مراكش تحافظ على هويتها البيئية والتزامها من أجل الاستدامة


إلى جانب تاريخها العريق ورمزيتها وحسن ضيافتها، وكونها الوجهة السياحية الأولى بالمملكة، تعد مراكش، مدينة مرجعية تكتسب يوما بعد آخر هوية بيئية، تتأكد من خلال إجراءات مواطنة تهدف إلى حماية البيئة، والتخفيف من آثار التغيرات المناخية، وتعزيز التنمية المستدامة.

وترجع السمعة البيئية لمدينة “سبعة رجال” إلى قرون خلت، حيث بنيت وتطور نسيجها العمراني حول المكون الأخضر، بتهيئة حدائق وفضاءات تسمى “العرصات”، ما جعل الناس يطلقون عليها “مدينة الحدائق”، علاوة على القصور القديمة والمنازل والرياضات، التي بنيت حول الحدائق.

وتشكل “العرصات” أجزاء مكملة لثقافة شعبية تمتد منذ قرون إلى اليوم، وتعتبر هذه الفضاءات الخضراء “رئة” المدينة، وملجأ الصناع التقليديين والأصدقاء والعائلات، الذين يلوذون إليها بشكل مستمر، لقضاء لحظات جميلة بحثا عن الاستجمام.

+ مراكش قبلة اللقاءات ومشاريع حماية البيئة:

ومكنت الإجراءات العديدة التي اتخذت، على مدى سنوات بالمدينة، من قبل عدد من الفاعلين المؤسساتيين والأكاديميين، والخبراء والمجتمع المدني، في ما يتعلق بحماية البيئة وتعزيز التنمية المستدامة، مدينة مراكش من استضافة أشغال مؤتمر الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (كوب 7) ما بين 29 أكتوبر و10 نونبر 2001، وتم تجديد الثقة في المدينة ما بين 7 و18 نونبر 2016، لتنظيم الدورة الثانية والعشرين لمؤتمر الأطراف.

ومن أجل استضافة تظاهرات من هذا الحجم، اكتست مراكش حلة خضراء من خلال إطلاق مجموعة من المشاريع البيئية، وذلك بفضل تعبئة ميزانية بلغت 78 مليون درهم، مع تهيئة الفضاءات الخضراء، المجهزة بالإنارة التي تعتمد الطاقة الشمسية وإنشاء محطة لمعالجة النفايات، ودمج آليات النجاعة الطاقية في بعض المؤسسات العمومية، أو في النقل الحضري البيئي.

وتندرج هذه المبادرات في إطار المشروع الرائد “مراكش، الحاضرة المتجددة”، الذي أطلقه صاحب الجلالة الملك محمد السادس سنة 2014، والذي يعد الاهتمام بالبيئة أحد محاوره الرئيسية، من خلال العديد من الإجراءات الهادفة إلى حماية المدينة من الفيضانات وتقوية شبكة الصرف الصحي وإعادة تأهيل الحدائق التاريخية وتهيئة غابة حضرية.

وبالموازاة مع ذلك، ينظم المجتمع المدني بالمدينة العديد من المبادرات “البيئية”، مثل مشروع “بيكالا بايك”، الذي يهدف إلى الترويج للدراجات كوسيلة للتنقل الحضري، كما حظيت المدينة بحافلات كهربائية صديقة للبيئة (ترام – باص).

كما تستعد المدينة الحمراء لتستضيف، في 15 مارس الجاري، المناظرات الجهوية للتنمية المستدامة.

وفي الوقت نفسه، تجرى العديد من الأبحاث والدراسات التي تتناول القضايا البيئية في المختبرات التابعة لجامعة القاضي عياض، مع استحضار البرامج الحكومية التي يتم تنفيذها، على المستوى المحلي.

+ التزام دائم بالحفاظ على الحدائق التاريخية وتثمينها وإعادة تأهيلها

وفي ما يتعلق بإعادة تأهيل “الحدائق التاريخية” لمراكش، فقد تم إحراز تقدم كبير في هذا المجال، بفضل الجهود الكبيرة والأعمال غير المسبوقة التي تقودها مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، من خلال برامج طموحة، على غرار “حماية وتنمية واحة نخيل مراكش”، الذي تم إطلاقه في مارس 2007 ويرمي إلى إنشاء مشتل جماعي وغرس أكثر من 600 ألف نخلة.

ويهدف هذا البرنامج إلى الحفاظ على واحة النخيل بمراكش من التدهور، ومنحها وسائل استدامة، ما يساعد على وقف تدهورها وتفعيل الحماية القانونية والتنظيمية، وتأهيل الأغراس وتجديدها وصيانتها، وتحسيس وتوعية السكان المحليين والزوار، وتعزيز الفلاحة المستدامة من أجل استقرار السكان والحفاظ على واحة النخيل.

كما استفادت حدائق تاريخية أخرى في مراكش من عمليات تزيين في إطار برنامج المؤسسة “إعادة تأهيل المتنزهات والحدائق التاريخية”، مثل حديقة عرصة مولاي عبد السلام، وهي حديقة أميرية بالمدينة أعيد تأهيلها مع احترام سياقها التاريخي، وقد تمت عملية التأهيل في سنة 2003، بمبادرة من صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للا حسناء، رئيسة مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة، وبدعم من شركة اتصالات المغرب، لتصبح (حديقة إنترنت).

وأعيد افتتاح أبواب الحديقة سنة 2005، وأصبحت مكانا للتنزه والتجوال، وفضاء للتنشيط ولاكتشاف تكنولوجيا المعلومات الحديثة، كما جهزت بفضاء إلكتروني متصل بالإنترنت.

وكانت مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة وشركاؤها أطلقوا في 2014 برنامج إعادة تأهيل منتزه الزيتون “غابة الشباب”، على مساحة 120 هكتارا، والذي دشنته في 5 أكتوبر 2022 صاحبة السمو الملكي الأميرة الجليلة للا حسناء.

ويهدف هذا المنتزه إلى الحفاظ على التراث بالمدينة الحمراء ويؤكد الطابع الإيكولوجي للمدينة، كما يسعى إلى أن يشكل إطارا ملائما للتحسيس والتربية على البيئة.

+ مشروع رائد لمعالجة وإعادة استعمال المياه العادمة لري المساحات الخضراء:

وتجسد التزام مراكش لصالح البيئة عبر إجراءات ملموسة منذ 29 دجنبر 2011، من خلال المشروع الكبير لمعالجة وإعادة استعمال المياه العادمة، الذي دشنه صاحب الجلالة الملك محمد السادس.

وسخرت الوكالة المستقلة لتوزيع الماء والكهرباء بمراكش، بكل مسؤولية تجاه حماية البيئة وتدبير الموارد المائية، كافة الوسائل والجهود لتنفيذ مشاريع كبيرة لتطوير المدينة وتنميتها الحضرية والسياحية.

ويهدف هذا المشروع، الذي خصصت له ميزانية إجمالية تبلغ حوالي مليار و505 ملايين درهم، ساهمت فيها الوكالة بمبلغ 995,5 مليون درهم، والدولة بـ 211,5 مليون درهم، ومنعشون بـ 297 مليون درهم، إلى معالجة النفايات السائلة في المدينة، على مساحة تتجاوز 24 ألف هكتار.

وبحسب الوكالة، فإن الصبيب الذي تتم معالجته بواسطة محطة معالجة وتصفية المياه العادمة بمراكش هو 143 ألفا و600 متر مكعب في اليوم، حيث إن نظام التوليد المشترك تم تنفيذه لتثمين الغاز الحيوي المحتمل إنتاجه بواسطة المحطة، ما سمح لها بالتزويد الذاتي بأكثر من 50 في المائة من الطاقة، بالإضافة إلى التقليص بأكثر من 80 ألف طن مكافئ ثاني أكسيد الكربون سنويا من الغازات الدفيئة، وإنتاج 14 مليون كيلو وات في الساعة من الطاقة الكهربائية المتجددة، عن طريق تحويل الكتلة الحيوية للمياه العادمة، وإنتاج الحرارة (18 مليون و500 ألف كيلو وات سنويا).

+ مكافحة تلوث التربة والهواء أولوية الأولويات بمراكش:

وتحرص مدينة مراكش، علاوة على مشروع معالجة وإعادة استعمال المياه العادمة، على تطوير سلسلة من المشاريع الكبيرة المتعلقة بمكافحة تلوث التربة والهواء، من خلال الاعتماد على أداة فعالة لتدبير وتثمين النفايات، وهي مركز الفرز وتثمين النفايات بجماعة المنابهة، أو شبكة من محطات مراقبة جودة الهواء.

وقال المدير الجهوي للبيئة، نور الدين برين، في تصريح لـ (إم 24)، القناة الإخبارية لوكالة المغرب العربي للأنباء، إن مدينة مراكش كانت جد متقدمة في ما يخص تدبير النفايات، لكونها واحدة من أوائل المدن المغربية التي تمكنت من إنشاء مركز الفرز وتثمين النفايات المنزلية، مشيرا إلى أن الجهود منصبة حاليا على إنشاء مركزين لنقل النفايات من أجل تحسين تدبير هذا القطاع.

وتابع أنه في ما يتعلق بتثمين النفايات، فقد اتخذت الإجراءات من أجل إنشاء محطة تثمين (الكهرباء الحيوية) على مستوى المطرح القديم، والذي تمت إعادة تأهيله انسجاما مع البيئة المحيطة به، بهدف استعادة الغاز الحيوي من النفايات وتخمره، ما سيمكن من استغلال الطاقة المنتجة منه في شبكة الكهرباء.

+ التزام متجدد بالاستدامة :

وأبرز نائب الرئيس المنتدب المكلف بالحكامة في جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض بالمغرب، والخبير في التربية على البيئة، بوجمعة بلهند، في تصريح مماثل، انخراط المدينة في إقامة العديد من المشاريع، التي تهدف إلى التدبير العقلاني للموارد الطبيعية والنجاعة الطاقية، ومنها مشروع تعزيز التنمية المستدامة، بفضل آليات التخطيط والتمويل المبتكرة، والتي ستنطلق قريبا.

وأوضح أنه “تضاف هذه الدينامية التي عاشتها مراكش إلى غنى تراثها وثقافاتها، فضلا عن وجود العديد من الحدائق والفضاءات الخضراء في جميع أنحاء المدينة، لتشكل رافعة حقيقية من أجل الاستدامة “، مشيرا إلى أن هذا الطموح يواجه العديد من التحديات، حيث تكمن ضرورة العمل من أجل تعزيز التكامل، بشكل كبير، من أجل الاستدامة ومكافحة التغيرات المناخية في مخططات عمل الجماعات وتعزيز قدرات الفاعلين الترابيين، في مجال التنمية المستدامة ومكافحة التغيرات المناخية.

وتبذل جهود حثيثة في مجال التنقل المستدام، في إطار الالتزام بالاستدامة، مع تجديد أسطول الحافلات “الصديقة للبيئة” واعتماد ما يسمى “Euro 6” الذي يستدعي التدبير الذكي لهذا الحقل والمساهمة في مكافحة انبعاثات الغازات الدفيئة.

تاريخ الخبر: 2023-03-14 15:15:20
المصدر: كِشـ24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 35%
الأهمية: 44%

آخر الأخبار حول العالم

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:45
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 67%

“غلاء" أضاحي العيد يسائل الحكومة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:26:39
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 56%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية