رحيل قبل الرحيل.. لماذا تتوالى حالات “الانتحار” بالسجون المغربية؟


شيماء مومن – صحافية متدربة

 

انتشرت في الأيام القليلة الماضية عدوى محاولات الانتحار في السجون المغربية، إذ أعلنت السلطات المغربية خلال أسبوع واحد عن انتحار سجينين على ذمة قضايا متعلقة بالإرهاب، إذ وضع سجين مدان، حدا لحياته داخل زنزانته بالسجن المحلي لمدينة فاس، وذلك بعد يوم واحد فقط من انتحار معتقل محكوم بالإعدام في قضية أخرى تتعلق بالإرهاب في السجن المحلي لمدينة وجدة.

 

والعام الماضي، سجلت حالتان مماثلتان شهري يناير ومارس، في سجني القنيطرة ومكناس، حيث أقدم مدانان في قضايا تتعلق بالإرهاب على إنهاء حياتهم، كما أعلن عن حوادث انتحار مشابهة بين عامي 2020 و2022.

 

توالي هذه الانتحارات طرح عدة نقاشات حول الأسباب والدوافع التي جعلت هؤولاء يضعون حدا لحياتهم ويقدمون على الانتحار بطرق مختلفة، خاصة وأن هذه الحالات تتكررفي صفوف المدانين في قضايا الإرهاب الذين فقدوا الأمل في معانقة الحياة من جديد .

 

عدوى الانتحار

 

من داخل زنازينهم يقدم هؤولاء على الإنتحار، قبل موعد رحيلهم، يرحلون في صمت، دون أن يتركوا رسائل وراءهم، انتحار أحد المتورطين في قتل شرطي حي الرحمة في الدار البيضاء في 12 أبريل 2023 ، القابع بالسجن المحلي بسلا والمعتقل احتياطيا، والذي كان قد تم إيداعه بالمؤسسة بتاريخ 27 مارس 2023 على خلفية قانون مكافحة الإرهاب، كان في ظروف غير معروفة حسب منذوبية إدارة السجون.

 

كل هؤولاء المنتحرين السابقين يجمعهم مصير واحد، وهو السجن مدى الحياة، لارتكابهم جرائم إرهابية، يشتركون في نقاط جامعة بينهم، بحيث يرتبطون جميعا بتنظيم داعش الإرهابي، ويدينون بالولاء والبيعة المزعومة لأمراء هذا التنظيم. كما يشترك بعضهم في طريقة الانتحار، أو الوسيلة المستعملة لتنفيذ الانتحار.

 

 

المعتقل بسجن فاس أقدم على الانتحار باستخدام قطعة قماش قام بانتزاعها من ملابسه وربطها بنافذة الغرفة، حسب بلاغ منذوبية إدارة السجون، أما المعتقل بسجن وجدة، قام بشنق نفسه أيضا داخل زنزانته في السجن المحلي، ونفس الأمر بالنسبة للمدان في قضية قتل شرطي الرحمة.

 

الإرهاب…مونولوغ ينتهي بالانتحار

 

قال محمد المرجان، دكتور في علم الاجتماع، أن بروز ظاهرة الإرهاب كنتيجة للفهم العسكري العنيف للدين الإسلامي، يجعل العديد من أتباع هذا الاتجاه أنفسهم داخل السجن، نتيجة للممارسات الإرهابية و المنسوبة خطأ للعقيدة الإسلامية، مضيفا أن التدين الشديد لم يمنع هؤلاء من وضع حد لحياتهم داخل السجن، لكن الحيثيات التي تم فيها الاعتقال وطبيعة الجرم، ومدى خطورته على التنظيم الإرهابي، كلها أمور تلعب دورا كبيرا في الحياة السجنية.

 

ولفت الباحث الأكاديمي، في تصريحه لـ”الأيام 24″، إلى أن وضع هذه الفئة التي تعتبر غير شرعية Illégale ” داخل السجون المغربية يعد بحد ذاته حافزا على الانتحار، مصنفا الفئات المنتحرة إلى ثلاثة أنواع :الفئات المتدينة والتي فقدت الأمل نهائيا في براءتها، كما فقدت مرجعيتها التنظيمية و الفكرية، واهتز يقينها بشكل جذري فيما يتعلق بشرعية ممارساتها الإرهابية. إلى جانب الفئات المنتحرة نتيجة للممارسات الانحرافية délinquance، و الأخرى التي تنتحر خوفا من الوصم الذي يلاحقها، في سجنها و حتى بعد إطلاق سراحها.

 

وأكد المتحدث نفسه، إلى أن البيئة الطبيعية للفئة الأخيرة تتحول إلى كيان طارد و عدواني تجاهها. لكونها لا تحظى بالمعالجة النفسية ولا بالجلسات العلمية من أجل إعادة الإدماج في النسيج الاجتماعي، حسب تعبيره، و هذا ما يجعلها عرضة للتقلبات و الاضطرابات النفسية ويدخلها في صراعات داخلية تنتهي بالانتحار.

 

كما ذكر أستاذ علم الاجتماع، أسباب ودوافع أخرى وراء إقدام بعض الفئات على الانتحار، وتتجلى هذه العوامل حسب رأيه إلى الإحساس بحجم الظلم الذي طالها، والإهانة التي لحقتها من جراء دخولها السجن، إضافة إلى أسباب موضوعية أخرى تدفع بالإنسان المسجون إلى الوقوع في براثن اليأس المميت، أهمها، العزل ،سوء المعاملة ،وانعدام أسباب الحد الأدنى للعيش.

 

كما أن غياب الشروط الإنسانية الدنيا، وكذا التكدس البشري للعديد من المعتقلين، واختلاطهم مع ذوي السوابق و المجرمين، إضافة إلى الصراعات التي تنشب بين الجماعات حسب تعبيره، قد تشكل سببا وجيها للانتحار.

 

ظروف السجن

 

أوضح مرجان أن السجن مؤسسة إصلاحية و عقابية “رهيبة”، تراها الدولة كوسيلة لضبط النظام العام وإجبار الناس على الامتثال لسلطة القانون. ومضيفا أن ‘‘الاهتمام بهذه المؤسسة من الناحية العلمية يبدو قليلا جدا ،في حين ، دراسة أوضاع السجناء في هذه المؤسسة ليست متوفرة بالقدر الكافي‘‘.

 

وفي المقابل، دافع المتخصص في علم النفس الاجتماعي، محسن بنزاكور، عن نجاعة المواكبة النفسية داخل المؤسسات السجنية، معللا ذلك بمعطى الإحصائيات بخصوص حالات الانتحار التي قال إنها “منخفضة جدا وهي حالات نادرة”.

 

وأفاد بنزاكور، الذي يشتغل مع المؤسسات السجنية في هذا الإطار، بأن إدارة السجون “تتكفل منذ سنين بالمتابعين في قضايا الإرهاب داخل السجون المغربية وأنها تخصص ما يربو عن 60 متخصص في الطب النفسي”.

 

ويشار إلى أن التقرير السنوي لمندوبية السجون لعام 2022 أكد على اتخاذ مجموعة من التدابير الوقائية للتقليص من حالات الاعتداء، من بينها “التتبع المستمر والمواكبة الواجبة للسجناء الذين تظهر عليهم ميولات انتحارية”. وشدد التقرير أيضا على “التكثيف من عمليات التفتيش والتنقيب وتشديد الحراسة واتخاذ التدابير والاحتياطات الأمنية بشأن السجناء ذوي السلوك العدواني والخطير”.

تاريخ الخبر: 2023-04-19 15:20:44
المصدر: الأيام 24 - المغرب
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 70%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

دورة مدريد لكرة المضرب: الروسي روبليف ي قصي ألكاراس حامل اللقب

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-02 12:24:39
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 51%

هذه أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق هدنة في غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 12:25:24
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 66%

هذه أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق هدنة في غزة

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-02 12:25:18
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 70%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية