فى معنى الأسرة


تواصلا مع ما سبق تناوله فى مقالين سابقين حول مفهوم الزواج ومعناه من المنظورات الدينية والقانونية والاجتماعية، فإن موضوع هذا المقال هو مفهوم الأسرة الذى يتداخل مع مفهوم الزواج بحيث يصعب أحيانا الفصل بينهما لغويا، فالزواج كحدث تأسسيى هو السبيل لتكوين الأسرة، أما الزواج بمعنى العلاقة الزوجية، فيعنى فيما يعنى الأسرة أو التكوين الأسرى.

ولكن يبقى أن هناك اختلاف بين معنى الزواج كحدث أو علاقة وبين الأسرة كنظام اجتماعى. ولعل المسألة المحورية فى هذا المقال تتمثل فى أنه فى حين تلعب الأديان والأعراف والقوانين دورا محوريا فى تحديد معنى الزواج وتنظيم العلاقات الزوجية والأسرية من منظور الشروط والأحكام والحقوق والواجبات، فإن مفهوم الأسرة لا يمكن فهمه إلا من المنظور الاجتماعى، لأن المسألة لا تتعلق فقط بالشروط والأحكام وإنما بنظام اجتماعى يخضع لشروط اقتصادية واجتماعية ونفسية، كما يتأثر بالمتغيرات التى تشهدها النظم الاجتماعية. ولا يخفى على أحد، أنه مع تغير الظروف والأحوال، حدث ويحدث تعارض أو تناقض بين الأحكام والشروط ومقتضيات الواقع الاجتماعى المتغير، وهذا التعارض يعد محور الكثير من الجدل بشأن قوانين الأحوال الشخصية.

فمن ناحية أولى، لا يوجد تعريف للأسرة من المنظور القانونى، وقد ورد لفظ الأسرة فى الدستور المصرى مرتين ، الأول كإشارة أساسية، ليس من أجل التعريف ولكن بهدف التأكيد على هذا الكيان من منظور أخلاقى وقيمى وربطها بالسياق الدينى والسياسى، وهذا حسب المادة (10) والتى تنص على أن “الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها”. أما الثانى ففى المادة (11) فى سياق الحديث عن المساواة بين الرجل والمرأة، حيث اختص الدستور المرأة دون الرجل بالمهام الأسرية، فجاء فى هذه المادة أن الدولة تكفل: “تمكين المرأة من التوفيق بين واجبات الأسرة ومتطلبات العمل”. كما أن مفهوم الأسرة لا يتم تعريفه فى قوانين الأحوال الشخصية، وإنما ذكر الأسرة بوصفها المجال الذى يتم فيه تطبيق أحكام الأحوال الشخصية.

وفيما يتعلق بالمنظور الدينى، ففى حين أن مفهوم الزواج مركزى فى الخطابات الدينية، نلاحظ أن حضور مفهوم الأسرة فى الخطابات الدينية ليس أصيلا وإنما من الأمور الحديثة. وكما ورد فى موسوعة مفردات المحتوى الإسلامى: “لَم يَرِدْ ذِكْرُ مُصطَلَح (الأُسْرَة) في القُرآنِ الكرِيمِ، وكذلك لم يَسْتَعْمِلْهُ الفُقَهاءُ في عِباراتِهِمْ، ولكن وَرَدَ معناهُ وعَبَّروا عنه بمصطلحات أخرى، كالأهل، والآل، والعشيرة، وغير ذلك في كتابِ النِّكاحِ، عند الكلام عن النَّفَقاتِ، والطَّلاقِ، والحَضانَةِ، والرَّضاعِ، ونحو ذلك”. ووفق بعض الآراء، فلم يكن للإسلام رأى خاص فى الأسرة وإنما تابع اللغة والعرف العام فيها- كما يقول علماء الأصول- وعلى هذا فالأسرة شاملة للزوجين والأبناء والأرحام، وبهذا المعنى الشمولى قد سن لكل فرد تجاه أسرته حقوقا وواجبات أدبيه واقتصادية جعله مسئولا عن رعايتها والقيام بها”. [باقر شريف القرشى: نظام الأسرة فى الإسلام، دار الأضواء، بيروت، الطبعة الأولى، بيروت، ص 18]. كما لا نجد لفظ الأسرة فى أعمال أئمة كبار مثل الإمام محمد عبده، رغم تناوله بالتفصيل الكثير من قضايا الأحوال الشخصية.

وبشكل عام يمكن افتراض أن دخول مفهوم الأسرة إلى مجال الخطابات الدينية جاء نتيجة تطور العلوم الاجتماعية والإنسانية الحديثة وتأثيرها على الخطابات الدينية، ولذلك ليس غريبا أن نلاحظ الاستعانة بالمرجعيات الاجتماعية عند تعريف الأسرة فى المصادر الدينية، ومثال ذلك تعريف الأسرة فى معجم مصطلحات العلوم الشرعية (مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية ص 164) والذى يرتكز فى مصادره لتعريف الأسرة على عدة مصادر من بينها (علم الاجتماعى العائلى لمصطفى الخشاب). أما التعريفات الأخرى فعادة ما ترتكز على إحالات لغوية من ألفاط “آل وعشيرة وأهل وعَصَبَة” وهى مفاهيم تتسع لتشمل أفراد الأسرة والأقرباء وحتى القوم (راجع فى ذلك تعريف أسرة معجم مصطلحات الفقه الإسلامى وأصوله، معجم اللغة العربية ص 149).

أما العلوم الاجتماعية والتربوية، فهى المرجع الحديث لمفهوم الأسرة بوصفها “نسق/نظام اجتماعى”، وهذا الوصف محورى فى وصف وتحليل الأسرة من المنظور الاجتماعى، فى علم اجتماع الأسرة على وجه التحديد، وهو أحد مجالات علم الاجتماع “المخصص لدراسة الأسرة كمؤسسة مركزية للحياة الاجتماعية. تشمل الافتراضات الأساسية الطبيعة العالمية للأسرة، والتنوع في أشكال الأسرة، وضرورة الأسرة لدمج الأفراد في العوالم الاجتماعية. ويهتم علم اجتماع الأسرة عمومًا بآليات تكوين روابط القرابة والحفاظ عليها ونموها وكذلك انحلال هذه الروابط. ويتم التعبير عنه بشكل شائع في الأبحاث حول الخطوبة والزواج وتربية الأطفال والتكيف الزواجى والطلاق. توسعت مجالات البحث هذه في القرن العشرين لتشمل مجموعة متنوعة لا حصر لها من الموضوعات المتعلقة بالنوع ، والحميمية ، والمودة ، وأي شيء يمكن اعتباره متعلقًا بالأسرة”. [http://sociology.iresearchnet.com/sociology-of-family/]

وبالتالى فعندما ننظر إلى الأسرة كوحدة أو نسق اجتماعى، فإن تعريفها يُستمد من كونها تكوين اجتماعى بأشكال وتراكيب متعددة، فهى كيان يتغير/ ويتأثر بالسياقات الاجتماعية والثقافية والاقتصادية الأكبر. وهذه الخصائص تشكل محور التعريف والتصنيف، وكذا أصبحت العلوم الاجتماعية مصدرنا للتعرف على أشكال الأسر وخصائصها وتحولاتها سواء تعلق الأمر بالأسرة النووية الصغيرة، أوالأسرة الممتدة، أى العائلة الكبيرة، أو الأسرة التى تعولها إمرأة وهى الظاهرة الاجتماعية التى بدأ الحديث عنها مؤخرا. ولأن الأسرة باتت موضوعا للتحليل، وليس الأحكام، فثمة مفاهيم أخرى فرضت نفسها فى مجال البحث والدعم مثل التماسك الأسرى، التفكك الأسرى والعنف الأسرى، والمرونة الأسرية. وإذا كان علم الاجتماع يتتبع الأسرة كنسق اجتماعى مرتبط بمحيطه، فإن علوما أخرى نفسية وسلوكية تعنى بالمشكلات التى تصيب أعضاء هذا النسق من الأزواج والأبناء من خلال ما يعرف بالدعم والتأهيل والمشورة الأسرية. وهذه أبعاد لا تغطيها الأحكام الشرعية والقانونية.

إن المسألة الأهم التى فرضت وتفرض نفسها، وإن تم تجاهلها، هى أن جمود أحكام الأحوال الشخصية لا يتناسب مع واقع الأسرة كنسق اجتماعى ونفسىقابل للتغير بالمعنيين الإيجابى أو السلبى. وقد يتمسك البعض بالأحكام باعتبار أنها السبيل للحفاظ على الأسرة، ومع ذلك فإن التجربة الواقعية تبرهن على أنجمود قد يكون سببا رئيسيا للإضرار بالكيانات الأسرة . فالأسرة قد تنتظم وفق الأحكام الشرعية والقانونية، ولكنها تتماسك بشروط أخرى نفسية واجتماعية.ومن المهم أن يحدث توافق بين مقتضيات الأحكام، ومتطلبات التماسك والسلامة الأسرية.

تاريخ الخبر: 2023-04-03 12:24:23
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 47%
الأهمية: 65%

آخر الأخبار حول العالم

تشمل “التقشف”.. تعليمات أخنوش حول الإحصاء الذي ينتظر المغاربة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:08:28
مستوى الصحة: 73% الأهمية: 81%

النصيري يساهم في فوز إشبيلية

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:08:31
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 85%

16 قتيلا من عائلتين في غارات إسرائيلية على رفح

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:06:59
مستوى الصحة: 91% الأهمية: 90%

ميناء طنجة.. فحص حاوية قادمة من البرازيل يقود إلى مفاجأة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:08:35
مستوى الصحة: 69% الأهمية: 81%

طقس الإثنين.. أجواء حارة وأمطار خفيفة ببعض مناطق المملكة

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-06 03:08:25
مستوى الصحة: 64% الأهمية: 73%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية