جمهورية مهاباد: قصة الدولة الكردية التي تحالفت مع السوفييت وقضت عليها إيران

  • وليد بدران
  • بي بي سي

صدر الصورة، wikipedia@Qazi Muhammad

التعليق على الصورة،

قاضي محمد رئيس جمهورية مهاباد يجلس في المنتصف

في مثل هذا الوقت من عام 1947 تم إعدام قاضي محمد مؤسس جمهورية مهاباد الكردية، والتي عاشت لفترة وجيزة في إيران.

تقول دائرة المعارف البريطانية عن مهاباد إنها كانت مسرحاً لصراع سياسي متكرر في العصر الحديث، فبعد فترة وجيزة من الحرب العالمية الثانية، أعلن الأكراد جمهورية مهاباد المدعومة من السوفييت، والتي انهارت مع دخول القوات الإيرانية إلى المنطقة عام 1946.

  • منظمات حقوقية تعرب عن قلقها على مصير المحتجين في مهاباد الإيرانية
  • حقائق عن إيران

وقد ظلت مهاباد مركزاً للقومية الكردية حيث كانت تحت سيطرة الأكراد لفترة قصيرة عام 1979، أثناء الثورة الإيرانية، وهي واحدة من أقل المناطق من حيث التطور الاقتصادي في إيران. بحسب دائرة المعارف البريطانية.

لكن من هم الأكراد؟

الأكراد شعب يسكن المنطقة الجبلية الممتدة على حدود تركيا، والعراق، وسوريا، وإيران، وأرمينيا، ويترواح عددهم ما بين 25 و 35 مليوناً. ويعدون رابع أكبر مجموعة عرقية في الشرق الأوسط، لكن لم تكن لهم أبداً دولة مستقلة في العصر الحديث باستثناء جمهوريتي أرارات ومهاباد اللتين لم تعيشا طويلاً.

وفي العقود الأخيرة، زاد دور الأكراد في التطورات الإقليمية، إذ قاتلوا من أجل حقوقهم القومية في تركيا، ولعبوا دوراً هاماً في الصراعات الداخلية في العراق وسوريا وآخرها قيادة المعارك ضد تنظيم "الدولة الإسلامية".

تخطى قصص مقترحة وواصل القراءة
قصص مقترحة
  • اليمين المتطرف: قصة البلدة التي تتصدى للمعادين للاجئين بطريقة مبتكرة
  • بريطانيا والاتحاد الأوروبي: قصة زواج مصلحة تنتهي بطلاق مُتعثر
  • غزو العراق: قصة الدبلوماسي الذي كان بإمكانه منع الحرب
  • تنظيم الدولة الإسلامية: بي بي سي تتعقب البريطانية التي اقنعت 3 من صديقاتها بالانضمام إلى التنظيم

قصص مقترحة نهاية

وتاريخياً، عاش الأكراد حياة قائمة على الرعي والزراعة في سهول بلاد الرافدين، وفي المناطق الجبلية المرتفعة الموجودة الآن في جنوب شرقي تركيا، وشمال شرقي سوريا، وشمالي العراق، وشمال غربي إيران، وجنوب غربي أرمينيا.

صدر الصورة، Getty Images

وفي مطلع القرن العشرين، بدأت النخب الكردية التفكير في إقامة دولة "كردستان" المستقلة. وبعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، وضع الحلفاء الغربيون المنتصرون تصوراً لدولة كردية في معاهدة سيفر عام 1920.

إلا أن هذه الآمال تحطمت بعد 3 سنوات، إثر توقيع معاهدة لوزان التي وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا، بشكل لا يسمح بوجود دولة كردية.

وانتهى الحال بالأكراد أقلياتٍ في الدول السابق ذكرها. وعلى مدار السنوات الثمانين التالية، سُحقت أي محاولة كردية لتأسيس دولة مستقلة أو حكم ذاتي.

مهاباد والأكراد

تأسست مهاباد -التي كانت تسمى سابقاً سافوج بلاغ- وأعيدت تسميتها مهاباد عندما تولى رضا شاه السلطة في فارس -إيران حالياً-، قبل حوالي 4 قرون. وذلك بحسب كتاب تاريخ مهاباد لصمد الصمادي.

  • نوروز: هل هو عيد قومي أم ديني لدى الأكراد؟
  • التوغل التركي في شمال سوريا: الدوافع والأهداف

ويعيش في منطقة مهاباد وما حولها عدة قبائل هي مانجور، وماماش، وبيران، وكافار، وسوساني، ومولكاري، وبيازي، وهي القبائل التي تعيش في إيران، بينما تعيش قبيلتا بوستاري ومارجي في العراق. ويذكر أن القبيلة التي تعيش في المدينة الرئيسية هي الديهبوكري.

وفي الأربعينيات من القرن الماضي، كان هناك حوالي 20 عائلةً مهمةً في المدينة تشترك في السلطة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والنفوذ المعنوي. وربما كانت العائلات الأكثر نفوذاً هي شمسي برهان وشيوخ زامبيل وقاضي.

ما هي جمهورية مهاباد؟

في أغسطس/آب من عام 1941، دخلت جيوش الحلفاءِ إيران. وقد احتل البريطانيون جنوب البلاد، بينما احتلت القوات السوفيتية الشمال.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

أجبر البريطانيون رضا شاه، المشتبه في تعاطفه مع ألمانيا، على التنازل عن العرش

وفي ذلك الوقت انهار الجيش الإيراني في المناطق المحتلة.

حينها عاد الزعماء الأكراد المسجونون أو المنفيون إلى قبائلهم، وأعادوا تسليح أنفسهم بالأسلحة التي حصلوا عليها بعد هروب القوات الفارسية من المنطقة.

  • محكمة عراقية تقضي بعدم دستورية قانون النفط والغاز بإقليم كردستان
  • أردوغان: استفتاء انفصال كردستان العراق "خيانة"

وفي المدن، نظم المثقفون مجموعات سياسية وبدأوا في الدعوة إلى الاستقلال السياسي والثقافي الكردي. وكانت نتيجة هذه الجهود إنشاء جمهورية كردستان في مهاباد عام 1946. وذلك بحسب فريدة كوهي كمالي في كتابها جمهورية كردية في مهاباد.

وفي غضون ذلك، عمل الاتحاد السوفيتي على دعم القوميين الأكراد في إيران، فزودوا الجماعات القومية الكردية بالأسلحة والتدريب وشجعوها على إقامة دولة مستقلة في إيران.

قاضي محمد

برز من بين الزعماء الأكراد قاضي محمد، وكان مدرساً وزعيماً دينياً أسس عام 1942 جمعية بعث كردستان التي تركز نشاطها في مهاباد ثم تحول اسمها في عام 1945 إلى الحزب الديمقراطي الكردستاني، وكان برنامجه يتلخص في تحقيق الحرية في إيران، والحكم الذاتي لكردستان داخل الحدود الإيرانية.

استغل قاضي محمد ظروفَ ضعف الحكم في طهران ووجود القوات السوفييتية في الأراضي الإيرانية، ليعلن في 22 يناير/كانون الأول من عام 1946 قيام جمهورية مهاباد أو جمهورية كردستان الديمقراطية وانتخب رئيساً لها، واعتمد على السوفييت في تسليح قوات حزبه وتدريبهم، ويقول الأكراد عنه في أدبياتهم إنه اتسم بنكران الذات، لذلك فقد أحبه أبناء شعبه وأطلقوا عليه لقب الإمام.

صدر الصورة، Facebook@UnitedKurdistan

التعليق على الصورة،

قاضي محمد رئيس جمهورية مهاباد

وتضمنت جمهورية مهاباد أجزاءً من كردستان الإيرانية وأذربيجان وغرب إيران. كما تم تشكيل الدولة على غرار الاتحاد السوفيتي فكان لها رئيسٌ ورئيسُ وزراء وبرلمان. وكان للدولة أيضاً جيشها الخاص، البشمركة، الذي تم تدريبه وتجهيزه من قبل الاتحاد السوفييتي.

  • البيشمركة: من حرب العصابات إلى تشكيل شبه نظامي
  • الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني: تاريخ من التحالفات والصراع
  • حقائق عن إقليم كردستان العراق

وحظت جمهورية مهاباد بشعبية بين السكان الأكراد في إيران، حيث وفرت الدولةُ الوليدة فرصةً للشعب الكردي لتأكيد هويته الثقافية ولكنَّ الدولة لم تدم طويلاً وواجهت تحديات كبيرة.

سقوط جمهورية مهاباد

في 26 مارس/آذار من عام 1946 وعدَ السوفييت الحكومةَ الإيرانية بالانسحاب من شمال غرب إيران على خلفية ضغوط القوى الغربية بمن فيهم الولايات المتحدة فضلاً عن مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وفي يونيو/حزيران من ذلك العام، أعادت إيران سيطرتها على أذربيجان الإيرانية حيث عزلت هذه الخطوة جمهورية مهاباد، فتضاءلت محاصيل وإمدادات القبائل التي دعمت قاضي محمد، كما اختفت المساعدات الاقتصادية والمساعدات العسكرية من الاتحاد السوفييتي، مما أدى إلى إفلاس مهاباد.

صدر الصورة، Getty Images

التعليق على الصورة،

صورة من ألمانيا لمينا قاضي أرملة قاضي محمد رئيس جمهورية مهاباد

في 5 ديسمبر/كانون الأول من عام 1946، أخبر مجلس الحرب قاضي محمد أنهم سيقاتلون ويقاومون الجيش الإيراني إذا حاول دخول المنطقة، ولكن قاضي محمد رأى أن ما سيحدث سيكون مذبحة بحق المدنيين الأكراد من قبل الجيش الإيراني، فسعى إلى تجنب الحرب بأي ثمن.

وفي 15 ديسمبر/كانون الأول من عام 1946، دخلت القوات الإيرانية مهاباد وبمجرد وصولها إلى هناك أغلقت المطبعة الكردية، وحظرت تدريس اللغة الكردية، وأحرقت جميع الكتب الكردية بما فيها المدرسية. وفي 31 مارس/آذار من عام 1947، شُنق قاضي محمد في مهاباد بتهمة الخيانة في ساحة جارجرا وهي نفس الساحة التي أعلن فيها قيام الجمهورية.

تحديات مستمرة

كان سقوط جمهورية مهاباد بمثابة نكسة كبيرة لحركة الاستقلال الكردية، حيث أظهرت أن الحكومة الإيرانية لم تكن مستعدة لمنح الحكم الذاتي للمنطقة الكردية في إيران. وقد سَلَّط فشل الجمهورية الضوء أيضاً على الحاجة إلى جبهة كردية موحدة يمكنها الكفاح بشكل فعال من أجل الاستقلال.

  • حزب العمال الكردستاني وتركيا: عشرات آلاف الضحايا وآلاف القرى المدمرة
  • ماذا تعرف عن حزب العمال الكردستاني؟
  • ما الذي ينتظر الأكراد؟
  • العراق يكسب قضية تحكيم دولي ضد تركيا بشأن صادرات النفط من كردستان
تخطى البودكاست وواصل القراءة
البودكاست

بي بي سي إكسترا بودكاست يناقش كل أمور حياتنا اليومية، يأتيكم ثلاثة أيام أسبوعياً

الحلقات

البودكاست نهاية

وقد تم إصدار العديد من الكتب والأفلام الوثائقية حول جمهورية مهاباد، ما يبرز أهميتها في التاريخ الكردي، ومن بينها كتاب جمهورية مهاباد لوليام إيغلتون، وكتاب حلم الدولة من كردستان إلى أربيل لمسعود محمد، والفيلم الوثائقي "مهاباد كردستان.. حلم الدولة " الذي يستكشف تأسيس الجمهورية وسقوطها.

وتُعد جمهورية مهاباد فصلاً بارزاً في حركة الاستقلال الكردية، فقد كانت المحاولة الثانية من قبل الشعب الكردي لإقامة دولة خاصة به، بعد جمهورية أرارات في جنوب شرق تركيا في عام 1927، وعلى الرغم من أن هذه الجمهورية لم تعش طويلاً، إلا أن إرثها لا يزال قائماً في المجتمع الكردي، ولا يزال يلهم القوميين الأكراد في جميع أنحاء العالم.

وكان إقليم كردستان العراق قد أجرى استفتاء للانفصال عن العراق يوم 25 سبتمبر/أيلول من عام 2017، شمل محافظات الإقليم الثلاث (أربيل والسليمانية ودهوك)، بالإضافة إلى كركوك المتنازع عليها مع بغداد. ووافق المصوتون -حسب النتائج في الإقليم- على الانفصال بنسبة فاقت 92 في المئة.

وقد تراجعت سلطات الإقليم في وقت لاحق عن هذه الخطوة، وجمّدت نتائج الاستفتاء، لكنها لم تقدم على إلغائها.

وجاء التراجع عقب رفض الحكومة الاتحادية في بغداد الاعتراف بالاستفتاء واتخاذها عدة إجراءات لإبطاله، وتهديد تركيا بخيارات اقتصادية وعسكرية، وإغلاق إيران حدودها مع إقليم كردستان، وذلك فضلاً عن إعلان واشنطن عدم اعترافها بالاستفتاء على انفصال كردستان العراق.