محمد الباز يكتب: إمام التفكير.. هل تخلى رجل «حرب العصابات» حسن حنفى عن تلميذه نصر أبوزيد؟

حسن حنفى ساند نصر كما لم يسانده أحد لكن المشكلة أن المساندة كانت فى المساحة الخاطئة

حسن حنفى كان يحب «تلميذه» نصر بشكل غير طبيعى وتمنى أن يدفن إلى جواره

فى أحد مساءات يوليو عام ٢٠١٠، وجد الدكتور يوسف زيدان رقم تليفون الدكتور حسن حنفى على شاشة هاتفه المحمول- لا يتواصل حنفى مع أصدقائه وتلاميذه كثيرًا عن طريق التليفون- رد زيدان ليجد أستاذه الكبير يبكى، وهو يقول له: نصر فى العناية المركزة بالمستشفى منذ أيام، ولا أحد منا يعلم ذلك، وقد زرته قبل أيام فلم يعرفنى. 

علا صوت بكاء حسن حنفى وهو يقول ليوسف زيدان: نصر بيموت يا أبوحجاج، نصر بيموت ومفيش حد هناك واخد باله منه. 

كانت الأخبار التى يتداولها أصدقاء نصر أنه ذهب إلى إندونيسيا فى مهمة تعليمية وبحثية تستغرق عدة أسابيع، لكنه أصيب بفيروس غامض أفقده النطق والإدراك تمامًا، فجاءوا به سرًا إلى مصر، ولم يعلم بذلك أحد، حتى تم الإعلان عن وفاته فى ٥ يوليو ٢٠١٠. 

عندما تأكدت وفاة نصر، وقبل أن ينتقل جثمانه من القاهرة إلى قريته قحافة ليدفن فى مقابر العائلة، دعا الدكتور حسن حنفى إلى خروج نصر من كلية الآداب جامعة القاهرة تكريمًا له ووفاءً له واعترافًا بالتقصير فى حقه. 

لم تكن فكرة حسن حنفى جديدة. 

فعندما توفى الدكتور شوقى ضيف فى ١٠ مارس ٢٠٠٥، وهو أحد أساتذة آداب القاهرة الكبار، خرج جثمانه من الكلية، وتكرر الأمر بعد ذلك مع الدكتور جابر عصفور الذى خرج جثمانه من جامعة القاهرة فى ٣١ ديسمبر ٢٠٢١، وودعه أساتذتها الكبار، لكن نصر الذى ظل يعانى من الحرمان طوال حياته، حرم أيضًا من هذا المشهد الذى أعتقد أنه كان سيسعده كثيرًا، فهو لم يتمكن من العودة إلى جامعته حيًا، فلا أقل من أن يعود إليها ميتًا ليتبادل معها النظرات الأخيرة. 

خشيت إدارة الجامعة من هجوم المتطرفين عليها.. فلم تستمع لحسن حنفى. 

وقد تسألنى: ولماذا يحمل حسن حنفى كل هذه العاطفة لنصر أبوزيد؟ 

قبل الإجابة لا بد أن أعترف اعترافًا يخصهما معًا. 

فى ٩ يوليو ٢٠١٥ كتبت «أخطر محاكمة علنية لحسن حنفى»، وقلت يومها: ظل الدكتور حسن حنفى بالنسبة لى طوال محاضراته فى مادة «الفكر المعاصر» بالسنة الثانية، كلية الإعلام، عالمًا كبيرًا وفيلسوفًا فذًا ومفكرًا تهوى إليه العقول، لم تكن المحاضرة مقصورة علينا، بل يؤمها طلاب من مختلف كليات الجامعة، لكنه تضاءل أمامى فى المحاضرة الأخيرة، وجدته يتحدث عن امتحان الفصل الدراسى بطريقة تقليدية، تحول فى لحظة من عالم تجولنا فى رحاب أفكاره طوال الترم إلى خوجة فى مدرسة ثانوى، يتحدث بحدة عن أسئلة وتوزيع درجات، والتزام بما قاله دون أدنى خروج عنه، فتعجبت من الرجل الذى حرضنا على التفكير، يطلب منا أن نكون مجرد حافظة لما قاله، وليس مسموحًا لنا فى الامتحان إلا أن نكرره. 

كان هذا ما يخص حسن حنفى وحده، لكن فيما يخصهما معًا حنفى وأبوزيد، قلت: وقتها تقريبًا- فى حدود ديسمبر ١٩٩٤- كان غبار معركة تكفير الدكتور نصر حامد أبوزيد لا يزال عالقًا فى قلوب الباحثين عن الحرية فى وطن يضيق بأبنائه، لم أسمع منه كلمة واضحة أو صريحة، لم يخض معركة إلى جوار زميله فى نفس الكلية، ولا أخفيكم سرًا أننى شعرت بلامبالاة من «حنفى» تجاه قضية نصر، ولن أمنح نفسى حق القول إنه ربما ارتاح إلى تغييب الباحث الفذ من على الساحة. 

فيما يخص حسن حنفى لم أكن أعرف أنه تغير بمرور السنين، فقد كان يدرس لنا فى كلية الإعلام جامعة القاهرة فى العام ١٩٩٤، أى بعد ما يقرب من ٢٣ عامًا على وقوفه فى مدرجات كلية الآداب ليدرس لنصر حامد أبوزيد. 

يقول نصر الذى كان يدرس فى السنة الثالثة بكلية الآداب فى العام ١٩٧١: دخل علينا المدرج د. حسن حنفى، الشاب العائد من فرنسا، والحاصل على الدكتوراه من السوربون، ببدلته الأنيقة، وشاربه المهذب، ومن أول محاضرة تحدث عن الحوار والنقاش، ودور الطالب فى المحاضرة، وعن التعلم المتبادل بيننا، يدرس لنا علم الكلام الإسلامى. 

كان حسن حنفى يخصص وقتًا كبيرًا للنقاش والحوار، وكان نصر من أول المناقشين له، وفى إحدى المحاضرات دار بينهما هذا الحوار: 

نصر: يعنى إنت تتصور بهذه البدلة الأنيقة والكرافتات المستوردة من باريس إنك هتغير وعيى فى المحاضرة؟ وأنا مطلوب منى بعد ذلك أخرج أغير لك المجتمع، هو حضرتك ناسى إنى ممكن أتخرج من هنا وأروح أشتغل فى التموين، أو مدرس فى منطقة نائية، بمرتب لا أستطيع أن أعيش به؟ أنت كأستاذ لك هيبة ومكانة هتغير مخى وتطلب منى أن أغير الواقع؟ التغيير يحتاج إلى عمل ثورى وليس إلى عمل أكاديمى؟ 

حنفى: يا صديقى هذه مشكلة، ويجب أن نفكر فيها معًا، هل نبدأ بتغيير الواقع ليتغير الوعى؟ أم نغير الوعى ليتغير الواقع؟ أيهما أسبق على الآخر؟ أيهما الأصل وأيهما الفرع؟.. ما اسمك؟ 

نصر: اسمى نصر حامد أبوزيد. 

حنفى: يا نصر، اعمل حزًبا من أجل تغيير الواقع وأنا أنضم عضوًا مشاركًا فيه. 

نصر: اعمل أنت الحزب، وأنا أنضم. 

يقول نصر: ضحكنا.. وكانت بداية علاقة بأستاذ مختلف له رؤية، وقام بعض زملائنا السلفيين يعترضون على ما جاء فى المحاضرة، أعطاهم كامل الحرية، وبعد أن فرغ أحدهم قال له: يا صديقى أنت لم تقل شيئًا، ما قلته هو خطبة عصماء مكانها المسجد، لكن نحن فى جامعة، حاورنى حوارًا فلسفيًا. 

لم يكن هذا هو حسن حنفى الذى عرفناه، صحيح أنه كان يمنحنا مساحات للنقاش، لكنه كان فى النهاية ينحاز إلى رأيه هو، ولا يريدنا أن نخرج عنه، لم يكن هو البراح الذى وصفه نصر، وأعتقد أنه أدرك بعد مرور السنوات أن لا شىء سيتغير فتغير هو. 

وصل إلينا حسن حنفى فى مدرج كلية الإعلام جامعة القاهرة وهو شبه مهزوم. 

حظ نصر أبوزيد أنه أدرك حسن حنفى قبل أن يصل إلى رصيف الإحساس بالهزيمة، ولذلك ظل يدين له بأنه قذف عقله بحجر فلم يتركه مكانه. 

عرف نصر الفارق بين حسن حنفى الذى كان يحرض طلابه على الاختلاف معه وبين الآخرين الذين كانوا يتعاملون مع الطلاب وكأنهم قوالب لا بد أن تخضع فقط.

يحكى لنا: فى محاضرة النحو كان الأستاذ يشرح لنا الخلاف بين نحاة البصرة ونحاة الكوفة، وأنا فى المحاضرة دار فى ذهنى سؤال: هل لهذا الخلاف أساس معتقدى؟ وما إن حاولت أن أطرح سؤالى هذا على أستاذ النحو حتى قال: إنت بتقول إيه؟ إحنا فى محاضرة نحو، عندك سؤال فى النحو قوله، ولم يعط لنفسه حتى فرصة للنظر فيما أقول. 

أما فيما يخصهما- حنفى ونصر- معًا، فلم أكن دقيقًا ولا منصفًا، فقد كان حسن حنفى أحد الداعمين الكبار الذين وقفوا إلى جوار نصر أبوزيد فى قضيته ومحنته الكبرى، قد أكون رصدت موقفه على هذا النحو الخاطئ لأنه لم يتحدث معنا عن قضية نصر ولو بشكل عابر، وربما لأنه لم يكن واضحًا بما يكفى، فترك نصر فى ساحة المعركة الإعلامية وراح يدافع عنه عبر البحوث والدراسات الأكاديمية التى لا يعرف أحد عنها شيئًا. 

عندما نشرت ما كتبته عن حنفى وجدت الدكتور يوسف زيدان يتواصل معى، قال لى إن حنفى ساند نصر فى قضيته كما لم يسانده أحد، لكن المشكلة أن مساندته جاءت فى الساحة الخاطئة. 

فهمت ما قاله يوسف زيدان عندما قرأت ما قاله حسن حنفى عن الفرق بينه وبين نصر أبوزيد. 

حدث هذا فى الندوة التى عقدها حنفى ضمن مؤتمر الجمعية الفلسفية بالإسكندرية، وشارك فيها نصر أبوزيد كأول مشاركة له فى احتفالية علمية بعد خروجه الاضطرارى من مصر، جلس المشاركون للنقاش حول النقد فى الفلسفة والفكر الاجتماعى، لكن كان هناك ما هو أهم من الندوة وموضوعها. 

قال نصر ما يدلنا على قربه من حسن حنفى: اليوم فقط أشعر برد اعتبارى، انتظرت طويلًا لكى أتلقى دعوة من جامعتى، جامعة القاهرة، لكى أرجع، انتظرت أن يسألونى عن الرسائل التى أشرف عليها، أو أن يشعرونى بأن هناك من يدافع عن حق البحث العلمى وحريته، لم يتحرك أحد من المسئولين، وربما لم يهتموا، شعرت بالحزن الكبير، حتى قلت لنفسى: الجامعة ليست وطنى، وطنى هو مصر، وسأعود، هكذا أتيت فى زيارة عادية بناءً على نصيحة الدكتور حسن حنفى، وها هى الزيارة الثانية بدعوة من الجمعية الفلسفية وحسن حنفى، دعوة انتظرتها طويلًا، ولا أعتقد أن هناك تكريمًا أكبر من قراءة كتبى، وما أسعد من ينال التكريم بهذه الصيغة. 

كان حسن حنفى إذن هو من وقف وراء عودة نصر سواء فى زيارة عادية أو زيارة ثقافية بحثية، لم يستجب نصر لكل من ناشدوه أن يفعلها، اعتصم بالصمت ولم يرد، لكنه لم يستطع أن يرد لحسن حنفى طلبًا.. أو دعوة. 

لا ينفى ما أقوله بالطبع المفارقة الكبرى. 

فدعم حسن حنفى لنصر أبوزيد لم يكن ملموسًا.. أو لم يكن على نفس الدرجة من القوة التى كان يجب أن يكون عليها. 

فى هذه الندوة تحدث حنفى، قال: نصر أبوزيد بالنسبة لى مسألة شخصية، وليس مجرد موضوع، فهو تلميذى الذى تعلمت منه، أعترف بأنه أكثر شجاعة منى، استطاع أن يواجه، وهذا غير ما فعلت، فأنا لدىّ أسلوب آخر، يمكن أن تقولوا عنه أسلوب «حرب العصابات»، «اضرب واجرى»، ازرع قنابل موقوتة فى أماكن متعددة، وانتظرها حتى تنفجر وقتما تنفجر، المهم أن تنفجر ويتغير الواقع والفكر، وليس المهم متى يحدث ذلك. 

الصورة تتضح أكثر عندما يقول حنفى: الاختلاف بينى وبين نصر ليس فى القول ولكن فى المنهج، هو اختار أن يعبر أسوار الجامعة إلى الشارع، وأنا أرى أن المسألة كلها لا بد أن تكون سرية، فخصوم الفكر مسيطرون تمامًا على العامة، والقضايا التى نعمل عليها هى قضايا الخاصة، وما لم ينتبه إليه نصر أننا مجموعة قليلة يمكن أن يصطادونا واحدًا واحدًا لينتهوا منا جميعًا، ولذلك أنا أميل إلى استخدام آليات التخفى، على عكس نصر الذى كشف لهم عن وجهه. 

لم يقل حسن حنفى هذا الكلام ليدين نصر أبوزيد، أو ليقول إنه على خطأ، بالعكس، كان يقول كلامه هذا ليدين نفسه، ويعترف بالتقصير. 

اسمعوه وهو يقول: ربما لو كنا واجهنا معاركنا بشجاعة ما كان نصر تعرض لما تعرض له، فمنذ معركة طه حسين ووصولًا إلى معارك أمين الخولى وتلاميذه محمد أحمد خلف الله وشكرى عياد وحتى الآن والبداية دائمًا من الصفر. 

المفاجأة الكبرى أن حسن حنفى اعترف أمام المشاركين فى الندوة، وفى وجود نصر، بأنه كان يتمنى أن يكون ما أصبح عليه نصر تمامًا. 

قال: أنا أعتبر نصر أبوزيد هو حسن حنفى كما ينبغى أن يكون. 

استوعب نصر ما قاله حسن حنفى، حاول أن يصف إحساسه بأستاذه. 

قال: الدكتور حسن حنفى أستاذى، تعلمت منه طالبًا فى مرحلة الليسانس والماجستير ثم الدكتوراه، ولا أزال أتعلم منه، تطورت علاقتنا من الأستاذية إلى الصداقة، بيننا حوار دائم وخصب، عنيف أحيانًا، لكنه محاولة للوصول إلى نتائج مثمرة. 

وأمام الجميع تذكر نصر مرة أخرى اللقاء الأول بينهما. 

قال: عندما كنت طالبًا استمعت إلى محاضرته، وطلب منى تعليقًا، قلت له: حضرتك بتقول إننا ممكن نغير الواقع بالفكر، تقول هذا الكلام وأنت ترتدى رباط عنق من باريس وتجلس مستريحًا فى الجامعة، كنت وقتها متحمسًا جدًا وأعتقد أن الواقع هو الذى سيغير الفكر وليس العكس، فقال لى: عندما تتخرج شكّل حزبًا سياسيًا، ستكون أنت زعيمه وأكون أنا عضوًا فيه، من هنا تعلمت منه أن الأستاذ فى الجامعة لا يمارس سلطة معرفية على طلابه. 

كان حسن حنفى صادقًا فيما قاله عن نصر، فعندما صدر كتاب «مفهوم النص.. دراسة فى علوم القرآن» فى العام ١٩٩٠، كتب حنفى دراسة مطولة عن الكتاب، بدأها بما يدل على ما يحمله لنصر ليس من تقدير فقط، ولكن من محبة وعاطفة ورعاية أيضًا. 

بدأ حنفى دراسته بقوله: عندما يقرأ الباحث موضوعًا خارجيًا مستقلًا عنه ومحايدًا أمامه، فإنه يشاهد ويقارن ويصف ويحلل مثل عالم الطبيعة، أما عندما يقرأ موضوعًا هو جزء منه فإنه يحلل نفسه، ويصف تجاربه ويعبر عن مواقفه، وقراءتى «مفهوم النص» من النوع الثانى، فالموضوع وصاحبه والكتاب ومؤلفه، كلاهما من مكونات النفس وجزء من تاريخها بل بنيتها إلى حد يصعب معه تحديد، مَن يقرأ مَن؟ هل يقرأ «مفهوم النص» مشروع «التراث والتجديد»، ويعكس عليه صورته، أو تقرأ المراجعات المستمرة لمراحل «التراث والتجديد» منذ البيان النظرى الأول «موقفنا من التراث» «١٩٨٠» إلى «من العقيدة إلى الثورة» «١٩٨٩» حتى «من النقل إلى الإبداع» الذى هو فى سبيل التكوين «مفهوم النص» الذى تنعكس صورتها عليه؟ 

يمكنك أن تقرأ هذه المقدمة من منظور أن أستاذًا يكتب عن تلميذه، لكن فى الحقيقة ما أراه يأتى بعيدًا عن ذلك، فقد كان حسن حنفى طوال الوقت يتمنى أن يكون نصر أبوزيد ليس فى موقفه الأخير فقط ولكن فى كل كتاباته ودراساته وأبحاثه. 

لقد احتفى حسن حنفى بدراسة نصر عنه، وهى الدراسة التى وضعه فيها على طاولة التشريح منتقدًا منطلقاته وأطروحاته وأرض اليسار الإسلامى التى يقف عليها، لكن فى مذكراته التى كتبها قبل رحيله بقليل كشف جديدًا عن رؤيته لنصر، الذى جاءت سيرته فى مواضع مختلفة. 

الموضع الأول، يقول فيه حنفى: الذكريات لنماذج بشرية وليس لشخصيات اجتماعية تحرص على ألقابها، ويظل التردد حتى الآن قبل أن أدفع الكتاب إلى المطبعة، وربما يوجد حل نهائى، ووصلت إلى حل وقتى، وهو ذكر أسماء الراحلين دون أسماء الحاضرين، ثم تبرز قضية تلميذى نصر حامد أبوزيد، هل هو من الراحلين أو من الحاضرين؟ هل يدخل فى النماذج أم أنه لا تصنيف له؟. 

الموضع الثانى لم يذكر فيه اسم نصر صراحة، يقول: أما الأبناء فسأذكر ابنى البكر الذى أصبح نجمًا من نجوم الفلسفة العربية والإسلامية، وقد سرنى أن كتب عنى مقالًا يقارن فيه بين «من العقيدة إلى الثورة» و«اليسار الإسلامى» والمقارنة بين الاثنين خاطئة، ومع ذلك فرحت لأن أحد تلاميذى تجرأ ونقد الأستاذ على غير من يتكلمون فى الموضوع ولا يذكرون الأستاذ أبدًا، مع أن ذلك من أصول البحث العلمى للدراسات السابقة، وقد رجوته أن يستمر فى نقده لى حتى يحدث التراكم العلمى الكافى لإحداث تيار فلسفى، فكان يكتفى بالنقاش الشفاهى بينى وبينه.

الموضع الثالث ويقول فيه: كنت أحد أفراد اللجنة الخماسية التى شكلها مجلس الكلية مع مصطفى سويف للرد على تقرير اللجنة العلمية بعدم الترقية التى تدخلت فى ضمير الباحث وحكمها عليه بالإلحاد والكفر، بأن ذلك خارج اختصاصات اللجنة العلمية ردًا على تقرير اللجنة الثلاثية الذى وافقت عليه اللجنة العامة، ولكن الأمر تسرب إلى الإعلام، ودخل تلميذى فى مباراة إعلامية ضد من ردوا عليه، ودخل المتخصص وغير المتخصص، من يريد الشهرة ومن يريد الإثارة الصحفية، وبالرغم من نصيحتى لتلميذى ألا يرد، وألا يتكلم فى الإعلام فذلك شأن جامعى خالص، ولا يناقش إلا فى الجامعة بين متخصصين، ولكنه أصر على مواجهة الإعلام، فلا فرق بين معركة الجامعة فى الداخل ومعركة حرية الفكر فى الخارج، فأبلغته أن الأمر ما زال مبكرًا، يكفينا أن نكون كتيبة فى الداخل مثلى ومثله قبل أن تخرج على المجتمع، نحن الآن نقوم بحرب عصابات «اضرب واجرى» ولا نستطيع أن نكون جبهة مثلهم، علينا أن ننتظر عدة أجيال، فكما اكتشفته أنا فعليه أن يكتشف آخرين من طلابه حتى نكون جبهة فى مقابل جبهة، أما الآن فالمعركة ما زالت مبكرة، ثم حدث ما حدث بتركه البلاد، ثم استمع إلى نصيحتى أن يعود إلى الجامعة ولو ليوم واحد قبل المعاش أى سن الستين، حتى يعين أستاذًا متفرغًا، وهو ما حدث. 

الموضع الرابع كان يتحدث عن أحد تلامذته، وجاء على سيرة نصر، يقول: كان يريد الشهرة بسرعة، فالتصق بتلميذى الآخر نصر حامد أبوزيد، لأنه لم يعترض على الشهرة السريعة أو مخاطبة الإعلام، وبدأ الخروج إلى الإعلام وكتابة أفكاره فى الصحف، فكان يأخذ قطعة من «النداغة» من فمى فيكوّن منها بالونة كبيرة حتى تكبر ويراها الناس ثم تنفجر بسرعة، لأنها لا تستمد هواءها من ذاتها، كان هدفه الشرب من بئرى لينال شهرة نصر حامد أبوزيد، فهو خليفته، مع أنه على النقيض، فنصر حفر بيديه بعد أن أخذ الشرارة منى، ونبهته إلى أن ذلك ليس بحثًا علميًا ونبهته إلى أن البحث العلمى ليس أخذ قطعة من السكر أو الملح من ماء غيره ويذيبها، فلم يستمع وتقدم ببحوث من هذا النوع، العلم منى والشهرة من نصر حامد أبو زيد. 

الموضع الخامس كان دالًا بالنسبة لى، يقول حنفى: أتمنى أن أدفن بجوار من أحببت طيلة حياتى، توفيق فى الاختيار وسعادة فى طول البقاء، ولن يحزن من فى مقبرة أبى وأمى وأخى وزوجته وشقيقتى وخالتى وحماتى وزوج أختى وعلى النجار من أقربائى، فالروح لا مكان لها، تتزاور بين البساتين وطريق السويس، أتمنى أن تكون ضغطة الموت خفيفة، فقد تعبت فى حياتى، وأرجو ألا أتعب فى وفاتى، وأتمنى أن ألقى من كتبت عنهم فشته وبرجسون والأفغانى وإقبال، وأتمنى أن ألقى أساتذتى عثمان أمين وجان جيتون وطلابى نصر حامد أبوزيد وعلى مبروك. 

إلى هذه الدرجة كان حسن حنفى يحب نصر حامد أبوزيد، لم يشبع منه فى حياته، فتمنى أن يرافقه ليعرفه أكثر بعد موته.

تاريخ الخبر: 2023-04-07 21:21:37
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 56%
الأهمية: 66%

آخر الأخبار حول العالم

هل يمتلك الكابرانات شجاعة مقاطعة كأس إفريقيا 2025؟

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-04-29 00:25:42
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 69%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية