القديسة ريتا شفيعةً الامور المستحيلة


والدي الطفلة ريتا :

ولدت القديسة ريتا في روكا بيرينا من مقاطعة أومبيريا- ايطاليا – كان والداها انطوان لوتي وإيميل فيري تقيّان فاضلان تسامت فيهما قداسة الأخلاق الدمثة وحرارة الإيمان والتقوى و المحبة الكريمة . وقد مضى زمن طويل على زواجهما وطعنا في السن دون أن يرزقهما الله ولداً وفيما كانت أمّها يوماً غارقة في تأملاتها رأت ملاكاً أكّد لها وصول صلاتها إلى عرش العليّ فسوف يرزقها إبنة تكون عظيمة أمام الرب . وظهر لها الملاك ثانية وطلب منها أن تدعو الإبنة مرغريتا أُختُصِرت بإسم ريتا .

ولدتِها ونشأتها :

أبصرت ريتا النور في ٢٢ مايو ١٣٨١ وقبِلت سرّ العماد في نفس اليوم ولم تمضي أيام قلائل على عمادها حتى أخذ والدها يحملانها في قفةٍ وينقلانها معهما إلى الحقل ويضعانها في ظل الأشجار . وفي ذات يوم انحدر خشرم نحل كبير وأحاط بها وكانت نحلات كثيرة تدخل فمها وتقطر فيه العسل دون أن تنخزها أبداً كأنه لم يكن لها أشواك ولم تبكي تصعد الطفلة صراخاً او بكاءً ، بل كانت تصدر أصوات التهاليل والفرح .

أول أعجوبة :

وفي تلك البرهة جرح أحد الحصادين يده اليمني جرحاً بليغاً بمنجله فأسرع يطلب طبيباً ، وإثناء مروره من بجانب الطفلة ريتا رأى جماعة النحل تدندن حول رأسها . توقّف و حاول أن يطردها بيديه حتى يُخلّص الطفلة ، و للحال انقطع نزيف الدم من يده واندمل جرحه فصاح مندهشاً ، وأسرع إليه والدا الطفلة و عاينا يد الحصاد بعد شفائها بإعجوبة واعتبرا إنّ النحل الأبيض هذا كان أعجوبةً نظير يوم ميلادها ، وقدّراها كموهبة سماوية منحهما الله لإيمانهما و صلواتهما.

تعبوا والديها في تربيتها ، وربوها على مبادئ الديانة المسيحية الحقّة ، فانطبعت في نفسها الفضائل الإلهية والإنسانية ، وما أن بلغت سن التميّز حتى بانت عليها أشعة الفضيلة ، وقد امتازت بخضوعها وطاعتها السريعة وبعاطفة حشمة رقيقة وبعطش لا يُروى إلى معرفة الله وسيّدنا يسوع المسيح .

يسوع المصلوب :

وما كان يُطبَع في مخيّلتها منذ نعومة أظفارها عن الله ويسوعَ ، بدأت تحاول أن تتعرف على يسوع و تحبه ، وقد درجت على معرفة الأشياء الإلهية حسب إمكانيات حداثتها، ومن المؤكد أنها كانت مثل القديسة كاترينا السيانية تجهل الكتابة و القراءة ، وكما ان القديسة كاترينا لما التزمت أنّ تتحاور مع البابا عن شؤون الكنيسة ، علّمتها العذراء مريـم الأُم الحنونة أن تكتب بلغة بلدتها التأملات الروحيّة . هكذا ريتا فضّلت أن تقرأ في كتاب واحد وموضوع واحد الا وهو : ” يسوع المصلوب ” .

سمعت ريتا ما حدث للقديس فرنسيس الأسيزي الذي عاش في تلك الأرض التي تعيش هي فيها وتمنّت لو صُلِبَت مع يسوع أو على الأقل لو شاطرته أوجاعه سوف نرى كيف استجابها يسوع . تأملاتها أمام المصلوب كان يولّد فيها الرغبة بالتوبة ، فقد اضطرمت نفسها بمحبة الله إلى الحياة الرهبانية بكل قواها لكنه تعالى أراد أن ترتقي درجات الجلجلة أولاً .

زواج ريتا :

كانت ريتا لا تفكّر إلا بالله وبأبويها الشيخين اللذين لا يفهمان أسرار نفسها ولا تتوق إليه في حياتها ومستقبلها ، كان يفكران بزواجها ، وقد أجبراها على الزواج من شاب لم يكن على مستوى أخلاقها النبيلة ، ولا من جمالها ورزانتها وحشمتها وتجرّدها عن العالم . ولم تكن تريد أن تسلّم لرجلٍ قلبها الذي كرّسته لله منذ حداثتها ، وفي الثانية عشرة من عمرها ، ومن جهة أخرى ، وبسبب تربيتها على الأخلاق الحميدة ، لم تتعود أن تخالف أمر أبويها الطاعنين في السن ولو بأصغر الأشياء .

كانت منذ الصغر تتوق إلى الكمال و الحياة الروحية . وإذا لم تتمكن من ترك والديها والإبتعاد عنهم ، جعلت تنفرد في البيت الوالدي في غرفة منعزلة حيث كان العروس الالهي ينظر ويتكلم إلى قلبها، ظنت أنها اذا بقيت تناجي الرب ، سيقبل صلاتها ويأخذ والديها ، فيتسنى لها أن تقدّم له وبحرية ذبيحة حياتها.

فكم اتضربت أذناها عندما فاتحها أبواها بالزواج ، لم ترفض طلبهما بعنف لأنها تعودت إطاعتهما إطاعة عمياء ولم تكن تريد أن تحزن قلبهما بشيء ، إنما توسلت إليهما بدموعها أكثر من بكلامها ليتركاها تبحث دعوتها الرهبانية .

السيد بول فرديناندوس طالب يد ريتا لم يكن شاباً دمث الأخلاق أو محب للسلام ، بل كان فاسقاً قاسي القلب ، بسبب أخلاقه السيئة كان يريد أن يسبّب مشاكل جسيمة إذا لم ترضى ريتا وأهلها بهذا الزواج .

عندما رأت ذاتها في خطر لا مفرّ منه شرعت المسكينة تكثر الصلوات والأماتات والحسنات لعلّ الله ينجيّها من هذا الشر ، لكنه تعالى أعلم بطرقه منا فلم يُصغِ لصلواتها أو بالأحرى لم يشأ أن يرفع هذا الصليب عنها لأنّ تدابيره في شأنها كان وحده يعرفها. لكنه تعالى مقابل هذا العذاب منحها نعماً أخرى ، خاصة نعمة اهتداء زوجها وخلاص نفسه وقد حذت بذلك حذو القديسة مونيكا والدة القديس أوغسطينوس فاقتدت بمثالها لكي يجعلها مثال الصبر البطولي عند دخولها بيت زوجها وتحملت بصبر جميل وسكوت حدّة طبعه وإهانته وشراسة أخلاقه واعتنت بتدبير وأناقة بيتها ليرى فيه زوجها كل ما يرضيه .

كان لزوج ريتا أعداء كثيرون بسبب ميوله للمقاتلة وعندما كان يهان كان يترقب فرص الإنتقام وإذا لم يتمكن من شفاء غليله كانت صاعقة غضبه تنقضّ على زوجته المسكينة بالتجاديف المخجلة والكلام الفظ والضرب القاسي ، وقد كادت يوماً لا تفلت من الموت لو لم تدبّر العناية الألهية و يحضر أبوها قبل حلول الكارثة . وفي هذه كلها كانت كالحمل الوديع تتحمل بصبر ودون أن تفتح فاها إلى أن أتى اليوم الذي انتصر فيه الحمل على الذئب وأعادت نفس زوجها إلى الله .

ومن هذا الزواج رزقها الله توأمين جان جاك و بول ، فقبلتهما ككنز ثمين يجب أن تحافظ عليهما بكل اعتناء فكانت تفكر في خلاص روحهم قبل جسدهم ، ولا ريب أنها كرّستهما لله و صلّت لأجلهما كثيراً وخوفاً من أن يرث طفلاها ميول والدهما كانت تزيد في الصلاة والصوم والتقشف ، وتعمل على زرع بزور الفضائل الإلهية في قلبهما .

وبينما كانت ريتا تعتني بتربية طفليها مات أبواها الفاضلان فحزنت ، ولكنها ضاعفت مساعدتهما بصلواتها الحارّة وهكذا متمِّمة واجباتها كإبنة وزوجة وأمّ . وهكذا كانت ريتا تزداد استحقاقاً للسماء و الذي كان يعزّيها على فقد أبويها هو أنها لم تكرههما في الحياة لأنّ حياتهما الطويلة كانت حياة مسيحية صرفة .

وفاة زوجها واهتمامها بتربية اولادها وخلاصهم :

منذ رجع زوجها الى الله وأصبح يعيش عيشة مسيحية أصبحت عائلة ريتا كاملة السعادة لكنّ الورود لا تنمو ولا تتفتح هنا إلاّ بين أشواك عديدة فقديستنا التي سارت على الاقتداء بالمسيح المصلوب . لم يطل الوقت عليها حتى طعنت برمح الألم الحاد، في مساء أحد الايام وبينما كان زوجها راجعاً من كاسيا هاجمه أعداؤه السابقون وقتلوه دون عناء فانفطر قلب ريتا حزناً لدى سماعها هذا الخبر المفجع ، وكان يؤلمها مفعول هذه الفاجعة على قلب ولديها من كل قلبها ، فاهتمت بدفن زوجها بحسب التقاليد المسيحية ، و شرعت تضاعف الصلوات والاماتات لراحة نفسه .

بعد هدوء انفعالها الأول على فقد زوجها حصرت اهتمامها بتربية ولديها اللذين كان لمَثَلِها الطيّب وأقوالها الصالحة التأثير الكبير على قلبيهما، لكن قوة الشرّ تخنق أحياناً قوة الخير . ققد دفعهما البعض إلى الأخذ بثأر أبيهما فاصبحا يخالفان إرادتها و لا يصغيان إلى كلامها كما من ذي قبل ، وأنّ غريزة الدم سوف تقودهما إلى الشرّ على أنها كانت تفضّل خلاصهما الأبدي على حياتهما الزمنية ، فاتخذت جانب البطولة وطلبت من يسوع المصلوب أن يأخذ ولديها بريئين من أن ينقادا يوماً إلى الشرّ .

وفاة اولادها :

مرض والداها الواحد بعد الأخر و حاولت أن تعتني بهما أكبر أعتناء فسهرت عليهما كل السهر حتى لا ينقصهما شيء من العلاجات الضرورية لحفظ حياتهما ولو كلّفها ذلك أكبر التضحيات ، وبدأت تصلي وتطلب من يسوع أن يأخذ ولديها لكي لا يموتان في حال الخطيئة ، ومع ذلك قامت بواجبها نحوهما على أكمل وجه وبكرامة لا مثيل لها رغم أنهما لم يكونا صالحين بقدر ما كانت ترغب وتريد ذلك .

فضّلت أن تقدمهما ليسوع أنقياء مطهَّرَين بالتوبة ، وهكذا حصل . أثناء مرضهما سكّن فيهما رغبة الإنتقام فندِمَا على خطيئتهما ، وتابا ، وتصالحا مع الله و مات الشابان الواحد تلو الآخر بعد سنة واحدة من موت أبيهما وهكذا انقطعت المسؤوليات التي كانت تربطها بالأرض ، فبقيت وحدها في العالم متحدة بربّها ، وبقيت وحيدة لكنها أصبحت حرّة .

دخول ريتا إلى الير بأعجوبة :

بعد موت زوجها واولادها ، ودّعت ريتا هذا العالم التاعس متكلة على معونة الله ، و ذهبت تقرع باب راهبات القديسة مريم المجدلية الاوغسطينيات وبينت رغبتها الحارة في الدخول في رهبنيّتهنّ فرُفِض طلبها لأنها كانت متزوجة فعادت دون أن تيأس من رحمة الله بل داومت على صلواتها وإماتاتها وأعمالها الخيرية ، وذهبت بعد ذلك مرتين من جديد تقرع باب الدير المذكور وفي المرتين ، مع الأسف لم تنل قبولها في الدير .

فاستسلمت إلى إرادة الله القدوسة ووكلت أمرها الى القديسين شفعائها وكانت قد ناهزت الأربعين ورغم وجودها في العالم كانت تحيا حياة رهبانية محضة ممارسة بأمانة المشورات الأنجيلية . ولمّا رأى الله خضوعها التام لإرادته القدوسة وثقتها الكبيرة برحمته الأزلية تحنن عليها . وبينما كانت في احدى الليالي غارقة في التأمل سمعت صوتاً يردد : ريتا، ريتا.

فاقتربت من النافذة لترى مَن يناديها ، وماذا يريد منها ، لكنها لم تشاهد أحداً ففكرت أنها خُدِعَت وعادت حالاً إلى التأمل لكن لم يمضِ وقت طويل حتى عاد الصوت ينادي : ريتا ريتا فنهضت وفتحت الباب وسارت في الشارع فرأت شيخاً مع شخصين أخرين فعرفت بالهام إلهي أنهم شفعاؤها القديسين وهم : يوحنا المعمدان و اغوسطينوس و نيقولا دا تولنتينو . فطلبوا منها أنّ تتبعهم ، فتبعتهم كأنها في حلم . وبفترةٍ وجيزة من الوقت وصلوا الى كنيسة دير القديسة مريم المجدلية ، ورغم أن الأبواب كانت مغلقة و مقفلة و الراهبات غارقات في نومهنّ أدخلها القديسون الذين أرسلهم الله ليرافقوها إلى الدير وتواروا عنها .

لمّا نزلت الراهبات صباحاً إلى تلاوة الفرض دهشن لوجود هذه المرأة القديسة التي كانت طردت مرات عديدة من بينهن وكيف تمكنت من الدخول إلى الدير ليلاً فأخبرتهن ريتا ببساطة أعجوبة السماء ، فخضعن الراهبات لصحة قولها وقبولها للحال في الرهبانية بين المبتدئات .

تاريخ الخبر: 2023-05-21 09:21:47
المصدر: وطنى - مصر
التصنيف: غير مصنف
مستوى الصحة: 59%
الأهمية: 51%

آخر الأخبار حول العالم

قالمة: 45 رخصـة استغـلال واستكشـاف للثـروة المنجميـة

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 03:24:16
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 59%

تبسة: اتفاقية للتقليل من تأثيرات منجم الفوسفـات ببئر العاتـر

المصدر: جريدة النصر - الجزائر التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-04-29 03:24:18
مستوى الصحة: 55% الأهمية: 53%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية