الصين وروسيا وعالم متعدد الأقطاب (1-2)
الصين وروسيا وعالم متعدد الأقطاب (1-2)
منذ بداية العقد الثاني من الألفية الثالثة يتصاعد الصراع العالمي بين الولايات المتحدة الأمريكية التي تصر علي بقائها كقطب واحد مهيمن علي العالم اقتصاديا وعسكريا من جهة, والقطبين الصاعدين الصين وروسيا علي المستوي الاقتصادي والاستراتيجي العسكري من جهة أخري, وعلي المستوي الاقتصادي نجد تعزيز التعاون الاقتصادي بين روسيا والصين, توسيع شراكة كل منهما مع دول أفريقيا وأمريكا اللاتينية والدول العربية, مما ينهي سيطرة الدولار, وبناء نظام مالي جديد.
وبالتزامن مع مرور عام علي الحرب الروسية- الأوكرانية ووسط نذر تصاعدها واستمرارها أطلقت الصين أواخر شهر فبراير مبادرة من 12 بندا لحل الأزمة سياسيا تتضمن وقف إطلاق النار بين روسيا وأوكرانيا, والشروع في محاثات السلام بين الطرفين لإنهاء الحرب, ورفض استخدام أي سلاح نووي, واحترام سيادة كل الدول, والالتزام بالقانون الدولي المعترف به بما يحفظ سيادة كل الدول واستقلالها ووحدة أراضيها, وتعزيز المساواة والتطبيق المتكافئ للقانون الدولي مع رفض المعايير المزدوجة, والتخلي عن عقلية الحرب الباردة, وأخذ المصالح والمخاوف الأمنية لكل الدول علي محمل الجد, ووقف الأعمال العدائية وتفادي ما يؤجج التوترات, ومنع تدهور الأزمة أكثر بما يؤدي لخروجها عن السيطرة, من خلال دعم روسيا وأوكرانيا للعمل في نفس الاتجاه لاستعادة الحوار المباشر بأسرع وقت, واستئناف محادثات السلام, مع مواصلة الصين تأدية دور بناء في هذا الإطار وإيجاد حل للأزمة الإنسانية, وحماية سلامة المدنيين, وتبادل أسري الحرب بين أوكرانيا وروسيا, والحفاظ علي سلامة المنشآت النووية وعدم استخدام الأسلحة النووية, ومعارضة الصين لاستخدام الأسلحة الكيماوية والبيولوجية من قبل أي دولة تحت أي ظرف من الظروف, وتنفيذ مبادرة حبوب البحر الأسود بشكل فعال وبطريقة متوازنة, بجانب وقف العقوبات أحادية الجانب غير المصرح بها من قبل مجلس الأمن الدولي, والحفاظ علي استمرار سلاسل الصناعة والتوريد, ومعارضة استخدام الاقتصاد كسلاح لتحقيق أغراض سياسية, ودعم مرحلة إعادة الإعمار بعد الحرب في مناطق النزاع.
وفي إطار الصراع المتصاعد والمستمر من جانب الولايات المتحدة الأمريكية تجاه الصين وروسيا نجد أن أمريكا لن تسمح لروسيا بالانتصار في الحرب الروسية الأوكرانية ولن تدع المبادرة الصينية (التي طرحتها الصين في أواخر شهر فبراير الماضي 2023 بغرض التوسط للوصول لإنهاء الحرب بين روسيا وأوكرانيا) تمر أو تنجح في إنهاء الحرب, وستظل تشكك في مصداقية الصين وحيادها, وستظل تشعل الحرب من جهة أوكرانيا بمساعدة الدول الأوروبية وحلف الناتو حتي آخر جندي أوكراني.
أكد رئيس الولايات المتحدة الأمريكية بايدن في نهاية عام علي الحرب الروسية الأوكرانية, علي أن بلاده لن تسمح لروسيا بالانتصار, وذلك لاستمرار استنزاف روسيا اقتصاديا وإذلالها, والقضاء علي بوتين عن طريق تزويد أوكرانيا بمزيد من الأسلحة المتقدمة وفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية علي روسيا.
وبالرغم من أن العقوبات الاقتصادية ارتدت علي دول أوروبا بمشاكل وأزمات كبيرة أدت إلي تفاقم الأزمات الاقتصادية داخل بلدانها مع زيادة التضخم وارتفاع الأسعار, وكانت نتيجتها احتجاجات ضخمة وإضرابات للعديد من الفئات, إلا أن الدول الأوروبية تلهث وراء أمريكا (رغم حدوث بعض التصدعات في الحلف الأمريكي الأوروبي) وارتفعت أصوات حكامها برفض المبادرة الصينية, وذلك بالرغم من العلاقات التجارية والاستثمارية الكبيرة بين الصين والدول الأوروبية.
إن أمريكا تجر الدول الأوروبية والعالم لمزيد من التصعيد نحو حرب عالمية لبقاء هيمنتها, لذا لن تسمح للصين بنجاح مبادرتها التي تعني دورا أكبر في الملفات الدولية, وتعني فعليا بناء نظام عالمي جديد ينهي سيطرة القطب الواحد, وستضع أمريكا العراقيل أمام تنفيذ المبادرة الصينية لفترة ليست بقصيرة.