محمد الباز يكتب: إمام التفكير.. هل كان نصر أبوزيد ضحية الإعلام؟

 

- حسن حنفى اعتبر أن الإعلام وراء ما حدث لـ«نصر» بعد أزمة الترقية بالجامعة

- الحقيقة أن الإعلام هو من وقف مع نصر ومنع ذبحه سرًا داخل جامعة القاهرة

 

كانت الندوة التى حضرها نصر حامد أبوزيد ضمن مؤتمر الجمعية الفلسفية بالإسكندرية فى عام ٢٠٠٤، عقدها حسن حنفى دون أن يدعو إليها صحفيين، فقد كان يعتبر الصحافة هى الشر الأعظم فى هذا العالم، وينظر إلى الصحفيين نظرة دونية، فهم- بالنسبة له- كائنات طفيلية، يفسدون كل شىء بتدخلاتهم الجاهلة غير المحسوبة، يميلون إلى الإثارة الفارغة التى تنظر إلى العالم من زاوية سطحية لا عمق فيها. 

نصح حنفى نصر حامد أبوزيد بألا يخرج بقضيته إلى المجتمع من خلال الصحافة، فالمجتمع ليس طرفًا فى قضية عدم ترقيته وتكفيره من قبل عبدالصبور شاهين، أحد أعضاء اللجنة الثلاثية، التى كانت تنظر فى أعماله لترقيته لدرجة أستاذ، لكن نصر لم يستمع إلى نصيحته، ربما لأنه وجد أن الجامعة لم تنتصر له، وأن أساتذتها وقفوا مكتوفى الأيدى وهم يرونه أمامهم يذبح بدم بارد، دون أن يسمى عليه لا مناوئوه ولا محبوه. 

كان حسن حنفى مقتنعًا تمامًا بأن نصر هو ضحية الصحافة فى المقام الأول، وأعتقد أنه لم يكن محقًا فى ذلك، فلم يكن رأيه إلا بسبب عقدته الخاصة من الصحافة التى كادت تورده هو الآخر موارد التهلكة، لولا أنه لم يكن مثل نصر، فقد كان يتراجع وينكر أن يكون قد قال ما نشرته الصحف على لسانه، فتمر الزوبعة دون أن تقتلع المقصلة رقبته. 

فى مقال غاضب وعاصف نشرته جريدة «العربى» لحسن حنفى فى ١٩ نوفمبر ٢٠٠٦ بعنوان «عن صحافة الإثارة» يذهب حنفى إلى أن هذه الصحافة تعتمد فى معالجاتها على الثقافة الشعبية والمحافظة الدينية السائدة فى الرأى العام، واستقرار الأعراف التى تحولت إلى قيم ثابتة من طول قبولها والرضوخ لقيمها وطاعة أوامرها، كما تعتمد على الأفكار الشائعة والمعتقدات الموروثة والقوى السياسية المحافظة إذا ما برز رأى جديد أو عبَّر كاتب عن موقف بديل، فتحاصر كل رأى، وتجرّم كل فكر، وتتملق الذوق العام، وتجعل نفسها حارسة القيم، والمدافع عن الإيمان ضد المنحرفين الملحدين المارقين المرتدين الخارجين عن النظام. 

وتتعرض هذه الصحف- كما يرى حنفى- للمسائل الإيمانية والمعتقدات الموروثة، وتدافع عما استقر منها عبر مئات السنين ضد أى اجتهاد جديد أو قراءة معاصرة، وتدخل فى أدق المسائل العلمية والعقائدية لتعرضها على الرأى العام فى الصحف السيارة مع أن مكانها الطبيعى فى الجامعات ومراكز الأبحاث والمعاهد المتخصصة. 

ويصل حسن حنفى إلى بيت القصيد، فصحف الإثارة بالنسبة له تترصد لهذا المفكر أو ذلك الباحث، لكلمة منه أو تشبيه عفوى تلقائى، وتلقى عليه الأضواء، تترك المعانى والمقاصد، وتتمسك بالألفاظ والحروف، ويقضى الباحث العمر فى البحث العلمى والتأليف الجاد الرصين، ولا يسمع عنه أحد شيئًا، ولتشبيه عابر أو عبارة عفوية بقصد التقريب إلى الأفهام تتناقلها أجهزة الإعلام، وتطير بها وكالات الأنباء، ويصبح اسمه على كل لسان فى مشارق الأرض ومغاربها، ويعرف بما لم يقصده، ويجهل بما قصده، وتضيع سنوات العمر لصالح لحظة عابرة، ويضيع المقصود لصالح غير المقصود. 

لم يلتفت الزميلان وائل عبدالفتاح ومحمد شعير- وهما من أهم وأنبغ الصحفيين الذين تفاعلوا مع الملف الثقافى فى مصر، ولا يزالان– إلى تجاهل دعوة حسن حنفى الصحفيين لحضور المؤتمر الذى أراده مغلقًا تمامًا على الباحثين والدارسين والمفكرين والفلاسفة. 

يقول وائل عبدالفتاح فى مقال مهم عن هذه الندوة: من الثانية الأولى كان الدكتور حسن حنفى منزعجًا، انتظرنا طويلًا حتى صعد موظف الأمن بالمعهد السويدى «مقر الندوة» ليستأذنه فى دخولنا، لم نكن متأكدين من أن الندوة مقصورة على الضيوف فقط، «لا صحافة»، هكذا قال لنا قبل أن يتركنا أمام شاشة تكشف عبر الكاميرا ما يحدث أمام باب المعهد، عاد موظف الأمن برفض الدكتور حسن حنفى، طلبت منه أن يخبر الدكتور نصر، غاب ثم عاد مرة أخرى منتظرًا الرد على التليفون: اتفضلوا. 

بعد نهاية الندوة، وقف وائل عبدالفتاح ومحمد شعير مع حسن حنفى، وكانت المفاجأة، قال لهما: أنا أحاول حمايته، وعندما لم يفهما جيدًا ما يرمى إليه، قال لهما: أعتقد أن نصر ضحية الصحافة. 

سألاه: الصحافة؟

فأجاب: نعم.. كنا نستطيع حمايته فى الجامعة. 

ولما سألاه مرة ثانية: ولماذا لم يحدث هذا؟ أدار لهما ظهره ولم يرد. 

ما أوجزه حسن حنفى فى حواره المقتضب مع وائل وشعير، عاد ليفصله فى كتابه «حوار الأجيال» وفيه دراسة مهمة عنوانها «علوم التأويل بين الخاصة والعامة.. قراءة فى بعض أعمال نصر حامد أبوزيد»، وقبل أن يدخل حنفى إلى عمق دراسته كتب مقدمة بعنوان «العلم بين أروقة الجامعة ودهاليز الصحافة». 

يقول حسن حنفى فى بداية دراسته: لا تعرض علوم التأويل على قارعة الطريق، ولا يتناولها أهل الصحافة والإعلام، ولا تصبح حديث العامة لشغل الوقت والتندر بالحوادث، فهى من علوم الخاصة وليست من علوم العامة، هكذا صاغها أهلها سواء فى تراثنا الصوفى الفلسفى القديم أو فى التراث الغربى الحديث، وقديما قال الصوفية عن «المضنون به على غير أهله» وعن «إلجام العوام عن علم الكلام»، ولكن يبدو أننا نعيش فى عصر الصحافة والإعلام، فى عصر الجماهير والإثارة، فالرأى العام ليس حكمًا فى الأمور العلمية. 

وكما يعيب حسن حنفى على الصحافة وأهلها، فإنه يعيب كذلك على العالم، الذى يشعر بأنه تخلى عن واجباته دفاعًا عن حرية الرأى والبحث العلمى، وأنه لم ينازل القهر ولا التفتيش فى الضمائر، وأنه لم ينزل إلى الساحة فيصول ويجول، ويزايد ويزيد طالبًا للمديح، وإظهارًا للشجاعة، والعلم هو الضحية. 

ويقدم لنا حنفى خلاصة فكرته، يقول: إن الدفاع عن العلم لا يكون أمام العامة وإلا تحول العلم إلى إعلام، بل فى مراكز البحث العلمى والمجلات العلمية المتخصصة، وحلقات البحث العلمى وفى اللجان العلمية وفى المجالس العلمية المتخصصة، مجالس الأقسام والكليات والجماعات. 

وينتقل بنا حنفى نقلة مهمة فى فكرته، يقول: وأخطر شىء فى العلم أن يتحول إلى سياسة، وأن يصبح الخلاف العلمى تحزبًا سياسيًا أو صراعًا أيديولوجيًا عقائديًا، فالأحزاب السياسية والأيديولوجيا والعقائد الدينية تعرف الحقيقة مسبقًا، والفكر لديها إثبات لصحة أحكامها المسبقة، والبرهان فيها تبرير لما عرف سلفًا، ومن ثم ينتهى العلم ويصبح أداة لنصرة المذهب والعقيدة والأيديولوجيا، العلم شىء والاعتقاد السياسى أو الدينى شىء آخر، فالأول برهان ونظر واحتمال وحوار، والثانى إيمان واعتقاد ويقين وإثبات، العلم غرضه الصواب والخطأ، والاعتقاد يقين مطلق صوابًا أو خطأ، الخلاف بين العلماء فى الرأى وطرق البحث والاستنتاج من أجل تقدم العلم، والخلاف فى العقائد والمذاهب صراع قوى راغبة فى السلطة والوصول إلى الحكم، العلم مجال الاحتمال، والعقائد مجال القطع، وعلوم التأويل علوم إنسانية وليست عقائد دينية أو مذاهب سياسية. 

ويواصل حنفى شرح فكرته أو لنقل نظريته، فهناك فرق بين تقارير أجهزة الأمن الدينى والسياسى والبحث العلمى، الأول عريضة اتهام تشير إلى المجرم، وتقدمه إلى العدالة، وتخبر عنه أجهزة الشرطة والأمن، ليس القصد منه البحث العلمى، والاختلاف والاتفاق فى الرأى بين العلماء، وهو شىء محمود كلكم راد وكلكم مردود عليه، بل الإدانة والاتهام، والعيب فى ذلك كله هو من المتهم وله حق الاتهام؟ ومن المتهم؟ وما ساحة الاتهام؟ 

ويسأل حنفى: هل المتهم من له حق الاتهام، هو العالم والأستاذ والزميل الذى يساوى الباحث المتهم فى العلم والأستاذية والزمالة مع خلاف فى العمر؟ هل البشر هم أصحاب الحق فى توزيع الاتهامات على الناس فى موضوعات الإيمان التى لا يطلع عليها إلا الله وحده؟ إن الله وحده هو الذى له الحق فى ذلك وليس سواه، ويوم القيامة وليس فى الدنيا ما دامت هناك إمكانية للعمل والابتكار، بل إن الله أمهل إبليس وأنظره بعد أن أدانه فى شىء لا يمكن غفرانه، وهو رفضه التسليم بقيمة الإنسان، قد يكون المتهم أجهزة الدولة لجرائم يرتكبها المواطنون وليس العلماء ضد العلماء فى أروقة العلم، وإلا عدنا إلى عصر محاكم التفتيش بحيث ينصب رجال الدين وحملة الدين وحملة العلم أنفسهم لمحاكمة بعضهم البعض، إدانة للمخالف وتبرئة للموافق. 

ويواصل حنفى تساؤلاته: ومَن المتهم؟ أستاذ جامعى وباحث وعالم، وهل العلم والبحث جريمة، قد يخطئ العالم ويصيب، إذا أخطأ فله أجر، وإن أصاب فله أجران، وإذا اتهم كل عالم عالمًا فلن يحدث عالم ولن يظهر عالم، وهل البحث العلمى جريمة يعاقب عليها القانون؟ إن شرط البحث العلمى هو ألا نسلم بشىء على أنه حق إن لم يثبت بالدليل أنه كذلك، بداية العلم الشك، من لم يشك لم ينظر، ومن لم ينظر لم يبصر، ومن لم يبصر تاه فى العمى والضلال كما قال الغزالى من قبل، إن النظر عند الأصوليين القدماء أول الواجبات، والشك شرط النظر، ومن ثم كان من واجب العالم الشك فى الموروث حتى يعيد تأسيس العلم على البرهان، ومن هو المؤمن الذى سيحكم على الآخر بالكفر؟ ألا يكفر كل الناس فلا يعود هناك مؤمن واحد. 

ثم ينتقل حسن حنفى إلى الجامعة، ويسأل أيضًا: وأين يقع الاتهام؟ فى الجامعة؟ إن الجامعة ليست ساحة قضاء يحكم فيها عالم على عالم بالإيمان أو الكفر، إن الجامعة مكان للبحث العلمى، الشك والنظر، النقد وإعادة البناء، يتساوى فيها العلماء، والكل يحتكم إلى الدليل والبرهان، إن الكليات النظرية بطبيعتها وجهات نظر، تقوم على التعددية الفكرية والخلاف فى الرأى، ففى ميدان العلوم الإنسانية والاجتماعية تتعدد الاجتهادات، وفى ذلك ثرائها، إن مقولات الإيمان والكفر لا شأن لها بالبحث العلمى، فالعلم له مقاييس صدقه من داخل البحث العلمى نفسه، التحقق من صدق الفروض فى الواقع إن كان البحث تجريبيًا، واتفاق النتائج مع المقدمات إن كان البحث استدلاليًا، دقة استعمال المفاهيم والمصطلحات، حياد العالم وموضوعيته، خلوه من الأحكام المسبقة، أما مقولات الكفر والإيمان فهى خارج إطار البحث العلمى، فلا يجوز لأى إنسان كان أن يحكم بهما على إنسان آخر شرعًا وعقلًا، الله وحده هو المطلع على الأفئدة، كما اختلف علماء أصول الدين فى تحديد مقاييسهما: القول، العمل، التصديق، التصور بين المرجئة والخوارج والمعتزلة والأشاعرة، وما أكثر ما استعمل سلاح التكفير لاضطهاد الدولة لخصومها، ولاضطهاد فرق المعارضة للدولة والمجتمع والحاكم، فهو سلاح ذو حدين، يشهره الخصوم فى مواجهة بعضهم البعض إذا ما أعوزهم أسباب الخلاف، وإذا ما أرادوا التستر على الصراع الحقيقى، الصراع على السلطة. 

يصل بنا حسن حنفى إلى قضية نصر حامد أبوزيد، ويطرح علينا رؤيته لها، وهى رؤية بعيدة عن الصحافة وأهلها. 

يقول: ويمكن عرض الأعمال العلمية للدكتور نصر حامد أبوزيد بطريقتين: 

الأولى: عرض أعماله واحدًا واحدًا، مراجعة وتحليلًا ونقدًا كما هو الحال فى التقارير العلمية، وميزة هذه الطريقة هى الإبقاء على وحدة العمل وقصده واتجاهه، وعيبها هو استحالة تجنب التكرار، فالموضوع الواحد يتكرر فى أكثر من عمل، والأعمال كلها تجمعها حدوس واحدة، وتحليلات واحدة، ومنهج واحد، ونتيجة واحدة. 

والثانية: جمع هذه الحدوس كلها مرة واحدة وتصنيفها فى الأعمال العلمية كلها، فالمهم هو النتائج العامة لا الأعمال المتفردة، وميزة هذه الطريقة هو الكشف عن الملامح العامة للمشروع الفكرى كله بصرف النظر عن جزائه فى الأعمال العلمية على حدة، وعيبها القضاء على وحدة العمل وتفرده وإخراج التحليل من سياقه وتوظيفه فى الغاية والقصد، وقد آثرنا الطريقة الأولى حرصًا على وحدة كل عمل على حدة، وأضفنا مجموعة من النتائج العامة فى آخر كل عمل وفى آخر الأعمال العلمية كلها تحقيقًا للطريقة الثانية. 

ويضع حسن حنفى أمامنا هدفه من هذه الدراسة، يقول عنه: ليست الغاية من هذه الدراسة فقط البحث العلمى والمراجعة وهو عمل العلماء، بل أيضًا الحوار وإبراز أوجه الاتفاق وأوجه الاختلاف بين مشروعى «التراث والتجديد» و«تحليل الخطاب»، وتحديد العلاقة بين الأصل والفرع، بين النظرية والتطبيق، بين أفلاطون وأرسطو، بين ديكارت وإسبينوزا، بين هيجل وماركس، بين هوسرل وهيدجر، بين جيل وجيل، تطويرًا للمدرسة، وانتقالًا من الفكر إلى الواقع، ومن النظر إلى الممارسة، وقد تكون الغاية أيضًا إرجاع الفرع إلى الأصل، وإعادة التفريعة إلى المسار الرئيسى، وعودة النهر إلى المصب، بدلًا من تبديد الماء فى الصحراء، فلا تتكون دلتا خصبة على مر الزمان، وبفعل التراكم التاريخى. 

تختلف هذه الدراسة- كما يقول حنفى- وتتفق، لا تبرر ولا تحاكم، لا تقبل ولا ترفض، لا تمدح ولا تدين، لا تدخل فى حظيرة الإيمان ولا تخرج إلى حظيرة الكفر، هى دراسة من قاضٍ حصيف يوازن بين الأمور، ويقارن بين الشواهد، ويتحقق من صدف الأدلة، ويقول ما له وما عليه، وتلك سنة القاضى أبى الوليد ابن رشد فى تحكيمه بين الأشاعرة والمعتزلة فى «مناهج الأدلة» وبين الغزالى والفلاسفة فى «تهافت التهافت»، الغرض منها إظهار الفرق بين التقرير المباحثى الإتهامى المغرض والتقرير العلمى الموضوعى المحايد، الخلاف بين العلماء محمود، وتسليم العلماء بعضهم بعضًا إلى سيف الجلاد وشاية. 

ويختتم حسن حنفى مقدمته التى وضعها بين يدى دراسته المطولة عن أعمال نصر أبوزيد بقوله: وكما تأثرت بالمؤلف وتعلمت منه وتغيرت بعد نقده المتواصل لى وحكمه علىّ بالتوفيقية والوسطية والسلفية والبرجماتية والأيديولوجية والتلوين، فأرجو أن يتأثر المؤلف بى مرة ثانية بعد تجربة عمر طويل فى البحث العلمى على أكثر من عقدين من الزمان ١٩٧٢ حتى ١٩٩٣، وكما أحاول أن أصبح أكثر عملية وتاريخية وموضوعية وعمقا بناءً على نقده المستمر لى فقد يحاول أن يتبع سياسة النفس الطويل وليس النفس القصير، وأن يكون أقل مثالية وأكثر واقعية، وأن معارك التاريخ لا يتم النصر فيها بين عشية وضحاها. 

ولا ينسى حسن حنفى مقصده، فيقول قبل أن يدعونا إلى القراءة- يمكنك أن تقرأ الدراسة كاملة فى كتاب «حوار الأجيال»-: هى دراسة محدودة تقرأ على قراءة، وأحيانًا تقرأ قراءة على قراءة، تجمع بين العرض والنقد والحوار ما جعلها تطول أكثر من اللازم، لكنها شهادة على العصر وتحويل معركة حرية البحث العلمى فى مصر من مزايدة الصحافة إلى البحث العلمى الدقيق، ومن قارعة الطريق إلى المجلات العلمية المتخصصة. 

لم تلق دراسة حسن حنفى الترحيب الذى كان يتمناه، يحكى لنا هو ما حدث، فقد كتبها أثناء تعرض الصحافة لقضية البحث العلمى فى الجامعة على مدى عدة أشهر، بدأها فى القاهرة واستأنفها فى طرابلس، وانتهت فى كيب تاون فى صيف العام ١٩٩٣، وكان الهدف منها كما يقول مناصرة حامد أبوزيد بطريقة العلماء بعيدًا عن الصحافة، وحتى يظهر الفرق بين التقرير العلمى والتقرير المباحثى. 

يقول حنفى: لم تشأ مجلة «فصول» ولا «القاهرة» نشر الدراسة فى وقتها، والمعركة ما زالت دائرة، وكأن النقد العلمى لا مكان له فى وقت الاستقطاب، الدفاع والهجوم، القبول والرفض، الخيانة والبطولة، وقرأها محمد زاهد فى عمان مخطوطة فأرسلها إلى مجلة «الاجتهاد» فنشرتها فى العدد ٢٦ السنة السادسة عام ١٩٩٤، ثم أعيد نشرها من جديد فى مجلة الجمعية الفلسفية المصرية فى العدد الرابع ١٩٩٥، وبعد أن هدأت الحملة أعيد نشرها فى مجلة القاهرة بناءً على طلبها فى أعداد إبريل ومايو ويونيو ١٩٩٧. 

بعد كل ما قاله حسن حنفى فى مقاله أو حتى فى دراسته، يأتى السؤال الذى أعتقد أنه مهم فى هذا السياق: فهل كان نصر أبوزيد ضحية الصحافة بالفعل؟ أم أن الصحافة هى التى وقفت إلى جواره، فأنقذته من مصير محتوم وهو أن يذبح سرًا فى الجامعة؟ هل كان مفروضًا أن يصمت وهو يواجه جحافل الظلام وحده دون أن يسانده أحد من أساتذته؟ 

كل ما فعله حسن حنفى أنه وهو عضو ضمن لجنة الخمسة التى أعدت تقريرًا للرد على اللجنة الثلاثية التى اتهمت نصر بالكفر، وهو التقرير الذى لم يستطع حنفى والذين معه أن يفرضوه على الجامعة، بل كان حنفى توافقيًا تمامًا كما وصفه نصر. 

جلس حنفى مع نصر، اقترح عليه أن يغض النظر عن ترقيته، ويتقدم إلى اللجنة بعد شهور بأبحاث جديدة، وأنه اتفق مع رئيس الجامعة على ذلك، لكن نصر رفض، وأصر على موقفه، وأعتقد أن هذا ما أبقاه خالدًا، ويجعلنى الآن أبحث عنه بشغف يختلف تمامًا إذا ما فكرت فى البحث وراء حسن حنفى. 

حتى الدراسة التى كتبها حنفى وأظهر من خلالها صدق نصر فيما قدمه، لم يستفد منه الباحث شيئا، بل إن أحدًا لم يقرأها، وحتى من قرأوها لم يتأثروا بها، ليتضح لى أن حسن حنفى كان على خطأ تمامًا فيما ذهب إليه من أن نصر أبوزيد ضحية الصحافة، فنصر لم يكن ضحية من الأساس، ثم إن الصحافة هى التى شكلت من حوله سورًا مرتفعًا وسياجًا منيعًا، فلم يقترب منه أحد، فقد فضحت الصحافة كل من هاجموه وجعلتهم عرايا على قارعة الطريق. 

غدًا..  نصر أبوزيد باحث فى الإسلاميات رغم أنفه

 

 

تاريخ الخبر: 2023-04-08 21:21:25
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 64%

آخر الأخبار حول العالم

حماس تستعدّ لتقديم ردّها على مقترح هدنة جديد في غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 12:26:32
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 51%

حماس تستعدّ لتقديم ردّها على مقترح هدنة جديد في غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 12:26:25
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 70%

النعم ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 12:26:42
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 66%

مطالب بتسقيف أثمان أضاحي العيد المستوردة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 12:26:07
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 51%

سفيان رحيمي يوقع عقد رعاية مع شركة رياضية عالمية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 12:26:14
مستوى الصحة: 52% الأهمية: 59%

النعم ميارة يستقبل رئيس الجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 12:26:43
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 66%

سفيان رحيمي يوقع عقد رعاية مع شركة رياضية عالمية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-30 12:26:09
مستوى الصحة: 46% الأهمية: 65%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية