عزيزي القارئ، حدثتك في المقال السابق عن القدرة الموسيقية التعبيرية لألحان الكنيسة القبطية بأسلوب الدمج الذي يسمى Syllabic البسيط الذي يسبح به كل الشعب.

، والأن سأستكمل معك في هذا المقال هذه القدرة التعبيرية لأسلوب الدمج كما سنتعرض للأسلوب الثالث والأخير من أساليب الصياغة التعبيرية وهو النيوماتيك Neumatic

– إنالإنجيل ومرداته بألحانها المختلفة المعبرة عن حال الكنيسة القبطية على مدار السنة الطقسية بأنواع صياغتها التأليفية المختلفة يعد نموذجا فريدا يبين عظمة ودقة ألحان وطقوس وإيمان كنيستنا الأرثوذكسية القبطية. ولعل الشكل أعلاه يبين قبساً من عظمة هذا الطقس. فالطقوس التي تسبق الترنيم بالإنجيل والتي تلي التسبيح به أيضاً، دقيقة في الغاية وعديدة وتبين مكانته في كنيستنا الأرثوذكسية الإنجيلية التي كل الحانها وطقوسها مصدرها الإنجيل وماتسلمته من الآباء الرسل وآباء الكنيسة الأولين.
– كذلك لحن ” Hiten ni`precbia “، ومعناه “بشفاعات والدة الإله القديسة مريم .. يارب انعم لنا بمغفرة خطايانا”، هذا اللحن صاغته الكنيسة القبطية بأسلوب سيلاباتي “دمج” ليتم الترنم به في القداس الإلهي بعد صلاة الصلح التي فيها أصلح السيد المسيح السمائيين مع الأرضيين. وفي هذا اللحن البسيط الذي زمنه لا يزيد كثيراً عن الدقيقة الواحدة، أرادت الكنيسة القبطية أن تعبر فيه عن مفهوم اللجاجة في طلب المغفرة بتكرار نغمة “صول” كثيرا، فكما كتب معلمنا القديس لوقا البشير في إنجيله: أقول لكم وإنكان لا يقوم ويعطيه لكونه صديقه، فإنه من أجل لجاجته يقوم ويعطيه قدر ما يحتاج إليه” (لو8:11) ..

والكنيسة الرسولية الأولى فهمت تماما” هذه القيمة الروحية للجاجة، التي كتب لنا عنها سفر أعمال الرسل عندما قبض هيرودس الملك على بطرس الرسول يقول :”وأما الكنيسة فكانت تصير منها صلوة بلجاجة إلى الله” ( أع 5:12)، لذلك عبرت عن هذه اللجاجة في طلب المغفرة في لحن ” Hiten ni`precbia” بتكرار نغمة “صول” بشكل ملفت للنظر للتعبير عنهذا المعنى الروحي.

i) التعبيرية بأسلوب النيوماتيك Neumatic:
والأسلوب الثالث الذي إستخدمته الكنيسة كاداة تعبيرية، أسلوب”النيوماتيك Neumatic” وهو الأسلوب الذي يتوسط الأسلوبين الميليسما الغزير النغمات، والدمج الغزير الكلمات. ومن أبسط الأمثلة لهذا النوع، اللحن البسيط ” Tengo2t `ebol ” الذي يحمل بين نغماته إيماننا بأننا نعيش على الأرض ونحن “ننتظر قيامة الأموات وحياة الدهر الآتى …آمين” وهذه هي كلمات اللحن، التي تعتبر آخر جملة فى قانون الإيمان، الذي يُعتبر خلاصة العقائد المسيحية اللي وضعها رجال الله القديسون بالهام الروح القدس لكي يكون قانوناً يسير عليه كل المسيحيين.

وهذا اللحن ” Tengo2t `ebol ” تم صياغته من ميزان ثنائى بسيط، بإيقاع نشيط ليعبر عن الإستعداد الكامل لقيامة الأموات وحياة الدهر الآتي، ومن مُصاغ من مقام “صبا” مثل مقام لحن ” All3loia fai pe pi`ehoov “، وكأن الكنيسة تعلمنا بالموسيقى أننا يجب أن “ننتظر قيامة الأموات” بنفس مقام اللحن ” All3loia fai pe pi`ehoov ” الذي نرتل فيه “فلنفرح ولنبتهج فى هذا اليوم الذى صنعه الرب” اللحن الذي ننشده فى الأعياد والأحاد إحتفالا وتذكارا لقيامة السيد المسيح. فكأن الكنيسة تريد أن تربط بالنغمات فى وجداننا بين قيامة الأموات الذين رقدوا فى الرب، وبين قيامة الرب نفسه، بنفس المقام وبنفس الميزان الموسيقى وبنفس السرعة.

واللطيف أن لحن ” Tengo2t ebol ” لا يحتوي على أى زخارف أو حليات موسيقية إلا في كلمة ” nire4mwovt ” ومعناها الأموات. فالكلمة الوحيدة التي زخرفتها لنا الكنيسة في هذاا اللحن هى الأموات. لتعبر عن أن قيامة السيد المسيح جعلت الموت له بهجة وفرح، فلم يعد الموت مرعباً ولا مخيفاً. لذا كتب القديس يوحنا اللاهوتي: “وَسَمِعْتُ صَوْتًا مِنَ السَّمَاءِ قَائِلاً لِي: «اكْتُبْ: طُوبَى لِلأَمْوَاتِ الَّذِينَ يَمُوتُونَ فِي الرَّبِّ مُنْذُ الآنَ، نَعَمْ يَقُولُ الرُّوحُ: «لِكَيْ يَسْتَرِيحُوا مِنْ أَتْعَابِهِمْ، وَأَعْمَالُهُمْ تَتْبَعُهُمْ».”(رؤ 14: 13)

وأصبح بذلك لحن ” Tengo2t ebol ” النيوماتي معبراً عن معاني روحية كثيرة، رغم أن زمنه لايتعدي نصف الدقيقة الواحدة.

إن البعد الموسيقي للأحان القبطية وقدرته التعبيرية هو بعد لا يُستهان به، ولو أدركت المعاهد الموسيقية ومعاهد الكونسيرفتوار في العالم قيمة هذا البعد، ودرسته دراسة متأنية عميقة، لتغيرت مفاهيم موسيقية كثيرة، ولتم إعادة صياغة التاريخ الموسيقيالذي كُتِبَ بمعزل عن الموسيقى القبطية، إذ لم تزل محفوظة في حضن كنيسة مصر الأرثوذكسية.

➢ عزيزي القارئ، أتمنى أن أكون قد إستطعت أن أشرح لك القدرة التعبيرية لأسلوب الدمج الـ Syllabic والنيوماتك في ألحان الكنيسة القبطية، وفي المقال القادم سوف أتحدث معك عن البعد الطقسي للألحان القبطية فإلى أن ألقاك اتركك في رعاية ملك الملوك ورب الأرباب.