عاد شنودة
عاد شنودة
عاد شنودة إلي حضن والديه بالتبني, وانتهي المشهد العبثي بقرار تاريخي للنيابة العامة التي أمرت بتسليمه إلي السيدة آمال إبراهيم التي عثرت عليه كعائل مؤتمن وكلفتها باستكمال إجراءات كفالته وفقا لنظام الأسر البديلة, وخاطبت النيابة وزارة التضامن الاجتماعي للنظر في الطلب المقدم من الأسرة التي عثرت علي الطفل لاستلامه وفقا لأحكام قانون الطفل ولائحته التنفيذية, بنظام الأسر البديلة, كما كلفت النيابة العامة خط نجدة الطفل بالمجلس القومي للأمومة والطفولة باتخاذ الإجراءات القانونية نحو إعادة تسمية الطفل باسم رباعي اعتباري مسيحي لأب وأم اعتباريين مسيحيين في ضوء ما انتهت إليه التحقيقات والتي تضمنت فتوي مفتي الجمهورية بتبعية الطفل لديانة الأشخاص الذين عثروا عليه.
انتهت قضية شنودة بالنسبة للجهات الرسمية, لكنها لم تنته بالنسبة له, ولم يغلق ملف كفالة الأطفال المسيحيين, فالقضية فتحت جرحا غائرا لم يندمل بعد, وربما لا يندمل أبدا ما لم يتم تقنين الوضع والإجابة علي التساؤلات المعلقة التي لا تجد إجابات, أول هذه التساؤلات: هل كان الأمر يستحق كل هذا الجدل؟ لماذا يحتاج الأمر لفتوي تحلل كفالة الطفل من أسرة مسيحية؟ آلاف الأطفال مشردون في الشوارع ولا أحد يهتم لأمرهم, وحينما تم الإبلاغ عن أن أسرة مسيحية تبنت طفلا واحدا, قامت الدنيا ولم تقعد, ألا يستحق الأمر تشريعا واضحا يقنن كفالة الأطفال المسيحيين؟ فحكاية شنودة ليست الأولي ولن تكون الأخيرة, والمسيحية تجيز التبني, فهل ما حدث من لغط في قضية شنودة يفتح الباب مرة أخري لإعادة النظر في فصل التبني في مشروع قانون الأحوال الشخصية الجديد؟ فكفالة طفل يتيم رفضه أبويه ليست تنصيرا ولا تبشيرا, ليست مسيحية ولا إسلاما, إنها الإنسانية التي تبحث عنها فئة قليلة من البشر في هذا العصر, بعيدا عن التعصب الديني لأي طرف.
مزيد من التساؤلات تطرح نفسها: لماذا تسرعت وزارة التضامن الاجتماعي في تغيير اسم الطفل من شنودة إلي يوسف, وتحويل ديانته من مسيحي إلي مسلم في الأوراق الرسمية, لماذا لم تنتظر قرار النيابة وانتهاء التحقيقات, وكلمة القضاء؟ إنه المزاج الديني الذي يحكم كل القضايا الشائكة المتعلقة بديانة طفل أو فتاة قررت تغيير هويتها الدينية, وكأن تغيير الأوراق الرسمية هو ثبوت للعقيدة الإيمانية في القلب, بينما لا علاقة لذلك الثبوت بالأوراق علي وجه الإطلاق, فالثبوت هو البقاء واليقين الذي لا يتأثر بالشك, وفي كل الحالات التي يسارع أطرافها بتغيير الديانة في الأوراق الرسمية يكون الشخص لا علاقة له باليقين ولا بالشك, فالطفل لا يدرك أساسا ما هو عليه, والقاصر لا تملك إرادة التغيير ولا الحكم علي الأمور, والمغلوبة من مشاعرها مختطفة عاطفيا وليس إيمانيا, ربما نلتمس المبررات للأشخاص إذا فعلوا ذلك, لكن حينما تتسرع جهات في الدولة علينا أن نجد ردا مقنعا يحفظ لحقوق المواطنة موقعها علي خريطة الحقوق الدستورية.
ويبقي التساؤل.. ماذا عن مستقبل شنودة, بعدما ذاعت قصته وتم تداول اسمه الرباعي وصورته, فورث تركة ثقيلة من الوصم, وضريبة فادحة سوف يدفعها طالما عاش, فالمجتمع لا ينسي وسيلتصق باسمه وصف اللقيط الذي تبنته واحتضنته أسرة غير أسرته الحقيقية, وهو ما يمثل تحديا مستقبليا أمام شنودة يمكنه التغلب عليه عبر مسار حياته والموقع الذي يرسخه لنفسه في المجتمع.
[email protected]