عندما تنبأت حكومة اليوسفي بالسنوات العجاف التي تنتظر المغرب!


يرفع المغرب حجم صادراته الفلاحية إلى الخارج، مستندا إلى توصيف “المغرب بلد فلاحي”، محققا اكتفاءه الذاتي، بيد أن واقع الحال يشي أن قفة المغاربة من الخضروات والفواكه ماضية إلى الأزمة إن لم تكن واقعة بها أصلا. فالجفاف الذي تصنفه الحكومة عاملا مناخيا مؤثرا في سلسلة الانتاج تكسره أرقام الصادرات المغربية من الخضروات “من الجزر والكرعة الخضراء والطماطم”، هذه الأخيرة التي تصل الطماطم المغربية حمراء طازجة للمستهلك الأوروبي بأثمنة مناسبة خلافا لأسعارها محليا. فالمغرب دخل مصاف الدول الأولى في تصدير الطماطم باستحواذها على 50 في المائة من صادرات الرباط من المنتجات الطازجة، متومقعا في الرتبة 5، إذ بلغت 670 ألف طن بزيادة 19 بالمائة عن الموسم السابق، و44.7 عن عام 2015.

 

وتثير نار الغلاء المشتعلة بالأسواق الوطنية والتي يمس لهيبها الخضروات يعيد السؤال الفخ، هل المغرب بلد فلاحي؟، الجواب عن هذا السؤال قد يتطلب وقتا طويلا لكن حتما مع توالي سنوات الجفاف وتغليب الفلاحين الكبار مصلحة التصدير والربح على تغطية النقص بالسوق الوطني وبالتالي انعكاسها إيجابا على الاسعار والأمن الغذائي للمغاربة. هو سؤال ينبش بين سطور السياسيات الحكومية المتبعة منذ عقود في القطاع الفلاحي، وصولا إلى ما يسمى بـ”المخطط الأخضر” الذي يلقى بعد 15 سنة على تنفيذه، انتقاذات لاذعة.

 

ويرمي المهنيون والعامة من الناس إلى جانب الخبراء، باللائمة على الحكومات المتعاقبة التي فشلت بحسبهم في جعل المخطط رافعة لتحقيق السيادة الغذائية، معتبرين أن المخطط قرّب حبال الأزمة أكثر من المملكة ووضعها في موقف “الارتهان الحرج” إلى الاستيراد الحيواني والفلاحي من الخارج.

 

شباك الأزمة التي سقط فيها القطاع الفلاحي، لم تكن ولادة حديثة. فحكومة التناوب التوافقي “1998/2002″ التي ترأسها عبدالرحمن اليوسفي، اعتبرت أن المغرب ليس بلادا فلاحيا، معللة ذلك كون الجفاف في المغرب بنيويا وليس ظرفيا مما يؤثر سلبا على المزروعات من حبوب وخضر وفواكه.

 

وعن سؤال، هل المغرب بلد فلاحي، يجيب رشيد الخالدي، المحلل الاقتصادي، أن الحديث أننا بلد فلاحي بينما تعتمد سياستنا على السياسية المتكرر لاستيراد الحبوب من الخارج في الكثير من السنوات الفلاحية ذات المردود المتوسط أو الضعيف رغم تصديرنا للخضر والفواكه. هو مؤشر واضح إذا ما أضيف تصدير الخضر والفواكه الذي يتناغم مع الطبيعية المغربية، فالبرتقال والطماطم وغيرهما من مزروعات تستنزف المياه التي نحن في أمس الحاجة إليها مما يولد ضغطا كبيرا على الفرشات الباطنية.

 

واعتبر في حديثه لـ”الأيام 24” أنه بدل توجسه السياسة الفلاحية العامة للتركيز على تلبية احتياجات السوق الداخلية أولا لنحقق أمننا الغذائي ونتجه بعدها لإنتاج محاصيل زراعية تلبي الطلب الخارجي. لكن وللأسف الشديد العكس هو الذي يحصل.

 

ويؤكد المحلل الاقتصادي أن المغرب بموقعه الجغرافي بشمال إفريقيا يقع مناخيا تحت رحمة الكتل الهوائية الحارة والجافة القادمة من الصحراء الإفريقية الكبرى والتي تتميز بجفافها وقحولتها، وما يسبب من انحباس مطري طويل كالذي عشناه الموسم الفلاحي الماضي، تغذو فلاحتنا فلاحة هشة تتأثر بأبسط التغيرات الجوية الفصلية، ولازال الكثيرون يراهنون على هذا القطاع الاقتصادي للنهوض ببلدنا اقتصاديا.

 

‘الأرض لمن يحرثها” والتقويم الهيكلي

 

وقال المحلل الاقتصادي إن الأحزاب الوطنية رفعت شعارا في ستينيات القرن الماضي، مفاده “الأرض لمن يحرثها”، كان هذا شعاراً يبتغي الإصلاح الزراعي واسترجاع الأراضي المملوكة من المستعمرين الفرنسيين، وتأسيس زراعة تضامنية وتعاونية. لكن الشعار لم يتحقق على أرض الواقع. فالدولة ممثلة في وزارة الفلاحة قامت بمصادرة تلك الأراضي من الفرنسيين دون توزيعها بشكل تستفيد منه طبقة الفلاحين الصغار. وفي ثمانينات القرن الماضي، سجّل المغرب ما سُمّي وقتها “السكتة القلبية” كما وصفها الملك الراحل الحسن الثاني، وهي كانت مدوية داخل اقتصاد البلد، إذ يعتمد جزء كبير منه (ما بين 15 إلى 20 في المئة من الناتج الداخلي الخام) على قطاع الفلاحة.

 

 

وخلال أواسط الستينيات، أعلن المغرب عن مشروع سقي مليون هكتار في أفق سنة 2000. قرار سيادي كان يهدف إلى تدبير المياه ومواجهة التغيرات المناخية، لاسيما موجات الجفاف. وتم اعتماد سياسة بناء السدود التي اعتمدتها الدولة لتجميع وتدبير المياه بغاية تنمية الفلاحة والزراعة، بدأت تُفْقِد تدريجياً هذه المادة الحيوية “طبيعتها القديمة كعامل استراتيجي في المناطق القاحلة والصحراوية، لأنها وُضعت اليوم رهن إشارة الخواص وفقاً لحصصهم من المساحة الأرضية التي في حوزتهم، ولا يمكن لهذا سوى أن يعزز تفوق الملكية الخاصة للأرض داخل التنافس الاجتماعي”.

 

مخطط الأخضر

 

وتقر أراقم مخطط “المغرب الأخضر” أن أهدافه الأساسية التي حُددت في التخفيف من وطأة التبعية للتقلبات المناخية، لكن مرحلة التقيم تؤكد وفق الخبير الاقتصادي أنه لم ينجح في تحقيق المغرب للاكتفاء الذاتي من الأمن الغدائي المرتبط بالمواد الحيوية كالحبوب و السكر وسواهما، والأخطر هو ما يرتبط بمسألة التصدير، إذ ضاعف البلد من “إنتاجيته في الخضر والفواكه بهدف تصديرها، لكنه لم يتمكن من خلق أسواق جديدة”.

 

وتلق نتائج المخطط انتقادات واسعة، حيث يرى فيه خبراء فشلا في تحقيق الاكتفاء الذاتي، متهمين إياه بالتركيز أكثر  على الإنتاج من أجل التصدير، ولا يولي أهمة للعجز  الحاصل في المواد الغذائية الأساسية الذي يتراكم سنوياً، و هو ما يجعل من المغرب أحد كبار المستوردين في منطقة البحر الأبيض المتوسط للحبوب والبذور الزيتية والسكر، كما أن الواقع يقول بأن ثمار المخطط لم تمس لا من قريب ولا من بعيد المزارع البسيط، الذي لا يستفيد من دعمه.

تاريخ الخبر: 2023-04-10 21:20:16
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 71%
الأهمية: 84%

آخر الأخبار حول العالم

36 رياضيا في فريق اللاجئين بأولمبياد باريس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 21:26:14
مستوى الصحة: 51% الأهمية: 60%

36 رياضيا في فريق اللاجئين بأولمبياد باريس

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 21:26:19
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية