صراع البلاغات.. هل يحاول بنكيران استدامة المواجهة مع الديوان الملكي؟


الدار : تحليل

من الواضح أن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية عبد الإله بنكيران لم يستوعب جيدا الرسالة التقريعية التي تضمنها بلاغ الديوان الملكي الأخير، وركزت على الممارسات السياسوية المرفوضة التي يتقنها الرجل وحزبه الباحث عن العودة إلى الأضواء. هناك فرق هائل بين ممارسة السياسة باعتبارها حقا لأي حزب سياسي والغرق في الممارسة السياسوية التي أضحت على ما يبدو هي السبيل الوحيد أمام إخوان العدالة والتنمية من أجل استرجاع مكانة مفقودة واحتلال موقع متقدم في ساحة النقاش الوطني والعمومي. هذا ما يمكن استنتاجه من البلاغ الجديد الذي أصدره الحزب ردا على بلاغ الديوان الملكي.

فبدلا من أن يقرّ عبد الإله بنكيران بالهفوة التي ارتكبها في انتقاد وزير الشؤون الخارجية الذي ينفذ سياسة ملكية سامية، يعود من جديد إلى المناورة من خلال التأكيد على ما ورد في البلاغ الأول. وبين البلاغين مسافة ملأها السم المدسوس في العسل، فالرجل يحاول في الوقت نفسه الظهور بمظهر رجل الدولة الذي يحترم الاختصاصات الملكية الدستورية ويدافع عنها، وتقمص جبة المعارض الذي يمكنه أن يوجه النقد لأي جهة كانت، مهما كان هذا النقد متعارضا ومتناقضا مع المصالح العليا للبلاد، ومع توجهاتها الاستراتيجية الكبرى التي تحفظ لها مكانة خاصة إقليميا ودوليا.

السم في العسل يتضح في بلاغ يوم أمس من خلال المفارقة الصارخة بين تثمينه لأدوار جلالة الملك فيما يتعلق بدعم القضية الفلسطينية ورئاسة لجنة القدس، والعودة في نفس البلاغ إلى التعبير عن رفض التطبيع، الذي يعد حسبه من ثوابت الحزب، دون أن يذكر بأن اتفاقية استئناف العلاقات مع إسرائيل تم توقيعها بمساهمة من الأمين العام السابق للحزب سعد الدين العثماني، الذي كان المسؤول التنفيذي الأول في الولاية السابقة. والأكثر مفارقة وتناقضا من هذا أن البلاغ نفسه الذي ينفي أي “تدخل في الاختصاصات الدستورية لجلالة الملك وأدواره الاستراتيجية”، يتجاهل تماما أن قرار استئناف العلاقات المغربية الإسرائيلية قرار مندرج في هذه الأدوار الاستراتيجية، التي لا يمكن أن تصدر إلا عن الدائرة الملكية.

يبدو إذاً من وراء هذا البلاغ الجديد أن حزب العدالة والتنمية لا يريد أن يمحو هذه الزلة ويغلق هذه الصفحة هكذا دون المزيد من الممارسة السياسوية التي تم توبيخه بسببها. بل يبدو أن الحيوان السياسي الذي يسكن عبد الإله بنكيران يعيش أزهى أيامه بعد أن عادت الأضواء لتسلّط عليه من جديد، واسترجع اسمُه المكانة التي يحلم بها في عناوين المقالات الصحفية والنشرات التلفزيونية، ويسعى من خلال استدامة “صراع البلاغات” إلى مراكمة بعض المكتسبات التي تلزمه في المرحلة المقبلة، بعد الخسارات الانتخابية الهائلة التي حققها الحزب في انتخابات 2021.

وعلى ما يبدو يعتقد عبد الإله بنكيران واهما أن الاصطياد في المياه العكرة لملف حساس كملف العلاقات المغربية الفلسطينية والمغربية الإسرائيلية قد يشكل ساحة مفتوحة وآمنة للتوظيف والاستغلال والابتزاز، والحال أنها مساحة محفوفة بالكثير من المطبات والحفر على اعتبار اقترانها بالمصالح العليا والاستراتيجية للمغرب، وميدان لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يُترك هكذا متاحا لكل الفرقاء من أجل اتخاذ مواقف خارجة عن الإجماع الوطني، وتطعن من الظهر في المكتسبات الوحدوية التي تم تحقيقها على مدى عقود طويلة من الزمن وبتضحيات جسام.

وهذه هي الرسالة التي تجاهلها عبد الإله بنكيران، أو لم يستوعبها جيدا، فقرر العودة من جديد إلى تأكيد ما سبق. وهنا يبدو أن الأمين العام لحزب العدالة والتنمية قد دخل في عمره السياسي منعطفا جديدا غير مسبوق. لقد كان باستمرار يحاول تقديم نفسه، سواء أمام قواعد حزبه أو أمام الرأي العام، على أنه رجل دولة، ملتزم غاية الالتزام بما تفرضه المصلحة الوطنية وحساسية المسؤوليات السياسية التي تقلدها، بل إنه لطالما تشدق في خرجاته الإعلامية السابقة بأنه أحد أكبر المدافعين عن “الملك الذي يحكم ويسود”، لكنه اليوم يحاول على ما يبدو من خلال هذه المواجهة إنقاذ الحزب من خطر الانقراض، عبر انتزاع قسري لصفة المعارضة التي فشل فيها برلمانيا ومؤسساتيا.

تاريخ الخبر: 2023-03-16 12:26:48
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 45%
الأهمية: 69%

آخر الأخبار حول العالم

دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 12:24:39
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 51%

هذه أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق هدنة في غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 12:25:18
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 70%

هذه أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق هدنة في غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 12:25:24
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 66%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية