تُعد «منظمة شنغهاي للتعاون» تجمعاً سياسياً وأمنياً مهماً للبلدان الأعضاء، وهو يغطي معظم منطقة أوراسيا، إذ يشمل الصين والهند وروسيا، من بين بلدان أخرى. وقد أُسست المنظمة في عام 2007 من قبل روسيا والصين وجمهوريات سوفييتية سابقة في آسيا الوسطى.
وفي عام 2017، توسّع التجمع ليشمل الهند وباكستان كعضوين كاملي العضوية. وتتولى الهندُ هذا العام رئاسةَ كل من «منظمة شنغهاي للتعاون» و«مجموعة العشرين». وتمثِّل رئاسة التجمعين المهمين في وقت واحد فرصةً للهند لتحسين مكانتها الدولية والإقليمية. غير أنه بالنظر إلى التناقضات الداخلية بين أعضاء هذين التجمعين، فمن المتوقع أن يشكّل ذلك نوعاً من التحدي أيضاً. لكن بالنسبة للهند، يمثّل تزامن قيادتها للتجمعين فرصةً لتسليط الضوء على المشكلات العالمية والتحديات التي تواجه بلدانَ العالم النامي، كما يُعد فرصةً للهند لتُظهر أنها تستطيع التعامل مع سيناريوهات عالمية معقدة وأن لديها علاقاتٍ جيدةً مع البلدان الأخرى. ذلك أن الهند قريبة من الغرب، ومع ذلك استمرت في التعامل مع روسيا ورفضت التصويت ضدها داخل الأمم المتحدة. وهذا يعني أنه يمكنها لَعِب دورِ المسهِّل أو الوسيط إن اقتضى الأمرُ أو طُلب منها ذلك.
وفي هذا السياق عقدت الهندُ خلال الآونة الأخيرة سلسلةً من الاجتماعات المرتبطة بالتجمعين. فهذا الأسبوع، استضافت اجتماع وزراء خارجية بلدان تكتل شنغهاي، بعيد عقد اجتماع وزراء خارجية بلدان مجموعة العشرين. وفي هذا الاجتماع الأخير، أكد وزير الدفاع الهندي راج ناث سينغ على أن السلام والازدهار لا يمكنهما التعايش مع الإرهاب، وأن الهند ملتزمة ببناء القدرات الدفاعية للدول الأعضاء في «منظمة شنغهاي للتعاون»، من أجل المصالح الأمنية المشتركة والحفاظ على السلام والأمن بناءً على أحكام ميثاق الأمم المتحدة. وفي اجتماع وزراء الخارجية، أبقت الهند التركيز على موضوع الإرهاب، مشدِّدةً على ضرورة سد قنوات تمويل الأنشطة الإرهابية بدون تمييز، بما في ذلك الإرهاب العابر للحدود.
وأكد الوزير الهندي على أنه نظراً لأن محاربة تهديد الإرهاب تمثِّل أحد الأهداف الأصيلة لمنظمة شنغهاي، فإن احترام سيادة كل الدول الأعضاء ووحدتها الترابية ضرورة لا محيد عنها. كما تركزت المباحثاتُ حول الوضع في أفغانستان والاضطرابات الجيوسياسية في أوكرانيا، والتي أثّرت على إمدادات الطاقة والغذاء والأسمدة.
وعلاوة على ذلك، عقد وزيرُ الشؤون الخارجية الهندي جاني شنكر محادثاتٍ مع وزير الخارجية الصيني تشين قانغ حول العلاقات الثنائية بين البلدين. وتركزت المحادثات على تسوية المشاكل العالقة بينهما وضمان السلام والهدوء في المناطق الحدودية. كما عقد الوزير الهندي اجتماعاً مع وزير خارجية روسيا التي كانت المحرك لإدخال الهند إلى المنظمة، والتي تشكّل معادلا للصين. وعبّر الجانبان عن امتنانهما للدعم الروسي للهند، ليس في تجمع شنغهاي فحسب، ولكن في تجمع «البريكس» أيضاً.
ولا شك في أن تجمع شنغهاي مليء بالتناقضات الداخلية على اعتبار أن لكل واحدة من الدول الأعضاء أجندتَها الخاصةَ، والتي تتعارض أحياناً مع أجندات أعضاء آخرين، كما هو الحال بالنسبة للهند وباكستان. ولهذا، فإن لدى الهند تحدياً حقيقياً يتمثل في تحقيق التوافق والانسجام بين الأعضاء في وقت تعمل فيه على التحضير لقمة قادة بلدان التجمع في يوليو المقبل.
واللافت في اجتماع وزراء الخارجية، والذي عقد من أجل التحضير للقمة، أنه لم تجرِ أي محادثات ثنائية أو مصافحة بين وزيري الخارجية الهندي والباكستاني. ولهذا، فإن قرص الضوء في قمة قادة بلدان التجمع في الهند وباكستان سيظل مسلَّطاً عليهما. وبالتالي، فإنه من غير الواضح حتى الآن شكل وملامح قمة القادة.
والواقع أن الهند لا تتقاسم علاقات جيدة مع باكستان والصين، لكنها تسعى إلى الاضطلاع بدور القيادة وإظهار أنها تستطيع أن تربأ بنفسها عن الصراعات الثنائية والسعي للتوصل إلى موقف متعدد الأطراف، سواء تعلق بالمواصلات أو المشاكل الجيوسياسية التي تواجه العالَمَ. لكن الهند، وعلى الرغم من علاقاتها غير الجيدة مع الصين وباكستان، حريصة على تعميق التعاون مع بلدان «منظمة شنغهاي للتعاون» و«الهيئة الإقليمية لمكافحة الإرهاب» التابعة لها، والتي تتعاطى بشكل خاص مع المواضيع المتعلقة بالاقتصاد والأمن والدفاع. وعلى الرغم من أن الهند منهمكة في تدبير الديناميات الثنائية المختلفة، إلا أنها تسعى لضمان نجاح تجمع شنغهاي على المستوى متعدد الأطراف وعدم السماح بإفشال أجندته بسبب الخلافات بين البلدان المعنية.
نقلاً عن الاتحاد
