إبيقور(باليونانية: Ἐπίκουρος)‏(بالإنجليزية: Epicurus)‏ هوفيلسوف يوناني قديم عاش في الفترة بين عامي (341-270 ق.م)، أسس مدرسة فلسفية سميت باسمه هي المدرسة (الإبيقوريّة).

قام بكتابة حوالي ثلاثمائة منجز لم يصلنا منهم إلا بعض الأجزاء والرسائل ومعظم ما وصلنا من الفلسفة الإبيقورية مستمد من التابعين لها وبعض المؤرخين ومنها النصوص التي حفظها ديوجينس اللايرسي Diogéne، فهي رسالة موجهة إِلى هيرودوت في الطبيعيات، ورسالة موجهة إِلى فيتوكليس في الآثار العلوية، ورسالة موجهة إِلى ميناقايوس في الأخلاق؛ ومئة وإِحدى وعشرون فكرة هي ملخص الممضى.

غاية الفلسفة بالنسبة لإبيقور كانت الوصول للحياة السعيدة والمطمئنة ولها خاصتين: "Ataraxia "، وتعني الطمأنينة، والسلام، والتخلص من الخوف و" Aponia " وتعني غياب الألم، والاكتفاء الذاتي محاطاً بالأصدقاء. نطق إبيقور حتى السعادة والألم هما مقياس الخير والشر، وأن الموت هونهاية الجسد والروح ولهذا لا ينبغي حتى نرهبه، وأن الآلهة لا تكافيء أوتعاقب البشر، وأن الكون لا نهائي وأبدي، وأن أحداث الكون تعتمد بالأساس على حركات وتفاعلات الذرات في الفراغ.

حياته

كان والده ووالدته أثينييْن، نوكليس وهارييستريتي، وكان أبوه قد هاجر إلى مستعمرة أثينية بإحدى جزر بحر إيجة تسمى جزيرة ساموس قبل حوالي عشرة سنوات من ولادة إبيقور في فبراير 341 ق.م. تفهم إبيقور الفلسفة في صباه علي يد مفهم أفلاطوني يسمى بامفيلوس.

وفي الثامنة عشر من عمره مضى إلى أثينا لمدة سنتين لتأدية الخدمة العسكرية وقد خدم معه في نفس الفئة العمرية المحرر المسرحي ميناندير.

بعد موت الإسكندر الأكبر، هجّر بيرديكاس جميع الأثينيين المقيمين بساموس إلى مدينة كولوفون التي تقع على سواحل ما يسمى بهجريا الآن حيث مضى إبيقور إليهم هناك بعد انتهاء خدمته العسكرية. وتفهم على يد نوزيفانس الذي اتبع تعاليم ديموقريطوس .

في العامين 311 و310 ق.م تفهم إبيقور في ميتيليني ولكنه تسبب في بعض الصراعات وأُرغم على الرحيل. مضى بعدها إلى مدرسة في لامباسكس قبل حتى يرجع إلى أثينا في العام 306 ق.م. وهناك أسس " الحديقة "، وهي مدرسة فلسفية سماها نسبة لحديقته التي كانت تقع في منتصف المسافة تقريبا بين الرواق الإغريقي المعمد والأكاديمية الأفلاطونية وكانت تعد مكان تجمع أعضاء المدرسة. رغم تأثره بمفكرين أقدم منه مثل ديموقريطوس الذي اختلف معه في نقطة شديدة الأهمية وهي مبدأ الحتمية، فقد كان إبيقور ينكر دائما هذا التأثر ويتهم الفلاسفة الآخرين بالخلط ويدّعي أنه تفهم ذاتيا.

لم يتزوج إبيقور طوال حياته ولم ينجب. كان يعاني من الحصى الكلوية وتملك منه سقم حتي توفي في العام 270 ق.م عن عمر يناهز 72 عاماً ورغم الألم الشنيع الذي كان يشعر به، خط إلى صديق له في لامباسكاس يقول : "أخط لك هذا الخطاب في يوم سعيد، وهوأيضا آخر يوم لي في الحياة، لقد أصبت بانحباس البول والديزنتاريا، وهوشيء مؤلم جدا حيث لا يمكن حتىقد يكون هناك مثيلا لمعاناتي، ولكن بهجة عقلي التي تأتي من إعادة تأمل جميع دراساتي الفلسفية، تخفف عني جميع الآلام. أرجومنك الاهتمام بأطفال مترودورس، بكيفية تليق بتفاني هذا الشخص من أجلي ومن أجل الفلسفة".

المدرسة الفلسفية

هناك ثمانية مفاهيم ابيقورية أساسية :

1-لا تخف من الآلهة.

2- لاتخف من الموت.

3- لاتخف من الألم.

4- عش ببساطة.

5- ابحث عن المتعة بحكمة.

6- اعقد صداقات وابحث عن أصدقاء وكن حسن المعاملة لأصدقائك.

7- كن مخلصا في حياتك وعملك.

8- ابتعد عن الشهرة والطموح السياسي.

يقول إبيقور عن اللذة: أما حتى اللذة خير فذلك أمر بديهي يشعر به الإنسان كما يشعر حتى النار حارة وأن الثلج أبيض. إن اللذة هي بداية الحياة السعيدة وغايتها. بالنسبة لي لا يمكنني حتى أتصور ماهوخير إذا استبعدنا ملذات الطعام والحب وكل ما يمتع العين والأذن. إننا لا نبحث عن أية لذة... ولا ينبغي حتى نتجنب جميع ألم. اللذة التي نقصدها هي التي تتميز بانعدام الألم في الجسد والاضطراب في الجسد. وبمجرد حتى تتحقق لنا هذه الحالة حتى تهدأ جميع عواصف النفس ولنقد يكون على الكائن الحي حتى يسعى إلى شيء ينقصه. عندما أوجد لا يوجد الموت وعندماقد يكون الموت لن أكون موجودا.

إِن الطبيعة، في نظر الرواقي، هي نفسها الإله، أما في نظر الإبيقوري، فإِنها وقع واقعي يجد فيه الإِنسان الراحة والسلام، ومن الواضح حتى الرواقيين والإبيقوريين يستعملون تعبيراً واحداً لتمييز موقف الحكيم هوغياب الاضطراب Ataraxia أوانعدامه وإذا كان هذا الغياب مرتبطاً -عند الرواقيين- بمنطق أنّ الأمور والموجودات والأحداث مرتبطة بعضها ببعض بعلاقة عليّا متعلقة بالإله فإنه، عند الإبيقوريين، يجب حتى يتمَّ من مجرّد فكرة تقول حتى جميع شيء في العالم يمكن توضيحه من دون حاجة إلى إقحام الآلهة أوالقوى السحرية. فالقدر، في نظر إبيقور، غريب تماماً عن الإِنسان الذي يعهد سلام النفس انطلاقاً من اللحظة التي يتوقف فيها عن الخوف من الأحداث الطبيعية، لأنّ بإمكانه حتى يوضّحها توضيحاًَ منطقياً وطبيعياً.

مكانة المدرسة الإبيقورية في تاريخ الفكر الإنساني

سيطرت الإبيقورية على حوض المتوسط بأكمله فوجدت مدرسة إبيقورية في أنطاكية، في القرن الثاني قبل الميلاد وتأثرت المذاهب الفلسفية في الإسكندرية بالأفكار الإبيقورية، أما روما، فمع أنها عهدت الإبيقورية في حياة مؤسسها إبيقور، فإِن إشارات الخطيب الروماني شيشرون الثابتة إلى الإبيقورية تثبت أنها -أي الإبيقورية- ازدهرت فيها وسيطرت عليها في القرن الأول قبل الميلاد. وكذلك وجدت مراكز للإبيقورية في منطقة نابولي الإِيطالية وجوارها. ومع حتى الإبيقورية كانت ما تزال مزدهرة في القرنين الأول والثاني الميلاديين، فإِنها أخذت تتفكك تدريجياً لتحلّ محلها المسيحية بمؤسستها الكنسية التي سيطرت على الفكر الأوربي في القرون الوسطى، ولكن ما إِن بدأ النصف الأول من القرن السابع عشر حتى لوحظ نوع من إحياء للإبيقورية سببه معارضة التجريبيين لعقلانية ديكارت، والباعث على هذا الإحياء غاسندي الذي وضع النظرية الحسَّوية للفهم الإبيقورية لقاء ديكارتية الأفكار الفطرية، ونصَّرَ نظرية إبيقور الذرية بأن عدّ الإله علة لحركة الذرات، خلافاً لإبيقور ذاته الذي عزا ذلك إِلى الجاذبية الأرضية، كما أنّه رأى في الكون كلاً متماسكاً يحتاج وجود إله كليّ القدرة، ليوضح قوامه وغائيته. وقد حاول غاسندي حتى يوفق بين دعوته الكهنوتية وتجريبيته المضادة للديكارتية والمتأثرة بالإبيقورية. ويلاحظ كذلك حتى نفعية بنتام وستوارت مل قد تأثرت، في جوانب منها، بالأخلاق الإبيقورية. وقد تكون الإبيقورية أول محاولة، في العالم الغربي، لتأسيس ممضى إِنساني كامل.

القانون الإبيقوري

يمّيز إبيقور ثلاثة أقسام في الفلسفة: الفهم القانوني والطبيعة والأخلاق. الأول أساس الفهم، ويفهم طرائق تمييز الحقيقة من الخطأ، والثاني يبحث في كون الأمور وفسادها وطبيعتها، والثالث يميّز الأمور التي توفر حياة سعيدة من الأمور الضارة التي يجب الابتعاد عنها، والفهم القانوني والطبيعة في خدمة الأخلاق، وغايتهما دراسة الأسس التي تسمح بالتحرر من الآراء الخداعة، للتوصل إلى حياة حرّة هادئة ومتزنة.

والقانون الإبيقوري مختلف عن المنطق الأرسطي التصوري، وعن المنطق الأفلاطوني الديالكتيكي، وكذلك عن المنطق الرواقي الشرطي. إنه منطق لا يحتاج إِلى الحدثات إلا ليشير إِلى ما موجود وهووسيلة للاقتراب من الواقع. وتتجلّى نقطة انطلاق هذا القانون في أنّ هناك أربع سمات للحقيقة: الإِحساسات والتصورات القَبْلية والانفعالات والتصورات الحدسية للفكر.

الإحساس

الإحساس في نظر الإبيقورية، ليس صياغة ذاتية ونسبية كما تعتقد الأفلاطونية، وإنما هوصورة مطابقة للواقع تنشأ من اتصال بين جسمين: الأول خارجي حسي، والآخر ذاتي متعلق بالعضوالحاس، ولما كان الإِحساس خامة تبدأ معارفنا بها، لذا لا يمكن تسويغ صحته بالعقل الذي لاقد يكون عليه الإتيان بتفاصيل الإِحساس وانتقاده، بل العكس هوالسليم؛ أي إذا الإحساس يفرض نفسه من دون حاجة إلى أي تسويغ، لأن مجاله، برأي إبيقور، متقدّم على مجال العقل. وبذا خالفت الإبيقورية المذاهب العقلية التي اعتقدت حتى الإِحساس ليس نقطة انطلاق الفهم السليمة، كما خالفت المذاهب الريبية التي أكّدت استحالة الفهم. فالإحساس، في نظر الإبيقورية، يمكِّن الإنسان من العيش في توافق مع الطبيعة ومع المجتمع، وفي سلام داخلي. وهوالأساس في الأحلام، لأن الظلال الناجمة عن الموضوعات الغائبة هي التي تنتجها عندما تلاقي الحواس، إلى غير ذلك أبعد إبيقور السمة الإِلهية عن الحلم، ليجعل من الإِنسان سيد نفسه ومصيره.

التصور القَبْلي

حين يتكرر الإِحساس يُحدث في الذهن معنى كليّاً يُطبّقه الإِنسان على الجزئيات حدثا عرضت له في التجربة. فالإِحساس يسمح للمرء بأن يسأل: «هل هذا الحيوان ثور أم حصان؟» ويصدر أحكاماً تتجاوز التجربة الراهنة، مثل قوله: هذا الشبح الذي أبصره هناك هوشجرة. بيد حتى مثل هذه الأحكام لا تصير تصديقات إلا إذا أيدها الإحساس، والأسئلة تعني أننا ندرك معانيها إدراكًا متقدماً على الإِحساس الذي حملنا على إِصدار الأحكام وطرح الأسئلة. إلى غير ذلك فإِن التصور القبلي ليس الأفكار الفطرية كما يدَّعي شيشرون لتناقضها مع مادية إبيقور، وليس فكرة خاصة تظل في الذهن، كما يؤكد شتاينهارت، وقد تستدعى الإرادة بقصد المقارنة، إنه في الواقع إحساس متكرر يهجر فينا طابعاً واضحاً وأكيداً، وفكرة عامة تؤكد تفوّق الإِحساسات، وذلك وفق انطباعات تهجرها فينا أحاسيس متقدمة تشبه الأحاسيس المذكورة.

التصورات الحدسية للفكر لهذا التعبير، الذي يعاين الكون في جملته، منهجان: منهج يؤدي إِلى التصديق بأشياء ليست واقعة في التجربة، مثل الجوهر والخلاء ولا نهاية المادة؛ ومنهج يؤدي إلى استخراج تفاصيل العالم «من نظرة إجمالية»، مثل استخراج الظواهر الجوية من فهم مفاعيل العناصر، وإِذا كان المنهج الأول يمكّن من إدراك اللامحسوسات، في علاقتها بالمحسوسات، فإن المنهج الآخر، يمكّن من إدراك اللامحسوسات ذاتها.


الطبيعيات الإبيقورية:

يتلخص المبدأ الكبير لطبيعيات إبيقور بأن «لا شيء خلق من لا شيء بعمل قدرة إِلهية»، ولا شيء يمكن حتى يرتد إلى العدم. وهذا ما يقود إِلى مبدأ آخر يقول: «إن الكون مؤلف من جسم وفراغ ومكان»؛ نستدل على وجود الأجسام بالحواس، وعلى وجود الفراغ والمكان بضرورتهما، وإِلا فلنقد يكون هناك مكان تتحرك فيه الأجسام فأجسام هذا العالم، الموجودة بأعداد غير متناهية، وفي امتداد الفراغ غير المحدود، موجودة منذ البدء. «أي اإن العالم كان دائماً، كما هواليوم، وهوهكذا منذ الأزل». أما فيما يتعلق بالذرات، فإنها، على عددها غير المتناهي، لا يمكن حتى تُستنفد بخلق عالم أوعدة عوالم، لذا فمن الضروري وجود عوالم لا تُحصى مماثلة لعالمنا أومخالفة له. أما الغاية من دراسة الطبيعة، فهي العيش بأمان تجاه الآخرين والأمور، ومن ثم الوصول إِلى الرصانة. بيد أنّ هذه الغاية لا يتوصل إِليها إِلاّ من لا يخاف: لا من الأساطير الأخروية، ولا من الظاهرات الطبيعية، ولا من الموت، ولا حتى من الآلهة.

الذرات:

يميّز إبيقور بين نوعين من الأجسام: أجسام مركبة، وعناصر صنعت منها الأجسام المركبة يُطلق عليها الذرات. إذا الأجسام المركبة أنظمة مرتبة يمكن حتى تفقد من ذراتها، لأن ليس لها هوية مطلقة. أمّا الذرة، فهي عنصر صلب متراص ثابت، لا يحتوي على أي فراغ أوأية مسافة، ومع حتى للذرات مقداراً يراوح بين حدّ أعظم وحدّ أصغر، فإِنها تظل غير منقسمة، وللذرات، بالإضافة إلى خاصة المقدار، خاصتين أخرى ان هما الشكل والوزن. وأشكال الذرة لا يحصى عددها مع أنه متناه، أما وزنها، فهوالسبب في حركة سقوطها نحوالأسفل. ومع أنّ وزن الذرات يختلف باختلاف مقدارها وشكلها، فإن هذه الاختلافات لا تؤدي إِلى أي فرق في سرعة السقوط، لأن جميع الذرات تسقط في الفراغ بسرعة واحدة وعلى نسق واحد.

الذرات متحركة حركةً محددةً بعناصر ثلاثة هي: الثقل والتصادم والانحراف. والأول هوسبب الحركة العمودية لسقوط الذرات. والثاني يؤدي إِلى تغيير اتجاه الذرة، من دون حتى يؤثّر في سرعتها التي تظل ثابتة. والثالث يطلق على الحركة التلقائية أوالميكانيكية للذرات التي تحملها على التحول خارج خط السقوط بسبب وزنها. وعن طريق نظرية الانحراف هذه تتوضح حرية الإِنسان. إلى غير ذلك فإِن حرية الإِنسان تقوم على أسس طبيعية مادية، لا على اعتبارات ميتافيزيقية. ولما كانت الذرات ثابتة، فلا يمكن حتى تُسند إِليها كيفيات متغيرة، كاللون والرائحة والصوت وغيرها. فالكيفيات تتعلق بالأجسام المركبة فقط، وهي إِمّا حتى تكون محمولات تعود إِلى الجسم ذاته على الدوام، كالصّور، وإِما حتى تكون أعراضاً يمكن حتى تعود إِلى الأجسام من وقت إِلى آخر، أي على نحومؤقت، كالعبودية.

المكان والزمان:

المكان طبيعة موجودة لا تُلْمَس، ولا يقاوِم تحرك الأجسام؛ ويمكن حتى يشغله جسم ما، فحيث يوجد الجسم يستمر المكان. وهو، أيضاً، فراغ خالٍ مؤقتاً من أي جسم، وضروري للحركة الدائمة للذرات، إِذ من دونه تستحيل الحركة. وهوكذلك امتداد، وامتداده غير متناه، لأن الفراغ إِذا كان «محدوداً ومحصوراً، لا يستطيع احتواء الأجسام في عدد غير متناهٍ». أما الزمان، فهو«عرض الأعراض»، لا يوجد في ذاته، ولا نحسُّ به «خارجاً عن حركة الأمور وسكونها». فهويرافق الأحداث التي منها ينتج الإِحساس به.

النفس:

النفس، في نظر إبيقور، جسم حار لطيف للغاية تكمن فيه جميع القوى، ولكن لاقد يكون إِحساسا إِلاّ إِذا ارتبطت النفس بالبدن: فهوالذي يتيح لها حتى تمارس قدرتها على الإِحساس، كما أنها، باللقاء، هي التي تجعله حساساً، فإِنْ تفرّق ضمهما تبددت النفس إِذ إِنها تتكون معه، وتنحل بانحلاله، فهي إِذن مادية وفاسدة.

النفس مؤلفة من تجمع أربعة أنواع مختلفة من الذرات، تأتي منها خصائص الجسم الحي: النَفَس وتأتي منه الحركة، والهواء ويأتي منه السكون، والحار وتأتي منه الحرارة، وأخيراً نوع رابع يأتي منه الفكر الذي يقوم بنشر «الحركات الإِحساسية في الأعضاء». وهناك تمييز آخر تظل صلته بالتمييز الأول غير واضحة، وهوالتمييز بين الروح والنَفْس: فالروح محلها في القلب، ولها وظيفة وجدانية متمثلة في الإِحساس والفكر والإِرادة؛ والنفس منتشرة في البدن كله ولها وظيفة حيوية قائمة على بث الحياة في الجسم.

وعندما تتحرك ذرات النفس، ويُكرهها الجسم على القيام بحركات معيّنة بنشرها العنصر اللاجسميّ، بما تحمله من إِحساسات بين عناصر النفس الأخرى وخلال الجسم بأكمله، يتولد الإِحساس، فالإِحساسات جميعها تعود إِلى اللمس، حاسة الجسم بأكمله. وانطلاقاً من هذه الفكرة الأساسية عهد الإبيقوريون أنواع الحواس الأخرى من ذوق وسمع وشم ونظر. فغاية نظرية الحساسية هي إِثبات حتى الإِنسان كائن يعيش في اتصال وثيق مع ما يحيط به، وفي توافق مع الطبيعة انطلاقاً ممّا يُنقل إِليه من الإِحساسات، التي بها، وليس بالغائية العنائية، يُقوّم الإِنسان. أما الفكر، فإِنه ظاهرة عارضة متولدة من تنضيد الإِحساسات المباشرة وهجريبها. فالفكر يتولّد من الإِحساس، وبتولده منه يعبّر عن مضمونه المجرّد من جميع سمة زمانية ومكانية.

الآلهة:

لم ينف إبيقور مطلقاً وجود الآلهة، بل رفض الأساطير التي أسندها الجمهور إِليها، وعدّ الأفكار التي تُسِندُ إلى طبيعتها دوراً في خلق العالم وتلاحق الزمان من أخطر الأفكار، لأنّ العالم عثر من التقاء الذرات ولا يجوز الاستنجاد بالطبيعة الإِلهية لتوضيح انتظام دوران الكواكب وتلاحق الزمان، إِذ ليس هناك لا عناية ولا قدر، بل جميع الأمور من نتاج المصادفة. إلى غير ذلك فإِن الآلهة موجودة، ومن ينفي وجودها كمن ينفي البداهة. فنحن، أولاً، نرى في المنام وفي اليقظة أشباهاً لابدّ حتى تكون منبعثة عن الآلهة ذاتها، وهذه تجربة تكفي لإِثبات وجودها وثانياً، عندنا عن الآلهة تصور قبلي بأنها موجودات سعيدة ومغتبطة تحيا في طمأنينة وسعادة كاملتين وثالثاً، لابد من حتى يقابل الوجودَ الفاني المتألم وجودٌ دائمٌ سعيدٌ، هوالآلهة المجبولة من مادة نقية خالصة، لا يتطرق إِليها الفساد.

الأخلاق الإبيقورية:

تهدف الأخلاق الإبيقورية -القائمة على مادية واضحة- إِلى بيان حتى ممضى المتعة هوأسهل الطرق إِلى الحكمة؛ على طريق إِعطاء الحكيم إِمكانية إكفاء ذاته بذاته في وحدانية هادئة بعيداً عن الانفعاليين الحمْقى.وهي تدور حول غايتين أساسيتين هما: اللذة، وحالة الطمأنينة والخلومن الهموم. ومع حتى التوفيق بين هاتين الغايتين ليس سهلاً، فإِن جوهر الأخلاق الإبيقورية يكمن في الصلة بينهما. بيد حتى الغاية الوحيدة التي يسلم بها إبيقور على ما يبدو، هي اللذة. أما الطمأنينة فلا قيمة لها إِلاّ بقدر ما تكون تابعة للذة ومنتجة لها. ولهذا صوّر خصوم الإبيقورية الإبيقوريين في صورة فُسّاق وفَجَرَة لا يردعهم عن شهواتهم روادع. ولكن بعضهم أقر، ولاسيما سنيكا Seneque الرواقي وفورفوريوس الأفلاطوني، بالسموالأخلاقي للتعاليم الإبيقورية مستشهدين ببعض مبادئها.

والواقع حتى مفهوم إبيقور عن اللذة مغاير لمفهوم القورينائيين لها، وذلك لأسباب ثلاثة، أولها، حتى إبيقور قد نطق بالمتعة الثابتة والمقوّمة، خلافاً للقورينائيين الذين نطقوا، بتأثير فكرة هيرقليطس Heraclite في التحوّل والتغيّر، باللذة المتحركة، وثانيها: أنّ إبيقور لم يسلّم إِلاّ بلذة واحدة حسية هي لذة الجسد والبطن، خلافاً للقورينائيين الذين سلموا باللذات الفكرية. وثالثها: حتى اللذة، في نظر إبيقور، ليست، كما تخيّلها القورينائيون، حركة وجيشاناً، وإِنما هي لذة تقوم على غياب الألم الجسدي والاضطراب النفسي.

وهنا تبدأ معضلة التوفيق بين مبدأين إبيقوريين: الأول يقول إِن الخير يتم اختياره دوماً بالإِرادة؛ والآخر يؤكد حتى جميع لذة خير وكل ألم شر، لكن لا يتم اختيار جميع لذة، ولا تحاشي جميع شر بالإِرادة دائماً. وهنا يميّز إبيقور، كالقورينائيين، موضوع الإِرادة المتبصرة من الغاية موضوع الميل المباشر. فإِذا كان الميل يحدوإِلى اللذة، فإِن على التبصر باللقاء حتى يزنعواقب جميع لذة. إلى غير ذلك تُهمل اللذات التي تجرّ فائضاً من الآلام، وتُتحمل الآلام التي تأتي بلذات أكبر. ولهذا جعل إبيقور اللذات على ثلاث مراتب: اللذات الطبيعية والضرورية التي لا بد من إِشباعها، كالرغبة في الأكل؛ واللذات الطبيعية وغير الضرورية التي تطلب التنوع في إِشباع الحاجة، مثل الرغبة في تناول نوع معين من الطعام من دون غيره؛ وأخيراً اللذات اللا طبيعية واللاضرورية. كالرغبة في تاج، وهي رغبات فارغة باطلة. إلى غير ذلك فالحكيم هومن يفهم أنّ أعلى درجات اللذة يمكن بلوغه بإِشباع النوع الأول من الرغبات، أوبالأحرى، بالاكتفاء بالقليل والتلذذ بما تضعه الطبيعة المتبصرة بتصرفه. وهذا المبدأ يبيّن حتى ضابط الرغبة لا يقوم في الإِرادة اللقاءة لها، وإِنما في اللذة ذاتها.

فالأخلاق الإبيقورية طائفة من التوجيهات التي تلجم الفكر عن الشرود وتردعه عن تجاوز الحدود التي عينتها الطبيعة، والتقيّد بهذا المفهوم يوضح العلاقة بين الفكرتين المحوريتين، اللذة والطمأنينة. فطلب اللذة يستتبع وجوباً جميع تلك التمارين العقلية: من تأمل في الحد الطبيعي للرغبات، ومن حساب اللذات، ومن تصور اللذات الماضية أوالمستقبلة التي يكوّن جانبها السلبي طمأنينة النفس.

إلى غير ذلك يتوصل الحكيم بالفهم القانوني والطبيعيات والأخلاق، إِلى أمور أربعة هي التالية: عدم الخوف من المغيّبات، وعدم الخوف من الموت، والحصول على الخير بسهولة، واحتمال الألم بسهولة. فالحكيم إِذن موجود حرّ، تحرّر من فكرة الضرورة ومن الآخرين، أي إِنّه من دون سيّد، ويكفي ذاته بذاته. وصفوة القول إِنّ إبيقور إِنسان فكَّر بتعمق حول تفسّخ الأخلاق وحول الصيغ المتنوعة للهستيريات الجماعية، وأراد، من خلال رسالته إِلى معاصريه، حتى يبيّن لهم حتى على الإِنسان حتىقد يكون سيد قدره.

يدل تقارب الكثير من الإتجاهات الفلسفية المعاصرة مع تعليمات إبيقور علي حتى أسس الممضى الإبيقوري لا تزال سليمة وعلي حتى أهميتها لمستقبل الفلسفة ل تقل عما كانت لماضيها/ هذا بصرف النظر عن سوء الفهم البالغ التي تعرضت له أفكار إبيقور من كثير من معاصريه. في مقدمته لقراء أبقراط، قام د/س. هاتشنسن بشرح التعريفات المتنوعة للإبيقورية علي مر العصور وجائت كالآتي:

"أنشأ إبيقور نظامياً فلسفيا وأسلوباً للحياة يستحقا احترامنا بل وولاءنا. ذلك النظام الحياتي الإبيقوري أغري الآلاف لاتباعه والالتزام به في المجتمعات البحرمتوسطية القديمة التي ظلت متماسكة لمئات السنين. ولكن، منذ بداية مسيرته التعليمية لم تسلم رسالة إبيقور من الاعتراضات ومحاولات التشويه من فلاسفة أكاديميين وسلطات سياسية ثم دينية مسيحية. لم يحدث رغم جميع ذلك حتى هجر الإبيقوريون فكرهم أوأبدلوه بفكر فلسفي آخر بل علي العكس كانت المدارس الفلسفية الأخري تفقد طلابها لصالح المدرسة الإبيقورية، لماذا،يا ترى؟ لأنهم ببساطة وجدوا حتى لهذا الفكر معني حقيقي ومنطق متماسك. فسر أركيسلوس -فيلسوف من ألد خصوم إبيقور- إقبال الفلاسفة علي الفكر الإبيقوري بطريقة حادة لا تخلومن الازدراء فنطق: "يمكنك حتى تحول رجلاً سليماً إلي رجل مخصي ولكنك لا تقدر حتى تعمل العكس". بينما في العصور الحديثة، حاول منتقدوإبيقور تقديمه كإنسان كسول، سطحي، عاشق للملذات، غير أخلاقي وفلسفته كتقليد سيء وملحد للفلسفة الحقيقية. في أيامنا هذه، حدثة إبيقورية أصبحت تعني عكسها فصارت حماسة مدعية لكل ما باهظ الثمن من طعام وشراب. لذا، أرجومنكم حتى تحظوا بالشجاعة الكافية لتجاهل ألفي عام من الأفكار المسبقة الخاطئة وإعطاء هذا الفيلسوف القدر الذي يستحقه"

المصادر

  1. وصلة : معهد المخطة الوطنية الفرنسية (BnF) — تاريخ الاطلاع:ثمانية أكتوبر 2016
  2. ^ الصفحة: 164 — نشر في: Dictionnaire des philosophes antiques
  3. ^ Prosopographia Attica — المؤلف: Johannes Kirchner

http://www.epicurus.net/

Epicurius

http://www.pinktriangle.org.uk/leaflet/epicurus.html

تاريخ النشر: 2020-06-01 21:38:03
التصنيفات: مواليد في ساموس, وفيات في أثينا, إبيقورية, علماء كونيات, فلاسفة أخلاق, فلاسفة الأديان, فلاسفة العقل, فلاسفة تعليم, فلاسفة علوم, فلاسفة في القرن 3 ق م, فلاسفة في القرن 4 ق م, فلاسفة نظرية المعرفة, فلاسفة نظرية المعرفة يونانيون قدماء, فلاسفة هيلينيون, فلاسفة يونانيون قدماء في عقل, فيزيائيون إغريق, كتاب القرن 4 ق م, كتاب في القرن 3 ق م, كتاب يونانيون, لاأدريون يونانيون, ماديون, مواليد 341 ق م, ميتافيزيقيون, ميتافيزيقيون يونانيون قدماء, نقاد الأديان, وفيات 270 ق م, يونانيون في القرن 3 ق م, يونانيون في القرن 4 قبل الميلاد, صفحات ويكي بيانات بحاجة لتسمية عربية, صفحات بها بيانات ويكي بيانات, مقالات تحتوي نصا بالإغريقية, صفحات بها مراجع ويكي بيانات, صفحات تستخدم خاصية P1559, صفحات تستخدم خاصية P19, صفحات تستخدم خاصية P20, صفحات تستخدم خاصية P509, صفحات تستخدم خاصية P119, صفحات تستخدم خاصية P27, صفحات تستخدم خاصية P1066, صفحات تستخدم خاصية P106, صفحات تستخدم خاصية P1412, صفحات تستخدم خاصية P101, صفحات تستخدم خاصية P737, صفحات تستخدم خاصية P135, صفحات تستخدم قالب:صندوق معلومات شخص مع وسائط غير معروفة, مقالات تحتوي نصا باليونانية, مقالات تحتوي نصا بالإنجليزية, قالب تصنيف كومنز بوصلة كما في ويكي بيانات, صفحات تستخدم خاصية P214, صفحات تستخدم خاصية P244, صفحات تستخدم خاصية P213, صفحات تستخدم خاصية P227, صفحات تستخدم خاصية P906, صفحات تستخدم خاصية P268, صفحات تستخدم خاصية P1015, صفحات تستخدم خاصية P245, صفحات تستخدم خاصية P409, بوابة فلسفة/مقالات متعلقة, بوابة أعلام/مقالات متعلقة, بوابة اليونان القديم/مقالات متعلقة, بوابة فلسفة العلوم/مقالات متعلقة, جميع المقالات التي تستخدم شريط بوابات

مقالات أخرى من الموسوعة

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

آخر الأخبار حول العالم

الصين تطلق تدريباتها حول تايوان وتنذرها.. والجزيرة تتوعد

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-19 06:07:19
مستوى الصحة: 87% الأهمية: 90%

يحارب حب الشباب ويكافح علامات الشيخوخة.. أهم فوائد الخيار للبشرة

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-19 06:21:47
مستوى الصحة: 40% الأهمية: 47%

بطولة العالم لألعاب القوى 2023: ما حظوظ الأفارقة في الميداليات؟

المصدر: BBC News عربي - بريطانيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-19 09:07:09
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 87%

3.9 مليون مواطن حصلوا على 42 مليار جنيه لتمويل مشروعات متناهية الصغر

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-19 06:21:49
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 48%

مقتل مغربي في تركيا على يد سائق تاكسي بعد اعتداء عنيف

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2023-08-19 06:25:20
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 70%

الفوارق الاجتماعية أبرز تحديات ملك المغرب بعد ربع قرن على العرش

المصدر: فرانس 24 - فرنسا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-19 09:07:24
مستوى الصحة: 84% الأهمية: 96%

بدء امتحانات الدور الثانى لطلاب الثانوية العامة 2023.. اليوم

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-19 06:21:36
مستوى الصحة: 32% الأهمية: 46%

مواعيد قطارات السكة الحديد فى الوجهين البحرى والقبلى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-19 06:21:42
مستوى الصحة: 31% الأهمية: 45%

رئيس وزراء النيجر الجديد: لن يحدث شيء للرئيس بازوم

المصدر: العربية - السعودية التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2023-08-19 06:07:20
مستوى الصحة: 81% الأهمية: 98%

ليفربول يستضيف بورنموث بحثا عن أول الانتصارات فى الدورى الإنجليزى

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-19 06:21:40
مستوى الصحة: 34% الأهمية: 40%

المستندات المطلوبة لتوصيل المياه إلى العقارات.. إنفوجراف

المصدر: اليوم السابع - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2023-08-19 06:21:43
مستوى الصحة: 41% الأهمية: 43%

تحميل تطبيق المنصة العربية