زهور للمائدة وطعام فوق الأرض
زهور للمائدة وطعام فوق الأرض
(1) : مفتش الموازين
من حكايات الصين, أن أحد الموظفين خرج يفتش علي الموازين والمكاييل متنقلا من دكان إلي دكان, يشهد لأمانة الأمناء ويسجل خيانة الغشاشين. وكان والد هذا الموظف صاحب دكان لبيع الذهب, فأسرع إليه بعض الناس وأخبروه أن ابنه قادم فابتسم الأب وكأنه يقول لهم: هل تظنون أن الابن يفضح أباه؟!.
ولما وصل المفتش إلي دكان أبيه, أخذ يتأكد من سلامة الموازين كما يفعل في أي محل آخر, والأب مطمئن إلي النتيجة. لكن الطمأنينة انقلبت فزعا, عندما وضع الابن موازين أبيه غير السليمة علي الأرض وانهال عليها بمطرقة يحطمها. وبعد أن انتهي تقدم من أبيه الذي صعقته الدهشة, وركع أمامه وقال: أرجو المعذرة يا والدي, فالأمانة للواجب اقتضت أن أفعل ما فعلت.. والآن أستطيع أن أعتذر لك عن إغضابي إياك, ثم استمر في جولته يؤدي عمله مع بقية أهل السوق.
وعندما سمع الإمبراطور بما حدث, اختار ذلك الابن مستشارا له يشرف علي كل شئون التجارة والتجار في الصين.
(2) : زهور للمائدة, وطعام فوق الأرض!
اعتادت إحدي قريباتي أن تهتم كثيرا بتجميل المائدة عند تناول الطعام, فسألتها يوما عن السر في ذلك, فقالت لي: ذات يوم تركتني والدتنا وحدي لأقوم بإعداد طعام الغداء لوالدنا, فصرفت وقتا طويلا أقوم بعمل أشياء صغيرة للتجميل, فقد كنت أعرف أن تلك الأشياء تدخل السرور إلي قلبه. كان مفرش المائدة نظيفا مكويا, والزهور علي المائدة منسقة بعناية فائقة. لكن عندما بدأت في إعداد الطعام, كان الوقت قد تأخر, فبدأت أتحرك بسرعة وفي عجلة, ووصل أبي وأنا لم أضع الطعام علي المائدة بعد. وأثناء عجلتي, وقعت من بين يدي أطباق السمك والبسلة, وتناثر ما فيها علي الأرض. وكنت علي وشك البكاء, فقد تحطم كبريائي!!
إلا أن أبي أدرك حالتي بنظرة واحدة, وقال لي وهو يتأمل المائدة بإعجاب: لا تنزعجي يا بنيتي.. سننظف في دقائق هذا الذي سقط علي الأرض, ونبحث عن شيء آخر نأكله. إنك فعلت ما هو أهم وأثمن من الطعام, فزهرة جميلة في وسط المائدة أفضل من هذا السمك وتلك البسلة.
وأعددنا شطائر من الجبن, أكلناها ونحن نجلس حول المائدة المزدانة بالزهور. وقد علمتني كلماته أن الاهتمام بهذه الأشياء الجميلة البسيطة, يستحق ما يلقاه الإنسان في سبيلها من عناء, بل قد يستحق ما قد يحدث من عثرات!!
(3) : ليتك تصبح صديقا للناس!!
سأل الزمن رجلا حكيما فقال له: من أنا؟ لقد سألت كثيرين قبلك هذا السؤال, فأجابوني إجابات مختلفة, لم أعرف أيها الصواب وأيها الخطأ, فهل يمكن أن تخبرني من أنا؟. فقال له الحكيم: أريد أن أعرف أولا إجابات كل واحد, ثم أخبرك.
قال الزمن: سألت التاجر فأجابني: أنت معدن الذهب, وسألت طالب العلم, فأجابني: أنت الحكمة, وسألت العامل فأجاب: بأنني العمل والثمرة, أما المريض فقال لي: أنت ثقيل بطيء, والفيلسوف قال: أنت لا شيء.
وسكت الحكيم لحظة ثم قال: لم يخطئ أحد مما وصفوك به, فكل واحد منهم وصفك كما يراك في نفسه, لأنك لبعض الناس صديق تتيح لهم الحصول علي ما يحبون, ولبعضهم عدو تساعد علي إفلات الفرص منهم. فيا أيها الزمن, ليت الناس جميعا يتخذون منك صديقا!.
يعقوب الشاورني
Email: [email protected]