شهدت المملكة خلال السنوات القليلة الماضية، نقلة نوعية في تحول الشعارات إلى واقع ملموس، فانتقلت من شعار «السعودة» الذي استمر لعقود، إلى أرض الواقع بسياسة التوطين، التي جرى تنفيذها من خلال برنامج التوطين، لتعزيز فاعلية الجهات الحكومية في زيادة معدلات التوظيف، واستقطاب الكوادر الوطنية المطلوبة، في المهن التخصصية النوعية والفنية والتقنية، من خلال ثلاثة مسارات رئيسة للبرنامج: الحوكمة، ووضع المستهدفات، ونقل المعرفة، بهدف تحقيق مستهدفات إستراتيجية سوق العمل، ورؤية المملكة 2030، من خلال مواصلة العمل مع جميع الجهات الإشرافية، في برنامج التوطين والمكون من 6 وزارات «التجارة، السياحة، النقل والخدمات اللوجستية، الصحة، والشؤون البلدية والقروية والإسكان، والصناعة والثروة المعدنية»، إذ تم اختيار الجهات الإشرافية بناءً على الجهوزية العالية، لإدارة ملف التوطين، والإشراف على ما يقارب 70% من العاملين، في أنشطة القطاع الخاص.



كما أن شعار «المرأة شريكة الرجل» ظل يتردد لسنوات، إلى أن بدأت المرأة السعودية تتجه بخطى ثابتة، لتشارك ابن الوطن في الدفع بعجلة التنمية الوطنية، مستظلة بكامل حقوقها، وبتشريعات مكَّنت من دورها الفاعل في مسيرة البناء والنماء.

وبات تمكين المرأة ومشاركتها أولوية في سياسة حكومة المملكة، ترجم ذلك ما أكدَه خادمُ الحرمين الشريفين الملكُ سلمان بن عبد العزيز، في كلمته السنوية بمجلس الشورى إذْ قال: «سنواصلُ جهودَنا في تمكينِ المرأة السعودية، ورفعِ نسب مشاركتها في القطاعين العام والخاص».

دور تشاركي

اتسعت دائرة نصيب المرأة السعودية في الخدمة المدنية وسوق العمل، وهي ترتكز على أساس متين، من حيث التأهيل الأكاديمي والمهني بمختلف التخصصات، عزَّز من ذلك مستهدفات رؤية السعودية 2030، نحو زيادة حصتها لتدفع بجهودها في خدمة مجتمعها ووطنها، الأمر الذي صعد بمؤشر المملكة إلى 80 نقطة عام 2022م، مقارنة بـ 25.63 نقطة عام 2019م في مجال تمكين المرأة بحسب تقرير «المرأة والأعمال والقانون» الصادر عن البنك الدولي.

وتستند الجهود الوطنية نحو تمكين المرأة، إلى الإيمان بدورها التشاركي في مسيرة التنمية، التي تشهدها المملكة نحو مجتمع حيوي واقتصاد مزدهر ووطن طموح، لتنعكس في مجملها مع حضور المملكة دوليًّا، ومواءمة مساعي رؤيتها تحقيقا لأهداف التنمية المستدامة الأممية، ومن ذلك إنشاء مجلس شؤون الأسرة عام 2016م، المعني بتمثيل فئات المجتمع، ومنها المرأة في المنظمات والهيئات الدولية، بجانب اقتراح التنظيمات ومتابعة التوصيات والاتفاقيات، التي صادقت عليها المملكة في المنظمات الدولية، وتوحد جهود القطاعات الحكومية كافة، فيما يتعلق بقضايا الأسرة.

مبادرات وبرامج

ومنذ إعلان رؤية السعودية 2030 في 25 أبريل 2016، حققت المملكة جملة من الإنجازات، في مجال سياسات تمكين المرأة، وجاءت مبادرة تمكينها ضمن الميزانية العامة، لتكون نهجًا شاملًا لتسهيل وصولها إلى الموارد المتاحة، لتمكينها من المشاركة بما يتماشى مع قيم المملكة ومبادئها، ويسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وتخطت المرأة السعودية - وفق مستهدفات برنامج التحول الوطني- معدلَ مشاركتها الاقتصادية في سوق العمل، بنسبة 35.6% خلال الربع الثاني عام 2022م، متجاوزة معدل المؤشر من خط أساس بنسبة 17% عام 2017 م، إلى نسبة مستهدف 31.4% عام 2025م.

وتوازت مسارات العمل بين القطاعات الحكومية، في سبيل تمكين المرأة، واتسمت بالتكاملية، وفي سبيل ذلك عمدت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية، إلى إطلاق مجموعة من المبادرات والبرامج، منها: تحفيز ودعم التوازن في سوق العمل، وبرنامج التدريب، والتوجيه القيادي للكوادر النسائية، ومبادرة التدريب الموازي.

وأضفت مبادرات الوزارة منهجًا في إدارة العمل، مثل: تشجيع العمل عن بُعد، والعمل المرن، والعمل الحر، وأطلقت المنصة الوطنية للقياديات النسائيات السعوديات، فيما أسند صندوق تنمية الموارد البشرية «هدف» مهام الدعم والتهيئة للمرأة، مثل: برامج دعم التوظيف، و«قرة» لدعم الأم الموظفة، من خلال الاهتمام بأطفالها خلال ساعات عملها، وبرنامج «وصول» الذي يسهل على المرأة العاملة التنقل من وإلى العمل، وغيرها من البرامج.



رائدات الأعمال

بدورها سعت وزارة الاتصالات وتقنية المعلومات، إلى توفير المزيد من الفرص الوظيفية للمرأة السعودية، ومنها الوظائف القيادية، واستحدثت برامج تدريبية، لتصل نسبة مشاركة المرأة إلى 30.49%، فيما أسهمت مبادرات المستقبل في عدة مجالات تقنية حديثة وتقليدية وناشئة، في تأهيل 30.232 متدربةً، وتوظيف 15.311 امرأةً.

وأطلقت الوزارة العديد من البرامج لزيادة القياديات، شملت برنامج قائدات في العالم الرقمي، وجائزة قائدات التقنية، إلى جانب تحفيز الأفكار الخلاقة، من خلال برنامج رواد التقنية، مستهدفًا رواد الأعمال المبتكرين، حيث قدم في نسخته الثانية نحو 1.806 أفكار، من رائدات الأعمال اللاتي شكلن نسبة 40% من المشاركين.

وقدَّمت «الاتصالات وتقنية المعلومات» مبادرة، بعنوان العطاء الرقمي بهدف محو الأمية الرقمية، ونشر الوعي الرقمي بين أفراد المجتمع، إذْ شكَّلَ الإناث 194.110 من الأعضاء، إلى جانب عدة فعاليات سلطت الضوء على تمكين المرأة، ومنها: مؤتمر «تمكين تميز» لإبراز أهم الشخصيات النسائية الملهمة.

برامج تدريبية

وفي المرفق العدلي، مكنت وزارة العدل المرأةَ وزادت من مشاركتها، ضمن كادرها الوظيفي بنحو 3538 موظفة ورفع نسبة المحاميات السعوديات، عبر الترخيص لـ 2.136 محامية، إلى جانب تخصيص برامج تدريبية للمحاميات، استفادت منها 3.165 متدربة، وتمكين 703 ممثلات نظاميات، كما أتاحت الوزارة تسجيل المرأة في «مركز المصالحة».

وتعددت مواقع العمل، وبمختلف التخصصات والدرجات الوظيفية، لتواكب ابنة الوطن المؤهلة بكل جدارة، ولتمكينها من تولى مناصب قيادية، ومنهن معالي الدكتورة إيمان بنت هباس المطيري نائب وزير التجارة، في الوقت الذي عزَّزت وزارة التجارة وهيئة المنشآت الصغيرة والمتوسطة «منشآت» من ممارسة سيدات الأعمال لأوجه النشاط التجاري، والاستفادة من التقنية في مرونة إجراءات إصدار السجلات التجارية، ومزاولة المهن الحرة، وغيرها الكثير.

وبادرت «منشآت» في نشر ثقافة ريادة الأعمال النسائية، ليصل عدد المستفيدات إلى 2.769.734 مستفيدة، لترتفع نسبة عدد المنشآت النسائية إلى 45% مقارنة بعام 2022م.

وتحقيقًا لمستهدفات الرؤية الطموح، زادت نسبة مشاركة المرأة بوزارة التعليم، وشغلت وظائف أكاديمية وإدارية وقيادية، على مستوى التعليم العام والجامعي، وسايرت إجراءات التمكين برامج الابتعاث، والتدريب والتطوير منها: مبادرات في مجال البحث والابتكار والتطوير، موجهه للمرأة الأكاديمية، نتج عنها ارتفاع معدل النشر العلمي المصنّف بنسبة 91%، خلال الأعوام الثلاثة الماضية، إضافة إلى ارتفاع نسبة استشهاد الأوراق العلمية للباحثات إلى 52%.

عموم المؤسسات

وفي القطاع الشبابي والرياضي، عزَّزت وزارة الرياضة من مشاركة المرأة في مختلف الرياضات، وأسست 25 منتخبًا نسائيًّا في مختلف الألعاب لأول مرة، كما عملت على إطلاق البطولات النسائية، والاستضافات الدولية لعدد من البطولات.

وعلى الصعيد الصحي دعمت وزارة الصحة المرأة، من خلال العناية والتمكين في العمل، كذلك اهتمت بصحتها بإنشاء عيادات متخصصة لصحة المرأة والطفل، لتوفر مجمل الخدمات التثقيفية والوقائية والعلاجية.

حجم المنجز في سبيل تمكين المرأة وتعزيز مكانتها في المجتمع، لم يقتصر على تلك الجهات، بل امتد لعموم المؤسسات العسكرية والطبية والاجتماعية والثقافية والتنموية والخدمية، لتشارك بفكرها وجهدها في دفع عجلة البناء والنماء.

وكالة التوطين

تُعنى بتقديم برامج التوطين للأنشطة والقطاعات الاقتصادية الجاذبة للمواطنين والمواطنات، ودعم زيادة مشاركتهم في سوق العمل، بما يتوافق مع مؤهلاتهم ويتناسب مع الميزة التنافسية لكل قطاع أو منطقة، وبما يسهم في توفير مزيد من فرص العمل القيّمة.

أهداف الوكالة

• اقتراح الخطط والسياسات المتعلقة بتوطين الوظائف في القطاع الخاص.

• الإشراف على وضع آليات التنسيق بين الجهات الحكومية والخاصة ذات العلاقة بسوق العمل.

• تعزيز معالجة قضايا التوظيف واستحداث الوظائف.

• زيادة فرص العمل للمواطنين والمواطنات في مشاريع الأجهزة الحكومية والخاصة ومتابعة ذلك.

• الإشراف على تصميم وتطوير وتنفيذ برامج التوطين في القطاعات والمناطق.

أبرز المهام

• الإشراف على دراسة الأنشطة المستهدفة بالتوطين.

• تحديد أولويات هذه الأنشطة بالتنسيق مع الجهات المعنية وفقاً لسياسات التوطين المعتمدة.

• دراسة التحديات التي تواجه استحداث الوظائف في المشاريع الحكومية والقطاع الخاص.

مبادرات التوطين

• توطين منافذ البيع في 12 نشاطاً فرعياً اقتصادياً في تجارة الجملة والتجزئة.

• توطين منافذ البيع في 9 أنشطة فرعية اقتصادية في تجارة الجملة والتجزئة.

• اشتراط التسجيل المهني للمحاسبين الوافدين.

• القطاع الصحي: توطين 40 ألف كادر سعودي.

• الاتصالات وتقنية المعلومات: توطين 15.6 ألف كادر سعودي.

• الإيواء السياحي: توطين 8 آلاف كادر سعودي.

• المحاماة والاستشارات القانونية: توطين 6 آلاف ممارس لمهنة المحاماة والاستشارات القانونية.

• التعليم: زيادة نسب التوطين في التعليم الخاص.

• التأمين: تنظيم القطاع وزيادة نسب التوطين فيه.

• توطين مهن طب الأسنان: زيادة ممارسي المهنة بنحو 3 آلاف ممارس في القطاع الخاص.

• توطين مهنة الصيدلة: زيادة ممارسي المهنة والتخصصات التابعة لها بنحو 4 آلاف ممارس.

الصناعات العسكرية

أخذ الاهتمام السعودي بالصناعات العسكرية وتوطينها، يتزايد في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، وولي العهد الأمير محمد بن سلمان، وأعلنت السعودية في مايو 2017، عن إنشاء الشركة السعودية للصناعات العسكرية، وبعدها بثلاثة أشهر، أعلن عن إنشاء الهيئة العامة للصناعات العسكرية، التي تهدف لتنظيم قطاع الصناعات العسكرية في المملكة، وتطويره ومراقبة أدائه.

توطين الصناعات العسكرية السعودية، هو برنامج حكومي يأتي ضمن مبادرات رؤية المملكة 2030، ويهدف للحد من الإنفاق العسكري، وتوطين ما يزيد على 50% منه بحلول عام 2030. إذ كانت نسبة التوطين لحظة وضع الخطة 4%، وبلغت خلال سنة ونصف السنة 8%.

قوى عاملة

كشفت بيانات هيئة السوق المالية السعودية، عن تضاعفت نسبة توظيف الإناث، في شركات التقنية المالية التابعة للسوق، بعد أن زاد عدد التوظيف، كما ارتفعت نسبة توظيف الذكور 91.4%، في حين ارتفعت نسبة التوطين بوظائف القطاع من 73% إلى 77%.

وذكرت الهيئة أن أعداد العاملين بالسوق المالية، ارتفعت 12% خلال العام الماضي، بعد أن زاد عدد القوى العاملة بمؤسسات السوق المالية المختلفة، من 5049 موظفا إلى 5650 موظفا، وحققت مؤسسات البنية الأساسية بالسوق أعلى نسبة توطين، وبلغت 91%، بالرغم من قلة عدد العاملين فيها، والذين بلغ عددهم 179 موظفا.

وأظهرت بيانات حديثة للسوق المالية، نموا في التوظيف في جميع مؤسسات السوق المالية، تفاوت بين 9.1% و100%، خلال العام الماضي، وكان النمو الأعلى لتوظيف الإناث، حيث ما زلن يشكلن النسبة الأقل من الموظفين.

وشهدت مؤسسات السوق المالية، والتي تضم أكبر عدد من الموظفين بالقطاع المالي، نموا سنويا في توظيف الذكور بنسبة 9.1%، بعد أن ارتفعت أعدادهم من 3785 في 2021 إلى 4131 في 2022، في حين ارتفعت نسبة توظيف الإناث 13.5% بعد أن ارتفعت أعدادهن من 988 إلى 1121، واستقرت نسبة التوطين عند 77%.

وسجلت الشركات المرخصة بممارسة التصنيف الائتماني، نموا في توظيف الذكور بنسبة 15.2%، بعد أن ارتفعت أعدادهم من 46 إلى 53، في حين ارتفعت أعداد توظيف الإناث بنسبة 22.2 %، بعد أن ارتفعت أعدادهن من 9 موظفات إلى 11 موظفة، كما ارتفعت نسبة التوطين في الوظائف من 26% إلى 44%.

وأظهرت البيانات ارتفاعا بنسبة توظيف الذكور، بمؤسسات البنية الأساسية للسوق بنسبة 20.5%، مرتفعا من 117 إلى 141، في حين ارتفعت نسبة توظيف الإناث من 24 إلى 38، وبنسبة نمو بلغت 58.3%، كما ارتفعت نسبة التوطين في وظائف القطاع، الذي يعد الأعلى بنسبة التوطين، من 90% إلى 91%.