تواصلت نهار أمس، عملية البحث عن الطفل المصاب بالتوحد محمد إياد تازير ذي الخمس سنوات، بعد يوم من فقدانه في دوار التوازرة بمشتى الركاني الواقع في المنطقة الريفية المسماة الضبابية بحامة بوزيان بقسنطينة، حيث وصلت الكلاب المدربة إلى حذائه وجوربه على الضفة الشمالية من وادي الرمال في المكان المسمى “الخليج” أسفل جبل بوحديد الذي يمثل الحد الإداري مع مسعود بوجريو، في حين تستمر عملية تمشيط وادي الرمال والحيز المحيط به على امتداد كيلومترات، مع الاستعانة بمروحية الدرك الوطني وفرقة الغطاسين والتدخل بالمناطق الوعرة للحماية المدنية، فضلا عن مشاركة مواطنين.
وتنقلنا صباح أمس، إلى دوار التوازرة الواقع على الضفة الجنوبية من الطريق الوطني رقم 27 في الجلولية بحامة بوزيان، حيث سرنا من منفذ الطريق الوطني على مسافة تمتد لحوالي ستة كيلومترات إلى غاية وصولنا إلى دوار التوازرة الواقع بمشتى الركاني في منطقة الضبابية. وقد لاحظنا وجود شاحنات ومركبات فرق التدخل التابعة للحماية المدنية على الجهة السفلى، لكن بعض الشبان أشاروا علينا بالتوجه عبر المرتفع وركن السيارة على مستواه، حتى يكون بوسعنا الوصول إلى نقطة الوادي التي تجري فيها عمليات البحث، بشكل أسرع مشيا على الأقدام.
وقد لمسنا في أهل المنطقة اطلاعا بعملية البحث الجارية، فما إن سألنا أول من التقينا به على الطريق حتى أخذ يسهب في الحديث عن تفاصيل اليوم السابق من العملية، مؤكدا على أنه شارك في العملية رفقة عدد معتبر من سكان المشتى وسكان العديد من الأحياء التابعة لبلدية حامة بوزيان. ولم يكن الوادي يبتعد عنا لدى ترجلنا من المركبة أكثر من نصف كيلومتر قطعناها مشيا عبر مزرعة، حيث استطعنا ملاحظة مركبتين للحماية المدنية على مسافة بعيدة في الجهة المقابلة، كما كانت تلوح من بعيد عمارات مشروع سكني أنجاز عند مدخل بلدية مسعود بوجريو، في حين قابلنا بعد خروجنا من المزرعة عدد كبير من المواطنين وأفراد الدرك الوطني وعناصر الحماية المدنية الذين كانوا متجمعين حول الوادي، بينما كان الغطاسون يبحثون عن الطفل في المياه.
آثار قدمي الطفل المفقود
على ضفة الوادي
ولاحظنا أن الغطاسين كانوا يتعلقون من الضفتين بحبل معدني ويقومون بالتمشيط والبحث أسفل المياه، التي اختلط لونها بالأوحال والأتربة الراكدة، في حين بدا جليا أن المشي على قعر الوادي صعب بسبب الطبقة اللزجة التي تكسوه، ما جعل أقدام الغطاسين تزل من حين لآخر، كما لاحظنا أن منسوب الوادي مرتفع، فضلا عن قوة تيار المياه. وذكر لنا مواطن شارك بعملية البحث، أن الكلاب المدربة تمكنت خلال الليلة الماضية من تتبع رائحة الطفل البالغ من العمر خمس سنوات إلى غاية الضفة الشمالية من الوادي في المكان القريب من جبل بوحديد، أين تم العثور على حذائه وجوربيه حوالي الساعة الحادية عشرة والربع ليلا على مسافة تقارب الكيلومترين، كما سجلت أثار قدميه الحافيتين على الوحل.
وأرشدنا أفراد الحماية المدنية إلى المكان الذي وجدت فيه آثار قدمي الطفل الصغيرتين، حيث سرنا إليها عبر مسلك ترابي خطته تيارات مياه الوادي المرتفعة المسجلة من قبل، في حين التقينا بثلاثة متسلقين من عناصر الحماية المدنية لدى وصولنا. ولاحظنا خلال اطلاعنا على آثار قدمي الطفل أنها موزعة على ما يشبه الشريط الأفقي من الأوحال، المختلطة بالمياه، حيث كانت خطوتان متجاورتين وكأنهما تشيران إلى وقوفه مقابل المياه، ثم تظهر خطوات أخرى مبعثرة إلى جهة اليسار، من بينها خطوة بدت مخالفة لجهة المياه، وهو ما دفع بثلاثة أشخاص كانوا يتفقدون الخطوات إلى الاختلاف حول احتمال دخول الطفل المياه وعدم تحمله قوة التيار، أو عودته إلى اليابسة خوفا من الغرق.
وقد التقينا خلال عودتنا نحو موقعنا الأول بالقرب من فرق الغطاسين بأفراد الشرطة العملية التابعة للدرك الوطني، حيث كانوا يهمون بمغادرة المكان حاملين معهم أغراض عملهم، بينما لم تتوقف مروحية تابعة للدرك الوطني عن التحويم حول الموقع، ليؤكد لنا أفراد الدرك الوطني أنها مشاركة في عملية البحث عن الطفل المفقود. وقد أكد لنا أفراد فرقة الكلاب المدربة التابعين للحماية المدنية عدم العثور على أي أثر لإياد على الضفة الجنوبية المقابلة من وادي الرمال عبر حيز المسح المحدد من طرفهم، ما يشير إلى ضعف احتمال عبور الطفل المفقود الوادي.
وصول فرق دعم من 6 ولايات مجاورة
من جهته، قال المكلف بالإعلام على مستوى مديرية الحماية المدنية لولاية قسنطينة، الرائد سمير بن حرز الله، خلال لقائنا به في موقع البحث، إن الحماية تلقت بلاغا من طرف والد الطفل المفقود، حوالي الساعة الثالثة مساءا إلا خمس دقائق، حيث تم تسخير جميع الإمكانيات المادية والبشرية، تتمثل في أكثر من 86 عونا من رتب مختلفة وكلبين مدربين والفرقة السينوتقنية وفرقة الغطاسين وفرقة البحث والتدخل في الأماكن الوعرة، حيث تستهدف العملية العثور على الطفل. وأضاف نفس المصدر أن اليوم الثاني عرف تدعيم فرق الحماية المدنية من 6 ولايات مجاورة بتعداد يفوق 76 عونا من مختلف الرتب وستة كلاب مدربة.
ونبه نفس المصدر أن فرق البحث قد قسمت إلى مجموعات تقوم بالبحث على ضفاف الوادي، بينما يقوم الغطاسون بالبحث داخل الوادي، في حين شدد على أن العملية مستمرة تحت إشراف مدير الحماية المدنية بالنيابة. وقد رافقنا فرقة الكلاب المدربة في عملية التمشيط على ضفة الوادي بين الأشجار، في حين أشار إلى أن التمشيط انطلق من مسكن أسرة الطفل إلى غاية ضفاف الوادي عند الحدود الإدارية بين حامة بوزيان ومسعود بوجريو، على مسافة تمتد إلى أكثر من 5 كيلومتر.
وقد قسمت فرق الحماية المدنية إلى أربعة قطاعات، حيث ذكروا لنا أن كل قطاع يتضمن الكلاب المدربة والغطاسين وأعوان التدخل في الأماكن الوعرة، بينما يعكف الغطاسون على تمشيط الوادي من نقطة العثور على حذائه وجوربيه إلى غاية المكان المسمى “بين الكيفان” الواقع بالقرب من آثار المدينة الرومانية “تيديس”، حيث تمتد على أكثر من 6 كيلومترات.
سكان الحامة يهبون لتقديم المساعدة
وتحدثنا إلى المتطوعين المشاركين في عملية البحث عن الطفل، حيث دخل كثيرون منهم إلى الوادي بحثا في مياه عن أي مؤشر يقود إلى العثور على الطفل، كما لاحظنا أن أحد المواطنين قد جلب حصانا معه للقيام بعملية البحث فضلا عن جرارين، خصوصا وأن تضاريس المكان وعرة، بينما أوضح لنا شيخ مشارك في العملية أنه حضر مع بداية البحث خلال اليوم الأول بمحيط الدوار، مؤكدا أن العملية قد استهدفت في البداية محيط المنزل العائلي، وظلت تتمدد إلى غاية الوصول إلى ضفة الوادي. وذكر لنا شاب من نفس دوار الطفل إياد، أنه مر مع مجموعة من المتطوعين بنفس الموقع الذي عثر فيه على الحذاء حوالي الساعة الرابعة مساء، لكنهم لم يلاحظوا وجوده، ما يرجح بحسبه أن الطفل لم يكن في ذلك المكان حينها.
وقد أكد لنا المواطنون وأفراد التدخل أن العملية قد شملت تجفيف مياه بركة سقي بالقرب من مسكن العائلة، حيث اشتبهوا في غرق الطفل فيها، لكنهم لم يعثروا بداخلها على شيء، في حين أوضح لنا أحد أقرباء والد الطفل أن السكان قد قاموا بالبحث داخل جميع الإسطبلات والبيوت البلاستيكية المستعملة في تربية الدجاج، المنتشرة داخل الدوار. وذكر نفس المصدر أنه شاهد الطفل مع والده بعد أن قام بمرفقته من المدرسة، مؤكدا أن جميع أهل القرية يعلمون بأنه مصاب بالتوحد، ليفاجأ بعد ذلك بخبر فقدانه.
وأجمع من تحدثنا إليهم من المواطنين على أن عملية البحث قد استمرت إلى ما بعد الساعة الثالثة صباحا من على ضفة الوادي وفي النقاط القريبة منه، حيث لاحظنا أثر إشعال النار في المكان بغرض التدفئة، ليؤكد لنا أعوان الحماية المدنية أن برودة المكان قد صارت لا تحتمل في ساعة متقدمة من الليل، خصوصا بالقرب من مياه الوادي، لتستأنف عملية البحث في وقت مبكر جدا.
وقد زار والي قسنطينة، عبد الخالق صيودة، خلال الفترة الليلية فرق التدخل التي تقوم بالبحث، حيث التقى بوالد الطفل وقدم تعليمات لمختلف المصالح من أجل العمل دون هوادة إلى غاية العثور على الطفل سالما معافى”، مثلما جاء في بيان نشرته مصالح الولاية على صفحتها الرسمية بشبكة “فيسبوك”.
والد الطفل: لم تمض 5 ثوان حتى كان إياد قد غادر
وفي طريقنا إلى منزل أسرة الطفل، لاحظنا وجود مركبة تابعة لمديرية النشاط الاجتماعي، في حين التقينا برئيس بلدية حامة بوزيان، رضا بوطمينة، مع مجموعة من المنتخبين، حيث أكد في تصريح للنصر، أن البلدية تدخلت منذ الساعات الأولى إلى جانب رئيس الدائرة بعد اختفاء الطفل، حيث تم تجنيد كافة الإمكانيات مع المؤسسات العمومية البلدية، وتم تسخير الأدوات اللازمة، على غرار مولد الكهرباء، فضلا عن القدرات البشرية، مشيرا إلى أن جميع السكان قد تجندوا من أجل المشاركة في التمشيط مع الدرك الوطني والحماية المدنية. وقد ذكر المسؤول أن والي قسنطينة قد أعطى تعليمات لتسخير جميع الوسائل من أجل البحث عن الطفل إلى غاية العثور عليه. وذكر المسؤول أن البلدية قد طلبت من مواطنين جمع بعض الأطعمة من أجل دعم مصالح الحماية المدنية والدرك الوطني، فقد قضوا طيلة الليلة ما قبل الماضية بصدد البحث.
أما والد الطفل، أبو بكر تزير، فقد وجدناه في حالة حزن وصدمة، وما إن تحدثنا إليه عن ابنه إياد، أو “إيادو” كما يفضل تسميته، حتى أخذ في البكاء، وكان رئيس البلدية يواسيه ويحثه على الصبر وعدم فقدان الأمل، لكن الوالد كان يردد عبارة “إن الأمر يفوق طاقتي على الاحتمال”. وقد أخبرنا الوالد أن حادثة فقدان الطفل قد وقعت ما بين منتصف النهار والواحدة زوالا، حيث اصطحبه من المركز الخاص بالأطفال المصابين بالتوحد على مستوى بلدية ديدوش مراد إلى مسكنه، وما إن ركن سيارته حتى دخل الطفل المنزل، ليتجه الوالد إلى الحمام. وأوضح بالقول “لم تكتمل 5 ثوان حتى كان إيادو قد غادر”. وأضاف المعني أنه بمجرد دخوله البيت، طلب من زوجته أن تحذر من أن يخرج الطفل، فردت عليه بأن الطفل قد غادر.
وروى الوالد بحرقة أنه غادر خلفه مباشرة بحثا عنه، لكنه لم يتمكن من العثور عليه، مؤكدا أنه لم يسبق له البتة أن اتجه صوب الوادي، مضيفا أنه لا يخرج بمفرده أبدا، وحتى وإن غادر البيت فإنه لا يبتعد إلى أكثر من بيوت أبناء عمه في الدوار، حيث يقومون بإعادته إلى مسكنه بمجرد أن يلتقي به أي منهم. ونفى نفس المصدر أن يكون ابنه إياد قد غادر البيت دون علم والديه من قبل، مشيرا إلى أنه يعمل خارج ولاية قسنطينة، وفي غيابه لا يغادر البيت إلا رفقة والدته، أو خلال اصطحابه إلى المركز والعودة منه. وقد أكد محدثنا أن الحذاء الذي عثر عليه على ضفة الوادي خاص بابنه.
والتقينا في نفس المكان بالمشرفة على إياد في مركز التوحد بديدوش مراد، حيث كانت بدورها تدعو والد الطفل إلى الصبر والتمسك بالأمل، في حين أوضحت لنا أن إياد لا يعاني إعاقة سمعية لكنه لا يتحدث، مضيفة أنه في المرحلة الأولى، من تقدمه من المركز، لم يكن يستوعب النداء عليه، لكنه صار بعد ذلك يتجاوب مع من يهتف باسمه. وقد كانت المشرفة تتحدث إلينا وهي تذرف الدموع، فيما أوضح لنا سكان من الدوار أن الطفل قد كان يرتدي سترة حمراء حين اختفى. س.ح