الخروج من نفق الدولار.. «الدستور» تكشف ملامح خطة الدولة لتوفير العملة «الصعبة»

تنفذ الدولة خطة طموحة لزيادة الحصيلة الدولارية، وإنهاء أزمة شح المعروض من النقد الأجنبى، التى قيدت حركة الاستيراد عدة أشهر على نحو أثّر على حجم المعروض من مختلف أنواع السلع، ما أدى بالتبعية إلى ارتفاع أسعار هذه السلع.

تأتى هذه الجهود فى إطار السيطرة على معدلات التضخم، والوصول بها إلى المستويات المأمولة، فالحكومة تطمح للوصول بمعدل التضخم العام إلى حدود ١٦٪ فى مشروع الموازنة الجديدة للعام المالى المقبل ٢٠٢٣/٢٠٢٤، بدلًا من المتوسط الحالى البالغ ٢٦٪.

ويعزز هذا التوجه، عزم البنك المركزى تبنى سياسة نقدية أقل تشددًا عن ذى قبل، بعدما رفع فى فترات سابقة سعر الفائدة بمعدل ١٠ نقاط مئوية خلال العام الماضى، وخفض الجنيه ٣ مرات بنسبة ٥٠٪، واحدة فى مارس ٢٠٢٢، والثانية فى أكتوبر من العام ذاته، بينما كانت الثالثة فى يناير ٢٠٢٣.

تحقيق الاكتفاء الذاتى من الحاصلات.. والأولوية للزراعات الاستراتيجية

تستند الخطة الحكومية على عدة ركائز، بعضها قصير المدى ومتوسط والآخر طويل المدى، وفى مقدمتها العمل على تعظيم العائدات من الصادرات المصرية، وفتح أسواق جديدة أمامها، لتحقيق حلم الوصول إلى ١٠٠ مليار دولار سنويًا من هذه الصادرات.

وتتضمن الخطة أيضًا تنشيط حركة السياحة للوصول إلى ٣٠ مليون سائح بحلول عام ٢٠٢٨، من خلال التوسع فى التسويق لأنماط سياحية غير تقليدية، منها سياحة السفارى واليخوت والإقامة والسياحة الدينية وغيرها، بجانب جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة تحت مظلة «برنامج الطروحات الحكومية».

وعلى صعيد تعظيم الصادرات وترشيد الواردات، تسعى الخطة إلى توفير معدلات عالية من الأمن الغذائى من السلع الاستراتيجية، عبر زيادة نسب الاكتفاء الذاتى من الحاصلات الزراعية المهمة، درءًا لأعباء الاستيراد، وتوفير الحوافز المناسبة للمزارعين، والتوسع فى إنتاج المحاصيل التى تسد الفجوات القائمة بين الاستهلاك والإنتاج المحلى، على رأسها القمح، وتطوير منظومة الجمع والتخزين والتسويق للحاصلات المعنية، بالإضافة إلى تفعيل سياسات الحد من الفاقد التسويقى، وتحفيز التسويق التعاونى.

ويشير تقرير لوزارة التخطيط، إلى أن الحكومة بدأت العمل على زيادة الرقعة الزراعية بنحو ٢.٤ مليون فدان، منها ١.٥ مليون فدان من خلال المشروع القومى لاستصلاح الأراضى، اعتمادًا فى الأساس على المياه الجوفية، لتزداد المساحة المزروعة من ٩.٦ مليون فدان فى ٢٠٢١، إلى ١٢ مليون فدان أولًا، ثم ١٩ مليون فدان على المدى المتوسط.

وتبدى الخطة أهمية خاصة بمحصول القمح، وتستهدف زيادة المساحة المزروعة لتقترب من ٤ ملايين فدان بحلول ٢٠٢٤، مع التوسع فى زراعة أصناف جديدة منه، وتطبيق حزم التوصيات الفنية الخاصة بها، وتقليل الفاقد بما يوفر نحو مليون طن من الإنتاج سنويًا، ليصل الإنتاج إلى ١١.٤ مليون طن بنهاية ٢٠٢٢.

ولإمكان الحد من الفجوة الاستيرادية، التى تقدر بين ٣ و٤ ملايين طن، تركز الحكومة جهودها على خفض استهلاك الفرد للقمح من ٢٠٠ إلى ١٢٠ كجم/ سنة، مقارنة بالمتوسط العالمى للاستهلاك المقدر بنحو ١٠٠ كجم/ سنة، وكذلك زيادة إنتاجية الفدان إلى ما يتجاوز ٣.٥ طن بدلًا من ٢.٨ طن، وذلك بزراعة الأصناف عالية الإنتاج، واستنباط أصناف أخرى أكثر مقاومة للظروف الجوية.

وتستهدف الخطة رفع نسب الاكتفاء الذاتى من القمح إلى ٦٥٪ بحلول ٢٠٢٥، والذرة الصفراء من ٢٤٪ إلى ٣٢٪، والفول البلدى من ٣٠٪ إلى نحو ٨٠٪، والعدس من ١٢٪ إلى ١٦٪، والـمحاصيل الزيتية من ٣٪ إلى ١٠٪، واللحوم الحمراء من ٥٧٪ إلى ٦٥٪، والأسماك من ٨٢٪ إلى ٨٥٪ خلال الفترة ذاتها. أما بالنسبة للتصدير الزراعى، فقد عززت الحكومة قيمة الحاصلات الزراعية الموجهة للتصدير بشكل تدريجى لتصل إلى ١٠٢.٢ مليار جنيه عام ٢٠٢١/٢٠٢٢، مقارنة بحوالى ٤٣.٤ مليار جنيه فى ٢٠١٦/٢٠١٧، بنسبة زيادة ١٣٥٪.

جذب 15 مليون سائح وزيادة الإيرادات لـ18 مليار دولار

تعتمد خطة تعزيز الإيرادات على مضاعفة عدد السائحين إلى ١٥ مليون سائح بنهاية عام ٢٠٢٣، بإيرادات قدرها ١٨ مليار دولار، مع استهداف الوصول إلى ٣٠ مليون سائح عام ٢٠٢٨، مقارنة بنحو ٨.٥ مليون سائح وإيرادات قدرها ٨.٥ مليار دولار فى عام ٢٠١٨.

وتزايدت الحصيلة الدولارية من إيرادات السياحة، وارتفعت إلى حدود ١٢.٢ مليار دولار بنهاية عام ٢٠٢٢، مقابل ٨.٩ مليار دولار خلال عام ٢٠٢١، بزيادة قدرها ٣.٣ مليار دولار، بنسبة نمو ٣٧٪. وتركز الجهود فى هذا الصدد على زيادة الطاقة الإيوائية فى مصر، وجذب رءوس أموال جديدة فى مجال الاستثمار الفندقى والتنمية السياحية، مع توفير الأجهزة الإدارية المتخصصة للتعامل مع المستثمر السياحى وتنمية مهاراتها، ووضع سياسات موحدة للتراخيص والتشغيل والرقابة مع الجهات المختلفة على مستوى الفنادق الثابتة والعائمة، والمطاعم والمنشآت السياحية والنقل السياحى. ويخدم هذا التوجه أيضًا إجراءات تنويع الأسواق الخارجية، بحيث تتسع لتشمل الاقتصادات الناشئة التى تتجه للانفتاح على العالم الخارجى، مثل الصين والهند ودول الكومنولث، وتنويع المنتج السياحى، بحيث يجرى التنشيط لأنماط سياحية جديدة، بخلاف السياحة الأثرية الثقافية والسياحة الشاطئية الترفيهية، مثل السياحة الرياضية والسفارى وسياحة الاستشفاء.

إقامة 300 مصنع عملاق موجهة للتصدير توفر ٩٠٠ ألف وظيفة

تستند الخطة إلى ركيزة أخرى هى جذب الاستثمارات وتعزيز الشراكة مع القطاع الخاص، فى إطار خطة التخارج من بعض الأنشطة والقطاعات الاقتصادية.

وتنفذ الحكومة فى هذا الصدد برنامجًا لرفع معدلات التشغيل والنمو من منتصف ٢٠٢٢ حتى منتصف ٢٠٢٥، حيث يستهدف إنشاء ٣٠٠ مصنع عملاق موجهة للتصدير بالشراكة مع القطاع الخاص، ويتيح ما يقارب ٩٠٠ ألف فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، إلى جانب الدخول فى مفاوضات مع مستثمرين استراتيجيين لبيع حصص من ٣٢ شركة ضمن برنامج الطروحات على مدار الـ١٠ أشهر المقبلة.

وتشير الأرقام الرسمية المتحققة لعامى ٢٠٢٢ و٢٠٢٣ إلى تحسن فى مؤشرات إدارة ملف النقد الأجنبى، سواء على صعيد تطور صافى الاحتياطيات الدولية، أو حجم الودائع والتسهيلات الائتمانية بالعملة الأجنبية، وكذا القفزات الأخيرة فى صافى الاستثمارات الأجنبية المباشرة.

وتضاعف صافى الاستثمارات الأجنبية المباشرة إلى ٩ مليارات دولار خلال الفترة بين شهرى يناير وسبتمبر ٢٠٢٢، مقابل ٣.٥ مليار دولار خلال الفترة المناظرة من العام السابق عليه، بزيادة بلغت قيمتها ٥.٥ مليار دولار، بنسبة زيادة ١٥٧.١٪.

وسجل أيضًا صافى الاحتياطيات الدولية ارتفاعات متتالية بين شهرى أكتوبر ٢٠٢٢ وأبريل ٢٠٢٣، ليعوض بذلك نزيف النقد الأجنبى منذ أزمة الحرب الروسية، إذ ارتفعت الاحتياطيات من ٣٣.٢ مليار دولار فى سبتمبر ٢٠٢٢ إلى ٣٣.٤ مليار دولار فى أكتوبر، و٣٣.٥ مليار دولار فى نوفمبر، و٣٤ مليار دولار فى ديسمبر من العام نفسه.

وواصل صافى الاحتياطيات الدولية الارتفاع مع مطلع عام ٢٠٢٣، ليصل إلى ٣٤.٢ مليار دولار خلال يناير، و٣٤.٣ مليار دولار فى فبراير، و٣٤.٤ مليار دولار فى مارس، وصولًا إلى ٣٤.٥ مليار دولار بنهاية أبريل الماضى.

وعلى إثر ذلك، ارتفع عدد أشهر الواردات السلعية التى يغطيها النقد الأجنبى من ٤.٦ شهر فى منتصف عام ٢٠٢٢ إلى ٥.٣ شهر بنهاية ٢٠٢٢، و٥.٤ شهر مطلع عام ٢٠٢٣، وصولًا إلى ٥.٥ شهر حتى نهاية أبريل ٢٠٢٣.

على صعيد الودائع الأجنبية، أظهرت البيانات الرسمية، نمو الودائع بالعملة الأجنبية بنسبة ٨٦.٦٪، لتسجل ١.٥ تريليون جنيه بنهاية عام ٢٠٢٢، مقابل ٨٠٦.٨ مليار جنيه فى نهاية العام السابق عليه.

وتمثل الودائع غير الحكومية النصيب الأكبر من الودائع بالعملة الأجنبية بقيمة ١.١ تريليون جنيه بنهاية ٢٠٢٢، مقابل ٦٦٦.٣ مليار جنيه بنهاية ٢٠٢١، فى حين سجلت الودائع الحكومية بالعملة الأجنبية ٣١٠.١ مليار جنيه، مقابل ١٤٠.٥ مليار جنيه خلال فترة المقارنة ذاتها.

وقفزت التسهيلات الائتمانية بالعملة الأجنبية بنسبة ٦٢.٥٪، لتبلغ ٩٨٢.٨ مليار جنيه بنهاية عام ٢٠٢٢، مقابل ٦٠٤.٨ مليار جنيه بنهاية عام ٢٠٢١، وجاء النصيب الأكبر منها فى صورة تسهيلات حكومية بقيمة ٦٣١ مليار جنيه، وتلتها تسهيلات غير حكومية بقيمة ٣٥١.٧ مليار جنيه، والقطاع الخاص ٣٠٢.٥ مليار جنيه.

وحققت الصادرات المصرية ارتفاعات مطردة فى طريقها نحو الوصول إلى ١٠٠ مليار دولار صادرات، وقفزت مؤخرًا إلى ٥١.٦ مليار دولار فى عام ٢٠٢٢، مقابل ٤٣.٦ مليار دولار فى عام ٢٠٢١، و٢٩.٢ مليار دولار فى عام ٢٠٢٠، وتضاعفت صادرات الغاز الطبيعى على وجه التحديد من ٣.٩ مليار دولار إلى ١٠ مليارات دولار خلال فترة المقارنة ذاتها، بزيادة ٦.١ مليار دولار.

توسيع الشراكة مع القطاع الخاص وتهيئة المناخ للاستثمار

قال الدكتور علاء زهران، الرئيس التنفيذى السابق لمعهد التخطيط القومى، إن الدولة المصرية تسعى لمعالجة أزمة شح النقد الأجنبى، من خلال سياسات قصيرة ومتوسطة الأجل، واعتمادًا على عدة وسائل، أبرزها التوسع فى الشراكة مع القطاع الخاص، وتهيئة مناخ جاذب للاستثمار الأجنبى، من خلال ذراعها الاستثمارية ممثلة فى صندوق مصر السيادى.

وأضاف «زهران» لـ«الدستور»، أن استئناف برنامج الطروحات الحكومية، فى هذا التوقيت، خطوة جيدة لجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية التى تتيح وفرة من العملة الدولارية، إذ تعتزم الحكومة طرح ٣٢ شركة وبنكًا، لمستثمرين عرب وأجانب سواء للبيع بحصص أقلية أو أغلبية أو بالكامل، ما يسهم فى خلق مورد جديد للنقد الأجنبى، وتضييق الفجوة بين السعر الرسمى للدولار وسعر السوق الموازية.

وذكر أن هناك جهودًا أخرى لمعالجة خلل الميزان التجارى، بما يعزز من نصيب الصادرات المصرية مقابل الواردات، وهو ما يمكن أن يوفر عشرات المليارات من الدولارات، خاصة أن فاتورة الواردات تناهز ١٠٠ مليار دولار، بينما ما زالت الصادرات المصرية لا تتعدى الـ٥٠ مليار دولار، بمعنى أن هناك عجزًا قيمته ٥٠ مليار دولار، يمكن تغطيته من خلال إعادة ترتيب أولويات الإنفاق، والعمل على توطين الصناعات ذات الأهمية الاستراتيجية، والتوسع فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من الحاصلات الزراعية المختلفة.

تيسير إلحاق العمالة بالخارج لزيادة التحويلات النقدية

رأى الدكتور صلاح فهمى، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن الخطوات الحكومية جيدة لكنها غير كافية، وتتطلب بذل المزيد من الجهد من أجل التركيز على تأمين مصادر دائمة للنقد الأجنبى، من خلال جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة فى قطاعات الصناعة والزراعة والتصدير، وغيرها من القطاعات التى تدر عائدًا قوميًا مستمرًا، وبناء اقتصاد حقيقى وليس ريعيًا.

وقال إن هناك حاجة ملحة لتهيئة البيئة التشريعية الجاذبة للاستثمار، من خلال ضوابط ولوائح تحقق التوازن بين حقوق وواجبات المستثمر، وتبسط الإجراءات وتوحد المعاملة المالية والضريبية، ووضع معايير واضحة لدخول السوق المصرية والتخارج، ويمكن فى هذا الصدد الاستفادة من تجارب دول مثل الإمارات وتركيا.

وشدد على أهمية العمل أيضًا على خلق ثقافة ووعى مجتمعى، بشأن التعامل مع السائح أو المستثمر، من خلال تأهيل العنصر البشرى بشكل جيد، ووضع إدارة ورقابة صارمة لمعالجة وتقويم أى خلل قد يحدث، ويمكن أن يصدّر صورة سيئة عن الدولة فى الخارج، إلى جانب تسهيل إجراءات إلحاق العمالة المصرية بالخارج، دون تعقيدات من جهات عملهم الأصلية فى مصر؛ ما يسهم فى تعزيز تحويلاتهم النقدية من الخارج.

تاريخ الخبر: 2023-05-10 21:21:05
المصدر: موقع الدستور - مصر
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 70%

آخر الأخبار حول العالم

هيئة المعابر بغزة تنفي ما ذكرته الولايات المتحدة حول فتح الم

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-10 06:22:29
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 63%

بايدن-خلافات-نتنياهو-غزة-رفح

المصدر: مصراوى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-10 06:22:02
مستوى الصحة: 60% الأهمية: 59%

أفضل 3 حسابات توفير بعائد نصف سنوي في البنوك - اقتصاد

المصدر: الوطن - مصر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-10 06:21:08
مستوى الصحة: 58% الأهمية: 60%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية