ياآآ عبثك بي لو سبتي !

خالد فضل

يا زاهية يا يا قلبي الشلتي جيبي

يا لاهية يا يا عبثك بي لو سبتي

ألا رحم الله أبا داؤود وزمان تطريبه العالي , وحياة كانت مشرقة بالأحلام الصبية , ورمضان كريم .

بيد أنّ الأجواء العامة وسط الناس كلهم تقريبا , محاطة بقدر عال من القلق والحذر والترقب , وبات الناس يعيشون على كف شائعة , وينحتون رؤاهم وتوقعاتهم من وحي مقطع فيديو ينسرب وسط الوسائط التواصلية , ويبنون تحليلاتهم وبالتالي مواقفهم من ريع هذه الشائعات .

عملياً تنشط على الساحة السياسية خمس أو ست مجموعات , مجموعة المكون الغسكري الأمني , ومجموعتا الحرية والتغيير (المجلس المركزي و الديمقراطية) , ومجموعة التغيير الجذري ثمّ مجموعة الفلول بشقيها العسكري والسياسي , ويمكن اعتبار المتفرجين على هذه المجموعات هم المجموعة السادسة .

المركزي ومجموعتا المكون العسكري(البرهان /حميدتي) ينخرطان في ما يعرف بالعملية السياسية , وهي عملية تراوح مكانها , ويصدق تحليل من يصفها بحكاية (أم ضبيبينة ) , مجموعة الكتلة الديمقراطية هي الأخرى تتأرجح ما بين موقفين , إمّا أن تنخرط فرادى أو تواجه مغبة وضعها في خانة معرقلي الإنتقال الديمقراطي , وهي العصا المرفوعة من المجتمع الدولي مقابل جزرة المشاركة , الجذريون ينادون بذات ما يجب أن تفضي إليه العملية السياسية من حكم مدني كامل الهياكل والسلطات , فقط هناك مسألة الإفلات من العقاب للمتهمين بقتل الثوار وارتكاب المجازر ضد المقاومين السلميين , يبدو أن هذه النقطة تشكل مفترق الطرق الرئيس بين المجموعتين ,  ولعل توقيع الإتفاق النهائي وسريان سلطات السلطة المدنية وممارساتها ستكشف هذه الناحية بصورة جلية , فإما صدقت توقعات المتخوفين من وجود ضمانات للإفلات من المحاسبة أو حدث عكس ذلك بحيث سارت خطوات الإنتقال المدني ناحية بناء مؤسسات عدلية وحقوقية قوية لا تسمح بالإفلات من العقاب لكل متهم مهما تحصّن .

جماعة الكتلة الديمقراطية تجقلب هنا وهناك وعينها فقط على حظوظ في السلطة , القوى القائدة لهذه الكتلة من حركتي جبريل ومناوي ظلتا في الحكم منذ توقيع اتفاقية سلام جوبا , تحت رئاسة د. عبدالله حمدوك في حكومة المحاصصة الحزبية الثانية التي انقلب البرهان على نصفها المدني الخالص وأبقى عل جماعة الإتفاقية في مناصبهم كما هي لم تمس , غاب رئيس الوزراء ومعظم وزرائه  وظل وزراء وحكام إقليمين , طُرد أعضاء في مجلس السيادة وأُعتقل بعضهم وظل نظراء لهم على الكراسي مثبتون في واحدة من غرائب العبث السياسي السوداني ! الآن عين وجهد المتشبثون بالمناصب ليس هموم أهل دارفور أو جبال النوبة أو النيل الأزرق ؛ الهم الأكبر هو مغادرة المناصب إذا تمّ إعتماد صيغة حكومة كفاءات غير حزبية , لذلك يتذرعون بشمول المشاركة (عدا المؤتمر الوطني) يعني ناس حسن طرحة والسيسي وثابيتا , لماذا لم يدرجوا أمين حسن عمر؟؟

الجذريون , يبدو أن الرعاة الدوليين والإقليمين غير متحمسين لهم , اليسار عموما غير مرحب به لما يثيره من أجندة ضد التوجهات (الإستثمارية ذات الطبيعة الإمبريالية بصورة خاصة) أو هكذا يقول اليسار ! وبالطبع ليس في وارد كل الناس أن يتفقوا مع قولهم , ومع ذلك فإنّ قوى التغيير الجذري تمثل جذوة الثورة ومطالب الناس في التغيير الشامل , ولكن هل هذه الجبهة نفسها مبرأة من عيوب الديكتاتورية والإرهاب النفسي والفكري ضد من لا يرون رأيها ؟؟ في تقديري هذه المجموعة الجذرية يمكن أن يكون لها مستقبل أفضل في ظل حكم مدني يوفر   الحريات العامة ويكفلها . فهي تمثل الضمير اليقظ بعنفوان شباب المقاومة وشاباتها , والأهم من ذلك أن طبيعتها السياسية السلمية توفر قدرا من الإطمئنان إلى عملها مهما بدا متشددا , فهو تشدد في إطار سلمي وبتعبيرات مدنية , عكس المجموعات المناوئة الأخرى التي تلوح كل حين بخياراتها العنيفة .

بقيت مجموعة الفلول , وآخر آمالهم وطموحاتهم للبقاء على وجه الساحة السياسية وتأمين ما بحوزتهم من ثروات البلد هو ضمان استمرار الإنقلاب , أي تحول ناحية سلطة مدنية جادة يضعهم في مواعينهم القذرة التي لا يخرجون منها أبدا , فهم بين متلازمتي (الفساد في الحكم والتخريب عندما يفقدونه) , إنّ التحدي أمام القوى التي تزعم أنها ثورية يكمن في إظهار حرصها على عملية سياسية تقود إلى سلطة مدنية , وتكوين مجلس تشريعي , وإسقاط كل ممارسات الإنقلابيين وشطب قراراتهم البائسة , ومن ثمّ التوجه لتأسيس قاعدة صلبة لعملية انتخابية حرة ونزيهة وشفافة تقود إلى وضع طوبة في بنيان الدولة المدنية التي غايتها الإنسان . ووو يا لاهية عبثك بي لو سبتي .