الحرب الثقافية في السودان وأوكرانيا


الحرب الثقافية في السودان وأوكرانيا

زين العابدين صالح عبد الرحمن

إن الحروب لم تأتِ فجأة بسبب خلاف عابر بين دولتين، أو حتى داخل الدولة الواحدة، بل هي حروب تنشب من خلال تخطيط يحمل مضامين تريد القيادة التي خططت لها تحقيق أهداف من ورائها. وتصبح التساؤلات مشروعة؛ خاصة عندما تستهدف قوى عسكرية هوية البلد، ومحو الذاكرة الشعبية فيها، الذاكرة التي تمثل الرموز والإشارات الثقافية التي تشكل وجدان الشعب.

وهناك علاقة وطيدة بين الذي يحصل في الحرب الأوكرانية الروسية، والحرب الدائرة في السودان. والعلاقة يشكلها العقل المخطط للحرب في كلا البلدين، روسيا تعلن الحرب على أوكرانيا، وتقول إنها تريد أن تحمي حدودها من تمدد حلف الاطلنطي، ثم توطد روسيا علاقتها بدولة الإمارات. وفي نفس الوقت يسافر محمد حمدان دقلو قائد مليشيا الدعم السريع إلى موسكو في زيارة لم يفصح عنها، ويقال إنه ذهب من أجل الحصول على طائرات مسيرة، السؤال ماذا تعمل مليشيا مساندة للقوات المسلحة بطائرات مسيرة؟، ثم يذهب بعد ذلك لزيارة لدولة الإمارات، ويمكث فيها ثمانية أيام دون أن يبين ما هو الهدف من الزيارة الطويلة. روسيا تشرك شركة فاغنر في العديد من النشاطات العسكرية في أفريقيا، وصاحب الشركة يفغيني بريغوزين يرتبط بعلاقة مع الرئيس الروسي فلادمير بوتين منذ أن كان بوتين عمدة سان بطرسبرج، ثم تستعين روسيا بشركة فاغنر في حرب ليبيا، حيث توطدت أقدامها هناك.

عندما اندلعت الحرب بين الفصائل المتقاتلة في ليبيا من أجل السيطرة على السلطة فيها، دعمت فاغنر الجنرال حفتر بدعم عسكري ومالي وفرته دولة الإمارات، وفي ذات الوقت طلبت الإمارات من مليشيا الدعم السريع إرسال قوات لليبيا بعد العلاقة التي توطدت بين الإمارات والسعودية مع مليشيا الدعم السريع في حرب اليمن، حيث أرسلت مليشيا الدعم السريع مقاتلين لليمن يقدر عددهم بـ15 الف مقاتل تحت سمع وبصر القوات المسلحة السودانية دون أن تخضع هذه العلاقة للفحص والتمحيص، كما تعمل المؤسسات العسكرية وأجهزة المخابرات في أي دولة محترمة تريد الحفاظ على سيادتها، وتحفظ حدودها من التدخلات الخارجية وفي اليمن بدأت العلاقة تنمو بين مليشيا فاغنر ومليشيا الدعم السريع حيث جاءت فاغنر للسودان من خلال شركات استثمار في مجال التعدين، وخاصة الذهب، حيث استطاعت فاغنر تحت غطاء مليشيا الدعم أن تهرب عشرات الاطنان من الذهب للخارج دون أن تخضع للإجراءات الاقتصادية والمالية من قبل مؤسسات الدولة.

هذه العلاقة الوطيدة تؤكد دور شركة فاغنر في التخطيط للتخريب الثقافي في كل من أوكرانيا والسودان. حيث يعتبر العقل الذي يدير المعارك في كلا البلدين عقل واحد، وهذا العقل يستهدف المؤسسات الثقافية والتعليمية وكل ما يتعلق بثقافة البلد، يريد أن يمحو ذاكرة الشعب بكل متعلقاته الثقافية السابقة. حيث يقول الاكاديمي والموسيقار الاوكراني ليونيد ماروشاك “إن روسيا في حربها ضد أوكرانيا تريد محو الهوية الوطنية لأوكرانيا لذلك هي تستهدف كل من (الموسيقى والآداب والأفلام والآثار) وقال “إن القوات العسكرية الروسية استهدفت المسارح والمتاحف والمواقع الأثرية الدينية في كييف ولييف” وفي ذات الموضوع قالت الباحثة الأوكرانية فيكتوريا سادوفا “إن الروس ومقاتلي فاغنر استهدفوا في مدينتي سيفيرودونيتسك وليسيتشانسك المتاحف التاريخية والأثرية” هذه الاستهدافات تجدها قد تمت أيضا في الخرطوم حيث تم ضرب متحف الخرطوم ونهب محتوياته وتم حرق مكتبة محمد عمر بشير في الجامعة الأهلية، وهي المكتبة التي كانت تحتوي على مراجع وبحوث تتعلق بتاريخ السودان المعاصر، وخاصة تاريخ الحركة الوطنية قبل الاستقلال وبعده، وأيضا تم حرق جامعة الاحفاد وهي تعد إحدى الجامعات التي لعبت دورا كبيرا في تاريخ المرأة السودانية في مرحل التعليم المختلفة، إلى جانب أنها تعد أحد المراجع الأساسية لتاريخ عملية الحداثة في جانب الجندر، وأيضا حرق العديد من مكتبات البلاد في مؤسسات مختلفة والعديد من الرموز والإشارات الثقافية في العاصمة. حيث يقول البروفيسور معتصم أحمد الحاج مدير جامعة أم درمان الأهلية “إن حرق مكتبة مركز محمد عمر بشير كان عملا ممنهجا دافعه الأساسي محو ذاكرة السودانيين”. ويؤكد بروف الحاج “أن المقتنيات التاريخية التي ضاعت لا تقدر بثمن، ولا يوجد أرشيف أو نسخ بديلة لتلك المؤلفات النادرة”، وتصبح هناك علاقة وطيدة جدا بين العقلية التي تدير الحرب في كل من أوكرانيا والسودان، عقلية تريد محو الذاكرة الشعبية، وما يتعلق بثقافتها وتاريخها المعاصر. فالسودان يتعرض لأكبر تحدٍّ في وجوده كثقافة وذاكرة تاريخية.

إن الحرب الدائرة الآن في السودان ليست صراعا من أجل السلطة، تبدأ وتنتهي في حدود السيطرة على السلطة، ولكنها حرب وجود لشعب واحد يعيش في مساحة واحدة، ويراد من الحرب تقسيم البلاد لمصالح دول خارجية طامعة في الثروات البلاد، وتستخدم عناصر داخلية تباع وتشترى في سوق النخاسة لمن يدفع أكثر.

إن حالة الخلاف والاستقطاب الحادة الدائرة بين المكونات السياسية تؤكد أن الأيادي الخارجية استطاعت أن تحدث اختراقا كبيرا في المجتمع السوداني، وأن تفرق لحمته، وتمزق نسيجه بسبب الرغبات الشخصية وحب المال، حتى إذا أدى إلى تمزيق البلاد.

إن الثوار الذين دفعوا ضريبة كبيرة وغالية من أجل الوطن وحدهم القادرين على كشف هذه المؤامرة وفضح المشاركين فيها. ونسأل الله أن يحفظ البلاد وشعبها، ونسأله حسن البصيرة.

zainsalih@hotmail.com

تاريخ الخبر: 2023-05-21 21:23:24
المصدر: صحيفة التغيير - السودان
التصنيف: سياسة
مستوى الصحة: 54%
الأهمية: 64%

آخر الأخبار حول العالم

إطلاق سراح الرهائن بالضغط العسكري كلام فارغ!

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:06:51
مستوى الصحة: 85% الأهمية: 96%

مع مريـم نُصلّي ونتأمل (١٥)

المصدر: وطنى - مصر التصنيف: غير مصنف
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:21:26
مستوى الصحة: 45% الأهمية: 50%

روسيا ترد على استعماريي الغرب الجدد

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:06:50
مستوى الصحة: 78% الأهمية: 89%

الجدعان: تحديات جدية تواجه الاقتصاد العالمي - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:23:41
مستوى الصحة: 48% الأهمية: 56%

«الشاورما» تشغل الألمان وتلاحق رئيس البلاد! - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:23:42
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 54%

أمريكا ترفع رسوم سيارات الصين الكهربائية 3 أضعاف - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:23:40
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 62%

«الرياض المالية» تطلق صندوق «1957 فنتشرز» - أخبار السعودية

المصدر: صحيفة عكاظ - السعودية التصنيف: مجتمع
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:23:39
مستوى الصحة: 57% الأهمية: 56%

قوات "الشمال" تتجه نحو تحرير خاركوف

المصدر: RT Arabic - روسيا التصنيف: سياسة
تاريخ الخبر: 2024-05-15 06:06:52
مستوى الصحة: 82% الأهمية: 98%

المزيد من الأخبار

مواضيع من موسوعة كشاف

سحابة الكلمات المفتاحية، مما يبحث عنه الزوار في كشاف:

تحميل تطبيق المنصة العربية