هل هو شبح شارل ديغول يتجول في أوروبا الغربية؟


يناقش أنطون تروفيموف التصريحات النارية للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون من الصين، في مقال نشره موقع inosmi.ru بعنوان "شبح شارل ديغول يتجول في أوروبا الغربية".

وجاء في المقال:

 يتخيل إيمانويل ماكرون نفسه شارل ديغول القرن الحادي والعشرين، كما يقولون بسخط في الولايات المتحدة الأمريكية، ما يؤكد التغيير الأساسي في وقف الأوروبيين تجاه "شريكهم" الخارجي.

وعلى الرغم من عدم شعبيته في فرنسا، والاحتجاجات الجماهيرية التي يواجهها، فقد فعل ماكرون الشيء الأكثر أهمية في حياته كسياسي: لقد أظهر لأوروبا الغربية طريقة للخروج من عبودية الولايات المتحدة الأمريكية. وما إذا كانت ستتمكن أوروبا من استخدام هذا الطريق أم لا، هو سؤال مفتوح حتى الآن، لا سيما أن الشعبية المتزايدة لليمين الأوروبي تبعث على الأمل: نعم، يمكن!

هذا ما يظهره الانجراف الصحيح اليوم من قبل الناخبين ليس فقط في فرنسا، ولكن أيضا في ألمانيا والسويد وفنلندا وإيطاليا، وسرعان ما ستنضم إليهم دول أوروبية غربية أخرى لا زالت تذكر ما هي السياسة المستقلة. ولن تستمر في النظر إلى أفواه المستشارين في الخارج إلا الدول التي لم تذق طعم السياسة المستقلة منذ فترة طويلة، وليس من الصعب تخمين إلى أين ستقودهم هذه الممارسات.

تبدأ مقالة افتتاحية في صحيفة "وول ستريت جورنال" بالكلمات التالية: "اختار الرئيس الفرنسي لحظة مروعة للإعلان الديغولي بعد لقائه مع زعيم الحزب الشيوعي الصيني شي جين بينغ". لماذا؟ لأنه، بحسب كاتب العمود، "يضعف ردع العدوان الصيني ويقوض الدعم الأمريكي لأوروبا".

لقد كان رد الفعل على نتائج رحلة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إلى الصين شائعا في وسائل الإعلام الأمريكية. وحتى أولئك الذين لا يمانعون في تعديل انخراط الولايات المتحدة الأمريكية في السياسة الأوروبية من حيث المبدأ، ساخطون. كيف تجرأ رجل فرنسي على الحديث عن ضرورة استقلال أوروبا الغربية! ولكن ماذا عن خطط تعزيز التبعية الاقتصادية والسياسية للعالم القديم؟ وماذا تفعل مع انتقال الصناعة الأوروبية إلى الولايات المتحدة الذي بدأ؟ ماذا يعني ذلك، أن كل تلك الجهود ستذهب سدى؟

تبدو الإجابة بنعم. ولكن ليس كل شيء، وليس على الفور، فلا يزال الأوروبيون خائفين من روسيا، لكنهم لم يعودوا يريدون دفع ثمن أمنهم من فقدان السيادة السياسة والاقتصادية. وهذا المنظور يصبح أكثر وضوحا، فيما يبدأ شبح الجنرال شارل ديغول "شارل الكبير" بالتجول في أوروبا.

لا أحد من السياسيين الأوروبيين الحاليين مستعد بعد، مثل رئيس فرنسا الأسطوري، للإعلان عن الانسحاب من "الناتو" وإرسال جميع الدولارات على سفن الشحن إلى الولايات المتحدة. لكن هناك ما يكفي من تصريحات ماكرون المزعجة في الوقت الحالي، والتي ستؤثر على واشنطن أسوأ من الأساليب القديمة لرئيس الجمهورية الخامسة.

إن ما سمح للرئيس ماكرون بتحدي الولايات المتحدة هو الشعور بأن لديه الآن حليفا قويا، حيث تنظر بكين بشكل إيجابي إلى المشاعر المعادية للولايات المتحدة في أوروبا. وبحسب صحيفة "هوانكيو شيباو" الصينية (التي تصدر برعاية الجهاز الرسمي للحزب الشيوعي الصيني)، فبعد اجتماع السيد ماكرون مع الرفيق شي، "توصلت بكين وباريس إلى توافق بشأن القضية الأوكرانية"، وهو ما يشير إلى أنه يمكن للجانبين الاستمرار في أن يطلق عليهما اسم شركاء، وإجراء تعاون شامل".

تم التركيز في المقال بشكل خاص على حقيقة أن الأزمة الأوكرانية أصبحت حجر عثرة بين الصين وأوروبا الغربية. حدث ذلك تحت تأثير الآخرين، حيث نلاحظ الآن، وفقا للجريدة، "تغيرا في مواقف أوروبا تجاه الصين بالفعل. في المقابل، نرى أيضا خلافات بين أوروبا وواشنطن، فيما كان رد فعل أوروبا على مقترحات السلام التي نشرتها بكين أكثر إيجابية من الولايات المتحدة".

ويعبر صحفيون صينيون آخرون عن فكرة مماثلة. على سبيل المثال، خصصت "غلوبال تايمز" مقالا لتغيّر خطاب ماكرون بعد زيارته لبكين بعنوان "من الذي داس على ذيل ماكرون الذي قال الحقيقة؟" يؤكد مؤلفوه على أن رئيس فرنسا مؤخرا "يعكس وجهة نظر الأوروبيين المفكرين الذين لا يعانون من عقد اليوم في أوروبا"، وهو بالضبط ما يسبب رد الفعل العصبي في واشنطن، ولدى السياسيين الأوروبيين ممن لا زالوا يعتبرون الولايات المتحدة صديقتهم.

صحيح أن هناك ما يكفي بالفعل من أولئك الذين تخلصوا من الأوهام، حيث نقلت "غلوبال تايمز" نفسها في مقالها أن "أوروبا أطلقت النار على نفسها في كلتا قدميها بشأن قضية العلاقات مع روسيا" نقلا عن كلير دالي ومايك والاس، اللذين قاما بزيارة غير رسمية إلى الصين. ووفقا لهم، فقد "هيمنت الولايات المتحدة الأمريكية على كوكبنا فترة طويلة جدا، وهي تتصرف وفقا لمصالحها الخاصة، كما تفعل جميع الدول. ولكن، ولسوء الحظ، فإن هذه المصالح تضر بشعوب العالم بأسره، ونحن جميعا ندفع ثمنها..".

إن إدراك هذه الحقيقة المحزنة يتغلغل تدريجيا في وعي عدد متزايد من الأوروبيين، ومن الصعب ألا تفهم ذلك، عندما يجبرك "صديقك" على التخلي عن الغاز والوقود النووي والأخشاب النادرة مقابل دعم مصالحه الشخصية. لم تعد أوروبا الغربية تنظر إلى هنغاريا على أنها دولة منبوذة، ولم يتورط رئيس وزرائها فيكتور أوربان في حرب العقوبات، بينما أظهرت بلاده لجميع جيرانه فوائد هذا الاستقلال. فسمح الحفاظ على علاقات العمل مع روسيا للهنغاريين بإعادة التفاوض بشأن عقد توريد الغاز منذ أيام، والغاز الطبيعي الروسي، وليس الأمريكي المسال مع جزيئات الديمقراطية، والذي يكلف أربعة أضعاف.

قبل 6 أشهر، كان من الممكن أن يتسبب نهج هنغاريا في عاصفة من السخط في أوروبا. أما اليوم، فالتابعون الأمريكيون مثل بولندا فقط هم من يسمحون لأنفسهم بالامتعاض من بودابست. لا تحب وارسو كل ما يهدد بفقدان نفوذ الولايات المتحدة الأمريكية في العالم القديم، حيث يعتقد مارسين برزيداتش مستشار الرئيس البولندي أندريه دودا لشؤون السياسة الخارجية بصدق أن "أوروبا بحاجة إلى المزيد من الولايات المتحدة الأمريكية" لأنها "أكبر ضمانة للأمن في أوروبا من فرنسا"، نفس اللحن يغنونه في براغ، فيما قال وزير الخارجية التشيكي يان ليبافسكي لرويترز إن "العلاقة القوية عبر الأطلنطي بين أوروبا والولايات المتحدة هي أساس أمننا".

لقد تم تحديد الحدود بين أوروبا المستقلة والدول التابعة للولايات المتحدة، حتى ألمانيا، وعلى الرغم من اللوبي القوي المؤيد لواشنطن، إلا أنها تدرك إلى أين يدفعها الدعم الخارجي "الودي". أدرك الفرنسيون بالفعل من يمكنهم الاعتماد عليهم كحلفاء، والذين سيجدون صعوبة في التعامل معهم، حيث تنقل "رويترز" عن "دبلوماسي فرنسي رفيع المستوى" قوله إن "الصعوبات لن تكون في نهاية المطاف مع الأمريكيين، بل إن الأمر سيكون أكثر صعوبة مع الأوروبيين، خاصة مع دول البلطيق ودول الشمال وأوروبا الشرقية".

إن الوضع يتطور على نحو متوقع، وعلى عكس الدول "القديمة" في أوروبا الغربية فإن الدول "الجديدة"، أي الدول الاشتراكية سابقا، تعتمد بدرجة أكبر على الدعم الأمريكي. أو بالأصح يمكننا القول إنهم موجودون بفضل الولايات المتحدة، لهذا فإن فقدان العلاقات الاقتصادية مع الجيران الأوروبيين سيضعهم أخيرا في لعبة المعونات الأمريكية، ولهذا السبب تغني وارسو وبراغ صراحة مع واشنطن خطابها المعادي لروسيا والصين.

بالنسبة للعالم القديم، فإن هذا التقسيم ليس جديدا. وبعد كل شيء، على مدار ما يقرب من 40 عاما، كانت أوروبا الشرقية تنتهج بالإجماع سياسة الاتحاد السوفيتي، الراعي الرئيسي لها آنذاك. الآن، تغير المالك، كما تغير الخطاب، لا شيء غير عادي هنا. ومثلما حدث قبل 40 عاما، سيتعين على أوروبا أن تختار مع من تتعامل: مع الدول المقيدة، التي ليس لديها سياساتها الخاصة، أم مع الدول المستقلة التي تعتمد وجهة سياساتها الخارجية فقط على قوتها العسكرية والاقتصادية.

يبدو أن الرئيس الفرنسي توصل إلى الحل أولا، وكان أول من قفز عبر الهاوية الدبلوماسية التي لم تكن متوقعة منه. وهكذا، لعب ماكرون دورا مثيرا للاهتمام مع أنصار الزعيمة اليمينية ماري لوبان، والتي وفقا لاستطلاعات الرأي تفوز اليوم بثقة في الانتخابات الرئاسية.

المصدر: Inosmi.ru

المقالة تعبر فقط عن رأي الصحيفة أو الكاتب

تاريخ الخبر: 2023-04-13 15:17:52
المصدر: RT Arabic - روسيا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 94%
الأهمية: 98%

آخر الأخبار حول العالم

وزير الخارجية الإماراتي يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:27:10
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:26:30
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 68%

نادي الشباب السعودي يسعى لضم حكيم زياش

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:26:34
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 64%

وزير الخارجية الإماراتي يلتقي زعيم المعارضة الإسرائيلية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 15:27:12
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 63%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية