الانتخابات الرئاسية التركية: في ديار بكر... الأكراد يتشوقون إلى طي صفحة أردوغان واسترجاع حقوقهم


إعلان

حركة غير معتادة يشهدها هذه الأيام مقر حزب الشعوب الديمقراطي الكردي في دياربكر جنوب شرق تركيا استعدادا للجولة الأولى من ا المقررة الأحد 14مايو/أيار.

المتطوعون الأكراد "غزوا" شوارع المدينة المزينة بأعلام الأحزاب المشاركة في الانتخابات وبصور ولافتات المرشحين. كما يقومون أيضا بتوزيع البرامج على شكل منشورات لسكان المدينة التي تبعد بحوالي 350 كيلومتر عن غازي عنتاب جنوب شرق تركيا.

أحد الشوارع الرئيسية في مدينة دياربكر المزينة بالأعلام الحزبية بمناسبة الانتخابات الرئاسية التركية. 10 مايو/أيار 2023. © طاهر هاني فرانس24

لحظات تاريخية ومصيرية يعيشها هذا الحزب الذي قرر مساندة المرشح الرئاسي للتحالف السداسي المعارض كمال كيليتشدار أوغلو بهدف "طي صفحة رجب طيب أردوغان الذي لم يترك ذكريات جميلة في مخيلة الأكراد"، يقول محمت راجي بلييجر، من الكردي. هذا المحامي اعتبر بأن تعامل مع المسألة الكردية خلال عشرين سنة من حكمه كأنها "قمامة".

وقال بلييجر لفرانس24: "نحن كأكراد عشنا العنف والحرمان والتهميش منذ سنوات بالرغم من أننا لا نطالب سوى بحقوقنا المشروعة. لكن أردوغان ليست لديه أية مصلحة في أن يوقع على اتفاق نهائي وطويل الأمد معنا لأنه يخشى أن يرى كل المنطقة تتغير وتعيش في سلام وفي كنف الديمقراطية. هذا هو ما يرفضه تحديدا"، مشيرا إلى وجود لغاية اليوم "عشرات من المناضلين السياسيين والصحافيين والمحامين الأكراد في السجون التركية، بينما هرب العديد من رؤساء البلديات المتواجدة في المناطق الكردية إلى الخارج".

محمت راجي بلييجر، من حزب الشعوب الديمقراطي الكردي سيصوت لصالح كيليتشدار أوغلو كباقي المناصرين في هذا الحزب الذي غير اسمه إلى الحزب اليساري الأخضر. 10 مايو/أيار 2023. © طاهر هاني فرانس24

وتابع: "في 2012، بدأ أردوغان في طرح بعض الحلول لإنهاء الأزمة الكردية. لكن في 2014 غير رأيه كليا وأصبح يتدخل في شؤوننا ويضغط على وسائلنا الإعلامية والسياسيين الأكراد والبلديات التي نديرها بحجة أن لم يلقِ السلاح. لكن هذا خطأ لأن الحزب أعلن إلقاءه للسلاح قبل 2012".

ولم يتمكن حزب الشعوب الديمقراطي من أن يرشح شخصا من صفوفه لأن القضاء التركي أصدر قانونا منذ عام بحظره. فمنذ شهر تقريبا، دخل هذا القرار حيز التنفيذ ولم يعد هذا الحزب يحمل نفس الاسم بل أصبح ينشط تحت مسمى جديد وهو الحزب اليساري الأخضر.

وأضاف نفس المحامي: "فضلنا مساندة كمال كيليتشدار أوغلو لأننا نريد سقوط أردوغان. وفي حال سقط، فستعود الديمقراطية من جديد وينتعش الاقتصاد وتتطور القضية الكردية بشكل إيجابي". وأردف:" لكن في حال فاز أردوغان، فتركيا ستكون هي الخاسرة الأولى والأكراد سيعانون أكثر من القمع، لكن سنواصل نضالنا من أجل الحرية".

شارع في مدينة دياربكر مزين بأعلام الأحزاب السياسية المشاركية في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية. 10 مايو/أيار 2023. © طاهر هاني فرانس24

 

" السرقة وقمع الحريات وجعل الناس أكثر فقرا" ثلاث نظريات طبقها أردوغان

نفس الشيء تقريبا صرح به محمت أميت كرداس، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني المحظور إذ يؤكد أنه "عندما وصل أردوغان إلى السلطة في 2012، طبق ثلاث نظريات طيلة عهدته الرئاسية وهي السرقة وقمع الحريات وجعل الناس أكثر فقرا.

وقال في هذا الشأن: "أطلق أردوغان وعودا كثيرة وقال بأنه سيساعد الأكراد، فصوتنا له. لكن عندما تحالف مع حزب الحركة القومية غير سياسته تجاهنا بالكامل وأرسل العسكر إلى مدينة عفرين وأخرج كل الأكراد الذين كانوا يتواجدون فيها".

أميت كرداس، زعيم الحزب الديمقراطي الكردستاني المحظور في مقره بديار بكر. هذا الحزب قرر مساندة كمال كيليتشدار أوغلو لأنه سيطلق سراح السجناء السياسيين وفقه. 10 مايو/أيار 2023. © طاهر هاني فرانس24

 

هذا، وقرر الحزب الديمقراطي الكردستاني أيضا مساندة مرشح المعارضة كمال كيليتشدار أوغلو بالرغم من أن هذا الأخير لم "يعدنا بشيء ولم يندد في يوم ما بما عاناه الأكراد من عنف وسلب للحقوق، لكن نعتقد بأنه الأكثر احتراما للديمقراطية مقارنة بأردوغان".

ولم يتمكن الحزب الديمقراطي الكردستاني من ترشيح شخص من صفوفه لكونه محظورا منذ 2017 في أعقاب الاستفتاء الناجح الذي نظمه أكراد العراق في نفس السنة من أجل الاستقلال عن العراق، يشرح محمت أميت كرداس، الذي أضاف بأنهم "لا يملكون حتى الحق في القيام بحملة انتخابية لمساندة مرشح المعارضة".

وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة لعدد الأكراد، إلا أن بعض التقديرات تشير إلى وجود نحو 15 مليون كردي في تركيا، أي حوالي 20 بالمائة من سكان البلاد فيما يعيش معظمهم في مناطق الجنوب الشرقي. أكراد تركيا عاشوا طيلة حياتهم في ظل الصراعات مع الحكومات التركية المتعاقبة بسبب رفضها منحهم الاستقلال. ويعد عبد الله اوجلان الذي لا يزال يقبع في السجن، من أبرز السياسيين المدافعين عن حقوق الأكراد عندما كان يترأس حزب العمال الكردستاني المحظور.

"هناك إمكانية بولادة حزب الله تركي جديد في حال فاز أردوغان"

هذا، ويتوقع أن يصوت ما بين 8 إلى 9 مليون كردي من الحزب اليساري الأخضر لصالح المرشح الرئاسي للتحالف السداسي المعارض كمال كيليتشدار أوغلو، وفق محمت راجي بلييجر محامي الحزب، أي حوالي 13 بالمائة من الأصوات.

وبالرغم من أن حلم تحقيق الاستقلال تراجع نوعا ما، إلا أن الأكراد لم يكفوا من مطالبة بحقوقهم الثقافية وبالاعتراف بلغتهم لغة رسمية بجانب اللغة التركية وبهويتهم. ولتحقيق جميع هذه المطالب، قرر الشاب سيفان (29 عاما) من دياربكر، الذي يعمل كمدرس تاريخ، التصويت لصالح كمال كيليتشدار أوغلو لأنه "وعد بإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين والعودة إلى النظام البرلماني"، منوها إلى أنه في حال فاز أردوغان "فستتحول تركيا إلى أفغانستان وسنشهد ولادة ’حزب الله‘ تركي بسبب التقارب الذي أظهره أردوغان مع حزب الهدى الإسلامي".

الشاب سيفان (29 عاما) من دياربكر سيصوت لصالح مرشح المعارضة لأنه يتمنى أن يمنح للأكراد حقوقهم السياسية والثقافية وينهي العنصرية التي يتعرضون إليها في تركيا. 10 مايو/أيار 2023. © طاهر هاني فرانس24

وشرح: أردوغان يستثمر في الدين. ففي حال اعيد انتخابه، فسيمنح لحزب الهدى وزارتين لنشر أفكاره، وهي أفكار قريبة من تلك التي تملكها طالبان". ويحلم هذا الشاب بالعيش في "بلد توجد فيه العدالة الاجتماعية ودون أن أشعر بالعنصرية. أريد مثلا ان أذهب لكي أسبح في البحر الأسود دون أن أتعرض إلى مضايقات بمجرد أنني أتكلم باللغة الكردية. حتى أن حزب ’الظفر‘ اليميني المتطرف طالب بحل فريق كرة القدم التابع لمدينة دياربكر وهو يعتبرنا مواطنين من الدرجة الثانية. من المحزن أن نصل إلى هذه الدرجة من الاحتقار".

وأنهى هذا الشاب الذي يبحث عن عمل دون أن يجده بالقول "حتى والدي الذي يبلغ عمره 60 عاما يحلم بالتغيير، فهذا يعطيني القوة للإيمان بأن المستقبل سيكون أحسن بالنسبة للأكراد".

" حزب العدالة والتنمية ليس ’حزبا نقيا‘"

أحمت جانكيز (58) يبيع السمك في الشارع لربح لقمة عيشه. لم يصوت ولو مرة واحدة لصالح أردوغان لأنه "أدخل الإسلام في الحياة السياسية التركية". 10 مايو/أيار 2023. © طاهر هاني فرانس24

أحمت جانكيز لا يشعر بنفس الأمل. التقينا به في الشارع الرئيسي لمدينة دياربكر. كان يقوم بتنظيف الأسماك في الشارع لبيعها بسعر أقل للسكان بعيدا عن عيون موظفي البلدية الذين قد يوقفونه ويحتجزون بضاعته. وأكد هذا البائع المتجول أنه سيصوت لصالح كمال كيليتشدار أوغلو "دون معرفة برنامجه أو نوعية الوعود التي قدمها للأكراد، لكن سأمنحه صوتي وأرى بعد ذلك كيف سيحكم البلد".

ولم يسبق لأحمت جانكيز أن صوت لرجب طيب أردوغان طيلة حياته، لأن حزب العدالة والتنمية الذي أسسه ليس "حزبا نقيا بل يستخدم الإسلام للوصول إلى السلطة عبر تغليط الناس".

وفي سؤال كيف أثرت عليك الأزمة الاقتصادية، أجاب "أنا فقير إلى درجة أنني لا أستطيع شراء قطعة لحم لأولادي"، معترفا أن مستقبل "ولده الأكبر سيكون سيئا لأنه ترك الدراسة ولا يحب التعليم. أفكر في إرساله إلى ورشة ليتعلم تصليح السيارات".

وليس بعيدا من حزب اليساري الأخضر، ذهبنا مشيا إلى مقر الحزب الشعب الجمهوري الذي يرأسه كمال كيليتشدار أوغلو وسط دياربكر حيث كانت الحركة بداخله غير عادية. المتطوعون يدخلون ويخرجون، فيما يقوم الرجل الذي يقوم باستقبال الزوار بتقديم كأس من الشاي التركي وقارورة من المياه. التقينا في هذا المقر بأيسا دومان (39 عاما) وهي امرأة كردية تعمل كسكرتيرة في مركز طبي.

أردوغان يقول للنساء المحافظات إذا خسرت الانتخابات، ستزداد أعداد المثليين ويمنع الحجاب"

كانت أيسا في السابق موالية لحزب العدالة والتنمية لكنها انسحبت والتحقت بحزب "المستقبل" الذي يرأسه أحمد داود أوغلو الذي شغل عدة مناصب سياسية عالية كرئيس الحكومة التركية (2014/2016) ووزير للخارجية (2009/2014) ورئيس حزب العدالة والتنمية (2014/2016) قبل أن ينشق منه ويؤسس حزب "المستقبل".

أيسا دومان (على اليسار) امرأة كردية تبلغ من العمر 39 عاما وتعمل كسكرتيرة في مركز طبي. في السابق كانت تصوت لصالح حزب العدالة والتنمية لكنها غيرت موقفها وأصبحت تدعم وزير الخارجية السابق داوود أوغلو الذي أسس حزب "الميتقبل" . 10 مايو/أيار 2023. © طاهر هاني فرانس24

والسبب وراء تركها لحزب العدالة والتنمية هو أن "أردوغان كان يتكلم فقط مع الناس الذين يعرفهم. هو رجل إقصائي وأنا لم أكن أتحمل ذلك". وروت لفرانس24 كيف أرغمها مالك المركز الطبي الذي تعمل فيه على حضور المهرجانات الانتخابية التي ينظمها فرع حزب العدالة والتنمية بدياربكر وكيف أن "رئيس البلدية كان يضع في تصرفنا الحافلات التي تقلنا إلى مكان المهرجان الانتخابي ويقدم لنا أموالا ومساعدات غذائية فقط لكي نحضر التجمعات".

لكن هذا لن يمنعها الأحد المقبل أن تصوت ضد أردوغان لأنه "يكذب على الأتراك ويخيفهم بالدين "حسب هذه المرأة التي أضافت: "عندما يخاطب أردوغان النساء المحافظات فيقول لهن إذا خسرت الانتخابات، فستزداد أعداد المثليين وسيتم منع ارتداء الحجاب. ومن شدة الخوف، تصوت هاته النساء لصالحه. عكس أحمد داوود لوغلو الذي وعد بالدفاع عن النساء".

وتخشى أيسا دومان أن تزجها الشرطة في السجن في حال فاز أردوغان بالانتخابات لمجرد أنها لم تسانده خلال الحملة الانتخابية وفضلت الانضمام إلى حزب "المستقبل". وتابعت: "زوجي لا يستطيع حتى أن يأتي إلى مقر الحزب لأنه موظف في الدولة ويخشى أن يراه شخص ما من حزب العدالة والتنمية. بلدنا ليس حرا".

"نطالب بالديمقراطية وباحترام خصوصيتنا وحقوقنا الثقافية والسياسية"

أيدين ألطاس، رئيس فرع حزب "المستقبل" في ديار بكر (وسط الصورة) "نحن كأكراد نطالب بالديمقراطية وباحترام خصوصيتنا وحقوقنا الثقافية والسياسية". 10 مايو/أيار 2023. © طاهر هاني فرانس24

وكان أيدين ألطاس، رئيس فرع حزب "المستقبل" في ديار بكر آخر من التقينا به، ولخص موقفه بالقول "نحن كأكراد نطالب بالديمقراطية وباحترام خصوصيتنا وحقوقنا الثقافية والسياسية. ليس من المقبول أن يحكم رجل واحد البلاد بمفرده. سنصوت لصالح كمال لأنه سيدخل تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وسيعطينا حقوقنا. أما أردوغان فلم يكن صادقا يوما معنا. لقد جاء زمن التغيير".

وليس بعيدا عن وسط المدينة وبالتحديد على جسر نهر دجلة، السياح والمتزوجون الجدد يلتقطون صورا تذكارية بعيدا عن زخم الانتخابات ومشاكل السياسة. هنا الصوت الوحيد الذي يسمعونه هو صوت خرير المياه و"الزرناجية"، على الأقل لغاية يوم الأحد المقبل، وهو موعد الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية. فمن سيرقص ومن سيبكي الأحد مساء؟

 

طاهر هاني، موفد فرانس 24 إلى ديار بكر بتركيا

الرسالة الإخباريةأبرز الأحداث الدولية صباح كل يوم

ابق على اطلاع دائم بالأخبار الدولية أينما كنت. حمل تطبيق فرانس 24

تاريخ الخبر: 2023-05-11 21:16:25
المصدر: فرانس 24 - فرنسا
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 75%
الأهمية: 90%

آخر الأخبار حول العالم

تبسة: اتفاقية للتقليل من تأثيرات منجم الفوسفـات ببئر العاتـر

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 03:24:18
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 53%

قالمة: 45 رخصـة استغـلال واستكشـاف للثـروة المنجميـة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 03:24:16
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية