كانت عملية إنقاذ بنك كريدي سويس من خلال إلقائه في أحضان بنك يو بي إس معيبة وتم تلفيقها على عجل. فهي لم تتبع نموذج التفاوض المرهق المعمول به في حل المؤسسات المالية الكبيرة ذات الأهمية النظامية. عوضا عن ذلك، رددت صدى غريبا لواحدة من أشد التجارب المنذرة بالخطر في التاريخ المالي على الصعيد العالمي، وهي قصة فشل ما بين الحربين العالميتين لبنك فيينا كريديتانشتالت.
في بداية الكساد العظيم عام 1929، دفعت الحكومة النمساوية بنك كريديتانشتالت، أكبر بنك في البلاد آنئذ، إلى الاستحواذ على بنك بودينكريديتانشتالت، ثاني أكبر بنك يمنى بالفشل. وبعد أقل من عامين، انهار بنك كريديتانشتالت نفسه، وأدى انتشار هذه العدوى إلى انهيار النظام المصرفي الألماني. ثم انتشر الذعر الناجم عن ذلك إلى المراكز المالية الكبرى في لندن ونيويورك، مؤكدا أن الكساد الكبير سيترك أثرا دائما في الذاكرة الاقتصادية. وفي عطلة نهاية الأسبوع التي انهار فيها بنك ليمان في أيلول (سبتمبر) 2008، فكر بن برنانكي، رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي آنذاك، مباشرة في التحذير القاتم الذي تمخض عن انهيار بنك كريديتانشتالت.
نتعلم من بنك كريديتانشتالت درسين. أولا، من الخطر على أي مؤسسة مالية أن تستحوذ على بنك يعاني مشكلات. فلا أحد يستطيع أن يعرف على وجه اليقين ما الديدان التي ترتع في التفاحة الفاسدة. من السهل على المودعين والدائنين والمساهمين القلقين أن يخمنوا أن الفساد قد ينتشر أكثر. لهذا السبب، في الأزمة الألمانية في تموز (يوليو) 1931، بعد انهيار بنك كريديتانشتالت، رفض بنك دويتشه التماس الحكومة بأن يستولي على بنك دارمشتيتير المفلس، أو يمنحه ضمانا. كان من الممكن أن يؤدي الاندماج إلى بنك ضخم يتعرض لتدافع المودعين لسحب أموالهم منه.
الدرس الآخر، أن البنوك الكبيرة جدا تصبح تهديدا لا يطاق إذا كانت موجودة في بلدان مضيفة صغيرة. تطلب إنقاذ بنك كريديتانشتالت في عام 1931 أموالا حكومية على مستوى كبير لإتمام عملية الإنقاذ، وتسببت الثغرة المالية الناتجة عن ذلك في حدوث أزمة عملة. وفي 2008، واجهت البلدان الصغيرة، وحتى المتوسطة الحجم، تحديات شديدة بسبب تكلفة الدعم المصرفي. كذلك أدت الأزمات في البنوك الكبيرة الحجم إلى زعزعة الوضع وصعوبة السيطرة عليه في أيرلندا وآيسلندا، وتطلب ذلك تدخلا مؤلما من صندوق النقد الدولي. حتى في الاقتصاد الأكبر، كلفت ملحمة بنك هاليفاكس الاسكتلندي دافع الضرائب البريطاني كثيرا.
التصور بأن أي خطة إنقاذ في بلد صغير اليوم ستكون مرهقة ومكلفة، وقبل كل شيء غير مؤكدة، يزيد من التوتر في عالم اعتاد فيه المستثمرون والمودعون على تحويل مبالغ كبيرة بسرعة.
يجب أن تفكر الاقتصادات الصغيرة فيما تريده. قد يكون أهلها أذكياء ورياديين، مع ازدهار المهارات في إطار غير منظم. وهو وصف دقيق يلائم سويسرا -وعددا كبيرا من البلدان الصغيرة الأخرى- فيما يتعلق بتطبيق التكنولوجيات الذكية. أما بالنسبة إلى التمويل، فإن الذكاء يوجد الضعف وليس القوة، تعد المؤسسة المالية الضخمة هشة بشكل خاص.
يثير ضعف البلدان الصغيرة أمام مخاطر البنوك الكبرى تناقضا واضحا. أليس من الظلم أن تتمكن الولايات المتحدة من الإفلات من مثل هذا الإنقاذ المرتجل للبنوك المتعثرة؟ في عام 2008، عندما اشترى "جيه بي مورجان" بنك بير ستيرنز، بدا من المعقول أن يقوم بنك قوي بإدارة التكامل مع مؤسسة منهارة. لكن هذا الإجراء اعتمد على دعامة ميزانية فيدرالية كبيرة وبنك مركزي يتمتع بميزانية عمومية كبيرة. الحقيقة المؤلمة التي تراها بقية العالم هي أن الولايات المتحدة، وربما الصين أيضا، يمكن أن تنجو من عمليات تعد خطيرة للغاية بالنسبة إلى الدول الصغيرة. التمويل الكبير يلائم اللاعبين الكبار فقط.
قد تكون هناك حالة منفردة لبنك كبير واحد في أي بلد، لكن يجب أن يكون آمنا للغاية، بميزانية عمومية شفافة وغير مثيرة للاهتمام. لكن لا يمكن التوقع منه اتخاذ قرارات مالية جريئة ومبتكرة. من الأفضل ترك المخاطرة للاعبين الصغار، الذين يتمتعون بحرية ممارسة لعبة الرأسمالية، والمجازفة دون توقع عمليات الإنقاذ التي تقوض الشرعية الأساسية لنظام السوق.

*مؤلف كتاب "الانهيارات السبعة"