بشخصيات مثالية.. "جمعية الفلسفة" تناقش تاريخ الضيافة العربية


عادل الزهراني وأدارها نايف الفيصل، ضمن قراءات فلسفية في الفكر السعودي، مساء الإثنين الماضي.

وقال الزهراني في بداية المحاضرة: يتناول هذا البحث قضية الضيافة كما ترد في أطروحتين سعوديتين. تمثل الضيافة موضوعًا إنسانيًا مهمًا، يتقاطع مع عدة قضايا وجودية واجتماعية وأنثروبولجية، لأنه يمثل نقطة التقاء الذات بالآخر. من هنا يتناولها عدد من الفلاسفة والكُتاب من جوانب مختلفة.

أخبار متعلقة
السعودية تنافس بـ5 أفلام طويلة و3 أفلام قصيرة في مهرجان مالمو
"قصة ملك الصحافة".. وثائقي عن تركي السديري بمهرجان أفلام السعودية
على هامش افتتاح "أفلام السعودية".. مذكرة تفاهم بين "إثراء" و"جمعية السينما"

الضيافة العربية

أضاف: وتحمل الضيافة للعرب عمومًا، والسعوديين بشكل خاص، معنى مختلفًا يرتبط بتاريخهم الذي كان الكرم ركيزةً في منظومته في الأخلاقية، ولذلك يعمد سعيد السريحي، الناقد السعودي المعروف، على تحليل مفهوم الضيافة في كتابه (حجاب العادة: أركيولوجيا الكرم من التجربة إلى الخطاب)، موظِّفًا منهج ميشيل فوكو في الأركيولوجبا، ومحاولاً الكشف عن الأنساق المضمرة خلف الخطاب التراثي الذي يتناول الكرم وما يتصل به من مظاهر وقيم.

وبين: الأطروحة الأخرى هي كتاب الأكاديمي والفيلسوف السعودي عبد الله المطيري (فلسفة الآخرية: الآخر بين سارتر وليفيناس وبهجة الضيافة)، الذي يعطي فكرة شاملة عن فلسفة الضيافة والعلاقة مع الآخر. المطيري متأثر بفلسفة ليفيناس في الآخرية والأخلاق، لكنه يطور فكرته الخاصة عن الضيافة، حين يذهب إلى أن بإمكان الضيافة أن تشكّل نموذجاً وجودياً للعالم، حيث يمكن للبشر أن يتعايشوا مع بعضهم ومع غيرهم بسلام وطمأنينة.

يحاول هذا البحث، معتمدًا على مقولات الفينومنولوجيا، تحليلَ الكتابين، للكشف عن نقاط الالتقاء والافتراق بين الباحثيْن، والوقوف على تأثير فوكو وليفيناس عليهما.

أطروحتان تنطلقان من نقاط مختلفة

أكد الزهراني: اللافت في الأطروحتين أنهما ينطلقان من نقطتين مختلفتين؛ تستظل الأولى -خفية- بمنهجية ميشيل فوكو في أركيولوجيا المعرفة، بينما لا يخفي المطيري تأثره بفلسفة الآخرية لدى إيمانويل ليفيناس، لكنه تأثر محاورة وتجاوز. من هنا يحاول البحث تحليل الأطروحتين والمقارنة بينهما، للكشف عن نقاط الالتقاء والافتراق، وهو ما يمكن أن يمثّل مناقشة للفلسفة العالمية في إطار محلي من جهة، ودرساً فلسفياً لقيمة أخلاقية مهمة في الثقافة المحلية.

وأوضح الزهراني: ترتبط الضيافة بالتماس مع الآخر، وهذا ما يجعلها شأنًا ذات أبعاد فلسفية واجتماعية حساسة. لكنها مفهوم محايد في الأساس، يفسّر ممارسة إنسانية معينة، ويمكن أن توسم بالسوء أو الحُسن (سوء الضيافة، وحسن الضيافة) انطلاقًا من التجربة الإنسانية. من هنا أصبحت مبحثًا أخلاقيًا واجتماعيًا وفلسفيًا في الوقت ذاته، وتُدرس من زوايا نظرية وتطبيقية مختلفة، فيتناول الباحثون تعريفها وتفنيد مصطلحاتها، ووصف عالمها السيميائي والظواهر المرتبطة به، والتفصيل في شروطها وآدابها وحدودها.

ويبرز اسم حاتم الطائي نموذجًا مثاليًا لشخصية العربي الكريم والمضياف، حتى أصبح مضرباً للمثل، لا يهنأ له طعام يأكله وحيدًا. إن في عمق خطاب الكرم والضيافة العربية، التي يمثّل الطائي نموذجًا لها، تلمُّسًا للمعنى الإنساني العميق للضيافة، حيث يكون لهذا الغريب -الذي توقد له النيران ليهتدي بها- حق فيما يملك العربي من قوت ومأوى، وهو ما يذكرنا بفكرة إيمانويل كانْت عن الملكية المشتركة للأرض، التي سيرد الحديث عنها بشيء من التفصيل لاحقاً في هذا البحث. ثم جاء الإسلام ليكرّس أهمية الضيافة، بسرد قصص الضيافة في النص القرآني، أو بالتوجيه النبوي المباشر.

يمكن القول الآن إن نقطة الافتراق الأولى بين المؤلفين السعوديين تتلخص في أن السريحي كان ناقدًا وهو يتعامل مع الضيافة والكرم أكثر من كونه فيلسوفًا، بينما انطلق المطيري من موقف فلسفي بحت، يستمد رؤيته من أطروحات الفلسفة تجاه الضيافة، وإن ظل النقد أداة مهمة في طرحه.

السريحي والحوار مع فوكو

يضيف: وكما رأينا فإن نقطة التقاء السريحي بفوكو في اعتماده الأركيولوجيا منهجا لتفكيك آليات الخطاب (في محاولة السيطرة على الكرم). عدا ذلك لا يدخل السريحي في حوار مع فوكو حول ظاهرة الضيافة، ولم يبدُ -في كتابه- مهتماً بالتقاطع مع أطروحات فوكو حول مفهوم الذات والآخر، تلك التي أشبعها فوكو تحليلاً في عدة كتب، من أبرزها كتاباه (الانهمام بالذات)، و(تأويل الذات)، ويمثّل مفهوم (التذويت) أحد المخرجات الفوكوية البارزة في هذا السياق.

وأكمل: اقتصر عمل السريحي على الظاهرة كما تُصورها أدبيات الماضي، وكأن الماضي صانعُ الخطاب، ومشكّل القيمة، لذلك عمل على تقليب الدلالات على وجوهها، واستغلال إمكاناتها المعجمية والتداولية، في محاولته إعادة التأويل وصياغة الخطاب من جديد. لكنه لا يعمد إلى ربط الظاهرة بالضيافة وما آلت إليه اليوم، رغم أننا لا نستطيع أن ننكر أهمية الماضي في تشكيل صورة مثالية عن الكرم والضيافة، صورةٍ امتدت لواقعنا المعاصر.

ولعل الفكرة الرئيسة في طرح السريحي تتمحور حول وجود وجهين للضيافة في الخطاب العربي: وجه ناعم وآخر خشن، وأن كلا الوجهين يمثلان الصورة الحقيقية والكاملة للضيافة والكرم، وهي صورة واقعية نابعة من ظروف المكان والزمان.

البعد الفلسفي للضيافة

انصب اهتمام عبد الله المطيري على البُعد الفلسفي للضيافة، وما تمثّله -حسبما ذهب- من قيمة مركزية في مبحث الأخلاق بوصفه مبحثًا سابقًا للأنطولوجيا. وهي فكرة متأثرة -بصورة مباشرة- بأطروحة إيمانويل ليفيناس الذي يبني فلسفته في الآخرية على هذه الفرضية ويدافع عنها. ولا أزال أجد صعوبة في فهم موقف ليفيناس هذا، إذ تظل قضية الذات والآخر مبحثاً وجودياً في الأساس.

وترتبط الأخلاق بالتجربة الوجودية للإنسان أثناء تماسه بالآخر. لكن المطيري يبدو أكثر اقتناعاً بمذهب ليفيناس حين يتخذ فلسفة الآخرية أرضية ينطلق منها في بناء فكرته عن الضيافة وبهجتها. وهي فكرة تختلف -كما رأينا- عن رؤية ليفيناس في نظرتها للضيافة بوصفها نموذجًا وجوديا مستقلاً تنصهر فيه الذات مع الآخر الذي يصبح -في تجربة الضيافة- أصلاً وسببًا لوجود الذات.

يرى المطيري في الضيافة حالة وجودية مختلفة وخاصة يتطلب فهمها النظر إليها نظرة تتسق مع العالم الذي تؤسس له التجربة، وهو عالم منسجم متآلف، يمكن أن يعتمد نموذجاً للعالم الأكبر، حيث الوجود من أجل الآخر يلغي الأنانيةَ وجشع التملك والاقتتال عليه. يبدو لي هذا العالم مثالياً حالمًا، يليق بعوالم أفلاطون وجمهورياته.

تاريخ الخبر: 2023-05-11 18:28:32
المصدر: اليوم - السعودية
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 51%
الأهمية: 50%

آخر الأخبار حول العالم

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية