سفه العمر ودروس رمضان
سفه العمر ودروس رمضان
يذكرنا رمضان أن العمر يمر سريعا, غمضة عين ويمر العام فنجد رمضان قد حل مجددا, شهرا كريما يحرضنا علي الاحتفاء بعلاقتنا مع الله, أيام متواصلة من الحضور مع الله, يبدأ ثم ينتهي سريعا, وتدور السنة فيعود مجددا وقد منحنا الله الفرصة لنحياه مرة أخري, ونعبر عن دهشتنا من سرعة المرور, وهو أمر صحيح, لكن ماذا فعلنا بعد أن اكتشفنا ذلك؟
في الحقيقة.. لا شيء!
نعم.. نحن لا نتعلم كيف نثمن أعمارنا, ونعطي الحياة قيمتها الحقيقية, هذه الهبة التي أعطاها الله لنا, الحياة نعمة كبيرة, وأن نحيا عاما جديدا نعمة حقيقية, وأن ننال فرصة التقرب إلي الله في أيام مباركات نعمة لا ينالها الجميع ممن اختارتهم السماء للمغادرة قبل حلول الشهر الكريم, فماذا نحن فاعلون بهذه الهبة العظيمة؟
للأسف الشديد لا يدرك كثيرون أهمية حياتهم, هي بالنسبة لهم أيام تمر وحسب, سنوات تتلوها سنوات, ربما ينتبهون حين يدور العام فتتجدد ذكري, حتي تلك المناسبات التي مفترض أن نحتفل فيها ونفرح صار كثيرون إن لم يكن الأغلب من الناس يعتبرونها مسلمات عابرة, لا إحساس بالفرحة, ولا محاولة للتواصل الإنساني الحقيقي أو إحياء سنن الفرح الحقيقية, صار الاتصال المفرط عبر شبكات, التواصل الاجتماعي بديلا عن التواصل الإنساني الحقيقي, مجرد كلمات جوفاء تتكرر بشكل أجوف, رسائل معلبة, في الوقت نفسه يفرض الجميع أنفسهم علي بعضهم البعض دون مراعاة لاعتبارات الخصوصية, فيما يمارس البعض حياتهم عبر منصات متعددة دون احترام لخصوصيتهم, ما خلق حالة من الوهم لدي الجميع, لا يعرف الأشخاص أنفسهم أهم سعداء أم لا؟, الكل ينظر للآخر, لا يشعر كثيرون بالرضا يطمحون إلي ما يعيشه الآخرون, حتي إن كان الآخرون يصدرون الوهم لا أكثر!
وهم جماعي يضيع فيه العمر بسبب تكنولوجيا كان من المفترض أن تخدمنا وتسعدنا وتسهل علينا حياتنا, لا أن تجعلها أكثر صعوبة وتنغص علينا أيامنا بلا سبب حقيقي.
ثم يأتي رمضان, يمنحنا ثلاثين يوما من الفرح والسمو الروحاني وفرصة للتواصل الإنساني والحميمية الخالية من الزيف, فرصة لتهذيب النفس, وإعادة الحسابات, الساعات الطويلة التي تمر في انتظار مدفع الإفطار, هي نفسها الساعات التي نعيشها يوميا لكنها تمر سريعا دون أن ننتبه أنها من أعمارنا, لذا.. لما لا يكون رمضان إذن فرصة سنوية قيمة لنعيد النظر فيما نفني فيه أعمارنا بعيدا عن التصرف فيها بسفه تماما كالسفيه الذي ينفق أمواله دون حساب؟
يذكرنا رمضان بأن لكل معاناة نهاية, ولكل جلد مكافأة, نحن نفرح بالإفطار كل مغرب, نفرح بالماء الذي نشربه يوميا دون أن نشعر بأن ذلك أمر عظيم, نحن نفرح بالعيد الذي يأتي بعد صيام استمر لشهر فنعود لحياتنا العادية التي نعيشها أحد عشر شهرا كل عام دون أن ننتبه أنها نعمة كبيرة, في رمضان نفرح كل يوم, ونفرح حين يهل العيد, وهو أسلوب حياة يمكن أن يستمر معنا طوال العام فقط لو تعاملنا مع أعمارنا باعتبارها هبة ربانية قيمة للغاية, هبة أثمن وأقيم من التفريط فيها علي شبكات تبيع الوهم لصالح شركات إعلانية وأخري تستعبدنا بالتكنولوجيا, رمضان يذكرنا أن شرب الماء هبة, وأكل الطعام نعمة, وأن الساعات التي تمر في غمضة عين يمكن أن تكون طويلة وقيمة.
رمضان يأتي هذا العام ومصر تصوم بمسلميها ومسيحييها, يتزامن صيام رمضان والصوم الكبير وتتقارب الأعياد للمسلمين والمسيحيين لنتذكر أننا وكما كنا دوما شعبا واحدا يحتفي بالحياة, ويشكر الله علي نعمه التي وهبها لنا.
اللهم أدم علينا نعمة الصوم والاحتفاء به وهب لنا عمرا نعيشه دون سفه, وعاشت مصر فرحة وفي أعياد لا تنقطع.
[email protected]