خطوات نحو مسجد المستقبل


إن تطوير عمارة المسجد مهمة الجميع، وإن أي مؤسسة مهما كبر حجمها لن تستطيع أن تتعامل مع كل ما يحتاج له المسجد، لكن دون شك وجود مؤسسة تحمل نظرة موضوعية شاملة وتستطيع إنتاج معرفة جديدة في عمارة المسجد، مثل: جائزة الفوزان، مسألة مهمة في وقتنا الراهن..

في الأسبوع الأول من الشهر الفائت (مارس) احتفلت جائزة عبداللطيف الفوزان العالمية لعمارة المساجد بالفائزين في دورتها الرابعة. نُظّم الحفل في المتحف الوطني في دلالة على ارتباط المسجد بالأيقونات الوطنية المؤثرة، وشرّف الحفل ورعاه أمير الرياض وبحضور الأمير سلطان بن سلمان رئيس مجلس الأمناء. الفائزون كانوا من خمس دول مختلفة تمتد إلى أستراليا وصربيا وموزمبيق وتركيا وسلوفينيا، وهو تنوع وصفه البعض بأنه يشير إلى مفهوم "الأمة المعمارية" التي يستطيع أن يحققه المسجد بكل بساطة. يجب أن أقول إن عملية اختيار الفائزين التي تتبعها الجائزة مضنية وطويلة تمتد إلى ثلاثة أعوام، تبدأ باختيار القائمة الطويلة التي عادة ما تتكون من 200 مسجد من مختلف دول العالم، ويتم في هذه الحالة استكمال المعلومات الأساسية عن هذه المساجد، وتحضير ملفاتها للجنة التحكيم التي تنعقد في نهاية السنة الثانية في كل دورة، وتتكون من خمسة محكمين من الخبراء حول العالم، ويتم اختيار القائمة القصيرة التي عادة تتكون من 20 إلى 25 مسجداً، ثم يتم اختيار مقيمين فنيين من الخبراء في العمارة لزيارة مساجد القائمة القصيرة وإعداد تقارير تفصيلية لعرضها أمام لجنة التحكيم في اجتماعها الثاني في النصف الثاني من السنة الثالثة لكل دورة، وفيه يتم اختيار المساجد الفائزة التي يتم الاحتفال بها في كل دورة في نهاية سنتها الثالثة. هذه العملية المتأنية في الاختيار وقبلها الدراسة والتحليل تجعل من الجائزة مؤسسة تعليمية ذات قدرة عالية على إنتاج المحتوى المعماري على مستوى العالم.

مادة اعلانية

آثرت أن أتحدث عن حفل الجائزة في رمضان، ليس لأن رمضان يحيلنا إلى المسجد وعمارته، فأهمية عمارية المساجد مهمة في كل وقت، ولكن في رمضان يتصاعد مفهوم الزهد والبساطة، وعمارة المسجد تحتاج إلى مثل هذه القيم التي بدأت تختفي من المشهد الاجتماعي المعاصر. كان توجه الجائزة في دورتها الرابعة نحو شعار "لتعارفوا" الذي يجعل من المسجد حلقة اتصال اجتماعي ومعرفي بين البشر، يشير الشعار إلى الهوية التي تجعل للتعارف معنى وقيمة، لكنه في الوقت نفسه هو شعار يحيلنا إلى البدايات البسيطة التي يتمتع بها الناس ومنها تتشكل روابطهم وعلاقاتهم. ويبدو أن هذا الشعار دفع بالمحكمين إلى اختيار مساجد يمثل كل منها حكاية ثقافية/ إنسانية خاصة، فبالإضافة إلى بساطة العمارة وتفاصيلها تحيلنا قصص المساجد إلى المكون الثقافي الذي يقع فيه كل مسجد، وكيف تشكلت حوله شبكة العلاقات الاجتماعية. لم تكن العمارة فقط هي الحاضرة في حفل الجائزة في المتحف الوطني في الرياض، بل الثقافة الإنسانية بتنوعها وثرائها وعمقها لتقول إن المسجد فعلاً مبنى عابر للثقافات.

ومع ذلك يجب أن نقول إن الهدف المهني المباشر من جائزة عالمية بهذا الحجم هو إحداث تغيير حقيقي في الصورة الذهنية المرتبطة بعمارة المساجد سواء على مستوى متخذي القرار أو لدى المهنيين المصممين أو المتبرعين، والمهم أن تحدث تغييراً عند الجمهور المتلقي وأن تغير تصوراته حول عمارة المسجد. وبالطبع إحداث تغيير بهذه الشمولية يتطلب الكثير من الوقت ويحتاج إلى عمل مهني وعلمي منظم، وهو ما تحاول أن تسد بعض ثغراته جائزة المساجد من خلال المؤتمر العالمي الذي تعقده كل ثلاثة أعوام، وورش العمل التي تنظمها حول بعض القضايا المركزة التي يحتاج المسجد إلى معالجتها. يجب أن نتفق أولاً على أن تطوير عمارة المسجد مهمة الجميع، وأن أي مؤسسة مهما كبر حجمها لن تستطيع أن تتعامل مع كل ما يحتاج له المسجد، لكن دون شك وجود مؤسسة تحمل نظرة موضوعية شاملة وتستطيع إنتاج معرفة جديدة في عمارة المسجد، مثل: جائزة الفوزان، مسألة مهمة في وقتنا الراهن.

ما أثار انتباه كثير من النقاد هو أن مسجداً لا تزيد مساحته على 100 متر مربع حصل على إحدى الجوائز، المسجد في صربيا، ويشكل نقطة تحول في علاقة المجتمع المحلي بالمسجد، لكنه في الوقت نفسه مسجد يتصف بالأناقة والبساطة ودقة التفاصيل. ما كان يتوقعه النقاد هو أن تحتفي الجائزة بالمساجد الضخمة أو تلك التي تحمل تفاصيل "جيومترية" معاصرة، مثل: مسجد كمبريدج في بريطانيا أو مسجد كولون في ألمانيا، إلا أن لجنة التحكيم لم تختر هذه المساجد حتى ضمن القائمة القصيرة، والسبب في ذلك كما ذكر رئيس اللجنة المعمار راسم بدران أن رسالة المسجد تفوق مجرد الاحتفاء بالشكل إلى الاحتفاء بالإنسان وعلاقته المجتمعية والثقافية. ويبدو أنه حتى تصل هذه الرسالة إلى العالم يفترض أن نعمل كثيراً لتحويل مسجد المستقبل إلى ناقل فعّال لهذه الرسالة التي تتقاطع مع كل الثقافات البشرية.

نقلاً عن "الرياض"

تاريخ الخبر: 2023-04-08 06:19:05
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 85%
الأهمية: 87%

آخر الأخبار حول العالم

عبو: واجهنا ظروف صعبة بسبب الإجهاد وخبرات اللاعبين حسمت اللقب

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:08:52
مستوى الصحة: 42% الأهمية: 35%

المنتخب المغربي يتأهل إلى نهائي البطولة العربية على حساب تونس

المصدر: الأيام 24 - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:09:14
مستوى الصحة: 68% الأهمية: 77%

تركيا.. هزة أرضية تضرب بحر إيجة

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:07:55
مستوى الصحة: 89% الأهمية: 92%

قبل تصويت حجب الثقة.. رئيس وزراء اسكتلندا يبحث استقالته

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:07:58
مستوى الصحة: 90% الأهمية: 96%

عبدالله عبد السلام: بطولة كأس مصر هي أفضل طريق لختام موسم شاق

المصدر: الأهلى . كوم - مصر التصنيف: رياضة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 12:08:50
مستوى الصحة: 38% الأهمية: 43%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية