مارك لاندلر يكتب: «بى بى سى» فى مرمى نيران اليسار واليمين

قدم رئيس هيئة الإذاعة البريطانية «بى بى سى» ريتشارد شارب استقالته يوم الجمعة، بعد أن خلص التحقيق إلى أنَّه لم يكشف عن مشاركته فى ترتيب قرض لبوريس جونسون بقيمة مليون دولار تقريبًا، عندما كان رئيسًا للوزراء، وذلك فى إطار تعميق الاضطرابات السياسية التى اجتاحت محطة الإذاعة العامة فى بريطانيا.

قال «شارب»، وهو مصرفى سابق فى بنك «جولدمان ساكس» ومتبرع بارز لحزب جونسون المحافظ، فى بيان مصور قبل إصدار التقرير، إنَّ هذا الإغفال «غير مقصود وليس جوهريًا»، لكنَّه قرر التنحى عن مجلس إدارة الإذاعة «لمنح الأولوية لمصالح هيئة الإذاعة البريطانية».

ويكثف رحيل «شارب» من الضغوط على هيئة الإذاعة البريطانية، المؤسسة الموقرة التى كانت تمد أجهزة الإعلام فى بريطانيا بكيفية تمويلها العام من دافعى الضرائب، والجديرة بالثقة والتزام الصحافة المحايدة، لكن يبدو أنها الآن تترنح من أزمة إلى أخرى.

فى عصر السياسة المستقطبة وحرية مواقع التواصل الاجتماعى، وجدت الإذاعة نفسها فى مرمى نيران اليسار واليمين، سواء فى تغطيتها الأخبار، التى يقول المحافظون إنها تنتهك عقيدة الحياد السياسى، وفى قراراتها الداخلية الأخيرة، التى يقول البعض فى اليسار إنها تتأثر بعدم الرغبة فى الإساءة إلى المشرعين المحافظين فى السلطة.

فى الشهر الماضى، أشعلت هيئة الإذاعة البريطانية عاصفة نارية وطنية، عندما أوقفت جارى لينكر، نجم كرة القدم السابق وأبرز المذيعين لديها، بعد أن نشر على «تويتر» تشبيهًا لسياسة الهجرة الحكومية البريطانية بسياسة ألمانيا فى ثلاثينيات القرن العشرين. إذ تسبب إيقافه ذلك فى انسحاب قسم كبير من العاملين الرياضيين فى هيئة الإذاعة البريطانية تضامنًا مع لينكر، ما أجبرها على بث برنامج «مباراة اليوم»، وهو البرنامج الأسبوعى الرائد لكرة القدم، من دون تعليق.

حسمت هيئة الإذاعة البريطانية الخلاف بتعهدها بمراجعة سياساتها التى تحكم استخدام وسائل التواصل الاجتماعى من قبل مذيعيها على الهواء. لكن هذه الواقعة سلطت الضوء على «شارب» لأنَّه رفض التنحى عن منصبه، رغم أنه كان يخضع للتحقيق بشأن دوره فى القرض الذى قدمه لجونسون.

كما أن موقفه الضعيف يعنى أنه لا يستطيع الدفاع عن هيئة الإذاعة البريطانية فى الوقت الذى كانت تتعرض فيه إلى انتقادات شديدة، سواء بسبب التطبيق العشوائى لإرشادات وسائل التواصل الاجتماعى الخاصة بها وللتسوية مع «لينكر»، التى سخر منها الكثير من المحافظين ووصفوها بأنها استسلام.

لعب شارب، ٦٧ عامًا، دورًا فى دعم الموارد المالية الشخصية لرئيس الوزراء، كما أضاف إلى مفهوم تضارب المصالح فى إدارة أهم مؤسسة إعلامية فى بريطانيا.

فى التقرير المؤلف من ٢٥ صفحة، حدد المحامى آدم هيبينستال حالتين، قال إنهما «أثارتا» صراعات محتملة متصورة. وقال إن شارب أبلغ جونسون بخطته لتقديم طلب لشغل منصب رئيس هيئة الإذاعة البريطانية قبل تقديمه طلبًا رسميًا فى نوفمبر٢٠٢٠.

فى حالة أخرى أكثر خطورة، قال شارب لجونسون إنه يعتزم تقديم رجل أعمال كندى ثرى، يُدعى سام بلايث إلى مسئول حكومى كبير، يمكنه المساعدة فى ترتيب قرض لجونسون. وكان بلايث، وهو ابن عم لجونسون من بعيد، قد تطوع للعمل بصفته ضامنًا لقرض قدره ٨٠٠ ألف جنيه إسترلينى «٩٩٦ ألف دولار أمريكى» لرئيس الوزراء، الذى كانت أمواله تعانى من الضغوط بسبب الطلاق مؤخرًا وتكوين أسرة جديدة.

لم يمتد تورط «شارب» إلى أبعد من ذلك. بيد أن هيبينستال خلص إلى أن هناك خطرًا يتمثل فى اعتبار اختياره لمنصب رئيس هيئة الإذاعة البريطانية أنه مكافأة على مساعدته لجونسون. كما أشار هيبينستال إلى مخاطر عدم اعتبار «شارب» مستقلًا «محايدًا» بمجرد حيازته منصبه الجديد.

لم تُقدّر التحقيقات التى أجراها مدى أهلية جونسون لطلب القرض أثناء توليه منصبه الرسمى.

كانت الأحوال المالية لجونسون تخضع للفحص بصفة متكررة، خلال السنوات الثلاث المضطربة، التى قضاها فى مقر الحكومة. فقد سدد التكاليف الباهظة لتجديد شقته الرسمية بأموال من متبرع حزبى آخر، الأمر الذى أثار غضبًا عامًا دفعه إلى سداد التكاليف الباهظة بنفسه.

فى مقابلة أجرتها معه شبكة «سكاى نيوز» فى يناير، قال جونسون إن شارب «لا يعرف على الإطلاق أى شىء عن شئونى المالية الشخصية». والواقع أن جونسون، الذى سخر لفترة طويلة من هيئة الإذاعة البريطانية بسبب صوابها السياسى، رفض هذه المسألة باعتبارها «مجرد مثال آخر لغض هيئة الإذاعة البريطانية الطرف عن مبادئها».

مع ذلك، فإنَّ التقارير التى تحدثت عن تورط شارب فى القرض دفعت حزب العمال المعارض إلى المطالبة باستقالته. فقد نأى رئيس الوزراء الحالى ريشى سوناك بنفسه عن شارب، رغم أنهما عملا معًا ذات يوم فى بنك «جولدمان ساكس»، إذ كان سوناك مصرفيًا شابًا قبل خوضه المعترك السياسى.

يوم الجمعة، قال متحدث باسم مقر الحكومة البريطانية إن قرار شارب الاستقالة «أمر يرجع إليه وإلى هيئة الإذاعة البريطانية».

وأعرب «شارب»، فى بيانه عن سروره، لأن التقرير أكد الطبيعة المحدودة لضلوعه فى القرض. غير أنه أعرب عن أسفه لعدم رفعه إلى لجنة التعيينات قبل توليه منصب رئيس الإذاعة.

قال شارب: «كنت أتمنى لو أننى فكرت فى ذكر هذا التضارب المحتمل فى المصالح، إذا ما وضعته فى الاعتبار قبل فوات الأوان. أود مرة أخرى الاعتذار عن هذا السهو، رغم أنه كان غير متعمد، وعن التشتت الذى سببته هذه الأحداث لهيئة الإذاعة البريطانية».

بالنسبة إلى الهيئة، تأتى الاستقالة الأخيرة ضمن سلسلة من الحلقات التى تثير، اعتمادًا على وجهة النظر السياسية، تساؤلات حول حياديتها أو تصميمها على عدم استعداء الحكومة المعادية بالأساس.

أعلنت هيئة الإذاعة البريطانية، فى ٢٠٢٠، أنها سوف تحذف كلمات من أغنيتين وطنيتين شهيرتين خلال حفل تليفزيونى سنوى، ما أثار غضب جونسون. وقال البعض إن كلمات الأغانى تستحضر الماضى الاستعمارى البريطانى، وكانت على خلاف مع حركة «حياة السود مهمة»، التى اجتاحت البلدان الغربية. إلا أن هيئة الإذاعة البريطانية تراجعت عن القرار فى وقت لاحق.

وفى عام ٢٠٢١، هاجمت الحكومة هيئة الإذاعة البريطانية بعد أن سخر أحد مذيعيها من وزير فى مجلس الوزراء لظهوره فى مقابلة مع علم المملكة المتحدة الكبير من خلفه. وبعد بضعة أيام، أصدرت الحكومة مرسومًا يقضى برفع العلم فوق جميع المبانى العامة كل يوم من أيام السنة، بدلًا من أن يكون ذلك فى أيام محددة فقط.

* نقلًا عن «الشرق الأوسط»

تاريخ الخبر: 2023-05-01 21:21:50
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 58%
الأهمية: 59%

آخر الأخبار حول العالم

الحسم في بيرنابيو.. التعادل يحسم ذهاب ريال مدريد وبايرن ميونخ

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 00:26:09
مستوى الصحة: 47% الأهمية: 54%

الحسم في بيرنابيو.. التعادل يحسم ذهاب ريال مدريد وبايرن ميونخ

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 00:26:04
مستوى الصحة: 53% الأهمية: 55%

السكوري: المغرب قطع أشواطا هامة في مسار بناء الدولة الاجتماعية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 00:26:02
مستوى الصحة: 54% الأهمية: 54%

السكوري: المغرب قطع أشواطا هامة في مسار بناء الدولة الاجتماعية

المصدر: الأول - المغرب التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-01 00:25:53
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 55%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية