مزمور التوزيع الصيامي (٢)


بقلم: م. منــير وصـــفي بطـــــرس

باحث في موسيقى الألحان القبـطية

مـــدرس مــــادة اللــــحن الكنـــسي

بمعــــهـــد الرعـــــاية والتـــــربيــة

نستكمل بنعمة ربنا دراسة مزمور التوزيع الصيامي من الناحية الموسيقية، ونحتاج إلى تقسيمه إلى أجزاء تُمَثِّل أفكاراً معينة.

“ذوكصاصي كيريي ذكصاصي” (المجد لك يارب المجد لك):

في بداية أي لحن من ألحان التوزيع نبدأ بمرد يقوله الشعب والخورس، وفيه نُعطي التمجيد لله، فعندما ينتهي الكاهن من صلاة الاعتراف يُعطي الشعب كلُّه التمجيد والسجود لله،الذي أعطانا جسده ودمه الحقيقيين لكي نتناولهما فنحيا بالله ويثبت في داخلنا، وكما تأملنا في مقال سابق أن هذه الجزئية لحنُها به رهبة وخشوع وجدية، وجُمَلُها اللحنية ممتدة وعريضة، وإيقاعُهُ يميل إلى أسلوب (المارش) ليُعطي روح المهابة لموكب الجسد والدم المقدسَين حينما يقتربا من المؤمنين، وفيها تعلمنا الكنيسة أن التسبيح لله لابد أن يمتزج بالتمجيد لله؛ حتى يكون تسبيحُنا مُغَلَّف بالوقار والروحانية.

والذي يؤكِّد هذا الإحساس، نوع المقام المُستَخدَم والثابت في كل ألحان التوزيع في كل المناسبات، والذي يُعتَبَر أقرَب إلى مقام العجم (المقام الكبير)، والذي يُعَبِّر عن هذه الأحاسيس والمشاعر الفخمة، والملاحظ أيضاً أن إيقاعَهُالثلاثي مناسب لفكرة الله المثلث الأقانيم، كما أن سرعَتَهُالبطيئة مُتَمَهِّلة تؤكد هذ المعاني.

هلليلويا مقطع (هلليلو):

يبدأ هذا المقطَع بِتَدَرُّج في العُلُو، وكأنه يدخل إلى مَقادِس التسبيح بمهابة واحترام، ويأخذ اللحن من روح الليلويا التوزيع السنوي مع بعض التغيير البسيط في نهايات الجملاللحنية التي تأخذ شكل الثبات، وهنا يُمَهِّد الأذن والنفس من الطقس السنوي إلى الطقس الصيامي.

هلليلويا مقطع (يا):

وعندما يبدأ اللحن في مقطع “يا” وهي في اللغة العبرية إسمُالله له المجد، يبدأ اللحن بالعُلُو تأكيداً وإجلالاً لاسم الله القدوس المُمَجَّد، وفيها أيضاً يطول اللحن في نغمات عديدة بصورة واضحة تسبيحاً لاسم الله الجليل.

ومن الملاحظ أن الجُمَل اللحنية يَغلِب عليها طابع الشجن والهدوء والرَوِيَّة والوقار الذي يُناسب حالة الصوم، ويُناسب الحالة الجسدية الهادئة نتيجة الصوم الإنقطاعي، وعدم قدرة الإنسان على إخراج صوتِهِ في طبقاتٍ حادة أو في حليات عديدة، ولكن النغمات تكون بسيطة، مع ظهور بعض الخلايا اللحنية التي فيها لَمَسات الحُزن البسيطة التي تُناسب حالة التوبة والندم على الخطايا.

ومع هذا لا يخلو هذا المقطع من النغمات العالية التي تُمَثِّل الفرح الهادىء بلحظة التناول، فيحاول الصائم أن يَصدَح في طبقاتٍ أعلى على قدر طاقته، ليُعَبِّر عن فرحتِهِ باللقاء مع رب المجد والاتحاد به.

“إسمو” (سبحوا):

وهنا نجد اللحن يتحول إلى روح أسبوع الآلام في إقتباس واضح من لحن البولس الحزايني الذي يقال في الجمعة العظيمة، وهنا نتأمل قليلاً في هذا الارتباط، فكما قلنا أن لحن الليلويا التوزيع الصيامي هو مزيج مابين الطقسين السنوي والصيامي والحزايني، فهو إعداد الإنسان لفترة أسبوع الآلام كما يقول الآباء، وكلمة “إسمو” (سبحوا) تُعطينا المعنى بأننا نسبح الله على كل شيء، نسبحه على خِلقَتِهِ لكل الكائنات، وعلى أنه ضابطُ الكل، ونُسَبِّحهُ لأنه محبُ البشر الذي يرعى الجميع، كما نُسَبِحّهُ لأنه تَجَسَّدَلأجلنا وصار بيننا؛ ولكننا في هذه المناسبه نُسَبِحّهُ بصورةٍخاصة لأنه احتمل آلام الجسد من أجلنا، من جوع وعطش،واحتمال الخيانة من الأحباء، واحتمل التعذيبَ والإهانة من الأعداء، وأكمل كلَّ هذا بِسَفكِ دَمِهِ الطاهر على الصليب لأجل خلاصنا، ولذلك فتسبيحُنا هنا ممزوجٌ بالألم والشَجَن والحُزن على الخطية التي سَبَّبَت هذه الآلام.

“إفنوتي خين ني إثؤواب تيرو إنتاف” (الله في جميع قديسيه):

وهنا رَجِعَ لروح الصوم مرةً أخرى، ولكن الملاحظة الجميلة هنا ارتباط هذا اللحن بلمحة بسيطة من لحن “أوندوس” الذي يُقال في صوم الرُسُل وعيدِهم، نجدها هنا في كلمة “خين” فنتذكر كلمات لحن “أوندوس” (لأنه هكذا يَتَمَجَّد اسمُكُم على الأرض يا جميع مختاري الإله أبائنا الرسل)، وكأنه يربط هذا المعنى بفكرة (سبحوا الله في جميع قديسيه)، وكما قال ربُّ المجد: “هكذا فليُضىء نورُكُم قدامَ الناس؛ ليرَوا أعمالَكُم الحسنة ويمجدوا أباكُم الذي في السموات” (مت5: 16)، والترجمة القبطية (في جميع قديسيه) يشرحها الآباء المفسرون: “أي سبحوا الله الذي جعل هؤلاء القديسين لهم نفس صورتِهِ، وانعكست عليهم أنوارُ بهائِهِ، وهنا نرى أنفسَنا ونحن نسبح وقد وقفنا في صفوف الملائكة والقديسين أمام عرشِ الله أي قُدسِهِ؛ ولذلك فنحن نُسَبِّح بهذا المزمور أثناء التوزيع حيث أنَّ المسيح حاضر على المذبح”.

ثم ينتهي الجزء الأول في اللحن الذي يُقال بأسلوب “الميليسما” (التطويل في النغمات) بالرجوع مرةً أخرى إلى الطقس السنوي، وكأن الكنيسة تُعلمنا أن التسبيح بروح التوبة خلال الصوم المقدس لابد أن يكون في كل الأوقات وليس فترة الصوم فقط، بل لابد أن يعيش المؤمن حياة البر على مدار أيام السنة كلها.

الجزء الدمج (تكملة المزمور بلحن الصوم):

وهو موسيقياً مُكَوَّن من جُملَتَين، الجُملة الأولى (من عبارتين) وتنتهي عند الدرجة الثانية في المقام (سؤال)، والجُملة الثانية (من عبارتين) وتنتهي عند أساس المقام (جواب).

الجملة الأولى وهي آية من المزمور (سبحوه في جلد قوتههلليلويا) في صيغة سؤال، وكأننا نسأل لماذا نسبح الله؟،فترد عليها الجملة الثانية في صيغة الجواب ( يسوع المسيح صام عنا أربعين يوما وأربعين ليلة)، وهنا تنتهي الفكرة الموسيقية، ثم تتكرر نفس الفكرة بنفس تركيبها 14 مرة مروراًبآيات المزمور المائة والخمسين حتى نهاية اللحن.

فتبدأ هذه الفكرة بنغمات بسيطة مُتَقَشِّفة تتوافق مع روح الصوم الكبير، ثم تعلو النغمات عندما نقول “إرنيستيفين إإهري إيجون” (صام عنا)، حتى يوضح ما فعله الله من أعمال المحبة التي فيها انتصر كابن الإنسان على الشيطان؛كي يعطينا نفس هذه القوة والغَلَبَة لننتصر نحن أيضاً فيه ويُعطينا بثباتنا فيه بجسده ودمه المعونة في صومنا.

إن ألحان الصوم الكبير ألحان روحانية تَسحَب الإنسان إلى معاني التوبة والهدوء، نحتاج أن نسبح بها مُتأمِّلين في كلماتها الروحانية وموسيقاها الهادئة الوقورة، فتساعدنا على الصلاة بالروح وبالفهم.

رابط اللحن آداء خورس معهد الدراسات القبطية

تاريخ الخبر: 2023-03-30 09:24:10
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 56%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

توقعات أحوال الطقس اليوم الأربعاء

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-01 12:25:10
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 66%

المنتخب المغربي يتوج بلقب البطولة العربية لكرة اليد للشباب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 12:25:49
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 50%

المنتخب المغربي يتوج بلقب البطولة العربية لكرة اليد للشباب

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 12:25:57
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 57%

الأمم المتحدة تحذر من هجوم إسرائيلي "وشيك" على رفح بجنوب قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 12:26:20
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 61%

الأمم المتحدة تحذر من هجوم إسرائيلي "وشيك" على رفح بجنوب قطاع غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 12:26:16
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 65%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية