كلب سكوتلانديارد العملاق
كلب سكوتلانديارد العملاق
لو كان شرلوك هولمز علي قيد الحياة لرأي بنفسه كلب سكوتلانديارد العملاق وهم يكرمونه عندما أحيل إلي الاستيداع. فالكلب يوجي كان يزن حوالي سبعين رطلا عندما أقيمت له حفلة تكريم منح بعدها كأسا فضية ووسام الفارس الأسود, ولكن يوجي المسكين لم يستطع أن يري بعينيه الحفل الكبير الذي أقيم له لأن عينيه أصيبتا بالعمي بعد أن ظل يعمل فترة طويلة في خدمة العدالة بلغت حوالي ست سنوات. فقد كانت مهمته الرئيسية البحث عن المخدرات, وعن طريقه قبض علي 1200 متهم بترويج تجارة المخدرات.
ودرست الدول الكبري وسائل الكلب يوجي في بحثه عن المهربين وعملت بها الولايات المتحدة وكندا وعدد من الدول الأفريقية ونيوزيلاند وجزر الهند الغربية.
وفي عام 1969 اشترك يوجي في 492 بحثا نجح في 490 منها. وأقلق هذا النجاح المنقطع النظير تجار المخدرات في لندن فكانوا يجزعون منه ويصابون بالرعب كلما وقع نظرهم عليه, وعندما قام البوليس مرة بالبحث عن شحنة كبيرة من المخدرات وصلت لندن من الشرق الأقصي وفشلوا تماما في العثور عليها استدعي الكلب يوجي إلي الموقع. وما أن وقع نظر المهرب عليه حتي قال هل هذا هو يوجي! فقيل له إنه هو بلحمه وشحمه. فاعرف المهرب علي الأثر وهو يقول لا فائدة من إخفاء الحقيقة ما دام يوجي قد جاء.. ودل رجال البوليس علي مكان المخدرات.
لقد كانت للكلب يوجي قدرات خارقة علي شم المخدرات مهما كانت كمياتها صغيرة أو كبيرة وبسرعته الخارقة علي اكتشافها: وفي عام 1971 غير المهربون طريقتهم في بومباي بالهند عندما قاموا بشحن كمية كبيرة من الأفيون إلي لندن علي ظهر ناقلة بحرية. وعدما وصلت السفينة كان يوجي في انتظارها ولكن بحثه لم يسفر عن شيء وفشل تماما في العثور علي المخدرات. وفي اللحظة التي غادر فيها يوجي ومدربه السفينة لاحظ الأخير وجود جبل من الحقائق الصغيرة في المنطقة الجمركية. وتحول رجل الجمارك عندما وقع نظره علي يوجي إلي المدرب وقال: إن تفتيش هذه الحقائب سوف يستغرق نحو عشر ساعات فكم من الوقت يستطيع يوجي أن يقوم بهذه المهمة ليعفينا من هذا العمل المرهق الشاق؟
فرد ا لمدرب: عشر دقائق فقط. وفي الحال رصت الحقائب في صفين متوازيين طويلين, وأسرع المدرب ووضع يده علي أنف يوجي ليتأكد أنه مبتل وبارد ثم ضغط علي صدره وهي الإشارة المتفق عليها ليبدأ يوجي العمل علي الفور, وجري الكلب بين صفي الحقائب وراح يشم كل حقيبة علي حدة وفجأة توقف وبدأ يعبث بمحتوياتها بعنف وغضب. وأسرع المدرب وفتح الحقيبة وأخرج جميع محتوياتها التي راح يشمها يوجي حتي عثر علي لفة الأفيون.
انضم يوجي أساسا إلي قوات البوليس وعمره 14 شهرا في عام 1966 وبعد عام واحد دخل يوجي مدرسة خاصة بتدريب الكلاب علي البحث عن المخدرات وذلك علي أثر رواج تجارة المخدرات وانتشارها في بريطانيا بشكل وبائي مستفحل. وفي الوقت نفسه كانت دوائر البوليس قد أجرت اختبارات عديدة علي أنواع مختلفة من سلالات الكلاب, وأخيرا قرر المختصون أن كلاب فصيلة اللابرادور هي من أعظم وأفضل السلالات ذات الغرائز الفطرية وحب الاستطلاع الطبيعي وقوة التركيز الفائقة.
وكان يوجي الكلب الثالث في فريق التدريب. وبعد شهر واحد من الدراسة سلم إلي مدربه الذي تخصص في تدريب الكلاب منذ عام 1957 علي أعمال الدورية الليلية, ونجاح الكلب المدرب تدريبا جيدا يعتمد عادة علي قدرته في إطاعة الأوامر وأن يضيف إلي ذلك مهارته في كيفية البحث عن الأشياء المهربة, وفي بريطانيا يختار كلب واحد من بين ثلاثين كلبا للانتظام في دروس التدريب المدرسية, والطلبة الناجحون يجب أن يرهبهم الناس ولكن لا يجب أن يكونوا في غاية العنف والضراوة وأن يكونوا متشككين وليسوا عصبيين وهادئين وغير ثائرين وأن يبدي الكلب منهم رغبته في التعليم وحماسه لخدمة المجتمع الذي يعيش فيه. وفي الوقت نفسه يجب أن يضع ثقته كاملة في مدربه, ووضع يوجي ثقته البالغة في مدربه دوجلاس سيرن وكون الاثنان فريقا ممتازا للثقة المتبادلة بين الإنسان والحيوان أذهلت بل أدهشت علماء الأحياء.
وللكلاب ذاكرة طويلة ولكنها لا تستمر إلا لفترات قصيرة لذلك نري أن المدربين الذين يدربون الكلاب الخاصة من سلالة يوجي يجعلون فترات تعليماتهم قصيرة ويكررون الدروس بصفة مستمرة تكاد لا تنتهي وتعتمد رسائلهم علي الاستجابة والتأكيد والتنبيه. فالمعلومة التي تقدم للكلب تعتمد علي التنبيه أي تنبيه حاسة شمه لشيء معين. وتدرب يوجي في بادئ الأمر علي شم الماريجوانا وبعد أن استطاع أن يحدد أماكن هذا المخدر الذي يتفنن المهربون في إخفائه منحه مدربه عدة جوائز ثم اختفيت عنه الماريجوانا في أماكن يصغب الوصول إليها, ولكنه كان دائما يصل إليها حتي ولو كانت مختفية تحت الماء, وفي الوقت الذي كان يطلق فيه المهربون البخور في الأماكن المظلمة التي يخفون فيها مخدراتهم بحي سوهو بلندن ولم يستطع رجال البوليس طوال سنوات عديدة أن يكتشفوها كان يوجي لا يعبأ برائحة البخور بل يتجاهلها تماما ويصل إلي مخابئ المخدرات بقدرة خارقة ويقظة مذهلة.
وفي عام 1972 لقب يوجي بأعظم كلب للعام نفسه وأصبح نجما لامعا جذب أنظار علماء العالم وطلبة المدارس في بريطانيا.. فكان ممثلا الطريقة التي يعثر بها علي المدرجات بينما مدربه يحاضر في قاعات الجامعات عن مقدرته الخارقة في الكشف عن أعتي مجري المخدرات وكشف حيلهم الغريبة.
ومن الغريب أن يوجي أصيب بضمور في عصبه البصري ويبدو أن سلالته تصاب بهذا الداء ومن ثم يصبح الواحد منها غير قادر علي الرؤية. وفقد يوجي بصره في نفس العام الذي اختير فيه أعظم كلب في بريطانيا ومن غرائب الأمور أيضا أنه عندما ذهب به مدربه لجراح للكشف علي عينيه الكليلتين وبعد أن كشف عليه الجراح وضع يوجي رأسه بين يديه وأسلم الروح وتحت صورة كبيرة للكلب يوجي كتب مدربه هذه الكلمات:
يوجي 1965 ـ ..1972 لن نري مثله مرة أخري..