عظة من معجزة(77) .. القيامة في حياة بطرس
عظة من معجزة(77) .. القيامة في حياة بطرس
يصف البعض قيامة الرب يسوع من الموت بأنها معجزة المعجزات…بالطبع الحقيقة التي لا يشوبها أدني شك أن تجسد وحياة وتعاليم ومعجزات وموت وقيامة المسيح هي بالفعل آية الآيات عبر كل الأزمان والعصور….معجزة تفوق حد التصور…معجزة أكثر من الخيال.
إلا أنه ونحن بصدد الحديث عن القيامة, في ضوء كلمة الله المقدسة يمكننا القول بملء الفم بأنقيامة المسيح ليست معجزة مبهرة…وقد يسأل البعض متعجبا قائلا كيف؟! وللإجابة علي هذا التساؤل أقول: القيامة بالنسبة للمسيح أمر طبيعي وبديهي ومنطقي للغاية, فقيامته لا تجعلنا نفتح أفواهنا في دهشة وذهول ولاترسم أمامنا علامة استفهام واحدة…إذ هي ضرورة ترتبط به.
فهل معجزة أن يقوم رب الحياة؟…ذاك الذي في مجد لاهوته دعي الله الذي ظهر في الجسد, وأنه رب الكل, وهو رب الأرباب, وهو الذي له وحده عدم الموت…وهو الحي إلي الأبد…وهو الآب واحد.
هل معجزة أن يقوم ذاك الذي قيل عنه:كل شيء به كان, وبغيره لم يكن شيء مما كان (يو1:3) والذي قال :أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل(يو10:10)؟.
هل معجزة أن يقوم رب الحياة الذي قال:أنا هو خبز الحياة…أنا هو القيامة والحياة(يو6:35)؟.
أيكون القبر نهاية مثل هذه الحياة الفياضة بالخير الدافقة بالعطاء؟ هل؟
لا وألف لا إنما سيدي دخل القبر ليحارب الموت في عرينه فيصرعه, ويبطل قوته, وينزع شوكته.
وهل معجزة أن يقوم من أقام الموتي؟…من أقام ابنة يايرس من الموت بعد أن أعلنوا خبر وفاتها, وبعد أن تهالك وانهار الأب علي الأرض عند سماعه الخبر المحطم, لأن ابنته كانت بالنسبة له هي حب قلبه, وأمل حياته, ونور عينيه, وحلم عمره لكن رب الحياة قال لأبيها يايرس كلمته الحاسمة الفاصلة:لاتخف!آمن فقط(مر5:36) وبالفعل أقامها.
وهل معجزة أن يقوم من أقام في يوم من الأيام شابا وحيدا لأمه ابن أرملة نايين قلبها النابض, وعكازها الوحيد, ونافذة الرجاء التي تطل منها علي الدنيا…وأشفق الناس علي قلبها المكسور, ولكنهم أحنوا هاماتهم أمام سلطان الموت, أما الرب يسوع فأبي إلا أن ينتزع الفريسة من فم الجبار, وصاح بصوت آمر مقتدر:أيها الشاب, لك أقول: قم!(لو7:14).
وعاد ملك الأهوال ليجرب حظه من جديد, وكان في هذه المرة قد أطبق علي الفريسة بقبضة من حديد, فالميت كان قد أنتن, وتمت مراسيم العزاء, ولكن ها هو رب الحياة يأتي ويعلن بكل قوة وسلطان قائلاأنا هو القيامة والحياة. من آمن بي ولو مات فسيحيا(يو11).
وبكل سلطان قال:لعازر, علم خارجا!…فقام لعازر(يو11).
علي أن أعظم تلك المعارك جميعا كانت معركة الصليب فيومها بدا الموت وكأنه انتصر علي الحياة, وبدأ الظلام وكأنه أدرك النور, وبدأ الوجود وكأنه قبر كبير.
ولكن كيف يمكن أن يكون الصليب والقبر نهايته, ذاك الذي قال:لي سلطان أن أضعها ولي سلطان أن أخذها أيضا(يو10) كيف يمكن أن يبقي تحت الثري مقبورا؟!
حقا! إن سحابة الجور قد تغطي إلي حين شمس العدالة وقد يلون الشيطان الظلم بصفة الشرعية, ولكن صبرا فهذا الحجر الذي أراده سدا منيعا جعله الفادي المقتدر برجا عاليا شامخا في البناء المسيحي….أراده حجر عثرة في طريق الحق فإذ برب الحق يجعله حجر زاوية في الإيمان المسيحي.
ما أعجب تفكيرك أيها الإنسان, فهل من المنطق أن يقف الحجر حائلا أمام صخر الدهور؟! وهل يعقل أن يمنع الحراس الشمس من الشروق…بكل تأكيد لا وألف لا….لقد عاد جيش الموت مدحورا, وأقبل رب الحياة رافعا لواء النصرة ظافرا منصورا…لتغني الكنيسة علي مر الأجيال والعصور المسيح قام…بالحقيقة قام…لقد قام….وأقامنا معه.
نعم! لم تكن قيامة المسيح معجزة…لكن المعجزة هي أن القيامة كان لها التأثير والثمر الكثير في حياة التلاميذ وفي حياة الملايين من المؤمنين عبر السنين…فنري علي سبيل المثال لا الحصر…أثرت وغيرت القيامة في الكثير من جوانب حياة بطرس أذكر منها الآتي:
أولا: من حياة الكبرياء إلي حياة التواضع
ترسم ريشة الوحي المقدس في (مت26) صورة التلاميذ وهم حول الرب يسوع ساعة العشاء الرباني وهو يقول لهم:كلكم تشكون في في هذه الليلة, لأنه مكتوب:أني أضرب الراعي فتتبدد خراف الرعية فأجاب بطرس وقال له:وأن شك فيك الجميع فأنا لا أشك أبدا(مت26:31, 33).
هنا نجد بطرس يتحدث بنغمة فيها لون من ألوان الكبرياء علي التلاميذ ولاشك أن هذه الكلمات أثارت التلاميذ…لكن بعد القيامة تحول بطرس إلي حياة تنادي بالتواضع فيقول:وتسربلوا بالتواضع, لأن:الله يقاوم المستكبرين, وأما المتواضعون فيعطيهم نعمة. فتواضعوا تحت يد الله القوية لكي يرفعكم في حينه(1بط5:5, 6).
ويحكي تاريخ الكنيسة أن بطرس ظل يخدم ويخدم الرب يسوع حتي إنه مات مصلوبا, وساعة صلبه قال لصالبيه:إنه شرف لا أستحقه أن أموت مصلوبا مثل سيدي, ولكن أرجو أن أصلب وقدماي إلي أعلي ورأسي إلي أسفل لأني أقل من أن أكون كسيدي.
ثانيا:من حياة الإنكار إلي حياة الشهادة
في(مت26:69-75) يسجل الوحي أما بطرس فكان جالسا خارجا في الدار, فجاءت إليه جارية قائلة:وأنت كنت مع يسوع الجليلي! فأنكر قدام الجميع قائلا:لست أدري ما تقولين! ثم إذ خرج إلي الدهليز رأته أخري فقالت للذين هناك: وهذا كان مع يسوع الناصري! فأنكر أيضا بقسم:إن لست أعرف الرجل! وبعد قليل جاء القيام وقالوا لبطرس:حقا أنت أيضا منهم, فإن لغتك تظهرك! فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف:إني لا أعرف الرجل! وللوقت صاح الديك فتذكر بطرس كلام يسوع الذي قال له:إنك قبل أن يصيح الديك تنكرني ثلاث مرات.فخرج إلي خارج وبكي بكاء مرا.
لكن بعد القيامة في يوم الخمسين نجد بطرس, وقد تغير تماما ونراه يقف ويعظ في الجماهير الغفيرة وراح يتحدث بكل شجاعة وبسالة وجسارة قائلا:أيها الرجال الإسرائيليون اسمعوا هذه الأقوال:يسوع الناصري رجل قد تبرهن لكم من قبل الله بقوات وعجائب وآيات صنعها الله بيده في وسطكم كما أنتم أيضا تعلمون هذا أخذتموه مسلما بمشورة الله المحتومة وعلمه السابق, وبأيد آثمة صلبتموه وقتلتموه الذي أقامه الله ناقضا أوجاع الموت إذ لم يكن ممكنا أن يمسك منه(أع2:22-24).
وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس(أع2:41) فمكتوب فقبلوا كلامه بفرح, واعتمدوا, وان ضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس.
هنا نجد تأثير القيامة المعجزي عندما نري أن بطرس يتحول من ناكر للسيد وهارب من دائرة الخدمة والشهادة إلي كارز من طراز فريد بدرجة امتياز.
ثالثا: من حياة العنف إلي حياة اللطف
في ساعة القبض علي الرب يسوع يبدو أن عبد رئيس الكهنةملخس كان يتعامل مع الرب يسوع بشراسة ووحشية وعنف فمكتوب:وإذا واحد من الذين مع يسوع مد يده واستل سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه فقال له يسوع:رد سيفك إلي مكانه. لأن كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون!(مت26:51, 52).
نعم! لقد كان رد بطرس علي عبد رئيس الكهنة بالعنف لكن الرب يسوع عالج الموقف ولمس أذنه وشفاه.
ولكن بعد القيامة في أعمال ص3 ترصد لنا عدسة الوحي المقدس صورة بطرس وهو يمسك بيد الرجل الأعرج من بطن أمه الذي كان يستعطي علي باب الهيكل ويقول:ليس لي فضة ولا ذهب, ولكن الذي لي فإياه أعطيك:باسم يسوع المسيح الناصري قم وامش! وأمسكه بيده اليمني وأقامه, ففي الحال تشدد رجلاه وكعباه فوثب ووقف وصار يمشي, ودخل معهما إلي الهيكل وهو يمشي ويطفر ويسبح الله(أع3:6-8).
شتان الفرق بين الصورتين قبل وبعد القيامة هذه هي معجزة من معجزات القيامة.
فهل نتعلم أن نتقابل العنف باللطف؟…فإن كنا قد قمنا مع المسيح لابد أن نعيش كما سلك المسيح
عبرة في عبارة.
+المسيح قام….هذه حقيقة
لا تحتاج إلي برهان؟!
+فكيف لايقوم
خالق الأكوان؟!
+وكيف لايقوم
واهب الحياة للأنام؟!
+وكيف لايقوم
من أمر الموتي بالقيام؟!
+لذا…كيف لانشدو
مدي الأيام بأحلي الأنغام
المسيح قام….حقا قام