العسكري يديرون معركتهم بجدارة لماذا؟  


العسكري يديرون معركتهم بجدارة لماذا؟  

زين العابدين صالح عبد الرحمن

إن تأجيل التوقيع على الجداول التي صدرت لإنهاء العملية السياسية كان متوقعاً، لأسباب عديدة، وكانت القوى السياسية تتجاهل تصريحات البرهان التي كان يطلقها من على منابر معسكرات القوات المسلحة، وهي كانت تتمثل في نقطتين؛ الأولى توسيع المشاركة في العملية السياسية حتى تشمل قوى خارج دائرة سلطة الحرية المركزي، لماذا؟.

تكراراً ذكرت أن المكون العسكري لا يثق في الحرية المركزي، وبالتالى لن يسلمهم السلطة حتى يصبح سيفاً مسلطاً على رقابهم. وتوسيع دائرة المشاركة تعني خلق معادلة سياسية لا تسيطر عليها الحرية المركزي. ومن خلال تجربة الثلاث سنوات الأولى لحكومتي الفترة الانتقالية، كانت قيادة الجيش تعلم أن هناك قوى داخل الحرية المركزي عينها على السلطة، ولن تقبل بتوسيع المشاركة، وبالتالي سوف تقدم للجيش مبررات لعدم إكمال العملية السياسية. وانخرط الجيش في عملية الاتفاق الإطاري كان الهدف منها هو عدم خسران المجتمع الدولي المقتنع أصلاً أن أي تسوية سياسية يجب أن يكون الجيش جزءاً منها.

الثاني أن الحرية المركزي ذهبت في اتجاه أن تفرق بين القوات المسلحة والدعم السريع، وتعتقد ذلك سوف يشكل ضغطاً على القوات المسلحة، ولكنها قدمت للجيش أكبر مبرر لتعطيل العملية السياسية، لأن الدعم السريع لن يقبل أن يكون الدمج في الفترة الانتقالية أي فترة سنتين، لأن الدعم السريع سوف يفقد العديد من مصالحه، وأيضاً دوره في العملية السياسية تماماً.

تمسكت الحرية المركزي بعدم توسيع دائرة المشاركة التي أطلقت عليها إغراق العملية السياسية، رغم أنها قبلت شرائح من قوى سياسية كانت مشاركة مع النظام السابق حتى إسقاطه. ولم تقدم معايير مقنعة للقبول والرفض.

والمتابع للعملية السياسية يعلم أن رفضها يؤسس على تخوف بعض مكوناتها من مشاركة بعض المكونات التي تخلق إزعاجاً للبعض، حزب الأمة يتخوف من دخول مبارك المهدي الذي يضيق من نسبة محاصصة الحزب الأم في السلطتين التنفيذية والتشريعية. وعسكوري وأردول يقلل من حظ مجموعة ياسر عرمان. والتجمع الاتحادي الذي يبحث عن شرعية مستقبلية من كتلة الحرية المركزي سوف يجد نفسه في تصادم مع الاتحادي الأصل ويصبح أمامه خياران؛ الأول القبول بقيادة الأصل في العملية السياسية، والثاني شق طريقه كتنظيم سياسي لوحده والذي سوف يفقده البريق الذي يجده الآن. ودخول مجموعة محمد الأمين ترك في العملية السياسية سوف يضعف دور المؤتمر السوداني الذي يقف مع القوى الاجتماعية الأخرى في ولاية كسلا والقضارف. خاصةً أن ترك رفض تعيين مرشح المؤتمر السوداني والياً لولاية كسلا.

إذا كان الجيش سبباً في تعطيل إكمال العملية السياسية بسبب تمرير رؤيته لها أن تكون عملية سياسية كما قال البرهان تكراراً لن نسلم السلطة لمجموعة واحدة بعينها. أيضاً الحرية المركزي لمصالح حزبية تعد سبباً في تعطيل إكمال العملية السياسية، وأيضاً قوات الدعم السريع التي وجدت أن الحرية المركزي التي تحالفت معها سوف لن تقبل بعملية الدمج خلال الفترة الانتقالية هي أيضاً لها مصلحة في تعطيل العملية السياسية.

الكل يستخدم شعار التحول الديمقراطي كتكتيك لتمرير أجندته الخاصة بعيداً عن الأجندة الوطنية، لأن القوى إذا كانت مدنية أو عسكرية راغبة في عملية التحول الديمقراطي لا تضع العديد من الشروط التي تخدم مصالح حزبية أو شخصية، بل توافق على أن تبعد الأحزاب للمشاركة في محاصصات السلطة التنفيذية وتصبح مشاركتها في المجلس التشريعي كمراقب لعمل السلطة التنفيذية في مجلس الوزراء والمجلس السيادي محاسب لها وصادرة للقوانين التي تحتاجها الفترة الانتقالية. ويذهب العسكر لثكناتهم.

عندما كان قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو يقف في المنابر ويهدد قوى الحرية والتغيير بالذهاب لانتخابات مبكرة كحل للأزمة السياسية، كانت قيادات قوى الحرية والتغيير المركزي ترفض ذلك وتعلل رفضها، أن وجود جيوش عديدة في الساحة سوف لن يؤدي إلى انتخابات نزيهة وشفافة، لأن أثر البندقية سوف يكون كبيراً في إرغام الناس للتصويت لمن يرغبون في انتخابهم. هذا صحيح. وبذات هذه القناعة يجب على قيادات الحرية المركزي أن توافق أن يكون دمج الدعم السريع في القوات المسلحة في الفترة الانتقالية ولا يتجاوزها مطلقاً، ولا تتعلل بالمسائل الفنية، خاصةً وأن الدعم السريع سوف يكون مؤثراً ببندقيته وماله في الانتخابات. ولكن للمصلحة الضيقة تخلت قيادات الحرية المركزي عن موقفها المؤيد للدمج خلال الفترة الانتقالية بسبب العلاقة التي نشأت بينها والدعم السريع.

وتعلم الحرية المركزي أن استلامها السلطة وإبعاد الجيش عن العملية السياسية سوف تواجه ضغطاً كبيراً من قبل الرافضين للتسوية وتحتاج ليد باطشة لذلك بنت جسراً مع قوات الدعم السريع، التي هي نفسها في أمس الحاجة لهذه العلاقة السلطوية لحماية مصالحها التي كونتها من ثروات الدولة في غياب السلطة الراشدة.

أي عملية تحول ديمقراطي لا يمكن أن تنجح في ظل العديد من الحركات المسلحة، والفترة الانتقالية هي تمهد الطريق للانتخابات ويجب أن يكون هناك جيش واحد مسؤولاً عن كل سلاح في الدولة، وأجهزة أمنية وشرطية خاضعة للسلطة التنفيذية.

إن فكرة التسوية السياسية التي بدأتها قوى الحرية والتغيير كانت فكرة صائبة وراجحة لأنها أحدثت أختراقاً في الأزمة السياسية، وكان من المفترض أن تفتح العملية السياسية لكل القوى الراغبة في عملية التحول الديمقراطي، دون وضع شروط تعجيزية، وحتى فتح حوار مع الممانعين لها لتحييد العديد منهم حتى لا يستوعبوا في عمل مضاد لها. وحتى الجذريين هناك العديد من قياداتهم الوسطية يؤيدون عملية التحول الديمقراطي كقناعة مبدأية وليست تكتيكاً كما تريد قياداتهم التاريخية.

إن العسكر الذين حكموا البلاد لأكثر من نصف قرن ونيف يجيدون التكتيك والمناورة بجدارة، ويدرسون القوى المقابلة لهم ثم يختبرونها، ويتعرفون على رغباتهم ومعرفة قدراتهم في إدارة الأزمة، ومعرفة القوى المساندة لهم. عكس الحرية المركزي التي ركزت على ردة الفعل، والتخندق في مصالح ضيقة عجزت عن الخروج إلا بعد ممارسة الضغط عليها، وكل مرة تقبل جزءاً، وتعتقد أن الذين تقبلهم في المشاركة يجب أن يكونوا خاضعين لها لذلك قبلت شرائح من أحزاب.

إن الأعمال الجيدة والعظيمة التي يمكن أن تخلق واقعاً جديداً في البلاد دائماً تجهضها المصالح الضيقة. نسأل الله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

تاريخ الخبر: 2023-04-03 09:27:34
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 67%

آخر الأخبار حول العالم

مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال الـ 24 ساعة الماضية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 00:26:28
مستوى الصحة: 49% الأهمية: 53%

مقاييس الأمطار المسجلة بالمملكة خلال الـ 24 ساعة الماضية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-28 00:26:34
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 61%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية