تناولنا في الحلقة السابقة من كتاب "الدكتورة.. سيرة توحيدة عبد الرحمن _أول طبيبة في الحكومة المصرية " بداية السيرة من الميلاد مرورا بدخول المدرسة السنية ثم التحاقها ببعثة كتشنر للسفر إلى انجلترا مع 5 من زميلاتها ومنهن هيلانة سيداروس لدراسة الطب، بجانب ماقدمه الكتاب من كشف لرفض توحيدة عبد للجنسية الانجليزية.

 في هذه الحلقة نتناول سيرة العودة واحتفاء والدها بابنته أول طبيبة في مصر والسودان حينها.

نشرت صحيفة اللطائف المصورة في السادس من أغسطس 1932 إن الفتاتين المصريتين توحيدة وهيلانة تخرجتا من إنجلترا، وذكرت الأنباء التلغرافية أن الآنسة توحيدة عبد الرحمن جازت امتحان الدكتوراة في الطب من إنجلترا وفازت بهذه الشهادة الغالية ، وبذلك أصبحت ثاني آنسة مصرية"

عادت توحيدة إلى مصر، كان والدها قد جهز لها مفاجاة بانتظارها، استأجر لها شقة في شارع عدلي بوسط القاهرة لتكون عيادة تماس فيها مهنتها الرسمية ، لكن المفاجاة أن توحيدة رفضت العيادة والتحقت بالعمل في مستشفي "كتشنر الخيري" شبرا العام بعد أن تم تغيير الأسم عام 1954.

  عراف هندي يتنبأ بإنجابها 7 أولاد 

في الشهور الأولى من العمل ، حرصت توحيدة على قضاء إجازتها في أماكن ترتبط بها،وكان حي الحسين على رأسها، وهناك التقت عراف هندي من طائفة السيخ عرض عليها أن يقرأ لها الكف مقابل 3 جنيهات وهو مبلغ كان يعادل ربع مرتبها، وبعد تردد انصاعت للعراف، لم تستغرب معرفته بأنها طبيبة، لكن أذهلها إشارته لها بجمع ثلاثة أشياء هى الطبيعة والهدوء ، والسفر، وأنها ستتزوج من رجل يعمل بالقضاء ، وستنجب سبعة أبناء ثلاثة 3 من الذكور، 4 إناث ، وهو ماحدث بالفعل.

فبعد أيام قليلة من نبوءة العراف الهندي طرق باب وكيل النيابة الشاب محمود عبداللطيف، وكان والده صديقا لأبيها الباب، طالبا يدها لنفسه ويد شقيقتها مفيدة لأخيه محمد.. ليتزوجا الشقيقان من الشقيقتين.

وتمت الخطوبة فى يناير ١٩٣٣، وقبل الزواج سافر محمود عبداللطيف برحلة إلى إنجلترا ليزور نفس الأماكن التى عاشت فيها خطيبته خلال بعثتها ليكون أكثر فهما لعقلية وثقافة المرأة التى اختارها شريكة لحياته.

 عاد محمود عبد اللطيف من سفره ليختار يوم 30 نوفمبر لاتمام مراسم الزواج، يوم عيد ميلاد توحيدة، ليحرر لها مع وثيقة الزواج حجة شرعية، وكان تقليدا متبعا فى تلك الأيام عندما يزيد المهر الذى يقدمه العريس على ١٤٠ جنيهًا، وكان مهر توحيدة ١٥٠ جنيهًا.

 عبد الناصر في بيت الدكتورة 

  رزقت الدكتورة توحيدة بابنتها جميلة "هدى"وأقاموا لها “سبوع” جميل ، في وقت لم تكن قد ظهرت ما يسمونه "العقيقة"، وقد أحيا الاحتفال أثنان من أساطين الموسيقي محمد عبده صالح وأحمد الحفناوي.

مع مرور الوقت يكتشف الوالدان أن ابنتهما تعاني من تأخر ذهني ، وقد حرصا على أن تكون علاقتهما وثيقة بالطفلة مهما كانت مشاغل الحياة، حتى تتمكن من تعليمها سواء بنفسها أو إقناعها بالمدرسين عندما تجلبهم لها، نجحت الدكتورة في علاقتها بابنتها وقد وصلت ذروة النجاح عندما ألقت "هدى" كلمة  في حفل زفاف شقيقتها سميحة 1959، والذي حضره الرئيس جمال عبد الناصر، والمثير للدهشة أن وفاة هدى جاء إثر علمها بخبر رحيل والدتها بأيام.

الدكتورة الخواجاية 

 يشير الكتاب إلى مدى ما قدمته دكتور توحيدة عبر مبادراتها في وقت مبكر لتكون فاعلة  بمجتمعها، فكانت من أولى السيدات اللاتى يقودن سيارة، فقد اقتنت سيارة بالتقسيط، وكان تكلفتها مئة جنية مصري، وأصبحت تقود سيارة بشوارع القاهرة، ولأن مظهرها كان يبدو كإمرأة بريطانية ، كان يطلق عليها لقب “الدكتوراة الخواجاية” لكنها لم تكن تحب هذا اللقب، فقط تريد أن تصبح صورة للمرأة المصرية .