رسالة إلى الكابرانات.. قلّدونا لكن بحسن نية


عندما رأينا مدرب المنتخب الجزائري ونجميه رياض محرز ويوسف بلايلي يزوران مستشفى باب الواد لمواساة بعض الأطفال مرضى السرطان، شكرنا الله أن منتخبنا الوطني لكرة القدم أضحى من حيث لا يدري يزرع قيم التنافس فيما هو إنساني وأخلاقي، لكننا تذكرنا فجأة أن الأمر لا يخرج عن دائرة كونه أيضا عادة من عادات مجتمع الكابرانات التي ترسخت منذ بضع سنوات، الناتجة عن غيرة دائمة من المغرب ومن مؤسساته ونجومه ومشاهيره، وهي آفة التقليد. لم يعد الجزائريون يتأخرون أبدا في اقتفاء آثار المغاربة في كل ما يفعلونه، بشكل يدعو أحيانا للاستغراب بل للضحك.

لائحة التقليد الجزائري للمغرب طويلة جدا، وهي بالمناسبة ليست عادة جديدة. عندما بنى المغرب مسجد الحسن الثاني الضخم، الذي يعد أكبر مسجد في العالم بعد الحرمين، لم يتمالك الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة نفسه، وقرر أن يبني مسجد الجزائر الكبير، الذي لا يزال بالمناسبة مجرد بناية ضخمة بلا روح، بعد أن تأجلت إقامة الصلوات فيه هذا العام أيضا. وعندما قرر المغرب دخول غمار الصناعة، وخصوصا قطاع صناعة السيارات، لم تتأخر الحكومة الجزائرية في إطلاق مشروع ضخم لتصنيع السيارات في الغرب الجزائري، لكنها نسيت أن تهيئ لهذا المشروع شروط النجاح المالية والتشريعية والبشرية وغير ذلك، فتحول إلى أكبر عملية نصب دعائي على الشعب الجزائري.

وعندما بنى المغرب ميناء طنجة المتوسط الذي سيمثل قاعدة انطلاق وتطوير القطاع الصناعي بالمملكة تهافت النظام الجزائري على وضع تصور لمشروع ميناء “كاب جينة”، قرب الجزائر العاصمة. وعندما تم إطلاق هذا المشروع على الورق تبجح الحكام الجزائريون بأنه سيفوق ميناء طنجة على كافة المستويات. وعندما نجح المغرب في تنظيم الكثير من المناسبات الرياضية الكبرى على أرضه لم تتأخر عقلية الاستنساخ الجزائرية في المسارعة إلى النحت في الصخر من أجل أن تحظى البلاد بشرف تنظيم ألعاب البحر الأبيض المتوسط، ثم تنظيم كأس إفريقيا للاعبين المحليين التي نظمها المغرب مرتين وفاز بها.

وعندما عبّر اللاعبون المغاربة في كأس العالم بقطر عن قيم المغاربة المحتفية بالأمهات وبر الوالدين، لم يتأخر لاعبو المنتخب المحلي الجزائري عن تقليد هذه المبادرة خلال أطوار المنافسة التي احتضنتها الجزائر، بل بلغ الأمر حدّ اقتباس مدرب المنتخب الجزائري عبارة وليد الركراكي الشهيرة عن “النية” في تصريح له بعد إحدى المباريات. قائمة التقليد الجزائري للمغرب طويلة، ولا تشمل فقط أصحاب القرار والمشاهير فقط، بل تعم أيضا عموم الشعب الجزائري الذي يحب تقاليدنا وعاداتنا ويسعى باستمرار إلى استنساخها في الأعراس والمناسبات وفي نمط العيش والغذاء واللباس وغيرها من مظاهر الثقافة. فهل هذا الأمر مزعج بالنسبة لنا كمغاربة؟

إطلاقا، فالشعب المغربي كان ولا يزال يعتبر الشعب الجزائري شعبا شقيقا نشترك معه في الكثير من القيم والعادات، ونتقاسم معه تاريخا طويلا، لكن عندما تصبح عادة التقليد الجزائري مشوبة بالكثير من الحسابات السياسية الضيقة والرغبة فقط في التفوق الوهمي على المغرب، ومسابقته في أي مجال قرر دخوله غماره، فهنا تصبح المسألة إشكالا. عندما تقرر الدولة الجزائرية أن تبني مسجدا كبيرا وتنفق عليه المليارات من أموال الشعب الجزائري فقط ليقال إنه أكبر من مسجد الحسن الثاني، فهنا يكشف الموضوع عن جوانب خفية. إنها عقلية الحسد والغيرة القديمة التي تسكن رؤوس الكثير من قادة الكابرانات، خصوصا من الجيل الأول الذي ذاق هزائم أمغالا وحرب الرمال، ولا يزال إلى يومنا هذا يتذكر أيام الأسر التي قضاها في المغرب.

إن المغرب بلد كريم وسخي، وقادر على تقاسم كل شيء مع الجيران والأشقاء والأصدقاء، وهذا كان دائما دأبه عبر التاريخ، عندما كان ملاذا للاجئين من الأندلس هربا من الاضطهاد الإسباني، وهكذا كان دائما منذ العهد القديم عندما فتحت بلادنا أحضانها لكل الفارين من الشرق العربي ومن مآسيه وحروبه المدمرة. ولعلنا ندعو اليوم أكثر من أي وقت مضى الكابرانات إلى التقليد لكن بنية حسنة، بعيدا عن منطق التسابق وقريبا من منطق المنافسة الشريفة، التي لا شك ستساهم بطريقة أو بأخرى في تحسين الوضع الاقتصادي والاجتماعي والرياضي والعمراني في الجزائر.

تاريخ الخبر: 2023-03-27 18:25:15
المصدر: موقع الدار - المغرب
التصنيف: مجتمع
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 69%

آخر الأخبار حول العالم

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:15
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

"طاس" تكشف جديد قضية مباراة نهضة بركان واتحاد العاصمة الجزائري

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-03 15:27:13
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية