السّودان على مفترق حرب أهلية مفتوحة


تبدو الحرب المستعرة في السودان بين رئيس المجلس السيادي، قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان، وقائد قوات الدعم السريع محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي"، وكأنها حرب حتى النهاية. وحتى الآن لم تستطع الدول المعنية بالملف السوداني، أكانت عربية أو أجنبية، أن تحدث خرقاً في الأزمة، أقله على مستوى وقف إطلاق النار والعودة إلى طاولة مفاوضات سياسية تحد من الخسائر. لكنّ ثمة واقعاً مقلقاً جداً بالنسبة للسودان، فاستمرار الحرب الحالية من دون أن تحسم المعركة بسرعة لمصلحة أحد الفريقين، أو من دون أن تتوقف بسرعة وينتقل الجميع إلى التفاوض السياسي، سيدفع البلاد إلى ما يشبه الحرب الأهلية التي ستأخذ مكانها وتتبلور مع مرور الوقت، ومع ترسخ مواقع الفريقين وقدراتهما. وكلما طال أمد الحرب الحالية، تحوّلت مساعي القوى الخارجية من سعي إلى وقف لإطلاق النار، إلى اصطفاف خلف هذا الفريق أو ذاك ضمن لعبة التنافس على انتزاع حصة من النفوذ في بلد يتآكله النزاع العسكري الدموي. لا يمكن بهذه الحالة الركون إلى حسن نيات المجتمع الدولي بكل تفرعاته، مثلما لا يمكن الركون إلى حسن نيات الجنرالين المتقاتلين على أجساد أبناء السودان. وشيئاً فشيئاً ستنشأ استقطابات للقوى السياسية خلف هذا الجنرال أو ذاك، وسينقسم المستوى السياسي المغلوب على أمره بين من يوالي البرهان ومن يوالي حميدتي. وفي كل الأحوال ثمة واقع فرض نفسه بقوة السلاح، مفاده أن العسكر هم الذين يحددون أجندة البلاد السياسية والوطنية. أما المدنيون فقد سقطوا خلال هذه الحرب بالضربة القاضية، ويقيننا أنه جرى تهميشهم لأمد طويل، لأن الجنود الذين خرجوا من ثكناتهم لن يعودوا إليها بالسهولة التي يتصورها البعض. خرجت المبادرة لأمد طويل من يد الشارع السوداني الذي ثار على حكم حسن البشير، وأسقطه عام 2019 بمعاونة جزء من الجيش وقوات الدعم السريع. لكن من المهم الإشارة إلى أن الزخم يومها أتى من الشارع ومن الرأي العام السوداني، ومن المجتمع الدولي الذي حاصر حسن البشير سياسياً.

يمكن القول اليوم إن الشارع السوداني هو خارج اللعبة. والمستوى السياسي المدني مهمش. فالكلمة العليا هي للبندقية والمدفع. وما دام التوازن العسكري قائماً إلى حد ما بين الطرفين، فإن البلاد تسير على حافة الحرب الأهلية الطويلة الأمد، خاصة أن مساحة السودان كبيرة للغاية، وبغياب الحسم في المدى القصير، ستنشأ وقائع تقسيمية على الأرض ويحصل فرز جغرافي وسكاني تبعاً لسيطرة هذا الفريق أو ذاك. ولعل خطورة إطالة أمد القتال الحالي مردها إلى أن للسودان حدوداً مترامية مع عشر دول أفريقية معظمها غير خاضع لأي سلطة رسمية. إنها حدود متروكة ومتفلتة إلى حد أنها تمثل خطراً كبيراً على وحدة السودان إذا طالت الحرب الحالية. عندها ستكون هذه الحدود معبراً لتدفق السلاح والمال، ومعهما الميليشيات، والعصابات، والجماعات المتطرفة، فضلاً عن قوات مسلحة من دول الجوار الطامعة بتوسيع نطاق نفوذها على حساب سودان مستضعف.

إذاً نحن أمام معضلة كبيرة. أما أن يتوقف القتال بسرعة بانتصار حاسم يحققه فريق على آخر، أو يتوقف من دون حسم عسكري، فيتم الانتقال إلى حكم برأسين، ما يعني حرباً مؤدلجة، أو يطول القتال ليتحول إلى حرب أهلية مفتوحة بالكثير من العناصر المتدخلة إقليمياً ودولياً. أما الحل السياسي الذي يعيد السلطة إلى المدنيين فسيكون من الصعب إحياؤه، بعدما رسم العسكر من الجانبين للمدنيين حدوداً بالحديد والنار والدم!

* نقلا عن "النهار"

مادة اعلانية
تاريخ الخبر: 2023-04-21 21:18:43
المصدر: العربية - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 78%
الأهمية: 86%

آخر الأخبار حول العالم

القوات المسلحة الملكية.. 68 عاماً من الالتزام الوطني والقومي والأممي

المصدر: موقع الدار - المغرب التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-14 00:25:18
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 54%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية