27 خرافة شعبية عن القراءة

فى كل مجتمع خرافات يحيكها الناس عبر الأزمان حول كل شىء من حولهم، ونحن فى المجتمعات العربية، لدينا كذلك خرافات نسجت حول فعل القراءة، بعضها مضحك وبعضها ينطوى على مغالطات وبعض آخر غريب جدًا، وهذه الخرافات أعاقت انتشار القراءة ونموها على المستوى الشخصى والجمعى فى مجتمعاتنا العربية.

من هنا جاء هذا الكتاب، الذى يقع فى ١٣٣ صفحة بقلم د. ساجد العبدلى والأستاذ عبدالمجيد حسين تمراز؛ ليضع للقارئ العربى هذه الخرافات على طاولة التشريح؛ ليوضح له تفاصيلها وسياقاتها وكيف يمكن الرد عليها، ليظل الهدف الأهم دائمًا وأبدًا مساعدة مجتمعاتنا العربية لأن تصبح مجتمعات قارئة، محبة للمعرفة، محبة للكتاب.

والكتاب يضم ٢٧ مقالًا حول أهمية القراءة فى حياة الفرد والمجتمع من الناحية النفسية والصحية والعقلية موثقة بالبراهين العلمية والتطبيقية. وهنا فى «الدستور» ننشر نماذج من هذه «الخرافات».

الرواية تسلية رخيصة.. الخرافة: قراءة الروايات غير مفيدة للعقل ومضيعة للوقت

أتقدم هنا باعتراف للقراء الأعزاء.. أنا من الأشخاص الذين كانوا يكرهون قراءة الروايات.. وكنت لا أقترب منها أبدًا.. والسبب كان خرافة أن الروايات سوف تضيع لى وقتى ولن تضيف إلى عقلى شيئًا كثيرًا.. ومن أين أتيت بهذه الفكرة لا أعلم، ولكنى أعلم أنها كانت منتشرة فى هواء مجتمعى.. مثل غاز يعبث بعقول الناس ويجعلهم يبنون حاجزًا بينهم وبين أعظم قناة أو وسيط للتواصل بين البشر.. القصة.. الذى كان يؤلمنى وأقدمه هنا كاعترافات قارئ.. هو أننى كنت أشعر بالفوقية أمام من يقرأ الرواية وكأنه من منزلة أدنى.. كنت أشعر أن عقله رخو حتى يتحمّل المعلومات المباشرة والمعقدة.. ولم أكن أتصور القيمة الفكرية والأدبية التى سأخرج بها حتى بدأت بتجربتى الأولى مع كتاب عالم صوفى عن تاريخ الفلسفة.. ودخلت فى تجربة لم أكن أشعر بمتعتها من قبل.. حرفيًا دخلت إلى عوالم موازية من صنع الإنسان عندما قرأت رواية «العمى» مثلًا لساراماغو، وشعرت أن خيالى بوابة إلى اللا مستحيل واللا نهاية.. شعرت بالتعاطف وبالإلهام وبالتجربة المعرفية وكأن المعلومة امتزجت بلحمى ودمى.. ومن بعدها لم أترك عشقى للروايات وقراءتها مطلقًا.

ومع هذا من المزعج أن نجد- مع الأسف- شريحة فى المجتمع تنظر إلى قارئى الروايات بدونية وتنكر عليهم تضييع أوقاتهم.. مع أن أكثر الكتب قراءة فى العالم هى الروايات.. وأكثر الأفلام مشاهدة فى العالم مستوحاة من الروايات.. لماذا؟.. لأنها كما قلت أفضل وسيلة لتوصيل المعلومة لأى إنسان آخر.. ألا نستغرب أن الله عز وجل يخبر البشر بأنه أعظم من يقص القصص «نحن نقص عليك أحسن القصص»، وأن القرآن يحوى فى طياته ٢٠ بالمائة من الأسلوب القصصى.. وهذا يؤكد أنها الوسيلة الأعظم للتواصل ولتوصيل المحتوى. 

الروايات ليست إلا قصصًا مطولة ومفصلة.. تحتوى على بشر مثلنا نرى أنفسنا فيهم ونجرب نتائج أفعالنا معهم.. إنها أكبر نادٍ رياضى للخيال.. لأنها مبنية على عالم واقعى مختلق.. دقيق بدرجة أننا نرى أنفسنا نعيش فيه.

إنها أفضل عيادة صحية للعلاج النفسى.. لأنك عبر التعاطف، أى الشعور بما يشعر به الآخرون دون أن تكون مررت فعلًا بما مروا به، تستطيع تفهم أفعال الآخرين والإحساس بها.. إنها أكثر إنسانية من الإنسانية ذاتها أحيانًا.. وقد نشرت قناة BBC مقالة حديثة حول فائدة القراءة بشكل عام، وتكلمت بشكل خاص عن أثر الروايات والقصص فى علاج القارئ وتطوير شخصيته، وهذا جزء منها: 

هناك جملة من الأبحاث تشير على نحو متزايد، إلى أن بوسع المرء أن يُحسن حاله من خلال مطالعة القصص والروايات للمساعدة فى مواجهة تحديات الحياة. فكر فى الأمر كنوع من المساعدة الذاتية وليس مجرد كتب مرصوصة على أرفف متوازية

لا أملك وقتًا للتنفس.. الخرافة: لا يوجد وقت للقراءة

فلنكن واقعيين.. نحن نعيش فى عصر السرعة وعصر صعب اقتصاديًا. يحتاج الشخص أحيانًا للعمل فيه أكثر من عشر ساعات فى اليوم حتى يغطى مصاريفه.. بالفعل أصبحت شوارعنا مزدحمة وتقتل الوقت.. بين النوم والعمل وقضاء الوقت مع الأسرة والمشاوير يصبح سؤال القراءة صعبًا.

لكن فى الوقت نفسه نجد أننا من أكثر شعوب الأرض مشاهدة لليوتيوب واهتمامًا بالرياضة وكرة القدم.. نجد الوقت لمشاهدة الأفلام وقراءة الجرائد ولعب البلوت والبلاى ستيشن بالساعات.. نجد الوقت للذهاب إلى المقاهى والجلوس لساعات فيها.. بالفعل لا يملك الشخص فى هذا الزمن الوقت للتنفس.. ولكن هناك وقت لنَفَس شيشة!.

سأنقل لكم بعض الأرقام المتعلقة بالمجتمع السعودى كنموذج عربى لتأكيد وجهة نظرى هذه:

كشف مركز أسبار للدراسات والبحوث والإعلام عن دراسة حديثة تناولت قضية الشباب السعودى ومشكلات أوقات فراغهم بعنوان «الشباب السعودى بين ١٥ و٢٩ سنة». واشتملت الدراسة على ٣١٥٠ شابًا وشابة فى ١٥ مدينة سعودية والتى قام بها عدد من الباحثين والمساعدين والفنيين.

وجاء فى الدراسة الميدانية أن نحو ٤٣٫٢ بالمائة من الذكور و٣٦٫٩ بالمائة من الإناث لديهم وقت فراغ يتراوح بين ٤ و٦ ساعات فى اليوم. أما الذين لديهم من ٧ إلى ١٢ ساعة فراغ فى اليوم وهى فترة طويلة، فقد بلغت نسبتهم ٢٤٫٢ بالمائة من الذكور، مقابل ١٥٫٣ بالمائة من الإناث. وفى السياق ذاته تبين أن ٢٨٫١ بالمائة من الإناث و١٨ بالمائة من الذكور لديهم وقت فراغ يتراوح بين ٢ و٣ ساعات فى اليوم. كما جاء فى الدراسة أن الإناث يبدين تقديرًا أكبر لمشكلة وقت الفراغ، حيث أشار ٣٣٫٣ بالمائة منهن مقابل ٣٠٫٦ بالمائة من الذكور إلى أن المشكلة «مهمة جدًا». أما الذين صنّفوا المشكلة «متوسطة الأهمية» فبلغت نسبتهم ٢٤٫٧ بالمائة من الذكور مقابل ٢٠٫١ بالمائة من الإناث.

وفى السياق ذاته، أوضح ٢١٫٦ بالمائة من الجنسين أن المشكلة «قليلة الأهمية»، ومع ذلك فإن ما نسبته ٢٠٫٣ بالمائة من الذكور و٢٣٫٧ بالمائة من الإناث «لا يواجهون» مشكلة وقت الفراغ.

وفى ما يتعلق بالأنشطة التى يمارسها الشباب خلال أوقات فراغهم، فقد تبين أن «الأنشطة الاجتماعية» تحظى بنصيب الأسد، حيث أوضح ٥٥٫١ بالمائة من الشباب أنهم «يلتقون بأصدقائهم» خلال أوقات فراغهم، و٤٥٫٧ بالمائة يقومون «بزيارة الأقرباء»، و٣٢٫٧ بالمائة يمارسون «الدردشة بالهاتف» و٢٤٫٣ بالمائة «يذهبون للاستراحات»، وأخيرًا ١٠٫١ بالمائة «يرتادون المقاهى» علمًا بأن بعض تلك الأنشطة تقتصر على الذكور ولا تنطبق على الإناث.

ومن حيث «الأنشطة الثقافية» فقد حلّت «مشاهدة التليفزيون» فى المرتبة الأولى بما نسبته ٥٦٫٣ بالمائة، ثم «استخدام الإنترنت» بنسب بلغت ٣٧٫٧ بالمائة ونسبة مقاربة «القراءة» يمارسها ٣٧٫٣ بالمائة من الشباب وتأتى «الأنشطة الدينية» فى الموقع الثالث، حيث يمارسها ١٨ بالمائة من الشباب. ما أريد قوله بعيد أشد البعد عن ترك هذه الأمور والاعتزال فى صومعة للقراءة.. ولكننى فقط أردت لفت الانتباه إلى أن المشكلة ليست فى طبيعة العصر أكثر منها فى طبيعة إدارتنا للوقت ولأولوياتنا.. يقول الدكتور عبدالكريم بكار إن ٨٠ بالمائة من الناس يتذرّعون لعدم القراءة بأنهم لا يملكون الوقت. لن أطيل فى التأكيد على هذه الخرافة، فهى أوضح من الشمس.. لكننى سأضع بعض النقاط الظريفة فى مساعدتكم على إيجاد وقت للقراءة: 

١- تحتاج أحيانًا للتضحية.. نعم إذا أردت أن تنمّى عقلك وأن تصنع من نفسك إنسانًا مبدعًا تحتاج بأن تستبدل ببعض الأوقات الخاصة بكرة القدم أو الأفلام أو المقهى أو أى شىء من هواياتك حاجة أساسية ومفصلة فى حياتك.. القراءة.

٢- اصنع روتينًا.. حدّد لنفسك وقتًا معينًا فى اليوم للقراءة والتزم به.

٣- ضع لنفسك هدفًا.. قراءة كتابين فى الشهر مثلًا أو عشرين كتابًا فى السنة أو أقل.

٤- اصطدْ الأوقات البينية.. فى السيارة «دائمًا شوارعنا مزدحمة»- فى بعض الدوائر الحكومية «ستنتظر كثيرًا هناك»- فى الحمام »راجع الموضوع فى كتابى جنونى مذهبى فى القراءة»- عند ركوب الطيارة أو الباص أو التاكسى.

٥- فى وقت الفراغ ارمِ جوالك فى كرسى الحمام!.. أصبح الجوال فى هذا الزمن مثل المنوم المغناطيسى الذى يقتل وقتك.

٦- دائمًا خذ كتابًا معك.. حتى إذا لم تقرأه لا يهم.. سيذكّرك دائمًا ويثير فضولك.

٧- اقرأ فى المجال الذى تحبه واهتمامك فى هذا الوقت من السنة.

٨- إذا شعرت بالملل من الكتاب ألقِ به من النافذة.

٩- حاول أن تقرأ قبل النوم ولو عشر دقائق.. للأحلام السعيدة.

١٠- احكِ قصتك بعد تجربة هذه الأمور لشخص آخر واقضِ معى على هذه الخرافة.

وأخيرًا يقول الفيلسوف الصينى كونفوشيوس: «مهما كنت تظن نفسك مشغولًا، إذا لم تجد الوقت للقراءة ستكون قد سلّمت نفسك بيديك للجهل والنكران».

أكون أو لا أكون.. الخرافة: يجب أن أقرأ كل كلمة من الكتاب «من الجلدة للجلدة»

كل قارئ لا بد أن تمر عليه هذه الحالة الغريبة من الوسواس القهرى.. الهوس فى التهام الكتاب كاملًا.. أن يشعر بأنه لم يترك ولا حرفًا واحدًا هنا أو هناك إلا وقرأه.. لا مشكلة فى ذلك إذا فرض عليك الكتاب هذه الحالة.. ولم تدخل مسبقًا عليه بهذا التصور.

الغريب أنه ينتاب القارئ أحيانًا شعور بالذنب إذا لم يقرأ الكتاب كاملًا.. صدقونى هذه نعمة على كل كاتب «ومنهم أنا»، لأنه يتمنى دائمًا من القارئ أن يقرأ كل ما يكتب، ولكنها نقمة أحيانًا عندما تكون مجرد وسواس ولا تكون عن هدف ووعى وفائدة لإنهاء الكتاب.. فليست القضية كما يتصور البعض.. أكون أو لا أكون.. بمعنى إما أقرأ الكتاب كاملًا وإما لا أقرأه بالمرة.

القراءة حرية.. وكل قارئ يتمتع بهذه السلطة التى تجعله يحكم بالفناء على نصوص ويبعث الحياة فى أخرى.. بالتالى ليست هناك قوانين فى القراءة.. هى فن يتأثر بكيان القارئ وتجربته الخاصة.. والآن بعد هذه المقدمة المهمة دعونا نجيب عن هذا السؤال: هل من الضرورى أن أقرأ الكتاب من الجلدة إلى الجلدة؟ يعنى كاملًا.. بالطبع لا.. فبعضهم لا يشعر بالارتياح، أو دعنا نقل الإنجاز، دون أن يختم الكتاب.. وهذه مشكلة خطيرة.. لأنها تؤثر على نفسية القارئ ووقته وتفكيره.. من الناحية النفسية.. أكبر عدو للاستمرارية فى القراءة هو الإحساس بالتقيد والجبر.. فى لحظة ما عندما تضيف كلمات مثل «يجب»، «لازم» على فعل القراءة تخسر التجربة خصوصيتها ورونقها.. اقرأ ما تحتاج إليه وما تشعر بأن نفسك تشتهيه.

من ناحية الوقت.. فأحيانًا تضطر بسبب هذا الهوس أن تقرأ قسمًا أنت لست بحاجة إليه.. أو أنه ليس بالجودة التى تطمح لها.. فأحيانًا يحتوى الكتاب على أقسام أو أجزاء ضعيفة أو ركيكة بالذات إذا كان الكتاب من النوع الذى يقسم فهرسه حسب الموضوع. ومن الناحية الفكرية.. أنت لا تستطيع أن تهضم مادة إذا لم تكن مهتمًا بموضوعها.. لأن الاهتمام يولد التركيز، والتركيز أكبر محفز للتفكير.. أنا أقترح قاعدة جيدة وهى أن تعطى الكتاب فرصة وتصبر معه لربعه فقط.. وبعد ذلك أنت ستحكم عليه هل تشعر بالدافع لإكماله أم لا.. بمعنى مهما كان عدد صفحات الكتاب أقسمها على أربعة.. فإذا كان من مائتى صفحة أقرأ الصفحات الخمسين الأولى.. أو إذا كان من مائة صفحة أقرأ الصفحات الخمس والعشرين الأولى.. هذه الطريقة ستساعدك على تجاوز فكرة الكسل القرائى.. لأن القارئ أحيانًا يُصاب بالكسل ويضع اللوم على الكتاب.. الصبر القرائى جيد.. وازن بين الاثنين واستخدم هذه الأداة.. أنا شخصيًا أقدر فكرة تحمل الكتاب والصبر عليه، فهى مفيدة وتجعلنا نكتشف سوء تقديرنا أحيانًا حول كتاب معين.. ولكنى أيضًا أتفق مع الكاتبة جوى دانيلز عندما قالت: «الحياة جدًا قصيرة حتى نقضيها على كتاب سيئ».

ست دقائق.. الخرافة: الفرد العربى يقرأ ست دقائق فى السنة

دائمًا ما تلازم نظرات الحزن واليأس أحدنا وهو يقرأ فى كتاب كلمة: نحن العرب لا نقرأ.. وبعد هذه الجملة تقال لك هذه النسبة المحبطة.. هل تعرف أن الفرد العربى يقرأ ست دقائق فى السنة.. يا أخى ست دقائق والله فضيحة.

هل فعلًا ست دقائق رقم معقول؟.. لا أظن.. ولكن من أين أتت القصة.

فى عام ٢٠١١ انتشرت هذه الإحصائية التى تقول بنظرية الست دقائق فى جميع القنوات الفضائية والصحف، وتبعتها بعد ذلك وسائل التواصل الاجتماعى.. وردت هذه الإحصائية فى تقرير عن التنمية الثقافية قامت بإعداده مؤسسة الفكر العربى.

الكاتبة ليا كالدويل فى مقالها «القارئ العربى وخرافة الست دقائق» قامت ببحث جميل حول هذه الخرافة.. تقول: عند مراجعة نسخة من تقرير مؤسسة الفكر العربى المذكور أعلاه وجدت التالى: «إن اعتبرنا أن أقل معدل للوقت الذى يقضيه الشباب العربى على الإنترنت هو ثلاثمائة وخمس وستون ساعة سنوية، وإن قارنا هذا المعدل مع معدل ما يقرأه العربى سنويًا- ست دقائق- هكذا يصبح الفارق بين الاثنين واضحًا».

لا يوجد أى دليل على كيفية وصول القائمين على التقرير إلى هذا الرقم ولا حتى إرفاق أى مصدر معلوم له. وبعد مخاطبة مؤسسة الفكر العربى قالت السيدة ثناء عطوى، المتحدثة باسم المؤسسة إن «الست دقائق لا ينبغى أن تُتناول كرقم دقيق بل كرمز للمشكلة، هى ليست ست دقائق بالتحديد لكنها أشبه برمز!».

تُنسب أحيانًا هذه الخرافة إلى اليونسكو وتقول الكاتبة:

ظهرت جملة نسبت إلى تقرير اليونسكو لعام ٢٠٠٧م جاء فيها «معدل القراءة اللا صفية للطفل فى العالم العربى لا يتجاوز ست دقائق، مقارنة بنظيره الغربى الذى يقرأ ما يقارب اثنى عشر ألف دقيقة»، وجملة أخرى تقول إن العربى يقرأ قرابة ربع صفحة سنويًا مقارنة بأحد عشر كتابًا يقرأها الأمريكى. وبعد التدقيق فى مستندات اليونسكو المتوافرة على الإنترنت لا يوجد أى ذكر لما سبق بأى من النسختين العربية والإنجليزية.

والخلاصة: قراءة العربى ست دقائق فى السنة هى خرافة بالتأكيد. لكن السؤال الحقيقى يكون كما سأله الدكتور عبدالله الغذامى فى مؤتمر لمؤسسة الفكر العربى عام ٢٠٠٩ «هل نحن أمة لا تقرأ؟».

ولسوف نرى أن العرب يقرأون، ولكن السؤال هو عن نوعية المقروء، خاصة إذا عرفنا أن كتابًا مثل «لا تحزن» لمؤلفه الشيخ عائض القرنى قد باع أكثر من ثلاثة ملايين نسخة فى فترة وجيزة، وهى إحصائية شملت مصر واليمن والأردن ومنطقة الخليج العربى، بينما تقف دواوين أدونيس عند أعداد محدودة وضيقة. 

ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان.. الخرافة: التجربة والممارسة العملية أهم من القراءة

نسمع هذه العبارة أحيانًا، التجربة والممارسة العملية أهم من القراءة، ونسمع أيضًا عبارة شعبية مرادفة لها، «العلم فى الراس مش فى الكراس». هاتان العبارتان، اللتان يريد منهما القائلون التقليل من شأن الكتب والقراءة غالبًا، هما من قبيل الحق الذى يُراد به باطل.

نعم صحيح ولا شك أن التجربة والممارسة العملية مهمتان جدًا، لذلك تشترط على سبيل المثال أغلب، إن لم تكن كل، دوائر الأعمال على من تريد توظيفهم للعمل فى المناصب الرفيعة والوظائف الدقيقة الحساسة أن تكون لديهم شهادات معتمدة للخبرة العملية.

وصحيح كذلك أن المعرفة والعلم هما نتاج لما يثمر فى العقل من عمليات التفكير والتأمل والتقليب والنظر، وليس نتاجًا لمجرد النظر إلى السطور المطبوعة فى الكتب والكراريس. لكن، وإن كنت أعترف وأقر بهذا، إلا أننى أقول إن للمسألة تفصيلًا مهمًا لا يمكن تجاوزه أبدًا، أولًا، وحتى أكمل جزئية حرص دوائر الأعمال على توظيف من يحملون شهادات الخبرة، سأقول إن من النادر، بل لعله من المستحيل، أن تجد أيًا من هذه الجهات قد اكتفت بهذه الشهادات دون أن تكون طلبت قبلها الشهادات الدراسية التى تثبت أن المتقدم للوظيفة قد أمضى سنين معتبرة من عمره وهو عاكف على القراءة والتعلم فى المجال التخصصى المطلوب، وذلك لأنها تدرك تمامًا أن خبرة الشخص وممارسته العملية مهما كبرتا واتسعتا فلا يمكن لهما بحال من الأحوال أن تحيطا بكل أبعاد العلم المقصود، وهى الأبعاد التى قد أفنى العشرات من العلماء والكتاب سنوات طويلة من أعمارهم لرصدها وجمعها ونقلها فى ما خلفوه من تراث مكتوب، وهو ما يجب الاطلاع عليه وقراءته.

نعم، لا شك أن فائدة الممارسة العملية والتجربة الحياتية جليلة، من حيث وضعها الأفكار النظرية التى قد يستقيها القارئ من الكتب فى محل التطبيق العملى حتى تثبت وترسخ فى عقله، ولكن لا يمكن مطلقًا لطالب المعرفة أن يتجاوز المرور على جسر القراءة والكتب، مكتفيًا بالقول إن التجربة والممارسة العملية أهم، وحتى لو استطاع البعض أن يبلغ مبلغًا جيدًا فى مجال من المجالات المعرفية دون الاطلاع على الكتب، فإنه فى الحقيقة قد أهدر وأضاع كثيرًا من الجهد والوقت فى التجربة والخطأ بحثًا عن الإجابات، فى حين أنه كان من الممكن له أن يجد تلك الإجابات فى كتب مَن سبقوه فى هذا المجال المعرفى ممن كتبوا ووثقوا أفكارهم وتجاربهم.

والكلام ذاته ينطبق على التجارب الإنسانية العامة، فعلى الرغم من صحة القول بأهميتها كممارسة عملية، لكن تظل للكتب قيمتها السابقة لذلك، لأنها خلاصة لمعارف وتجارب العشرات من الكتاب عبر قرون من الزمان، أتت للقارئ مستخلصة مصفاة على أطباق من فضة اسمها الكتب، ليستقيها الطالب اللبيب فتشعل فى عقله وفكره آلاف الأنوار.

نعم، «العلم فى الراس، مش فى الكراس»، لكن ليس بمعنى أن لا حاجة للكتب، لأنه لو صح ذلك لما خرج العلماء والعارفون والحكماء من أرحام المكتبات، ومن بين رفوف الكتب. العلم فى «الراس» بمعنى أن أنوار العلم والفكر تشتعل فى العقل بعدما تنطلق شرارتها المضيئة من سطور الكتب والكراريس، ولا شىء يعدل النظر فى الكتب لإشعال أنوار العقل.

 

تعيش فقيرًا وستموت فقيرًا.. الخرافة: القراءة صديقة البطالة

أستطيع القول إن أغلب هذه الخرافات الموجودة فى كتابى قد واجهتها فى حياتى بشكل شخصى، بمعنى أننى لا أتعامل معها بموضوعية بحتة «الموضوعية الخالصة أيضًا خرافة».

ومن ضمن هذه التجارب الحرب الأزلية بينى وبين عمّى حول قضية القراءة.. برأيه الشخصى أن القراءة تضييع للوقت وتبرير للكسالى بألا يشمروا عن سواعدهم للعمل.. طبعًا عمى كان يعمل فى السوق منذ نعومة أظفاره.. وعمل فى التجارة لسنين طويلة حتى بنى حلمه بنفسه.. وبالتالى حوارنا يدور دائمًا حول هذه المعادلة.. من أراد الاستقرار المادى والمالى فليس هناك سوى العمل والعمل فقط.. والقراءة تثبط هذه العملية.. بالنسبة له القراءة ليست عادة الأغنياء.. بل على العكس هى من عادات البطالة.

مع الأسف عمى وغيره فى المجتمع يعزفون على وتر حساس بالنسبة للشباب.. لأنه فى آخر إحصائية ودراسة أجريت على المجتمع السعودى لمعرفة الأولويات لدى شبابه.. وُجد أن الاستقرار المادى هو فى مقدمة هذه الاهتمامات.. وهذا برأيى لا يحتاج إلى دراسة، فهو معروف بالحس المشترك فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة والبطالة المنتشرة.. ولكن يبقى السؤال الأهم: هل صحيح أن القراءة لا تدعم الاستقرار المادى؟

فى كتابه «عادات الأغنياء» «Habits of Wealthy Individuals Rich Habits: The Daily Success» أجرى المؤلف توماس كورلى دراسة لمدة خمس سنوات على شريحة من الأغنياء والفقراء حتى يكتشف كما يسميها «عادات الأغنياء» و«عادات الفقراء».. ويقول إن كل إنسان لديه مجموعة من هذه العادات، ويكمن سرّ النجاح فى زيادة عادات الأغنياء بأكثر من ٥٠ بالمائة.

من ضمن الاستبيان الذى وضعه فى هذه الدراسة هذا السؤال: 

أنا أحب القراءة.

٨٦ بالمائة من الأغنياء وافقوا.

٢٦ بالمائة من الفقراء وافقوا.

يعلّق المؤلف: بالطبع الأغنياء يحبون القراءة، فهم يرونها من أدوات النجاح. وفى الحقيقة ٨٨ بالمائة منهم يقرأون لتطوير ذواتهم لمدة ٣٠ دقيقة فى اليوم مقابل ٢ بالمائة من الفقراء يفعلون ذلك.

ويذكر الكاتب الكبير فهد عامر الأحمدى فى مقالته «أعظم ٦ عادات تميز الأغنياء»:

«أما العادة الخامسة فهى حب المعرفة والاطلاع.. فهل سألت نفسك مثلًا: لماذا تملك العائلات الثرية مكتبات فى منازلها، أو لماذا يبدو أبناء الأثرياء أكثر اطلاعًا ودراية ويتحدثون عن إنشاء مشاريعهم الخاصة؟».

الغريب أنه فى قرآننا الكريم وُجد هذا الاقتران الأزلى.. وأشير إلى أن القراءة هى مفتاح كرم الرب فى الدنيا والآخرة. وفى هذا أترككم مع كلمات الدكتور ساجد العبدلى يفسر لكم:

«قد يحق للمرء أن يتساءل عندما يقرأ الآية التى جاءت فى سورة العلق: «اقرأ وربك الأكرم».. فيقول لماذا جاءت لفظة «الأكرم» ولم تأت لفظة أخرى كالأعلم مثلًا والأعظم، أو أى لفظة تبدو متناسبة أكثر فى ظاهرها مع سياق الآية الداعى إلى القراءة والتعلم؟.

لكن الإجابة.. تكمن فى القراءة المتعمقة لهذه الآية، حيث سيجد المرء أنها تحمل بُعدًا معنويًا فريدًا.. فاقتران القراءة بأن الرب هو الأكرم فى هذه الآية إشارة ظاهرة لتلازم الأمرين فى الحياة.. أى أن أولئك البشر الذين سينالون كرم الله وغناه وسيعلو شأنهم فى الأرض.. هم القراء وأكثر الناس قراءة وطلبًا للعلم.. وهذه سنّة من سنن الله التى أجراها فى خلقه.. فيستوى فيها المسلم مع غير المسلم».

القراءة.. بركة بالمعنى الروحانى وحركة بالمعنى المعرفى.. وفى الأولى تشهد لنا قصة آدم على أن الارتقاء بالروح نحو السماء يكون بالعلم والتعلّم.. يكون بالقراءة.. «وعلم آدم الأسماء كلها..».. وتعلمنا قصص التاريخ وسيرة العظماء أن النجاح فى الحياة يكون بالمعرفة.. يكون أيضًا بالقراءة.. «اقرأ وربك الأكرم».

الأفلام تغنى عن القراءة.. الخرافة: القراءة تغنى عن الأفلام

قد يبدو العنوان للوهلة الأولى غريبًا.. متناقضًا.. ولكن لأنى كتبت كثيرًا عن الموضوع خرج العنوان وكأنه متلبك معويًا!.

أريد التحدث عن الفكرتين.. وبرأيى أن الفكرتين هما خرافة أيضًا.. الأفلام لا تغنى عن القراءة.. ولا القراءة تغنى عن الأفلام. 

كلنا نحب مشاهدة الأفلام ونستمتع بها.. أخبرونى إذا رأيتم هذه الأفلام من قبل:

١. Da Vinci Code

٢. Twilight

٣. Harry Potter

٤. Hunger Game

٥. The Lord of the Rings

٦. Casio Royal

٧. The Godfather I. II

٨. Apollo

٩. The Green Mile

١٠. V for Vendetta

١١. The Silence of the Lambs

١٢. Slumdog Millionaire

١٣. Dances with wolves

١٤. A beautiful mind

١٥. Scarface

١٦. Fight Club

١٧. Gangs of New York

١٨. Jurassic Park

١٩. Les Misérables

تعرفون أن المشترك بين هذه الأفلام هو أنها كانت فى يوم من الأيام روايات وكتبًا.

نحن نعيش فى عصر الصورة، عصر الإنتاج السينمائى، عصر هوليوود.. لكننا ننسى أحيانًا أن هذه الأفلام التى استمتعنا بها هى ببساطة عبارة عن الخيال الذى ارتسم فى ذهن المخرج عندما قرأ الرواية.. يبدو كلامى الآن متحيزًا قليلًا للكتب ضد الأفلام، لكننى لا أريد أن أدخل فى نقاش العادة أيهما أكثر متعة قراءة الرواية أم مشاهدة الفيلم؟ على الرغم من أنه فى أمور كثيرة يتأكد أن قراءة الرواية فيها متعة ونكهة خاصة مختلفة عن الفيلم.. فمثلًا:

١. قراءة الرواية «الكتاب» ترتقى بذهنك وتنمى الخيال أكثر من الأفلام.. لأنك فى الفيلم مجرد متلقٍ، على عكس قراءتك للرواية التى تسمح فيها لخيالك بصنع الحدث والصور، فأنت المخرج والمنتج والمصور الذى يصنع فيلمه الخاص.

٢. الفيلم لا يسمح وقته ولا إمكاناته بتصوير كل التفاصيل التى فى الرواية.. بالتالى تخسر جزءًا كبيرًا ممتعًا من القصة، فالمخرج أو المنتج يختار حسب هواه ما الذى يعرض من القصة.

٣. قراءة الكتاب تزيد من المخزون اللغوى والثقافى وتنشط الذهن.

٤. قراءة الكتاب تطوّر القدرة على التركيز من خلال تمرين عضلات ذاكرتك عن طريق تذكر الأحداث والشخصيات بشكل مستمر. 

حاول أن تستخدم الرواية كوسيلة لدخولك عالم القراءة.. ابدأ بقراءة الكتب التى تخص الأفلام التى شاهدتها وأحببتها من باب الاستطلاع وزيادة المتعة.. ابدأ من هنا.. وستكتشف أن القراءة أعظم شاشة سينمائية.

مهدَّد بالانقراض.. الخرافة: التكنولوجيا ستقضى على الكتاب

التهديد بالانقراض شىء بالنسبة للكتاب، وأن يختفى بصورته الورقية شىء آخر تمامًا.. الذى نحن متأكدون منه أن الكتاب لا ينقرض أبدًا، فهو أفضل وعاء وحاوٍ للمعرفة قد عرفته البشرية يومًا. إنه فى صلب الوجود.. أو دعنا نقل فى صلب العقل الإنسانى.. فنحن نرى كل شىء ككتاب.. أو فى كل شىء كتاب.

تمتلئ صفحات الإنترنت والصحف والاجتماعات الثقافية بقضية التحوّل التكنولوجى الذى نمرّ به، وكيف أنه سيطال الكتاب ويقضى عليه.. وبرأيى هذه خرافة كبيرة.. فحتى الكتاب الورقى لن ينقرض قريبًا، بل ما زال لديه كثير من الوقت.. يقول روبرت دارنتون فى كتابه «الكتاب بين الأمس واليوم والغد»:

«لقد سمعنا هذا التوقع تكرارًا منذ تصميم الكتاب الإلكترونى الأول فى العام ١٩٤٥، ذلك الجهاز المزعج والبشع الذى كان يدعى memex، ولكن منذ ذلك الوقت، فإن موت الكتاب التقليدى قد أُعلن مرارًا، لدرجة أننا لم نعد نقلق من فراغ رفوف المكتبات يومًا، واليوم وبعد أن أصبح معظم الأمريكيين يستخدمون الكمبيوتر، أمسوا ينتجون ويستهلكون ورقًا مطبوعًا أكثر من أى وقت آخر». وحتى بيل جيتس، رئيس مايكروسوفت، اعترف مؤخرًا فى محاضرة له بأنه يفضل الأوراق المطبوعة أكثر من شاشات الكمبيوتر للقراءات الطويلة:

«ما زالت القراءة على الشاشة أدنى مستوى كثيرًا من القراءة على الورق، حتى أنا الذى أملك هذه الشاشات الثمينة وأتصوّر نفسى رائدًا فى دنيا الويب، عندما يأتى الوقت لقراءة أكثر من خمس صفحات، فإنى أقوم بطباعتها لأننى أحب أن أمسكها وأتجوّل بها وأعلّق على مضمونها كتابة، ولا شك أن هناك عقبة تقنية كبيرة للوصول إلى هذا المستوى».

وهذا غير الإحصائيات والدراسات الكثيرة التى تقول إن الطلاب ما زالوا يفضّلون الكتاب الورقى على الإلكترونى.. ولكن ليست القضية أيهما أفضل، بل هى أننا كبشر نرتعب لحظة التفكير فى اختفاء الكتاب، وهذا المبرّر الوحيد الذى يجعلنى أفهم لماذا كل هذا الصخب حول القضية.

وكما أخبرتكم من قبل لن يتخلى الوجود عن الكتاب، كما الإنسان. المؤكد هو أن نوع القالب الذى يكوّن الكتاب سيتغير.. الورق بدأ يُتعب الطبيعة، فهناك كثير من الدول والشركات التى تلجأ إلى قطع الأشجار لتصنيع الورق وهذا يضر النظام البيئى للأرض.. غير أن إتلاف الكتب نفسه مكلف.. والكتاب الورقى يأخذ حيزًا كبيرًا من المكان.. وانتقاله بطىء.. والكثير الكثير من السلبيات مقابل الكتاب الإلكترونى.

بالطبع أنا لن أرفض التطور، فقد أثبتت لنا الطبيعة عبر التاريخ أن من يرفض التطور ينقرض.. لذلك اهدأوا قليلًا وتقبّلوا التغيير، فأنا أول من قاومه ولكننى الآن بدأت القراءة فى بعض الكتب الإلكترونية.. لكن هل سأتخلى عن الكتاب؟.. برأيى إن البشرية ليست مستعدة بعد للإجابة.. وهل سأتخلى عن الكتاب الورقى بعد هذا الكلام كله؟.. بالطبع لا.. لأنه لا يوجد تناقض بين الاثنين.. فالتكنولوجيا إضافة وليست إزالة، وهى امتداد للإنسان وليست قطيعة.

الكمّ والكيف.. الخرافة: الكتب الأكثر مبيعًا هى الأفضل دائمًا

إن كنت تبحث عن كتاب للقراءة فعليك بالكتب المدرجة على قوائم الأعلى مبيعًا لأنها الأفضل للقراءة، والدليل هو إقبال الناس على شرائها بهذه الكثرة. عبارة قد تبدو منطقية للوهلة الأولى، ولكن هل الكتب التى تُدرج فى قوائم الكتب الأعلى مبيعًا هى الأفضل حقًا من ناحية المحتوى بالضرورة؟ الإجابة التى قد تفاجئ البعض هى، لا.. أبدًا، بل على العكس من ذلك فى الغالب الأغلب، وللمسألة تفصيل سأعرضه من خلال السطور المقبلة.

ذكرت أن الكتب التى تدرج فى قوائم الكتب الأعلى مبيعًا ليست هى الأفضل من ناحية المحتوى بالضرورة، ويرجع السبب فى ذلك إلى أن الجهات التى تقوم بنشر هذه القوائم، سواء أكانت مكتبات أو صحفًا أو مواقع إنترنت، غير معنية فى الواقع، لا من قريب أو بعيد، بفحوى تلك الكتب المدرجة فى قوائمها، ولا يهمها التفريق بين الجيد والردىء منها، بل يرتبط الأمر عندها فى المقام الأول والأخير بمقدار ما تبيعه تلك الكتب فى فترة محددة قد لا تزيد على الأسبوع أو الأسبوعين. بعبارة أخرى، ترتكز قوائم الأعلى مبيعًا على العامل الكمى للمبيعات خلال فترة زمنية قصيرة لا العامل النوعى، الأمر الذى قد تحركه عوامل متعددة، كحملة تسويقية كبيرة، أو ضجة إعلامية تصاحب إطلاق الكتاب أو ملامسة الكتاب لموضوع طارئ أو مثير أثار فضول الناس فجعلهم يسارعون إلى شرائه. ولطالما خُدع كثير من القراء بعبارة «الكتاب الأعلى مبيعًا» التى وصف بها كتاب ما، فسارعوا إلى اقتنائه، ليخيب ظنهم بعد قراءته حين وجدوا محتوياته أقل بكثير من المتوقع. من المهم التنبيه كذلك إلى أن قوائم الكتب الأعلى مبيعًا تُحدد وفقًا لوتيرة مبيعات الكتاب خلال فترة زمنية محددة، وليس بإجمالى المبيعات. فمثلًا قد يكون كتاب ما فى المرتبة الأولى فى حجم المبيعات لمدة ثلاثة أسابيع، محققًا بذلك لقب الكتاب الأعلى مبيعًا، ثم يختفى بعد ذلك عن الأنظار تمامًا. وفى المقابل قد يحقق كتاب آخر المركز الخامس عشر فى حجم المبيعات فى الفترة ذاتها، ولكن تستمر مبيعاته على مدار السنة، وهكذا تكون المبيعات الإجمالية السنوية للكتاب الأول عشرين ألف نسخة، فى حين قد تصل مبيعات الكتاب الآخر إلى مئة ألف نسخة. وبهذا يكون هو الكتاب الأكثر مبيعًا فى الحقيقة، وإن لم يتصدر قائمة المبيعات.

يرغب كثير من الكتاب فى تأليف كتب تدخل إلى قوائم الأعلى مبيعًا، لأن الدخول إلى هذه القوائم من أقصر الطرق للوصول إلى الشهرة، الأمر الذى قد يجعل البعض من هؤلاء يرغب بذلك ويندفع نحوه ولو كان على حساب المضمون الفكرى والمحتوى الثقافى أو الأدبى لكتبهم. ولذلك يعلم هؤلاء أن أفضل الطرق فى تحقيق ذلك هو الكتابة عن موضوع يتماشى مع الصيحات الدارجة أو الموضوعات مثار الاهتمام الطارئ، وذلك لأن هذه الصيحات الوقتية تخلق هوسًا خاطفًا وفضولًا قد يدفع الناس إلى شراء هذه الكتب فى أسرع وقت ممكن، مما يخلق مبيعات كبيرة فى فترة قصيرة فيجعلها تدخل قائمة الأعلى مبيعًا بسرعة. لكن الحقيقة هى أنه بمجرد زوال تلك الصيحات تركد مبيعات هذه الكتب على المدى الطويل، وهذا هو السر وراء حرص هذا النوع من الكتاب على الانتهاء من التأليف والنشر بسرعة حتى تصل كتبهم إلى الجمهور بأسرع وقت ممكن، وذلك قبل أن تتغير بوصلة الاهتمامات، الأمر الذى سيكون على حساب جودة تلك الكتب.

أغلب الكتب التى تتناول بطريقة مثيرة موضوعات السياسة والدين والجنس، التى تشكل ما يعرف بمثلث الإعلام الشهير، تزدهر مبيعاتها حال إطلاقها، ولكن سرعان ما تتواضع لتذوى ومن ثم تموت. الكتب التى تناولت ثورات الربيع العربى، على سبيل المثال، راجت جدًا فى فترة تلك الثورات، ولكن انزوت من بعد ذلك، لأنها لم تكن تملك عناصر البقاء فى دائرة اهتمام الناس.

من زاوية، يستطيع الكُتاب والناشرون الذين يملكون الموارد المناسبة ويرغبون فى إدخال كتبهم إلى قوائم الأعلى مبيعًا، أن يخلقوا اهتمامًا كبيرًا مشابهًا لدى الجمهور بكتبهم الجديدة عن طريق إطلاق حملات تسويقية كبيرة تثير فضول الناس فتدفعهم لشراء تلك الكتب بشكل سريع، مما يجعلها تتصدر قوائم الكتب الأكثر مبيعًا. 

نعم، قد تكون هناك فى قوائم الأعلى مبيعًا كتب جيدة، توافقت جودة محتواها مع ظروف معينة أسهمت فى انتشارها السريع، ولكن لا تتاح هذه الفرصة لكل الكتب الرائعة المحتوى، فلا تدخل فى الغالب إلى تلك القوائم، من الملاحظات الظريفة فى هذا الصدد أن كثيرًا من الكتب قد لا تدخل إلى قوائم الكتب الأكثر مبيعًا إلا بعد سنوات من إطلاقها، وكثيرًا ما يكون ذلك بسبب «ضجة إعلامية» طارئة أحاطت بمؤلّفها، بغض النظر عن طبيعة هذه الضجة، وسواء أكانت إيجابية كخبر فوزه بجائزة أدبية أو ثقافية ما، أو سلبية كخبر فضائحى على غرار ثبوت سرقته بعض النصوص الأدبية، ليندفع الناس نحو شراء كتبه بحثًا عما يغذى فضولهم أو يقربهم من دوائر الضوء الإعلامى المسلّط! أن يكون الكتاب أكثر مبيعًا، وإن لم يكن سهلاً فإنه ليس بالأمر الصعب جدًّا، خصوصًا إن أراد مؤلف الكتاب أو ناشره ممارسة قواعد «اللعبة» الخاصة بذلك، لكن صناعة المحتوى الفكرى والأدبى الممتاز أصعب من ذلك بكثير. الكتب الجيدة حقًا هى تلك التى تملك القوة الكافية للبقاء فى الأذهان، والسحر اللازم لملامسة نفوس القراء، حتى وإن لم تتصدّر قوائم الكتب الأعلى مبيعًا.

تاريخ الخبر: 2023-04-23 00:21:53
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 60%
الأهمية: 53%

آخر الأخبار حول العالم

منتخب مصر يطلب تأجيل مباراة غينيا بيساو بتصفيات المونديال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:24
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 56%

المغرب يتهم “أمنستي” بخدمة أجندات معادية لوحدته الترابية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:27
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 50%

المغرب يتهم “أمنستي” بخدمة أجندات معادية لوحدته الترابية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:33
مستوى الصحة: 56% الأهمية: 60%

منتخب مصر يطلب تأجيل مباراة غينيا بيساو بتصفيات المونديال

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:19
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 51%

رئيس الحكومة يستقبل المدير العام لمنظمة العمل الدولية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-07 21:26:05
مستوى الصحة: 59% الأهمية: 65%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية