهم من خدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي (مؤسسة حكومية للتأمين والتقاعد)، إذ لا يتعدى المسجلين في هذه المؤسسة التأمينية أكثر من 12 في المئة من مجموع العمال .

الخليجيون – هم أيضاً – يسعون لامتلاك أو استئجار مساحات زراعية في أخصب المناطق في المغرب، إذ أعلن المدير العام لوكالة التنمية الزراعية أن ما بين خمس وعشر شركات خليجية تشارك في مناقصة دولية بالمغرب للاستثمار في زراعة 20 ألف هكتار من أخصب الأراضي الزراعية التابعة للدولة. وبحسب المسؤول الحكومي، فإن المغرب سيقوم بعملية تأجير طويلة المدى. وتدخل في المنافسة مؤسسات سعودية (“تبوك”) وإماراتية (“القدرة”) ومستثمرين آخرين من البحرين وقطر.

 

 

 

تاريخ الخبر: 2023-03-03 09:28:59
المصدر: المغرب الآن - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 65%

آخر الأخبار حول العالم

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:44
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 52%

السجن 4 سنوات لصاحبي أغنية “شر كبي أتاي”

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:26:50
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 52%

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:04
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 59%

الحوار الاجتماعي.. التفاصيل الكاملة لاتفاق الحكومة والنقابات

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 18:27:00
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية